مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود

اشارة

نام كتاب: مباني تحرير الوسيلة- كتاب الحدود

سرشناسه : مومن قمی، محمد، 1317 -

عنوان قراردادی : تحریر الوسیله .شرح

عنوان و نام پديدآور : مبانی تحریر الوسیله للامام الخمینی: کتاب الحدود/ تالیف محمد المومن القمی

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمیني(س)، 1422ق. = 1380-

مشخصات ظاهری : ج

شابک : دوره 978-964-212-089-5 : ؛ 17000ریال:ج.1 964-335-400-8: ؛ 75000 ريال:ج.2 978-964-212-090-1 :

يادداشت : عربی

يادداشت : ج.3: 143ق=1389.

يادداشت : ناشر جلد 3 كتاب حاضر موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س). موسسه چاپ و نشر عروج است .

یادداشت : کتابنامه

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

موضوع : حدود (فقه)

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله.شرح

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

شناسه افزوده : موسسه چاپ و نشر عروج

رده بندی کنگره : BP183/9/خ 8ت 30238 1380

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 80-7661

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

نوبت چاپ: اول

شابك: 8- 400- 335- 964

مقدّمة المؤلف

______________________________

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و صلّي اللّٰه علي سيّدنا و نبيّنا محمّد المصطفي و آله الطاهرين، و لعنة اللّٰه علي أعدائهم أجمعين من الآن إلي قيام يوم الدين.

و بعد، فإنّ شرف علم الفقه ممّا لا يكاد يخفي؛ فإنّه علم بالوظائف و التكاليف المقرّرة في الشريعة الإسلامية علي المسلمين من أدلّتها التفصيليّة، فالفقيه بكدّ نفسه و إمداد إلهي يجهد نفسه و يعمل فكره و رويته في آيات الكتاب الكريم و السنن المأثورة عن سيّد المرسلين و عن آله الأئمّة المعصومين صلوات اللّٰه

عليهم أجمعين بعد أن دقّق النظر في صفات راوي هذه السنن، و تميّز عنده ثقته و عدالته، أو تبيّن عنده عمل الأصحاب بروايته و قبولهم لها، فيفكّر بعد ذلك كلّه في تشخيص معناها، و يراجع جميع الروايات الواردة في كلّ مسألة مسألة؛ لكي يظهر له حاصل مقصود النبيّ و الأئمّة (عليهم السّلام)، الذين هم وسائط إلهية لبيان أحكام اللّٰه و معارف الإسلام، و يقايس حاصلها علي ما ربما يدلّ عليه آيات كلام اللّٰه المجيد.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 2

______________________________

و أهل الفنّ يعلمون أنّه ربّما يحتاج فهم معني الآية أو الرواية إلي دقّة كثيرة، كما أنّه كثيراً ما تكون السنة الأدلّة في مسألة واحدة مختلفة، يحتاج انفهام المراد من مجموعها إلي تفكير كثير دقيق صائب. و إذا وقعت بينها معارضة و اختلاف المداليل فربّما لا يقدر علي رفع التعارض إلّا الأوحدي من العلماء.

كما أنّه إذا لم يكن بينها جمع عقلائي و بقيت المعارضة علي حالها فيحتاج في الأخذ بالأرجح إلي إعمال الدقّة في مفاد أخبار علاج التعارضات، و هو أيضاً باب واسع الذيل، محتاج إلي دقّة خاصّة لانفهام واقع المراد منها.

فالفقيه بعد إعمال هذه التفكيرات و الدقّة اللازمة في جميع هذه المراحل يوفّق لاستنباط حكم اللّٰه تعالي المقرّر للمكلّفين.

أضف إليها: أنّه يحتاج استنباطه كثيراً ما إلي ملاحظة أقوال سائر الفقهاء حتّي يعثر علي القول المشهور أو المُجمع عليه؛ فإنّ الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السّلام) حجّة تامّة معتبرة، كما أنّ الشهرة لها دورها الأساسي في ترجيح ما عليه المشهور من الخبرين المتعارضين، بل و في سقوط خبر الثقة عن الاعتبار إذا أعرض عنه المشهور، كما أنّه للإجماع أيضاً ربّما يكون هذا الدوران.

و أضف

إليها: أنّ حكم العقل القطعي أيضاً يكون من الأدلّة المعتبرة، و لا بدّ للفقيه من الالتفات إليه في كلّ مسألة أيضاً؛ لكي يكون استنباطه تامّاً بلا قصور.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 3

______________________________

و من الواضح: أنّ علم الأُصول و قواعده السديدة يبتني عليه استنباط الأحكام، و هو أُصول الفقه، عليها يتفرّع حجّية أخبار الآحاد، و حجّية ظواهر الكتاب و السنّة و كلمات أصحابنا الأخيار، و عليه يتوقّف القواعد المعتبرة التي بها الجمع بين العمومات و مخصّصاتها و الإطلاقات و مقيّداتها. إليٰ غير ذلك من العلوم التي يتوقّف عليها فهم مرادات الكتاب و السنّة و ثبوت حجّية ما به يستدلّ علي الأحكام.

فالفقيه المتضلّع لا محيص له من أن يكون مضطلعاً بهذه الأركان حتّي يتمكّن من التفقّه و استنباط أحكام اللّٰه تعالي في الشريعة الإسلاميّة و المذهب الحقّ الإماميّ الجعفري.

و بعد ما استنبط الحكم الإلهي فقد وجد سبيل الصعود إلي قرب اللّٰه تعالي، و حصل له و لمقلّديه طريق النيل إلي مرضاته، و إلي السعادة العالية الإنسانية، كما عثروا كلّهم بما يوجب الهبوط إلي الجحيم، حتّي يجتنبوه و يختاروا سبيل اللّٰه الذي هدي الإنسان إليه؛ فقد قال اللّٰه تعالي إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً.

ثمّ إنّ من أحسن الكتب الفقهية التي أُلّفت أخيراً هو كتاب

تحرير الوسيلة

الذي ألّفه السيّد الأُستاذ الإمام الفقيد آية اللّٰه العظمي الحاج السيّد روح اللّٰه الخميني تغمّده اللّٰه برحمته و رضوانه فإنّه كتاب شريف حاوٍ لجميع الأبواب و الكتب الفقهية؛ من الطهارة إلي آخر الديات، بل و هو حاوٍ لمسائل جديدة مستحدثة، فتح بها باب ورود الفقيه في هذه المسائل المستحدثة، فإنّ فقهنا الإمامي الاثني عشري فقه تامّ عامّ يجيب عن

كلّ

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 4

______________________________

سؤال فقهي في جميع المسائل و الأبواب؛ لاستقائه من ينابيع كلمات العترة الطاهرة التي تركها الرسول الأعظم (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لأُمّته، و هي أعظم الثقلين اللذين هما كتاب اللّٰه و عترته، صلوات اللّٰه عليهم أجمعين.

و قد وفّقني اللّٰه تعالي لإلقاء كلمات مختصرة في شرح بعض أبوابه و كتبه عند البحث عنها علي جمع من الفضلاء الذين حضروا في قسم القضاء من المدرسة العالية التربوية و القضائية لطلّاب قم، فقد جعل تعلّم كتب المعاملات و القضاء و الشهادات و الحدود و الديات من واجبي الطلّاب الذين أعدّوا أنفسهم للحضور في القسم القضائي من هذه المدرسة العالية.

فقد وفّقت بحمد اللّٰه تعالي لإلقاء هذه الدروس العالية الاجتهادية في كتاب القضاء و الشهادات، و في معظم مباحث الحدود و التعزيرات، كما وفّقني اللّٰه تعالي لقيد خلاصتها بالكتابة، و صار بحمد اللّٰه تعالي و منّه زهاء ألف صفحة، بل و أكثر، و أسأل اللّٰه تعالي أن يوفقني لتحرير بقيّة مباحث الحدود و جميع مباحث القصاص و الديات.

و حيث إنّ بعض الأخلّاء الروحانيين طلبوا منّي، بل أمروني بطبعه، و كان هذه المكتوبات قد كتبت لأجل طلّاب هذه المدرسة العالية؛ فرأيت نشرها حقّا للمدرسة المذكورة التي صارت اليوم بصورة جامعة رسمية يعبّر عنها بجامعة قم و هي و إن تصدّت لنضد حروفها و طبعها و نشرها لكن حيث كانت شرحاً لكتاب الإمام الخميني (قدّس سرّه) رأت أن يفوّض أمرها إلي مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) فقبلت و قامت بتحقيقها

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 5

______________________________

و طبعها و نشرها، و أسأل اللّٰه تعالي توفيقها لمشاريع مباركة طيّبة.

و

في الختام: أسأل اللّٰه الكريم أن يجعل هذا العمل القليل وسيلة للقرب منه تعالي، و أن ينفع به المحصّلين المحقّقين، و أن يوفّقنا لما يوجب الزلفي إليه، و أن يغفر لنا و لأساتذتنا و لوالدينا، إنّه سميع الدعاء قريب مجيب.

و الحمد للّٰه ربّ العالمين، و صلّي اللّٰه علي محمّد و آله الطاهرين.

اللّهم كن لوليك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه و علي آبائه في هذه الساعة و في كلّ ساعة وليّاً و حافظاً و قائداً و ناصراً و دليلًا و عيناً، حتّي تسكنه أرضك طوعاً و تمتّعه فيها طويلًا.

قم المشرّفة الأربعاء 26/ شعبان المعظّم 1419 ه ق 25/ 9/ 1377 ه. ش محمّد المؤمن القمي

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 6

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم الحمد للّٰه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علي محمّد و آله الطاهرين

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 8

[كتاب الحدود]

اشارة

كتاب الحدود و فيه فصول:

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 9

[الفصل الأوّل في حدّ الزنا]

اشارة

الفصل الأوّل في حدّ الزنا و النظر فيه في الموجب و ما يثبت به و الحدّ (1)، و اللواحق.

______________________________

(1) ينبغي البحث أوّلًا عن المراد بالحدّ مطلقاً و الفرق بينه و بين التعزير فنقول:

الحدّ في اللغة هو المنع، و في اصطلاح الفقهاء عقوبة خاصّة تتعلّق ببدن المكلّف لتلبّسه بمعصية خاصّة قد عيّن الشارع كمّيتها، في قبال التعزير الذي قيل: إنّه في اللغة التأديب؛ فإنّه لم يعيّن الشارع كمّيته، بل إنّما أوكلها إلي نظر الحاكم.

ففي صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: كم التعزير؟ فقال

دون الحدّ

، قال: قلت: دون ثمانين؟ قال

لا، و لكن دون أربعين؛ فإنّها حدّ المملوك

، قلت: و كم ذاك؟ قال

علي قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوّة بدنه «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 375، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الباب 10، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 10

[القول في الموجب]

اشارة

القول في الموجب

[مسألة 1 يتحقّق الزنا الموجب للحدّ]

مسألة 1 يتحقّق الزنا الموجب للحدّ بإدخال الإنسان ذكره الأصلي في فرج امرأة محرّمة عليه أصالة، من غير عقد نكاح دائماً أو منقطعاً و لا ملك من الفاعل للقابلة و لا تحليل و لا شبهة (2)، مع شرائط يأتي بيانها.

______________________________

فالمستفاد من الصحيحة: أنّ التعزير في طرف الزيادة لا بدّ و أن يكون دون الحدّ، و في طرف النقيصة أمره بيد الوالي المتصدّي لإقامة حدود اللّٰه تعالي و تعزيراته، فيختار ما هو المناسب لذنب الرجل و قوّة بدنه. و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي تمام الكلام في مقام آخر.

(2) ما أفاده (رحمه اللّٰه) من قوله: «بإدخال الإنسان» إلي قوله: «و لا شبهة» هو تعريف الزنا و بيانٌ لمعناه، و هو أمر عرفي كالبيع و الإجارة، و حاصله: أنّه وطء امرأة من دون عقد و نحوه علي خلاف القانون بلا شبهة مجوّزة. و أمّا الشرائط المذكورة ضمن المسائل الآتية من البلوغ و العقل و الاختيار و العلم بالحكم و نحوها فهي شرط لإيجابه الحدّ، و إلّا فالموضوع محقّق؛ و لذلك ورد في معتبر أبي بصير في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زني بامرأة. الحديث «1»، فعبّر بالزنا مع أنّ حدّه منفي عن غير البالغ كما يأتي، و نحوه غيره.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 81، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 9، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 11

[مسألة 2 لا يتحقّق الزنا بدخول الخنثي ذكره الغير الأصلي]

مسألة 2 لا يتحقّق الزنا بدخول الخنثي ذكره الغير الأصلي (3)، و لا بالدخول المحرّم غير الأصلي، كالدخول حال الحيض و الصوم و الاعتكاف (4)، و لا مع الشبهة موضوعاً أو حكماً (5).

[مسألة 3 يتحقّق الدخول بغيبوبة الحشفة]

مسألة 3 يتحقّق الدخول بغيبوبة الحشفة (6)،

______________________________

(3) فإنّه بعد ما تبيّن أنّه غير أصلي فهو كإدخال الإصبع في فرج الامرأة، و لا يوجب صدق عنوان الزنا عرفاً بلا إشكال.

(4) فإنّه و إن كان حراماً إلّا أنّ ملاك صدق الزنا في العرف أن يكون الدخول بالأجنبية، فإذا منع الشارع و حرّم علي المكلّف وطء حليلته لبعض الطوارئ فخالف و جامعها فهو ليس بزنا، فلا يستوجب حدّا و إن استحقّ التعزير.

(5) المراد بالشبهة ما بلغت حدّا يجوز معها الوطء، كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالي في ضمن المسائل 5 و 6 و 7.

و المراد بالشبهة الحكمية ما كانت راجعة إلي الجهل بالقانون سواء كان الجهل متعلّقاً بأصل الحرمة كأن لا يعلم حرمة الزنا من رأس، أو متعلّقاً بموضوعه الكلّي كأن لا يعلم مقدار عدّة المعتدّة في قبال الشبهة الموضوعية، التي يكون فيها أصل الحكم و القانون و حدود موضوعه معلوماً لا شبهة فيه، و إنّما يكون جهله في تطبيق موضوع القانون علي الخارج فيتخيّل الأجنبية زوجة نفسه. ففي كلا القسمين لم يرتكب زنا و لم يستحقّ حدّا و لا تعزيراً علي ما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي.

(6) قال في «الرياض»: و يتحقّق الدخول الموجب بغيبوبة الحشفة أو

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 12

______________________________

قدرها من الذكر قبلًا أو دبراً بلا خلاف أجده، انتهي. و في «الجواهر» عن «المختلف»: أنّه المشهور.

و يدلّ عليه طائفتان من الروايات:

الاولي: ما علّق فيه حكم الحدّ علي الإدخال و الإيلاج؛

فإنّه لا ريب في صدق الإدخال بغيبوبة الحشفة أو قدرها، بل لا بعد في دعوي الصدق بأقلّ منها. إلّا أنّ بعض أخبار الطائفة الثانية الوارد في مقام التحديد دلّت علي عدم ثبوت الحكم بالأقلّ؛ ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته متي يجب الغسل علي الرجل و المرأة؟ فقال

إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم «1»

، و في صحيحة البزنطي قال: سألت الرضا ما يوجب الغسل علي الرجل و المرأة، فقال

إذا أولجه وجب الغسل و المهر و الرجم «2».

الطائفة الثانية: ما علّق فيه حكم الغسل أو الحدّ علي مسّ أو التقاء الختانين، و فسّره بغيبوبة الحشفة؛ ففي صحيحة عبيد اللّٰه بن علي الحلبي قال: سُئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل، أ عليه الغسل؟ قال

و كان علي (عليه السّلام) يقول: إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل

، قال

و كان علي (عليه السّلام) يقول: كيف لا يوجب الغسل و الحدّ يجب فيه!؟ و قال: يجب عليه المهر و الغسل «3»

؛ فإنّ قوله

و كان علي (عليه السّلام) يقول.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 182، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 2: 185، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 2: 183، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 13

قبلًا أو دبراً (7)،

______________________________

إلي آخره يدلّ بوضوح علي أنّ حدّ الزنا يثبت بمجرّد مسّ الختان الختان، و أنّه كان مسلّماً مفروغاً عنه، حتّي أنّه (عليه السّلام) أراد إثبات وجوب الغسل من طريق ثبوت الحدّ فيه.

و كيف كان: فقد فَسّر التقاء الختانين الذي هو عبارة أُخري عن

مسّ الختان الختان في صحيحة ابن بزيع بغيبوبة الحشفة؛ قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان، متي يجب الغسل؟ فقال

إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل

، فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال

نعم «1»

، فظهورها في التفسير واضح، كظهور قوله

إذا التقي الختانان.

إلي آخره في التحديد، فما لم تغب الحشفة و لم تدخل لا يجب الغسل. و قد عرفت في صحيح الحلبي: أنّ موضوع الحدّ أيضاً هو التقاء الختانين، فما لم تغب الحشفة لم يثبت الحدّ أيضاً، و به تقيّد إطلاق أخبار الطائفة الأُولي أيضاً، كما مرّت إليه الإشارة.

(7) الإدخال في قبل المرأة هو الفرد الشائع المتيقّن من الأدلّة، و لا إشكال في صدق الزنا به. و أمّا الإدخال في دبرها فقد نسب إلي المشهور، بل الإجماع: أنّه أيضاً يوجب تحقّق الزنا به.

و ما يمكن أن يستدلّ به وجهان: أحدهما: إطلاق عنوان «الإدخال» و «الإيلاج» الذي قد علّق حكم ثبوت الحدّ عليهما كما عرفت، و دعوي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 183، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 14

______________________________

الانصراف إلي الفرد الشائع ممنوعة؛ إذ كونه أيضاً ممّا قد يرغب فيه و لذلك قد ورد السؤال عنه في الأخبار مانع عن هذا الانصراف، و دليل علي أنّه ليس في الندرة بحيث يكون مغفولًا عنه.

ثانيهما: صحيح حفص بن سوقة عمّن أخبره قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يأتي أهله من خلفها، قال

هو أحد المأتيين فيه الغسل «1».

بيان الدلالة: أنّ مورد الكلام و إن كان هو ثبوت الغسل بالوطء في الدبر إلّا أنّ قوله (عليه السّلام) أوّلًا

هو أحد المأتيين

ظاهر في أنّه لا فرق بين

القبل و دبر المرأة، و أنّ إتيان المرأة و الوقاع معها يكون من طريقين؛ قبلها و دبرها. فالدبر أحد المأتيين؛ فلذا يجب في إتيانه أيضاً الغسل كقبلها.

فذكر هذه الجملة أوّلًا و تعقيبها بقوله

فيه الغسل

شاهد علي أنّ الحكم بثبوت الغسل بإتيان الدبر متفرّع علي أنّه أحد المأتيين، و أنّه و القبل سواء في كونه أيضاً مأتياً و أنّه أحد المأتيين، فإذا كان أحد المأتيين في المرأة فإتيانه كإتيان القبل يكون زنا و يجب الحدّ بإتيانه، كما وجب الغسل بإتيانه، و يكون الإدخال أو الإيلاج الواقع في سائر الأخبار يشمله أيضاً، كما لا يخفي.

إن قلت: لكن الرواية ضعيف السند بإرسال حفص بن سوقة عمّن أخبره، فلا يصلح للاستناد.

قلت: لا يبعد دعوي انجبار ضعف سنده ببيان أنّ المشهور قد أفتوا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 200، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 12، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 15

______________________________

بوجوب الغسل بالوطء في الدبر، مع أنّ وجوبه خلاف أصالة عدمه، و لم يوجد في الأخبار الموجودة في الكتب المعروفة خبر خاصّ وارد في وجوب الغسل سواه، فيعلم أنّ المشهور استندوا إليه، فتأمّل.

و ممّا يشهد لذهاب المشهور إلي الوجوب ما ذكره السيّد المرتضي (قدّس سرّه) علي ما نقله عنه جمع من الأصحاب؛ ففي «المختلف»: قال السيّد المرتضي:

«لا أعلم خلافاً بين المسلمين في أنّ الوطء في الموضع المكروه من ذكر أو أُنثي يجري مجري الوطء في القبل مع الإيقاب و غيبوبة الحشفة في وجوب الغسل علي الفاعل و المفعول به و إن لم يكن إنزال. و لا وجدتُ في الكتب المصنّفة لأصحابنا الإمامية إلّا ذلك، و لا سمعت من عاصرني منهم من شيوخهم نحواً من ستّين سنة يفتي إلّا بذلك.

فهذه مسألة

إجماعية من الكلّ، و لو شئت أن أقول: إنّه معلوم ضرورة من دين الرسول (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه لا خلاف بين الفريقين في هذا الحكم؛ فإنّ داود و إن خالف في أنّ الإيلاج في القبل إذا لم يكن معه إنزال لا يوجب الغسل؛ فإنّه لا يفرق بين الفرجين، كما لا يفرق باقي الأُمّة بينهما في وجوب الغسل بالإيلاج في كلّ واحد منهما.

و اتّصل بي في هذه الأيّام عن بعض الشيعة الإمامية: أنّ الوطء في الدبر لا يوجب الغسل؛ تعويلًا علي أنّ الأصل عدم الوجوب، و علي خبر يذكر أنّه في منتخبات سعد أو غيرها، و هذا ممّا لا يلتفت إليه:

أمّا الأوّل فباطل؛ لأنّ الإجماع و القرآن و هو قوله تعالي أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ يزيل حكمه.

و أمّا الخبر فلا يعتمد عليه في معارضة القرآن و الإجماع، مع أنّه لم يفت

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 16

و في عادم الحشفة يكفي صدق الدخول عرفاً، و لو لم يكن بمقدار الحشفة (8)، و الأحوط في إجراء الحدّ حصوله بمقدارها، بل يدرأ بما دونها (9).

______________________________

به فقيه و لا اعتمده عالم، مع أنّ الأخبار تدلّ علي ما أردناه؛ لأنّ كلّ خبر يتضمّن تعليق الغسل بالجماع و الإيلاج في الفرج فإنّه يدلّ علي ما ادّعيناه؛ لأنّ الفرج يتناول القبل و الدبر؛ إذ لا خلاف بين أهل اللغة و الشرع في ذلك»، انتهي.

و هذه العبارات منه (قدّس سرّه) كما في «المختلف» تدلّ علي أنّ الفتوي بذلك متظاهرة مشهورة في زمنه، حتّي أنّه ادّعي الإجماع عليه، كما عرفت.

فبالجملة: أنّ فتوي المشهور كاشفة عن استنادهم إلي المرسلة، و هو كافٍ لانجبار ضعفها. اللهمّ إلّا أن يحتمل استنادهم إلي الإطلاقات،

كما ذكره السيّد (قدّس سرّه).

(8) إذ مع صدق الدخول يشمله إطلاق أدلّة الإدخال و الإيلاج، و غيبوبة الحشفة مختصّة موضوعاً بواجدها؛ فلا تعمّ عادمها حتّي يخصّص بها إطلاقها.

(9) و ذلك لقوّة احتمال إلغاء الخصوصية عرفاً عن دليل اعتبار غيبوبة الحشفة؛ بأن يراد أنّ الملاك و المعيار غيبوبة مقدار الحشفة، و هي صادقة علي غيبوبة الحشفة نفسها في واجدها و علي غيبوبة مقدارها في عادمها، فلا يجب الغسل و لا الحدّ بغيبوبة أقلّ من مقدارها.

و لقوّة هذا الاحتمال فلا أقلّ من الاحتياط و الأخذ بمقتضي استصحاب عدم تحقّق الزنا، و لا أقلّ بمقتضي استصحاب عدم وجوب الحدّ.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 17

[مسألة 4 يشترط في ثبوت الحدّ علي كلّ من الزاني و الزانية البلوغ]

مسألة 4 يشترط في ثبوت الحدّ علي كلّ من الزاني و الزانية البلوغ، فلا حدّ علي الصغير و الصغيرة (10)،

______________________________

(10) إجماعاً علي ما في «الرياض» و غيره. و الدليل عليه من وجهين:

أحدهما: أن يقال: إنّ ظاهر أدلّة الحدود أنّها تعذيبات و مؤاخذات علي المعاصي، كما يشهد له قوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) علي ما في صحيحة داود بن فرقد

إنّ اللّٰه قد جعل لكلّ شي ءٍ حدّا و جعل لمن تعدّي ذلك الحدّ حدّا «1»

؛ فإنّه كما تري جعل موضوع تعلّق الحدّ أن يتعدّي حدود اللّٰه، و هو عبارة أُخري عن عصيانه تعالي.

و بالجملة: فلا ينبغي الشكّ في أنّ الحدود مؤاخذات علي المعاصي، و حيث إنّ الصبي أو الصبية لا تكليف عليه، فلا محالة لا حدّ عليه أيضاً. و هذا الوجه كما تري جارٍ في سائر العناوين المذكورة في هذه المسألة؛ فكلّ عنوان لم يكن معه تكليف فليس معه حدّ.

الوجه الثاني: الأدلّة الواردة في خصوص زنا الصبي أو الصبية أو في

إجراء الحدّ عليه؛ ففي موثّقة أبي مريم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ الحُلم وقع علي امرأة أو فجر بامرأة، أيّ شي ء يصنع بهما؟ قال

يضرب الغلام دون الحدّ، و يقام علي المرأة الحدّ

، قلت:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 14، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 2، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 18

و العقل؛ فلا حدّ علي المجنونة بلا شبهة (11)،

______________________________

جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها؟ قال

تضرب الجارية دون الحدّ، و يقام علي الرجل الحدّ «1».

و في معتبر يزيد الكُناسي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوّجت و أُقيمت عليها الحدود التامّة لها و عليها

، قال: قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ تقام عليه الحدود علي تلك الحال؟ قال

أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلّها علي مبلغ سنّه، و لا تبطل حدود اللّٰه في خلقه، و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم «2».

و دلالة الحديثين علي عدم إجراء الحدّ التامّ علي الصبي و الصبية في الزنا و غيره واضحة. و هنا أخبار أُخر أيضاً، فراجع.

(11) اتّفاقاً كما في «الرياض» و غيره؛ لما عرفت من الوجه العامّ، و لأخبار خاصّة؛ ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) في امرأة مجنونة زنت، قال

إنّها لا تملك أمرها، ليس عليها شي ء «3»

، و دلالتها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 82، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 9، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 20، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود

و أحكامها، الباب 6، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 28: 117، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 21، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 19

و لا علي المجنون علي الأصحّ (12).

______________________________

واضحة. و هنا أخبار أُخر أيضاً دالّة علي المطلوب، و ربّما يأتي بعضها.

(12) وفاقاً لما عن الحلّي في «السرائر» و للمحقّق في «نكت النهاية» و لظاهر ابن حمزة في «الوسيلة» حيث فسّر الزنا بوطء الرجل البالغ الكامل امرأة، و للعلّامة و لسلّار في «مراسمه» حيث قال: إنّ الزانيين علي ضربين: محصن و غير محصن؛ فالمحصن علي ضربين: عاقل و مجنون؛ فالمجنون يدرأ عنه الحدّ. قال في «الرياض»: و عليه عامّة المتأخّرين، و خلافاً للشيخين و الصدوق و المرتضي، بل في «الخلاف» دعوي إجماع الفرقة عليه، و عن «المبسوط»: أنّ أصحابنا لم يراعوا كمال العقل؛ لأنّهم رووا أنّ المجنون إذا زني وجب عليه الرجم أو الحدّ.

و يشهد لنفي الحدّ عنه مضافاً إلي الوجه العامّ المذكور التعليل المستفاد من صحيحة ابن مسلم المذكورة آنفاً في زنا المجنونة من قوله (عليه السّلام)

إنّها لا تملك نفسها، ليس عليها شي ء

فإنّ الظاهر منه أنّ نفي الحدّ عنها متفرّع علي أنّها لا تملك نفسها، و من المعلوم أنّ المراد من عدم مالكيتها لنفسها هو عدم قدرتها علي كفّ النفس عن الزنا إذا اشتهته نفسها أو دعاها إليه غيرها؛ لجنونها و عدم كمال عقلها، و هذا المعني بعينه موجود في الرجل المجنون؛ فلا بدّ و أن لا يكون عليه أيضاً شي ء.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المراد بعدم مالكيتها لنفسها أنّها لجنونها لا تقدر علي أن تقاوم في قبال الزاني الذي يهجم عليها، كما ربّما يشهد له صحيحته الأُخري عن أحدهما

في امرأة زنت و هي مجنونة، قال

إنّها لا تملك أمرها،

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 20

______________________________

و ليس عليها رجم و لا نفي

، و قال في امرأة أقرّت علي نفسها أنّه استكرهها رجل علي نفسها، قال

هي مثل السائبة لا تملك نفسها، فلو شاء قتلها ليس عليها جلد و لا نفي و لا رجم «1»

؛ فإنّ صدرها الوارد في المجنونة و إن كان مثل صحيحته هذه إلّا أنّ تعبيره (عليه السّلام) في من ادّعت الإكراه مضافاً إلي وحدة السياق ربّما يكون شاهداً علي إرادة كونها مقهورة بحيث لو شاء الزاني قتلها.

و أظهر منها في هذه القرينية معتبر محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في امرأة مجنونة زنت فحبلت، قال: مثل السائبة لا تملك أمرها. فلو شاء لقتلها، فليس عليها جلد و لا نفي و لا رجم «2»

، و تشبيهها بالناقة التي تسيّبت و ترعي و تذهب حيث شاءت و لا مدافع لها مضافاً إلي تذييلها في الفقرة الأخيرة بقوله

فلو شاء لقتلها

فيه قرينة علي ما ذكرناه، فتدبّر.

و يشهد لنفي الحدّ عن المجنون أيضاً خبر حمّاد بن عيسي عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه

إنّ عليّاً (عليه السّلام) قال: لا حدّ علي مجنون حتّي يفيق.

الحديث «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 110، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 18، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 110، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 18، الحديث 3 و 4.

(3) وسائل الشيعة 28: 22، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 8، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 21

و العلم بالتحريم حال وقوع الفعل منه اجتهاداً أو تقليداً؛ فلا

حدّ علي الجاهل بالتحريم (13)،

______________________________

و في قبال هذه الوجوه: ورد في خبر أبان بن تغلب عن الصادق (عليه السّلام)

إذا زني المجنون أو المعتوه جلد الحدّ، و إن كان محصناً رجم

، قلت: و ما الفرق بين المجنون و المجنونة، و المعتوه و المعتوهة؟ فقال

المرأة إنّما تؤتيٰ و الرجل يأتي، و إنّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذّة، و إنّما المرأة إنّما تستكره و يفعل بها و هي لا تعقل ما يفعل بها «1».

و الفرق المذكور فيه بين المجنون و المجنونة و إن كان أمراً مطابقاً للواقع في الغالب إلّا أنّ الكلام في أنّ مجرّد عقل اللذّة و إحساسها هل يكفي في ثبوت الحدّ، مع أنّه ليس له من الدرك ما يردعه عن معصية اللّٰه تعالي.

و الخبر ضعيف بإبراهيم بن الفضل، و لم يعلم فتوي من المشهور حتّي مشهور القدماء به؛ فإنّ دعوي الإجماع و عدم الخلاف مستندة بحسب الظاهر إلي مجرّد رواية الأصحاب لهذه الرواية، كما يعرف من عبارته في «المبسوط» حيث استدلّ علي فتوي أصحابنا بعدم رعاية كمال العقل في ثبوت الحدّ بروايتهم، الرواية المتضمّنة له.

و كيف كان: فلا حجّة في هذا الخبر لكي يقاوم أدلّة نفي الحدّ عن المجنون؛ فلذلك فالأصحّ: أنّه لا حدّ عليه.

(13) جهلًا معذوراً فيه، و إلّا فمع احتمال الحرمة و عدم الفحص عنها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 118، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 21، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 22

______________________________

اجتهاداً أو تقليداً فسيأتي أنّه غير معذور يجري عليه الحدّ. و كيف كان: فالدليل علي انتفاء الحدّ عن الجاهل مضافاً إلي الوجه العامّ الماضي أخبار معتبرة؛ منها صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لو

أنّ رجلًا دخل في الإسلام و أقرّ به، ثمّ شرب الخمر و زني و أكل الربا و لم يتبيّن له شي ء من الحلال و الحرام لم أُقم عليه الحدّ إذا كان جاهلًا، إلّا أن تقوم عليه البيّنة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا و الخمر و أكل الربا، و إذا جهل ذلك أعلمته و أخبرته، فإن ركبه بعد ذلك جلدته و أقمت عليه الحدّ «1».

و ظهوره في أنّ الملاك في نفي الحدّ عنه هو جهله بحكم الحرمة في كلّ منها واضح. و نحوه أخبار معتبرة أُخر، فراجع «2».

و في معتبر يزيد الكناسي الوارد في وجوب حدّ الزنا علي من تزوّجت في العدّة في حديث عن الصادق (عليه السّلام) قلت: أ رأيت إن كان ذلك منها بجهالة؟ فقال

ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا و هي تعلم أنّ عليها عدّة في طلاق أو موت، و لقد كنّ نساء الجاهلية يعرفن ذلك

، قلت: فإن كانت تعلم أنّ عليها عدّة و لا تدري كم هي؟ فقال

إذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة، فتسأل حتّي تعلم «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 32، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 14، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 32، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 14.

(3) وسائل الشيعة 28: 126، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 27، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 23

و لو نسي الحكم يدرأ عنه الحدّ (14)،

______________________________

فهذه المعتبرة و إن كانت قد يتوهّم دلالتها علي الخلاف إذ قد فرض في السؤال جهلها بالحكم؛ فلذا تزوّجت في العدّة، و أجاب (عليه السّلام) بما حاصله إجراء الحدّ عليه إلّا

أنّه توهّم باطل؛ فإنّ الجواب إنّما هو بأنّها عالمة بالحكم في مثل هذا الحكم الواضح.

نعم إنّ جوابه (عليه السّلام) عن السؤال الأخير فيمن جهلت من باب الجهل بالحكم و القانون بمقدار العدّة و كان في إمكانها أن تسأل حتّي تعلم بأنّها لزمتها حجّة، قوية علي عدم معذورية الجاهل المقصّر الذي التفت إلي الحكم و شكّ فيه، و مع ذلك فسامح و لم يذهب إلي السؤال أو الاجتهاد، و هذا تأييد و إمضاء لما يحكم به العقل أيضاً من أنّ هذا الجاهل يتنجّز عليه الحكم الواقعي، فيكون حرمة الزنا عليه منجّزة، و ليس جهله عذراً؛ فيعمّه أدلّة وجوب الحدّ في باب الزنا و غيره.

(14) للوجه العامّ المذكور، مضافاً إلي قوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

رفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ و النسيان و ما اكرهوا عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطرّوا إليه و الحسد و الطيرة و التفكّر في الوسوسة في الخلق (الخلوة خ. ل) ما لم ينطقوا بشفة «1».

فإنّ النسيان المذكور فيه يعمّ نسيان الحكم و الموضوع، كما أنّ مقتضي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 24

و كذا لو غفل عنه حال العمل (15). و الاختيار؛ فلا حدّ علي المكره و المكرهة (16).

______________________________

إطلاق رفع النسيان أن لا يترتّب عليه شي ء من مؤاخذة الآخرة أو الدنيا. و تفصيل المقال فيه موكول إلي مقام آخر.

هذا كلّه بالنسبة إلي نسيان أصل الحرمة.

و أمّا نسيان الموضوع كأن نسي إجراء العقد عليها أو نسي أنّها طلّقها و أمثال ذلك فحكمه أيضاً حكم نسيان الحكم، و الدليل

عليه نفس تلك الأدلّة، مضافاً إلي مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل أدخل جارية يتمتّع بها ثمّ نسي حتّي واقعها، يجب عليه حدّ الزاني؟ قال

لا، و لكن يتمتّع بها بعد النكاح و يستغفر ربّه ممّا أتي «1»

فإنّها دالّة علي درء الحدّ عمّن نسي إجراء العقد حتّي جامع، و مؤيّدة لدرئه عن جميع موارد النسيان.

(15) فإنّ الغفلة عن الحرمة إذا أوجبت ارتكاب الحرام فالحرام واقع عنه خطأ، فيعمّه عموم رفع الخطأ. مضافاً إلي أنّه لمّا لم يكن ريب في معذورية الخاطئ فيعمّه الوجه العامّ المذكور. و منه تعرف: أنّ الغفلة عن الموضوع أيضاً بحكم الغفلة عن الحكم و دارئة للحدّ.

(16) فإنّ المكره لا تكليف عليه، و لا أقلّ من أنّه معذور؛ فيعمّه الوجه العامّ المذكور.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 147، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 42، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 25

و لا شبهة في تحقّق الإكراه في طرف الرجل (17)، كما يتحقّق في طرف المرأة.

______________________________

مضافاً إلي عموم

رفع ما اكرهوا عليه.

و في معتبرة طلحة بن زيد عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) قال

ليس علي زانٍ عقر، و لا علي مستكرهة حدّ «1»

، فدلّت علي نفي الحدّ عن كلّ امرأة استكرهت، و هي و إن كانت مطلقة، إلّا أنّ فردها الشائع إكراهها علي الزنا.

و في صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إنّ علياً (عليه السّلام) اتي بامرأة مع رجل فجر بها، فقالت: استكرهني و اللّٰهِ يا أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فدرأ عنها الحدّ. و لو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا: لا تصدّق، و قد و اللّٰه فعله أمير المؤمنين (عليه السّلام) «2».

فهي و إن وردت في درء الحدّ

عمّن ادّعت الاستكراه في زناها إلّا أنّه لا ريب في أنّ دفعه لا يكون إلّا إذا كان مدفوعاً عن المستكرهة، كما هو واضح.

(17) بأن يكون مائلًا بطبعه إلي الجماع مع من يحرم عليه جماعها فينتشر عضوه، لكنّه لو خلّي و طبعه لا يقربها امتثالًا لنهي اللّٰه تعالي،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 111، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 18، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 28: 110، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 18، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 26

[مسألة 5 لو تزوّج امرأة محرّمة عليه كالأُمّ و المرضعة]

مسألة 5 لو تزوّج امرأة محرّمة عليه كالأُمّ و المرضعة و ذات البعل و زوجة الأب و الابن فوطأ مع الجهل بالتحريم فلا حدّ عليه (18). و كذا لا حدّ مع الشبهة (19)؛ بأن اعتقد فاعله الجواز و لم يكن كذلك، أو جهل بالواقع جهالة مغتفرة، كما لو أخبرت المرأة بكونها خلية و كانت ذات بعل، أو قامت البيّنة علي موت الزوج أو طلاقه، أو شكّ في حصول الرضاع المحرّم و كان حاصلًا. و يشكل حصول الشبهة مع الظنّ غير المعتبر، فضلًا عن مجرّد الاحتمال؛ فلو جهل الحكم و لكن كان ملتفتاً و احتمل الحرمة و لم يسأل فالظاهر عدم كونه شبهة. نعم لو كان جاهلًا قاصراً أو مقصّراً غير ملتفت إلي الحكم و السؤال فالظاهر كونه شبهة دارئة.

______________________________

فيوعّده ظالم علي الترك و يكرهه علي الزنا بها فيرتكبه. فما عن «الغنية» من الجزم بعدم تحقّقه في طرفه، بدعوي: أنّ تحقّق الإكراه موقوف علي عدم الميل النفساني، و معه لا ينتشر العضو، ضعيف جدّاً؛ لمنع التوقّف المذكور، كما عرفت بيانه.

(18) يعني إذا كان جاهلًا غير ملتفت، و إلّا فهو غير معذور كما

صرّح به في ذيل المسألة، فإذا كان معذوراً في جهله يعمّه الوجه العامّ المذكور و عموم حديث الرفع؛ فإنّه داخل في إطلاق «ما لا يعلمون».

(19) قال في «الرياض»: و ضابطها ما أوجب ظنّ الإباحة، بلا خلاف أجده، و به صرّح في «الغنية»، و لعلّه المفهوم منه عرفاً و لغة، انتهي.

و في «الجواهر»: عن كثير تعريفه بأنّه الوطء الذي ليس بمستحقّ مع ظنّ الاستحقاق، بل عن آخر تعريفه بأنّه الوطء الذي ليس بمستحقّ مع

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 27

______________________________

عدم العلم بالتحريم. ثمّ حكي عن العلّامة الطباطبائي في «مصابيحه» تعريفه بأنّه الوطء الذي ليس بمستحقّ في نفس الأمر مع اعتقاد فاعله الاستحقاق أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع أو مع ارتفاع التكليف بسبب غير محرّم. إلي أن قال: و مقتضاه كما صرّح به عدم ترتّب حكم الشبهة علي الظنّ الغير المعتبر شرعاً لا في الموضوع و لا في الحكم إلّا أن يعتقد الإباحة به جهلًا منه، و إلّا كان زانياً، و هو و إن كان صريح بعض المتأخّرين كثاني الشهيدين و سبطه إلّا أنّ جملة من عبارات الأصحاب مطلقة في الاكتفاء بالظنّ الشامل لما لا يعلم صاحبه الحلّ، انتهي.

و حاصل المستفاد من المتن في تعريفه: أنّه الوطء الذي ليس بمستحقّ و يكون حراماً واقعاً، إلّا أنّ فاعله معذور؛ لاعتقاد الجواز أو قيام حجّة شرعية علي الجواز، كقيام البيّنة علي الطلاق أو موت الزوج، و كإخبار المرأة بأنّها خلية، و كاستصحاب عدم حصول الرضاع، و مثلها جهله بالواقع جهالةً مغتفرة مشمولة لحديث الرفع و نحوه.

أقول: و الحقّ أنّ عنوان الشبهة بحسب المفهوم العرفي و إن لا يبعد صدقه في كلّ مورد لم يتبيّن الأمر حين

العمل للمرتكب، إلّا أنّه لا دليل علي انتفاء الحدّ عن كلّ من ارتكب الزنا بشبهة؛ فإنّ عموم أدلّة الحدود متعلّق بعنوان الزنا الذي هو وطء من ليس وطؤه حلالًا شرعاً، فإذا لم تكن الشبهة بحدّ يجوز معه الجماع و تبيّن بعد العمل كونه حراماً فهو وطء محرّم بالفعل عليه و هو زنا، فيعمّه أدلّة الحدود.

و ليس في مقابل هذا العموم إلّا ما اشتهر في الألسنة من أنّ الحدود

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 28

______________________________

تدرأ بالشبهات، و لعلّ الأصل فيه ما عن الصدوق في «فقيهة» من أنّه قال: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

ادرؤوا الحدود بالشبهات

، و في «مقنعه» من أنّه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

ادرؤوا الحدود بالشبهات

بدعوي أنّ إسناد مثل الصدوق و لا سيّما في «فقيهة» الذي ضمن صحّة ما فيه، و أنّه لا ينقل فيه إلّا ما كان حجّة بينه و بين ربّه لهذا المضمون إلي النبي و الوصي صلوات اللّٰه عليهما بنحو البتّ و الجزم كافٍ لانجبار ضعف إرساله، و مفاده وجوب دفع الحدّ في جميع الموارد بمجرّد عروض أيّ شبهة في البين. فبعد تسلّم صدق الشبهة في كلّ مورد لم يتبيّن حقيقة الأمر كان اللازم درء الشبهة فيه، و إن كان الارتكاب معها غير جائز، كموارد الجهل بالحكم و احتمال الجواز و موارد استصحاب بقاء الموضوع الحرام و نحوها.

لكن فيه أوّلًا: أنّ غاية الأمر أن يكون الإسناد الجزمي من الصدوق و ضمانته في «فقيهة» دالّاً علي ثبوت المضمون عنده بنحو كان عليه حجّة و رأي معه جواز الإسناد، و أمّا أنّ هذا المضمون حجّة علينا أيضاً بمجرّد جزم الصدوق و ثبوته عنده فلا دليل عليه.

و ثانياً:

أنّه حيث إنّ الجملة قد وردت بالأمر بالدرء فالمخاطب بها هو القضاة و الولاة القائمون مقام إجراء الحدود، فالشبهة إنّما تلاحظ بالنظر إليهم.

و لا يبعد حينئذٍ دعوي أنّ مفاد الفقرة المنقولة أنّه لا يجوز إجراء الحدّ إلّا بعد ثبوت موضوعه عند القاضي بلا شبهة، و إذا كانت عنده شبهة في تحقّق موضوعه فإنّ القاضي إذا كان لم تتمّ عنده حجّة علي ارتكاب المكلّف للمعصية التي عليها حدّ أو تعزير فمقتضي استصحاب عدم الارتكاب موضوعاً

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 29

______________________________

أو استصحاب عدم جواز إجراء الحدّ عليه حكماً أن يدرأ الحدّ عنه.

و بالجملة: فالشبهة ظاهرة في شبهة القاضي، و درء الحدّ معها مطابق للقواعد. و أمّا إذا كان للمكلّف شبهة حين ارتكاب المعصية و لم تكن الشبهة بحدّ يسوغ معها العمل فارتكبها فهو مشمول لعموم أدلّة الحدّ و التعزير، و إذا ثبت و ظهر حقيقة الأمر لدي القاضي فعليه أن يقضي بما جعل اللّٰه عليها من الحدّ أو التعزير.

نعم، إذا كان الشبهة و عدم انكشاف الواقع بحدّ يكون معذوراً شرعاً في ارتكابه لا يتوجّه عليه حدّ و لا تعزير؛ سواء كانت شبهة في الموضوع كمورد إخبار المرأة و قيام البيّنة و استصحاب عدم حصول الرضاع و نحوها، أو شبهة في القانون و الحكم الكلّي كما لو زعم جواز العقد علي أُخته الرضاعية و كسائر ما ذكره (قدّس سرّه) صدر المسألة و كالموارد المذكورة في المسألة السابقة. و الدليل علي عدم تعلّق الحدّ حينئذٍ مضافاً إلي الوجه العامّ المذكور في صدر المسألة السابقة عموم حديث الرفع أيضاً كما يظهر للمتأمّل، مضافاً إلي روايات خاصّة في بعض الموارد قد مرّ بعضها و سيأتي بعض آخر إن شاء

اللّٰه تعالي:

ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة تزوّجها رجل فوجد لها زوجاً، قال

عليه الجلد، و عليها الرجم؛ لأنّه تقدّم بعلم و تقدّمت هي بعلم، و كفّارته إن لم يقدم إلي الإمام أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً «1»

فإنّ تعليل إجراء حدّ الجلد و الرجم بعلمهما يدلّ بالمفهوم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 127، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 27، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 30

______________________________

علي أنّهما لو لم يعلما فلا حدّ عليهما. نعم في النسخة المنقولة في «الكافي»

لأنّه تقدّم بغير علم

فيدلّ علي إجراء الجلد علي من تقدّم إلي تزويج ذات البعل مع أنّه لم يكن عالماً بأنّها ذات بعل. إلّا أنّ اختلاف النسخ حينئذٍ يسقطها عن حجّيته، مع أنّه لم يقل أحد علي الظاهر بمضمون هذه النسخة المنقولة عن «الكافي». مضافاً إلي أنّه خلاف ما أمروا (عليهم السّلام) به من أنّ المرأة مصدّقة علي نفسها في دعوي عدم الزوج في أخبار كثيرة مفتي بها:

ففي رواية ميسرة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ألقي المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها: أ لك زوج؟ فتقول: لا، فأتزوّجها؟ قال

نعم، هي المصدّقة علي نفسها «1»

، و نحوها أخبار أُخر كثيرة «2» فراجع. و حينئذٍ فهل يحتمل أن يأذنوا أنفسهم في نكاح ثمّ يجروا الحدّ علي من امتثل إذنهم و انكشف الخلاف؟! كلّا ثمّ كلّا! و في صحيح شعيب قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل تزوّج امرأة لها زوج، قال

يفرّق بينهما

، قلت: فعليه ضرب؟ قال

لا، ما له يضرب؟

فخرجت من عنده و أبو بصير بحيال الميزاب فأخبرته بالمسألة و الجواب، فقال لي: أين أنا؟ قلت:

بحيال الميزاب، قال: فرفع يده فقال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 269، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الباب 3، الحديث 5.

(2) راجع وسائل الشيعة 20: 301، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الباب 25، و 21: 30، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 10.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 31

______________________________

و ربّ هذا البيت أو و ربّ هذه الكعبة لسمعت جعفراً (عليه السّلام) يقول

إنّ علياً (عليه السّلام) قضي في الرجل تزوّج امرأة لها زوج فرجم المرأة و ضرب الرجل الحدّ، ثمّ قال: لو علمت أنّك علمت لفضخت رأسك بالحجارة

، ثمّ قال: ما أخوفني أن لا يكون اوتي علمه «1».

و في صحيحه أيضاً قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل تزوّج امرأة لها زوج و لم يعلم، قال

ترجم المرأة، و ليس علي الرجل شي ء إذا لم يعلم

، قال: فذكرت ذلك لأبي بصير قال: فقال لي: و اللّٰه لقد قال جعفر (عليه السّلام)

ترجم المرأة، و يجلد الرجل الحدّ

، قال بيديه علي صدري (بيده علي صدره، خ. روضة المتّقين) فحكّه: ما أظنّ صاحبنا تكامل علمه «2».

و الظاهر: أنّ الصحيحين واحد نقل أحدهما بالمعني. و كيف كان: فالثاني بصدره تفسير للأوّل و مبيّن لأنّ مورد كلام مولانا الكاظم (عليه السّلام) كان إذا لم يعلم الرجل بأنّ للمرأة زوجاً، و حمل الشيخ في نكاح «التهذيب» ما سمعه أبو بصير علي من تزوّج بها و هو يعلم أنّ لها زوجاً و دخل بها، فأوجب عليه هو أيضاً الحدّ؛ لأنّ هذا زني.

و لا تنافي بين الخبرين و الفتياءين، و إنّما اشتبه الأمر علي أبي بصير فلم يميّز بين إحدي المسألتين من الأُخري؛ فظنّ أنّ بينهما تنافياً، انتهي. و نحوه

أفاد في حدود «التهذيب».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 10: 25/ 76، وسائل الشيعة 28: 128، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 27، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 7: 487/ 1957.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 32

[مسألة 6 لو عقد علي محرّمة عليه كالمحارم و نحوها مع علمه بالحرمة]

مسألة 6 لو عقد علي محرّمة عليه كالمحارم و نحوها مع علمه بالحرمة لم يسقط الحدّ، و كذا لو استأجرها للوطء مع علمه بعدم الصحّة (20) فالحدّ ثابت، خلافاً للمحكي عن بعض أهل الخلاف.

______________________________

و كيف كان: فما في ذيل الخبرين من كلام أبي بصير كاشف عن عدم كمال معرفته بحقّ الإمام (عليه السّلام) و مقام الإمامة، قال التقي المجلسي في «روضة المتّقين» بعد ذكر الصحيحين:

فالظاهر أنّ هذا الأعمي لم يفهم كلام الصادق (عليه السّلام) و اشتبه عليه. إلي أن قال: و الظاهر أنّه كان تاب من هذا الهذيان، و إلّا لم يعمل الأصحاب بخبره، مع إمكان الافتراء عليه ممّن يعانده. و علي أيّ حال: فذكر هذا الخبر مع مخالفته للأُصول و الأخبار و اقترانه بهذه المزخرفات لا يليق بالثقات، انتهي «1».

و بالجملة: فمن جميع ما مرّ تعرف: أنّ ما رواه أبو بصير في ذيل صحيح شعيب ممّا لم يعمل به، و الحكم ما رواه شعيب عن أبي الحسن (عليه السّلام).

(20) فإنّه إذا علم بعدم الصحّة فهو عالم بأنّ المرأة المعقودة أو المستأجرة محرّمة الوطء و أجنبية، فلو وطأها حينئذٍ كان زنا عليه حدّه. و هذا البعض من أهل الخلاف المخالف في المسألة هو أبو حنيفة، فجعل مجرّد العقد علي المحارم أو الاستئجار دارئاً للحدّ، و هو بلا وجه مع علم الواطئ بالحرمة.

______________________________

(1) روضة المتّقين 10: 13 14.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 33

و كذا لا يشترط في الحدّ

كون المسألة إجماعية؛ فلو كانت اختلافية لكن أدّي اجتهاده أو تقليده إلي الحرمة ثبت الحدّ (21). و لو خالف اجتهاد الوالي لاجتهاد المرتكب و قال الوالي بعدم الحرمة فهل له إجراء الحدّ أم لا؟ الأشبه الثاني (22)، كما أنّه لو كان بالعكس لا حدّ عليه (23).

[مسألة 7 يسقط الحدّ في كلّ موضع يتوهّم الحلّ]

مسألة 7 يسقط الحدّ في كلّ موضع يتوهّم الحلّ (24)، كمن وجد علي فراشه امرأة فتوهّم أنّها زوجته فوطأها، فلو تشبّهت امرأة نفسها بالزوجة فوطأها فعليها الحدّ دون واطئها،

______________________________

(21) إذ اجتهاده أو التقليد المؤدّي للحرمة طريق معتبر شرعاً إلي حرمته و كونه زنا.

و مجرّد فتوي بعض بالجواز لا يوجب كونه شبهة لمن قام عنده حجّة علي الحرمة، كما هو واضح لمن تأمّل ما مرّ.

(22) فإنّ الوالي أو القاضي يري الواطئ مرتكباً لوطء جائز شرعاً، و إنّ اعتقاده للحرمة غير صحيح؛ و حينئذٍ فإن حكم بإجراء الحدّ يراه حكماً علي خلاف ما أنزل اللّٰه؛ لقيام الحجّة عنده علي أنّه ليس زنا و أنّه لم يحكم اللّٰه تعالي بوجوب الحدّ علي مرتكبه، فلا يجوز له أن يحكم بالحدّ. غاية الأمر: أنّ المرتكب عنده متجرٍّ محكوم بعقاب التجرّي لو قلنا به.

(23) إذ الوالي و إن أفتي بأنّه زنا لكنّ المرتكب لمّا كان مقتضي اجتهاده أو تقليده جواز هذا الوطء فوطؤه وطء بالشبهة عند المرتكب، و لا يجوز إجراء الحدّ عليه.

(24) المراد بالتوهّم اعتقاد الحلّ بنحو القطع أو الاطمئنان الحجّة،

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 34

و في رواية يقام عليها الحدّ جهراً و عليه سرّاً و هي ضعيفة غير معوّل عليها (25).

[مسألة 8 يسقط الحدّ بدعوي كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلي المدّعي لها]

مسألة 8 يسقط الحدّ بدعوي كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلي المدّعي لها (26)، فلو ادّعي الشبهة أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلّا بالنسبة إلي أحدهما سقط عنه دون صاحبه، و يسقط بدعوي الزوجية ما لم يعلم كذبه، و لا يكلّف اليمين و لا البيّنة.

______________________________

و حينئذٍ فهو شبهة دارئة للحدّ و يعمّه عموم قوله (عليه السّلام)

رفع. الخطأ.

(25) و هي رواية أبي روح: إنّ

امرأة تشبّهت بأمة لرجل و ذلك ليلًا فواقعها و هو يري أنّها جاريته، فرفع إلي عمر، فأرسل إلي علي (عليه السّلام) فقال

اضرب الرجل حدّا في السرّ، و اضرب المرأة حدّا في العلانية «1»

، و سند الحديث مشتمل علي إرسال و مجاهيل. و في «الشرائع»: و هي متروكة، فإنّه لم يعمل بها أحد إلّا القاضي من قدماء الأصحاب، و لا وجه له بعد ضعف سندها و إعراض المعظم عنها. نعم المرأة المدلّسة زانية عليها الحدّ، كما لا يخفي.

(26) المراد بالشبهة هو ما لو ثبت صدق مدّعيها كانت مجوّزة له ظاهراً دارئة للحدّ عنه، و هي جميع ما مرّ من الأعذار الناشئة عن الجهل و الخطأ و النسيان بالنسبة إلي الحكم أو الموضوع الكلّي و الجزئي، كما مرّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 143، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 38، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 35

______________________________

تفصيله. و الدليل علي أنّ دعواها مسقطة للحدّ مع احتمال صدقة: أنّه مع هذا الاحتمال يشكّ الوالي أو القاضي في ارتكاب المدّعي للزنا، و استصحاب عدمه نافٍ للحدّ عنه، و لا أقلّ من استصحاب عدم جواز إجراء الحدّ عليه الثابت قبل ارتكابه هذا. مضافاً إلي عموم قوله (عليه السّلام)

ادرؤوا الحدود بالشبهات

، كما مرّ بيانه. نعم، لو علم بأنّه كاذب في دعواه لم يعتدّ بدعواه حينئذٍ؛ للعلم بأنّه زانٍ و يطلب الفرار من عقاب زناه.

و قد مرّ بعض ما يدلّ علي عدم قبول دعوي المدّعي الذي لا يحتمل في حقّه الصدق، ذيل المسألة الرابعة عند إقامة الدليل علي نفي الحدّ عن الجاهل بالحكم، فراجع و تذكّر.

و الظاهر: أنّه علي هذا التفصيل يحمل و يشير معتبر أبي بصير قال: قلت

لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل أُخذ مع امرأة في بيت، فأقرّ أنّها امرأته و أقرّت أنّه زوجها، فقال

رُبّ رجل لو أتيت به لأجزت له ذلك، و رُبّ رجل لو أتيت به لضربته «1»

؛ إذ لا محمل لقوله (عليه السّلام) في الفقرة الأخيرة مع دعوي كليهما للزوجية إلّا العلم بكذبهما و عدم احتمال الصدق في دعواهما.

و أمّا ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في امرأة تزوّجت و لها زوج، فقال

ترجم المرأة (و) إن كان للّذي تزوّجها بيّنة علي تزويجها، و إلّا ضرب الحدّ «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 297، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الباب 19، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 129، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 27، الحديث 9.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 36

[مسألة 9 يتحقّق الإحصان الذي يجب معه الرجم باستجماع أُمور]
اشارة

مسألة 9 يتحقّق الإحصان الذي يجب معه الرجم باستجماع أُمور:

[الأوّل: الوطء بأهله في القبل]

الأوّل: الوطء بأهله (27) في القبل،

______________________________

فهي إنّما تدلّ علي الخلاف علي احتمالٍ بناءً علي نسخة ضبط «الواو»؛ إذ يكون المرأة حينئذٍ محكومة بالرجم مطلقاً، و يكون الذيل وارداً في بيان حكم الرجل و دالّاً علي أنّه لا يقبل دعواه تزويجها إلّا إذا أقام عليه البيّنة. و مع ذلك أيضاً لمّا كان مفروض الكلام أنّ هذه المرأة تزوّجت فلا يخلو الحديث من اغتشاش.

و أمّا بناءً علي عدم «الواو» فقد علّق الرجم علي إقامة بيّنة التزويج، و هو إنّما يناسب هذا التعليق إذا أُريد بيّنة الزوج السابق؛ بأن يكون ادّعي زوجيتها، فإن أقام بيّنة علي دعواه يثبت زوجيتها له و أنّها زنت و حدّها الرجم، و إن لم يقم بيّنة فقد قذفها بالزنا و عليه حدّ القذف، و هذا معني قوله (عليه السّلام)

و إلّا ضرب الحدّ

، و هذا يؤيّد صحّة نسخة الحذف؛ إذ يخرج الحديث عن اضطراب المتن، و اللّٰه العالم.

و كيف كان: فأصل المسألة علي ما في «الجواهر» لا خلاف يوجد فيه، بل عن بعضهم دعوي الإجماع عليه، فلو كانت النسخة بإثبات «الواو» كانت الصحيحة معرضاً عنها و لا حجّة فيها، فضلًا عن اختلاف النسخ.

(27) في «الرياض» نقل اعتباره في تحقّق الإحصان عن «مبسوط» شيخ الطائفة و «نهايته» و عن «سرائر» الحلّي و «جامع» ابن سعيد و «الإصباح»، و عن «الغنية» مدّعياً عليه الإجماع قال: و به صرّح جماعة

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 37

______________________________

من المتأخّرين و من غير نقل خلاف، و لكن عبارة «النافع» كعبارة كثير من القدماء ك «المقنعة» و «الانتصار» و «الخلاف» و «التبيان» و «مجمع البيان» مطلقة لا ذكر له فيها،

انتهي.

و كيف كان: فالإحصان في اللغة هو المنع أو الدخول في الحصن و اتّخاذه مسكناً يتحرّز به عن الشرور، و كأنّ المحصن بتمكّنه من الزوج قد حصل له المانع عن الزنا، و زوجه بمنزلة حصن يحرزه عن الفجور. فهو بمفهومه اللغوي يجتمع مع مجرّد الازدواج و إن لم يدخل به بعد، لكنّه لا ريب في دلالة أخبار معتبرة علي عدم ترتّب حدّ الرجم، بل عدم تحقّق مفهوم الإحصان في الشرع إلّا بالدخول، و هذه الأخبار علي قسمين:

الأوّل: ما يستفاد منه عدم تحقّق موضوع الإحصان قبل الوطء؛ ففي صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مائة، و قضي للمحصن الرجم، و قضي في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما، و هما اللذان قد أُملكا و لم يدخل بها «1».

بيان الدلالة: أنّ جعل البكر و البكرة في قبال المحصن و الحكم عليهما بغير الرجم مع تفسيرهما بمتزوّجين لم يقع بينهما دخول دليل واضح علي أنّه ما لم يتحقّق دخول بالزوجة لم يكن واحد منهما محصناً، فهذه الصحيحة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 61، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 38

______________________________

تدلّ علي اعتبار الدخول بها في تحقّق موضوع الإحصان في كلّ من الرجل و المرأة، فما لم يكن دخول لم يكن إحصان و لا رجم.

و نحوه في كيفية الدلالة في خصوص الرجل خبر زرارة بل صحيحه عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

المحصن يرجم، و الذي قد أُملك و لم يدخل بها فجلد مائة و نفي سنة «1».

و في صحيحة

محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله أ يحصن؟ قال

لا، و لا بالأمة «2»

، و هي كالصريحة في اعتبار الدخول بالزوجة في تحقّق موضوع الإحصان، إلّا أنّها أيضاً واردة في خصوص الرجل. و استفادة اشتراطه منها كسابقتها في المرأة مبتنية علي إلغاء الخصوصية. و كيف كان: فيكفي صحيحة محمّد بن قيس الماضية.

و استدلّ في «مباني التكملة» علي اعتباره في إحصان خصوص المرأة بصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن قول اللّٰه عزّ و جلّ فَإِذٰا أُحْصِنَّ، قال

إحصانهنّ أن يدخل بهنّ

، قلت: إن لم يدخل بهنّ أما عليهنّ حدّ؟ قال

بلي «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 63، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 28: 78، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 28: 76، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 39

______________________________

و نحوها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1». و دلالتهما علي اعتبار الدخول في تحقّق الإحصان إجمالًا واضح، لكنّه لا ينبغي الريب في أنّ هذا الإحصان ليس هو الإحصان الموضوع للرجم؛ و ذلك لما قرّره المستدلّ نفسه، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي من اشتراط الحرّية أيضاً في تحقّق الإحصان الموضوع للرجم.

و قوله تعالي المشار إليه و المسؤول عنه في الصحيحتين وارد في خصوص الإماء، و إليك نصّ الآية المباركة؛ قال تعالي:

وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ

أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنٰاتٍ غَيْرَ مُسٰافِحٰاتٍ وَ لٰا مُتَّخِذٰاتِ أَخْدٰانٍ فَإِذٰا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَي الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ. الآية «2».

و هو كما تري وارد في خصوص الإماء التي ملكت أيمان الناس، و صرّح في الفقرة المسئول عنها أنّ عليهنّ نصف العذاب المقرّر شرعاً علي غيرهنّ.

و كيف كان: فالاستدلال بالصحيحتين هنا غير صحيح، كما لا يخفي.

هذا تمام الكلام في القسم الأوّل من الأخبار.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 79، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 11.

(2) النساء (4): 25.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 40

______________________________

القسم الثاني: ما يدلّ علي انتفاء حدّ الرجم عمّن لم يدخل بأهله؛ ففي صحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أ يرجم؟ قال

لا «1»

، و دلالتها في خصوص الرجل علي ما ذكرناه واضحة.

و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة و لم يدخل بها فزني، ما عليه؟ قال

يجلد الحدّ و يحلق رأسه و يفرّق بينه و بين أهله و ينفي سنة «2»

؛ فإنّ جعل حدّ الرجل الذي تزوّج و لم يدخل بها الجلد و نفي البلد دليل واضح علي عدم إجراء حدّ الرجم عليه.

و مثلها في الدلالة في خصوص الرجل معتبر حنّان «3» و خبر عمر بن يزيد «4»، فراجع.

و يدلّ علي نفي حدّ الرجم في خصوص المرأة موثّقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها، قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 76، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل

الشيعة 28: 78، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 28: 77، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 28: 74، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 4، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 41

______________________________

يفرّق بينهما، و لا صداق لها؛ لأنّ الحدث كان من قبلها «1».

و دلالتها علي عدم إجراء حدّ الرجم عليها واضحة. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الرواية معرض عنها؛ إذ لا يفتي بالتفريق بينهما، بل بالجلد و التغريب في خصوص الرجل، فمفاد الرواية لم يعمل بها بل اعرض عنها، فلا حجّة أيضاً في مفهومها الذي هو من قبيل اللازم لمدلولها المطابقي، فتدبّر.

و بالجملة: فالمستفاد من مجموع الأخبار لا سيّما القسم الأوّل منها اعتبار الدخول بالأهل في تحقّق الإحصان الذي هو موضوع الرجم في كلّ من الرجل و المرأة.

و في قبال هذه الأخبار وردت بعض أخبار معتبرة ربّما يعدّ معارضاً لها:

منها: إطلاق قوله (عليه السّلام) في صحيح إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت: ما المحصن، رحمك اللّٰه؟ قال

من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن «2»

؛ فإنّه (عليه السّلام) جعل معيار صدق الإحصان أن يتمكّن من الفرج الكذائي، و إطلاقه يشمل ما إذا لم يدخل بها بعد. لكن الإنصاف: أنّه قابل للتقييد بقرينة ما سبقها من الأخبار، و الحمل علي الفرد الشائع منه؛ و هو الفرج الذي يغدو عليه و يروح و يدخل به.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 78، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 28: 68، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب

2، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 42

______________________________

و منها: صحيحة حريز قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المحصن، قال: فقال

الذي يزني و عنده ما يغنيه «1»

، و دلالتها أيضاً بالإطلاق مثل سابقتها، فيحمل علي المورد الشائع و لو بقرينة الأخبار الماضية.

و مثل هذه الصحيحة موثّقة إسحاق بن عمّار «2»، بل و موثّقته الأُخري «3»، فراجع.

و منها: إطلاق صحيح أبي بصير الذي لعلّه لا يضرّه الإضمار قال: قال

لا يكون محصناً حتّي (إلّا أن خ. ل) يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه «4»

، و هو أيضاً كسابقتيها محمول علي إرادة فرده الشائع.

و منها: خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة و لا ينفي، و الذي قد أُملك و لم يدخل بها يجلد مائة و ينفي «5»

، بيان الدلالة: أنّه قد جعل الذي قد أُملك و لم يدخل مقابل الذي لم يحصن،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 69، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 68، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 28: 69، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 28: 70، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 28: 63، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 43

و في الدبر لا يوجبه علي الأحوط (28)؛

______________________________

فيدلّ علي أنّ الذي أُملك و لم يدخل محصن، و هو خلاف ما دلّت عليه تلك الأخبار.

و فيه أوّلًا: أنّ مفروض هذا الخبر أيضاً أنّ من لم يدخل

بها فلا رجم عليه، فلا يعارض موضوع الرجم. و ثانياً: أنّه لا يبعد أن يكون إطلاق الإحصان هنا بعناية أُخري، كما أُريد من المحصنات في قوله تعالي في وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ النِّسٰاءِ خصوص المتزوّجات مطلقاً.

فتحصّل: أنّ اعتبار الدخول في تحقّق موضوع الرجم ممّا لا ينبغي أن يرتاب فيه.

(28) لقوّة احتمال انصراف الدخول إلي المعهود منه؛ و هو الدخول في القبل.

لا يقال: فيلزم الاحتياط في أصل إجراء حدّ الزنا؛ فإنّه أيضاً كما عرفت وارد علي عنوان الدخول.

فإنّه يقال: إنّ موضوع الرجم هو الدخول بالأهل أو البناء بها، و هما عبارة أُخري عن الزفاف و إغلاق الباب عليها، و لازمه الغالب العرفي و المعهود منه هو الإدخال في القبل. و هذا بخلاف موضوع الحدّ فإنّ العنوان المأخوذ هناك هو إدخال الذكر، و إطلاقه شامل للإدخال في الدبر، كما مرّ بيانه تفصيلًا.

و التحقيق: أنّ هذا الفرق غير صحيح؛ فإنّ بعض تلك الأخبار التي تضمّن حدّ الزنا علي عنوان الإدخال تضمّنت أيضاً أنّ ذلك الحدّ هو

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 44

فلو عقد و خلا بها خلوة تامّة أو جامعها فيما بين الفخذين أو بما دون الحشفة (29) أو ما دون قدرها في المقطوعة، مع الشكّ في حصول الدخول (30)، لم يكن محصناً و لا المرأة محصنة. و الظاهر عدم اشتراط الإنزال، فلو التقي الختانان تحقّق، و لا يشترط سلامة الخصيتين (31).

[الثاني: أن يكون الواطئ بأهله بالغاً علي الأحوط]

الثاني: أن يكون الواطئ بأهله بالغاً علي الأحوط (32)؛ فلا إحصان مع إيلاج الطفل و إن كان مراهقاً، كما لا تحصن المرأة بذلك؛ فلو وطأها و هو غير بالغ ثمّ زني بالغاً لم يكن محصناً علي الأحوط، و لو كانت الزوجية باقية مستمرّة.

______________________________

الرجم، فراجع. فلو كان

لها إطلاق يشمل الوطء في الدبر لاقتضي إجراء الرجم فيه أيضاً، فتأمّل.

(29) أي ممّن له حشفة. و وجه اعتبارها قد مرّ في المسألة الثالثة، فتذكّر.

(30) أي مع الشكّ في صدقه، و هو إشارة إلي ما مرّ من الترديد في المسألة الثالثة، و إلّا فمع الشكّ في الدخول بالمقدار اللازم بالشبهة الموضوعية فلا ريب في أنّ مقتضي استصحاب عدم الدخول نفي حدّ الزنا.

(31) لعدم دليل علي الاشتراط و اقتضاء الإطلاقات لعدم الاشتراط، كما لا يخفي.

(32) اشتراط وقوع الوطء بعد البلوغ مذكور في عبارة بعض الأصحاب؛ ففي «إرشاد» العلّامة في مقام تعداد شرائط تحقّق الإحصان ما لفظه: و يشترط وقوع الإصابة بعد الحرّية و التكليف. و استدلّ له المحقّق

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 45

______________________________

الأردبيلي في شرحه تارة بقوله: فإنّ الدخول قبل التكليف كاللادخول، و أُخري بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال في العبد يتزوّج الحرّة ثمّ يعتق فيصيب فاحشة، قال: فقال

لا رجم عليه حتّي يواقع الحرّة بعد ما يعتق.

الحديث «1»، قال (قدّس سرّه) بعد نقلها: هذه تدلّ علي اعتبار الدخول في الإحصان، و أنّه لا يكفي الدخول مطلقاً، بل لا بدّ من تحقّقه بعد حصول شرائط العتق و البلوغ كما مرّ، فتأمّل، انتهي.

و في «الجواهر» ما لفظه: يشترط في إحصانه الوطء بعد البلوغ، و إن كانت الزوجية مستمرّة؛ للأصل و الاستصحاب و قصور فعله عن أن يناط به حكم شرعي و نقص اللذّة و عدم انسباق نحوه من الدخول و شبهه، انتهي.

نعم، ما في «الجواهر» عن «المبسوط» من قوله: و أن تراعي الشروط حين الزنا، و لا اعتبار بما قبل ذلك، ظاهره أنّ تمام الاعتبار إنّما هو بوجود الشروط التي منها

البلوغ حين الزنا، و إن كان قبل الزنا غير بالغ، و لازمه أنّ الوطء بأهله لو وقع قبله و كانت زوجته مدخولة حين الزنا لكفي في إحصانه.

و كيف كان: فتحقيق المقام أنّ الأصل المذكور في كلام «الجواهر» في مقابل الاستصحاب لا محالة يراد به أصالة البراءة؛ ببيان أنّ وجوب إجراء حدّ الرجم عليه حينئذٍ مشكوك، فهو مرفوع بأدلّة البراءة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 77، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 46

______________________________

لكن فيه: أنّه لا يتمّ بناءً علي مختار الماتن دام ظلّه من أنّ حدّ المحصن هو الرجم فقط لا هو و الجلد معاً؛ و ذلك للعلم الإجمالي حينئذٍ بوجوب أحد الحدّين الرجم و الجلد عليه، و إجراء البراءة في أحدهما معارض بإجرائه في الآخر.

و أمّا الاستصحاب: فإمّا يراد به الاستصحاب الموضوعي؛ و هو استصحاب عدم الإحصان الثابت قطعاً قبل أن يطأ الصبي أهله، فيحكم ببقائه علي ما كان بعد الوطء أيضاً.

لكن فيه: أنّ المفروض أنّ الشكّ في مفهوم الإحصان؛ فلو علم مفهومه لما كان شكّ في البقاء أصلًا؛ فإنّ مفهومه و حقيقته إن تحقّق بوطء الصبي أيضاً لكان عدم بقاء العدم المذكور متيقّناً، و إن لم يتحقّق إلّا بوطء البالغ لكان بقاؤه يقينياً، فلا شكّ في بقاء عدم الإحصان بما له من المعني الواقعي، و إنّما الشكّ في مفهومه، و ليس رفع مثل هذا الشكّ في شأن الاستصحاب.

و إمّا يراد به الاستصحاب الحكمي، و هو بأحد وجهين:

أحدهما أن يقال: إنّه قبل الزنا لا يجب عليه الرجم، و يشكّ في حدوث وجوبه بعد الزنا و يحكم ببقاء عدم الوجوب بعده أيضاً.

لكن فيه أيضاً ما عرفت في

إجراء أصالة البراءة؛ من أنّه معارض باستصحاب عدم وجوب جلده.

ثانيهما أن يقال: إنّ هذا الشخص قبل وطء زوجته كان محكوماً بأنّه إذا بلغ و زني وجب عليه الجلد لا الرجم، فإذا وطئ زوجته يشكّ في بقاء هذا الحكم التعليقي؛ فيحكم ببقائه بالاستصحاب.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 47

______________________________

لكن فيه: أنّ المستصحب لا بدّ و أن يكون إمّا موضوع حكم شرعي، و إمّا حكماً شرعياً تنجيزياً أو تعليقياً. و ما نحن فيه ليس شيئاً منهما؛ إذ الحكم الشرعي هو وجوب جلد الزاني أو وجوب رجمه، و أمّا التعليق المذكور فهو تعليق جعلي من باب تعليق فعلية الحكم بفعلية موضوعه و شرائطه؛ فإنّ الزنا محقّق موضوع الزاني و البلوغ شرط فعلية حكمه، و قد تحقّق في محلّه عدم جريان الاستصحاب في أمثال هذه التعليقات.

فتحصّل: أنّه لا مجال لإجراء الأُصول العملية براءة كانت أو استصحاباً مضافاً إلي أنّ إجراءها منوط بعدم قيام الأدلّة الاجتهادية علي شي ءٍ من الطرفين، و إلّا كانت حاكمة أو واردة علي الأُصول.

و أمّا ما أفاده صاحب «الجواهر» و المحقّق الأردبيلي (قدّس سرّهما) من أنّ دخول الصبي كاللادخول، و لا يناط به حكم شرعي، فقد تحقّق عند المحقّقين ضعفه؛ إذ عمدة الدليل علي عدم الاعتبار بأفعاله بنحو العموم هو قول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في موثّقة عمّار الساباطي قال: سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة، قال:

إذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جري عليه القلم، و الجارية مثل ذلك إن أتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم «1»

؛ فإنّه مع قطع النظر عن تحديد

سنّ البلوغ الواقع فيه يدلّ علي ما روي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 12.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 48

______________________________

بسند غير نقي أنّ علياً (عليه السّلام) قال لعمر

أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتّي يحتلم، و عن المجنون حتّي يفيق، و عن النائم حتّي يستيقظ؟! «1»

، و ظاهرٌ أنّ رفع القلم عنه ظاهر في أنّه لا يكتب عليه بالقلم شي ء حتّي يحتلم؛ فإمّا لا يكتب عليه التكليف حتّي يستتبع عليه مؤاخذة، و إمّا لا يكتب عليه مؤاخذة.

و كيف كان: فلا يدلّ علي نفي أعماله مطلقاً و أنّ أعماله كالعدم. فلو كان مقتضي إطلاق أدلّة الرجم أنّ الملاك أن يكون زوجة الزاني مدخولة لكان اللازم الأخذ بها، كما لا يخفي.

و أضعف منه: مسألة نقص اللذّة؛ فإنّ حدّ الرجم لم ينط بالتذاذ الزاني من وطء أهله حتّي يعتبر فيه كمال اللذّة، و لا يشمل ما إذا نقص اللذّة، و المتّبع هو إطلاق الأدلّة لو كان.

فممّا ذكرنا تعرف: أنّه لا وجه لاعتبار بلوغ الواطئ بأهله في تحقّق الإحصان، إلّا ما أفاده بقوله في «الجواهر»: و عدم انسباق نحوه من الدخول و شبهه، الراجع إلي دعوي انصراف الدخول بالأهل أو البناء به الواقع في أدلّة اعتبار الدخول إلي دخول البالغ و حين البلوغ. و الإنصاف: أنّه محلّ تأمّل، بل منع.

و أمّا الاستدلال بصحيحة أبي بصير الماضية كما عن المقدّس الأردبيلي فمن المعلوم أنّ الصحيحة واردة في العبد الذي أُعتق، فاشترط

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 11.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 49

[الثالث: أن يكون عاقلًا حين الدخول بزوجته]

الثالث: أن يكون عاقلًا حين الدخول بزوجته (33)

علي الأحوط فيه؛ فلو تزوّج في حال صحّته و لم يدخل بها حتّي جنّ ثمّ وطأها حال الجنون لم يتحقّق الإحصان علي الأحوط.

[الرابع: أن يكون الوطء في فرج مملوك له بالعقد الدائم الصحيح]

الرابع: أن يكون الوطء في فرج مملوك له بالعقد الدائم الصحيح (34)

______________________________

فيه أن يدخل بأهله بعد ما أُعتق، حتّي يجري عليه حدّ الرجم، فمورده لا يعمّ ما نحن فيه، فالاستدلال به لما نحن فيه إنّما يتمّ بدعوي إلغاء الخصوصية أو الأولوية؛ ببيان أنّ الحرّية كالبلوغ من شرائط إجراء حدّ الرجم، لكن العبد إذا زني يجري عليه حدّ الزنا و غير البالغ لا يجري عليه حدّ. فإذا كان العبد البالغ إذا كملت شرائط إجراء حدّ الرجم عليه و صار حرّا يعتبر فيه أن يواقع أهله بعد الحرّية فإن يعتبر مثله في الصبي بأن يشترط أن يواقع أهله بعد البلوغ أولي، و لا أقلّ من أن يكون هو مثله، فتأمّل.

و لعدم حصول القطع من جميع ذلك كلّه أفاد الماتن: أنّه الأحوط؛ لما فيه من عدم التهجّم علي الدماء.

(33) لا دليل خاصّ فيه، و الوجوه المذكورة في الصبي نقضاً و إبراماً يأتي فيه أيضاً، فتذكّر.

و لا يبعد أن يكون الأظهر عدم اعتبار هذين الشرطين؛ لقوّة إطلاق الأدلّة و ضعف دعوي الانصراف و عدم الاعتناء بها و عدم بلوغ إلغاء الخصوصية في صحيحة أبي بصير إلي حدّ الظهور العرفي، و اللّٰه العالم.

(34) بلا خلاف كما في «الرياض». و يشهد له من الأخبار انضمام طائفتين منها:

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 50

______________________________

الطائفة الأُولي: ما تدلّ علي أنّ المحصن مَن كان عنده امرأة تغنيه عن الزنا؛ ففي صحيحة إسماعيل بن جابر عن الباقر (عليه السّلام) قال: قلت: ما المحصن رحمك اللّٰه؟ قال

من كان له فرج يغدو عليه

و يروح فهو محصن «1»

، فقوله (عليه السّلام)

من كان له فرج

يدلّ علي اعتبار أن يكون له امرأة قد جوّز الشارع وطأها و اعتبر فرجها له، و هو لا يكون إلّا بعقد صحيح أو ملك يمين أو تحليل، فيخرج عن الإحصان موارد الزنا و وطء الشبهة بأقسامها، كما أنّ إطلاقه يشمل الدائم و المتعة و ملك اليمين و التحليل. و في صحيحة حريز قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المحصن، فقال

الذي يزني و عنده ما يغنيه «2»

، و هي في جهات الدلالة مثل سابقتها. و مثلهما مضمر أبي بصير الماضي «3»، فتذكّر.

فمقتضي هذه الأخبار و إن كان اعتبار مملوكية الفرج في تحقّق الإحصان، إلّا أنّها مطلقة من حيث دوام عقد النكاح و انقطاعه.

لكن هنا أخبار معتبرة أُخري تدلّ علي عدم حصول الإحصان بالمتعة؛ و هي الطائفة الثانية: ففي موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 68، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 69، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 4.

(3) مرّ ذيل الشرط الأوّل.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 51

______________________________

هو زني و عنده السرية «1» و الأمة يطؤها تحصنه الأمة و تكون عنده؟ فقال

نعم، إنّما ذلك لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا

، قلت: فإن كانت عنده أمة زعم أنّه لا يطؤها؟ فقال

لا يصدّق

، قلت: فإن كانت عنده امرأة متعة أ تحصنه؟ فقال

لا، إنّما هو علي الشي ء الدائم عنده «2».

و في موثّقه الآخر قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السّلام): الرجل تكون له الجارية أ تحصنه؟

قال: فقال

نعم، إنّما هو علي وجه الاستغناء

، قال: قلت:

و المرأة المتعة؟ قال: فقال

لا، إنّما ذلك علي الشي ء الدائم

، قال: قلت: فإن زعم أنّه لم يكن يطؤها، قال: فقال

لا يصدّق، و إنّما أوجب ذلك عليه لأنّه يملكها «3».

و لا يبعد أن يكون كلتاهما خبراً واحداً و جاء اختلاف الألفاظ و التأخير و التقديم من ناحية النقل بالمعني، و كيف كان فهما صريحتان في أنّ المتعة لا توجب الإحصان، بل يعتبر في حصول الإحصان الدوام. نعم ربّما يمكن أن يقال بانصرافهما عن المتعة الطويلة المدّة، بحيث تكون خارجاً مثل

______________________________

(1) في «مجمع البحرين»: و في الحديث ذكر السرية هي بضمّ السين الأمة المنسوبة إلي السرّ و هو الجماع و الخفاء لأنّ الإنسان كثيراً ما يسرّها و يسترها عن الحرّة، و إنّما ضمّت سينه لأنّ الأبنية تغيّرت في النسب، و الجمع السراري.

(2) وسائل الشيعة 28: 68، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 28: 69، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 52

أو ملك اليمين (35)؛ فلا يتحقّق الإحصان بوطء الزنا و لا الشبهة، و كذا لا يتحقّق بالمتعة؛ فلو كان عنده متعة يروح و يغدو عليها لم يكن محصناً.

______________________________

الزوجة الدائمة، كأن استمتع من كان له خمسون سنة امرأة لخمسين سنة؛ فإنّها مع ملاحظة عدم تجاوز الأعمار عادة عن المائة تكون عنده دائماً، فإذا كان منصرفهما غير هذا الفرد كان هذا الفرد داخلًا في عموم الطائفة الأُولي، كما لا يخفي.

و ممّا يدلّ علي عدم حصول الإحصان بالمتعة خبر عمر بن يزيد، ففيه: أنّ الصادق (عليه السّلام) قال

لا يرجم الغائب عن أهله، و لا المملّك الذي لم يبن بأهله، و لا صاحب

المتعة «1».

فإنّه و إن لم يصرّح في خصوصه بعدم حصول الإحصان بالمتعة إلّا أنّه صرّح بنفي حدّ الرجم عن صاحب المتعة، و هو كافٍ في المطلوب؛ لا سيّما بعد ورود الموثّقين.

نعم إنّه لمكان عدم اشتماله علي التعليل مطلق يدلّ علي عدم الاعتبار بالمتعة مطلقاً و إن كانت مدّة طويلة، لكنّه قابل للتقييد بمفهوم التعليل المذكور في الموثّقين بأنّه

إنّما هو علي الشي ء الدائم عنده

فتذكّر.

(35) في «الرياض»: كما هو المشهور بين الأصحاب، بل عليه الإجماع في «الانتصار» و «الغنية»، و هو الحجّة. إلي أن قال: خلافاً

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 74، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 4، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 53

______________________________

للصدوق و القديمين و الديلمي، انتهي.

و في «المسالك»: و ذهب جماعة من أصحابنا منهم ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و سلّار إلي أنّ ملك اليمين لا يحصن.

و كيف كان: فقد عرفت أنّ مقتضي إطلاق صحيحة جابر و حريز حصول الإحصان بملك اليمين، بل بمثل التحليل أيضاً، و قد تضمّنت موثّقة إسحاق الماضية حصوله به بالصراحة.

و يدلّ عليه صريحاً أيضاً خبر علي بن جعفر المروي عن كتابه عن أخيه موسي بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الحرّ تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زني؟ قال

نعم «1».

و في قبال هذه الأخبار صحيحة الحلبي و صحاح ثلاثة لمحمّد بن مسلم:

ففي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل الحرّ أ يحصن المملوكة؟ فقال

لا يحصن الحرّ المملوكة، و لا تحصن المملوكة الحرّ، و اليهودي يحصن النصرانية، و النصراني يحصن اليهودية «2»

، فالسؤال و إن كان عن حصول إحصان الأمة بالحرّ إلّا أنّه (عليه السّلام) بعد الجواب عن هذا السؤال

و أنّه لا يحصنها تفضّل بأن قال: إنّ المملوكة أيضاً لا تحصن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 72، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 11.

(2) وسائل الشيعة 28: 70، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 54

______________________________

الحرّ، فالسؤال قرينة علي أنّ المراد نفي إحصان المملوكة بالحرّ، و هما قرينتان علي أنّ قوله (عليه السّلام)

و لا تحصن المملوكة الحرّ

تعرّض لحكم العكس و أنّ المملوكة أيضاً لا تحصن الحرّ، فاحتمال قراءة المملوكة بالنصب مضافاً إلي أنّه خلاف الظاهر بنفسه و موجب لوقوع التكرار مخالف للقرينة المذكورة.

و في صحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله أ يحصن؟ قال

لا، و لا بالأمة «1»

، و دلالتها أيضاً واضحة. و نحوها صحيحته الأُخري «2».

و تقييد إطلاق مثل صحيحة جابر و حريز و إن أمكن بها إلّا أنّهما معارضتان لموثّقة إسحاق بن عمّار و لا جمع عرفي بينهما، و حيث إنّ عمل المشهور بل ادّعي الإجماع علي طبق الموثّقة فلا بدّ بمقتضي أخبار العلاج من طرح الصحيحتين و الأخذ بموثّقة ابن عمّار.

ثمّ إنّ التحليل لمّا كان أمراً غير دائم فهو و إن كان مشمولًا لعموم مثل صحيحة جابر إلّا أنّ تعليل الموثّقة في نفي حصول الإحصان بالمتعة بأنّه إنّما هو علي الشي ء الدائم عنده يقتضي عدم الاعتبار بالتحليل أيضاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 78، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 28: 71، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 9.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 55

[الخامس: أن يكون متمكّناً من وطء الفرج]

الخامس: أن يكون متمكّناً من

وطء الفرج (36).

______________________________

(36) بلا خلاف كما في «الرياض»، و في «الانتصار» بعد اعتبار هذا المعني في الإحصان الموجب للرجم بقوله: يتمكّن من وطئها متي شاء، من غير حائل من ذلك بغيبة أو مرض منهما أو حبس دونه، و بعد نقل أقوال العامّة قال: دليلنا علي صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، انتهي.

و كيف كان: فلا ينبغي الإشكال في اعتبار التمكّن المذكور و كون كلّ من الزوجين بمنال الآخر، و إن كان الزوجة يجب عليها التمكين شرعاً، بخلاف الزوج فلا تنال الزوجة إلي وطئه إلّا من طريق العواطف.

و الأخبار الواردة في ذلك علي أقسام ثلاثة:

القسم الأوّل منها، تعرّض لخصوص اعتباره في الرجل تارة بلسان «يغدو عليه و يروح» كما في قول الباقر (عليه السّلام) الماضي ذيل الأمر الرابع

من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن

، و ظاهر قوله: «يغدو عليه و يروح» كون المرأة تحت اختياره صباحاً و مساءً يتمكّن من وطئها متي شاء. و أُخري بلسان ما يغنيه عن الزنا كما مرّ من قول الصادق (عليه السّلام) في صحيحة حريز في تفسيره

الذي يزني و عنده ما يغنيه

، و نحوه موثّقتا إسحاق، و قد مضتا أيضاً. و ثالثة بلسان ما يغلق عليها بابه كما في مضمرة أبي بصير قال: قال

لا يكون محصناً حتّي (إلّا أن خ. ل) يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه «1»

، فجميع هذه الأخبار يدلّ علي أمر واحد؛ و هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 70، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 56

______________________________

اشتراط إحصان الرجل بأن يكون له في بيته امرأة تحت اختياره يتمكّن من وطئه، كما يتمكّن الرجال من زوجاتهم.

و القسم

الثاني من الأخبار: ما دلّ علي اعتبار هذا الأمر في كلّ من الرجل و المرأة، كما في صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

المغيب و المغيبة ليس عليهما رجم، إلّا أن يكون الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل «1»

؛ فإنّ نفي حدّ الرجم الذي هو حدّ الزاني المحصن عن المغيب و المغيبة إلّا أن يكون الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل، ظاهر عرفاً و لا سيّما بعد ملاحظة القسم الأوّل من الأخبار في أنّ كون كلّ من الرجل و المرأة بحيث تناله يد الآخر ليستمتع به بالوطء بحسب المتعارف أمر معتبر في تحقّق صفة الإحصان لهما.

و القسم الثالث منها: ما ورد في خصوص المرأة؛ و هو صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة تزوّجت رجلًا و لها زوج، قال: فقال

إن كان زوجها الأوّل مقيماً معها في المصر التي هي فيه، تصل إليه و يصل إليها فإنّ عليها ما علي الزاني المحصن الرجم، و إن كان زوجها الأوّل غائباً عنها أو كان مقيماً معها في المصر، لا يصل إليها و لا تصل إليه فإنّ عليها ما علي الزانية غير المحصنة.

الحديث «2»، و بيان دلالتها ظهر ممّا مرّ و هنا أخبار أُخر سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي آنفاً ذيل الفروع الآتية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 72، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 3، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 125، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 27، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 57

يغدو عليه و يروح إذا شاء، فلو كان بعيداً و غائباً لا يتمكّن من وطئها فهو غير

محصن (37)،

______________________________

(37) و ذلك أنّ العناوين المأخوذة في الأخبار علي ما عرفت يتوقّف صدقها علي عدم تحقّق هذه الغيبة، و إلّا فليس عنده ما يغنيه، و لا ما يغلق عليها بابه، و لا له فرج يغدو عليه و يروح، و لا يصدق أنّه مع المرأة، و لا أنّ المرأة معها؛ فلا يكون هو محصناً و لا هي محصنة. مضافاً إلي ورود أخبار خاصّة علي خصوص عنوان الغيبة الكذائية؛ إمّا في كليهما كما في صحيح ابن مسلم الآنف الذكر، و إمّا في خصوص الرجل؛ ففي صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم و يضرب حدّ الزاني.

الحديث «1». و في خبر الحارث قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل له امرأة بالعراق فأصاب فجوراً و هو في الحجاز، فقال

يضرب حدّ الزاني مائة جلدة و لا يرجم.

الحديث «2». و في صحيح عمر بن يزيد عنه (عليه السّلام) أنّه قال

لا يرجم الغائب عن أهله «3»

، و دلالة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 72، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 3، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 73، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 3، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 28: 74، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 4، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 58

______________________________

الأحاديث المذكورة علي المطلوب واضحة.

ثمّ إنّ ظاهر المتن دوران صدق الإحصان مدار أن لا يتمكّن بالغيبة من زوجته، و لازمه أنّه لو سافر دون حدّ التقصير و لم يتمكّن لأجل بعض الحوادث أن يرجع إلي أهله فهو غير محصن، كما أنّه

لو سافر أكثر من حدّ التقصير و تمكّن من الرجوع إليها، كما يتمكّن الناس منه في بلادهم كما في أمثال زماننا حيث يتمكّن الإنسان من الرجوع إلي أهله بالسيّارات و سائر الوسائل التجارية و غيرها الحديثة و المتعارفة فإنّه يصدق عليه أنّ له فرجاً يغدو عليه و يروح، و أنّ له ما يغنيه عن الزنا، كما يغني زوجة الرجال القاطنين في بلادهم.

نعم، قد ورد في ذيل مصحّح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قلت: ففي أيّ حدّ سفره لا يكون محصناً؟

قال

إذا قصّر و أفطر فليس بمحصن «1»

، و نحوه مرفوعة محمّد بن الحسين «2» فراجع، و لازم إطلاقه أنّ تحقّق الإحصان و عدمه دائر مدار الوصول إلي الحدّ المذكور و عدمه علي خلاف ما عرفت، لكن المحقّق (قدّس سرّه) في «الشرائع» وصف الرواية المذكورة بأنّها مهجورة، فقال هنا: «و في رواية مهجورة: دون مسافة التقصير»، فبعد إعراض الأصحاب عنها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 74، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 4، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 74، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 4، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 59

و كذا لو كان حاضراً لكن غير قادر لمانع؛ من حبسه أو حبس زوجته أو كونها مريضة لا يمكن له وطؤها، أو منعه ظالم عن الاجتماع بها ليس محصناً (38).

______________________________

و هجرهم لها لا حجّة فيها حتّي يقيّد به الإطلاقات.

و لا يبعد أن يقال: بانطباق مفاد المصحّحة مع تلك الإطلاقات أيضاً؛ و ذلك أنّ تلك الإطلاقات بعد ما كانت كالصريحة في أنّ المدار أن يكون عنده امرأة تغنيه عن الزنا كما يغني أزواج الناس عنه. فإذا سافر الرجل

في أزمنة صدور الرواية سفراً فيه تقصير و هو أربعة فراسخ مثلًا ففي الغالب يشغل سفره أزيد من جميع يومه، فيخرج بذلك عن التمكّن من وطء زوجته الحاصل للمتعارف من الناس الحاضرين في بلدهم، فقد انطبق علي مفاد الإطلاقات، فتأمّل.

(38) لما عرفت في الغائب من أنّ العناوين المتوقّف عليها صدق الإحصان لا تصدق مع كلّ من هذه الموانع، مضافاً إلي ورود أخبار خاصّة في المحبوس؛ ففي ذيل صحيحة أبي عبيدة المتقدّم صدرها قال

و قضي في رجل محبوس في السجن و له امرأة حرّة في بيته في المصر و هو لا يصل إليها، فزني في السجن، قال: عليه الحدّ (يجلد الجلد) و يدرأ عنه الرجم «1»

، و في ذيل خبر الحارث المتقدّم صدره قلت: فإن كان معها في بلدة واحدة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 72، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 3، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 60

[السادس: أن يكون حرّا]

السادس: أن يكون حرّا (39).

______________________________

و هو محبوس في السجن لا يقدر أن يخرج إليها و لا تدخل هي عليه أ رأيت إن زني في السجن؟ قال

هو بمنزلة الغائب عنه أهله يجلد مائة جلدة «1»

، هذا.

ثمّ إنّ ظاهر العناوين المذكورة في الأخبار أن يكون عند الرجل امرأته و تكون تحت اختياره، كما تكون كلّ امرأة عند زوجها و تحت اختياره، فابتلاء زوجته بالحيض لا يكون مانعاً عن صدق هذه العناوين و لا يوجب خروجه عن الإحصان؛ إذ الأخبار ناظرة إلي ما هو المتعارف من كون النساء عند أزواجهنّ، كما لا يخفي. فاحتمال عدم صدق الإحصان في خصوص أيّام الحيض ضعيف جدّاً، مضافاً إلي تمكّنه من غير موضع الدم، قال السيّد في «الانتصار»: و فرّقوا بين

الغيبة و الحيض؛ لأنّ الحيض لا يمتدّ، و ربّما امتدّت الغيبة، و لأنّه قد يتمتّع من الحائض بما دون موضع الحيض، و ليس كذلك الغيبة.

(39) بلا خلاف كما في «الرياض» و «الجواهر»، بل في الثاني: أنّ الإجماع بقسميه عليه، و العمدة في اعتبار هذا الشرط أيضاً أخبار خاصّة؛ و هي:

إمّا بلسان اعتباره في كلّ من الرجل و المرأة كما في صحيحة الحسن بن السري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا زني العبد و الأمة و هما محصنان فليس

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 73، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 3، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 61

______________________________

عليهما الرجم، إنّما عليهما الضرب خمسين، نصف الحدّ «1»

، و دلالتها علي نفي حدّ الرجم عنهما صريحة، إلّا أنّها دالّة علي عدم اعتبار الحرّية في حصول وصف الإحصان، و إنّما تعتبر في نفي الرجم. اللهمّ إلّا أن يكون المراد بالإحصان فيها التزوّج، كما في قوله تعالي في عداد النساء المحرّمات وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ النِّسٰاءِ، و كيف كان: فالأمر سهل بعد دلالتها علي نفي الرجم عن العبد و الأمة.

و إمّا بلسان اعتباره في الرجل، كما في صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في العبيد إذا زني أحدهم أن يجلد خمسين جلدة، و إن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانياً، و لا يرجم و لا ينفي «2»

؛ فإنّ نفي الرجم و النفي الواقع في ذيله ظاهر في نفيهما عن العبيد فيما كان المتوقّع إجراءهما عليهم، و هو فيما كانوا محصنين أو أبكاراً، و هو عبارة أُخري عن اشتراط حدّ الرجم بالحرّية في الرجال.

و نحوه في الدلالة صحيحة أبي بصير

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في العبد يتزوّج الحرّة ثمّ يعتق فيصيب فاحشة، قال: فقال

لا رجم عليه حتّي يواقع الحرّة بعد ما يعتق.

الحديث «3» فإنّ اعتبار الجماع مع زوجته الحرّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 134، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 31، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 134، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 31، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 28: 77، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 62

______________________________

بعد العتق بحيث لا يكون عليه رجم إلّا معه و إن جامع في زمان رقّيته زوجته الحرّة دليل واضح علي أنّ العبد لا يرجم إذا زني و إن كانت تحته امرأة حرّة.

و إمّا بلسان اعتباره في المرأة خاصّة، و هي أخبار عديدة؛ ففي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل الحرّ أ يحصن المملوكة؟ فقال

لا يحصن الحرّ المملوكة، و لا تحصن المملوكة الحرّ.

الحديث «1»؛ فإنّ دلالتها علي عدم تحقّق إحصان المملوكة مطلقاً بالحرّ واضحة، و احتمال قراءة «الحرّ» في الفقرة الأُولي بالنصب مع أنّه خلاف الظاهر جدّاً، و لو بقرينة السؤال لا يجدي شيئاً بعد ذكر الفقرة الثانية و عدم احتمال التكرار قطعاً، كما أنّ عدم حجّية الفقرة الثانية بالتعارض كما عرفت ذيل الأمر الرابع لا يضرّ بحجّية الفقرة الاولي.

بل لا يبعد دلالة الآية الشريفة فَإِذٰا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَي الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ «2» علي ذلك؛ إذ هي كما عرفت ذيل البحث عن اشتراط الدخول في الإحصان واردة في الإماء المتزوّجات بالأحرار، و قد فسّر الإحصان المذكور فيها بالدخول بهنّ في صحيحة محمّد بن مسلم

و أبي بصير، كما مضي هناك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 70، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 8.

(2) النساء (4): 25.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 63

[مسألة 10 يعتبر في إحصان المرأة ما يعتبر في إحصان الرجل]

مسألة 10 يعتبر في إحصان المرأة ما يعتبر في إحصان الرجل (40)؛ فلا ترجم لو لم يكن معها زوجها يغدو عليها و يروح، و لا ترجم غير المدخول بها، و لا غير البالغة و لا المجنونة و لا المتعة.

______________________________

فقد تضمّنت الآية بضميمة الصحيحتين: أنّ الأمة المتزوّجة المدخول بها إذا أتت بفاحشة فعليها نصف ما علي المحصنات من العذاب، و حيث إنّ الرجم لا معني لإجراء نصفه علي أحد فلا محالة يراد بالمذكور في الآية نصف الجلد؛ و هو مائة ضربة حدّ الحرّة، فحاصل مفاد الآية: أنّ الإماء بعد تزويجهنّ و الدخول بهنّ إن أتين بفاحشة فحدّهنّ خمسون جلدة لا الرجم، و هو عبارة أُخري عن اشتراط الحرّية في إحصان النساء.

و هنا أخبار أُخر دالّة علي المطلوب، و في ما ذكر كفاية، و الحمد للّٰه وحده.

(40) في «الجواهر»: بلا خلاف أجده، بل عن «الغنية» الإجماع عليه. و قد نقل في «الرياض» أيضاً الإجماع عن «الغنية». و قد مرّ ذيل الشرط الأوّل و الخامس و السادس أنّ أدلّة اشتراطها دالّة بالخصوص أو العموم علي اعتبارها في إحصان المرأة أيضاً، و يظهر للمتأمّل اشتراكها مع الرجل في أدلّة اشتراط الأمر الثاني و الثالث نقضاً و إبراماً أيضاً.

و أمّا الأمر الرابع فمملوك المرأة لا يجوز له وطؤها، فحصول الإحصان فيها بملك اليمين منتفٍ. و أمّا الازدواج الموقّت أعني المتعة فمورد أخبارها و إن كان خصوص الرجل إلّا أنّ التعليل الوارد في موثّقتي إسحاق بن عمّار و مرسل حفص

من قوله (عليه السّلام)

إنّما ذلك علي الشي ء الدائم

أو

الدائم

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 64

______________________________

عنده

يكون ظاهراً في أنّ المعتبر و الملاك هو دوام ما عنده، و من المعلوم خصوصاً بعد ما عرفت في اشتراط الأمر الخامس إلغاء الخصوصية عن مورده عرفاً و انفهام أنّ قوام الإحصان شرعاً مطلقاً أي في كلّ من الرجل و المرأة بكون ما عندهما مبنياً علي الدوام، فلا يكفي عقد المتعة في حصول إحصان المرأة، كما لا يكفي في الرجل.

لكن بقي هنا أمران: الأوّل: قد تضمّن بعض الأخبار اشتراط إجراء حدّ الرجم علي المرأة بكون الزاني بها بالغاً، و لم يتعرّض له الماتن دام ظلّه هنا تبعاً للأصحاب، و اكتفاء بما يأتي من ذكره، و أنّه معتبر في كلٍّ من الرجل و المرأة عند بيان أقسام حدّ الزنا. و لعلّ السرّ في تأخيره: أنّه ليس شرطاً في تحقّق موضوع الإحصان الذي هو محلّ الكلام هنا، و إنّما هو شرط في إجراء حدّ الرجم علي المحصن.

الثاني: قد يمكن أن يقال بأنّه قد ورد بعض الأخبار باشتراط أمر آخر في إحصان المرأة؛ و هو أن يكون زوجها أيضاً حرّا؛ ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

لا يحصن الحرّ المملوكة و لا المملوك الحرّة «1»

، فكما أنّ صدره ينفي تحقّق إحصان الأمة بالرجل الحرّ و هو الشرط السادس كما عرفت كذلك ذيله ينفي تحقّق إحصان المرأة بالزوج المملوك. و في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 70، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 65

______________________________

الحرّ أ تحصنه المملوكة؟ قال

لا يحصن الحرّ

المملوكة، و لا يحصن المملوك الحرّة.

الحديث «1»، و بيان الدلالة فيها أيضاً عين ما ذكرناه في صحيحة الحلبي، هذا.

و لا يبعد أن يقال في صحيح ابن مسلم حيث إنّ السؤال صريح في إرادة تحقّق إحصان الرجل الحرّ بالأمة فهو يصلح أن يكون قرينة علي أنّ الحرّ في الفقرة الأُولي مفعول مقدّم، و وحدة السياق دليل علي تقدّم المفعول علي الفاعل في الفقرة الثانية أيضاً، فتخرج الصحيحة عن الدلالة علي اشتراط أمر زائد، و لعلّها تكون قرينة علي كون القراءة في الصحيحة الأُولي أيضاً كذلك، و لا أقلّ من احتمالها فيها، و معه يخرج الصحيحتان عن إمكان الاستدلال بهما عليه، غاية الأمر: أن يكون فقرتهما الأُولي حينئذٍ ممّا لم يعمل بها المشهور، و لا بأس به؛ إذ حينئذٍ تكونان من زمرة سائر الأخبار التي أُشير إليها ذيل الشرط الرابع، و قد أعرض المشهور عنها و لم يعملوا بها، فتذكّر.

و إن أبيت إلّا عن قراءة «المملوك» بالرفع و تقديم الفاعل علي المفعول فلا ينبغي الريب في أنّ المشهور لم يفتوا بمضمون الفقرة الثانية؛ لما عرفت من دعوي اللاخلاف، بل الإجماع علي أنّ إحصان المرأة مثل إحصان الرجل في الشرائط سواء، و إطلاقه يقتضي عدم اعتبار حرّية الزوج في إحصانها، كما لم يعتبر حرّية المرأة في إحصانه، بل صرّح الشيخ في «نهايته» بعدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 75، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 5، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 66

[مسألة 11 الطلاق الرجعي لا يوجب الخروج عن الإحصان]

مسألة 11 الطلاق الرجعي لا يوجب الخروج عن الإحصان (41)، فلو زني أو زنت في الطلاق الرجعي كان عليهما الرجم.

______________________________

الاعتبار، فقال ما لفظه: و الإحصان في المرأة مثل الإحصان في الرجل سواء؛ و

هو أن يكون لها زوج يغدو إليها و يروح مخلّي بينه و بينها غير غائب عنها و كان قد دخل بها؛ حرّا كان أو عبداً، انتهي.

و عليه: فبعد إعراض المشهور عنها تسقط عن الحجّية، كما لا يخفي.

(41) و في «الرياض» في المطلّقة: بلا خلاف. و الاستدلال علي بقاء الإحصان فيهما من وجهين:

أحدهما: الأدلّة الواردة علي بقاء الزوجية في العدّة الرجعية، فيدخل الرجل في عموم «من كان له فرج» و «من كان عنده ما يغنيه عن الزنا» و المرأة في العمومات الأُخر المتناسبة:

ففي معتبرة الكناسي قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن طلاق الحبلي، فقال

يطلّقها واحدة للعدّة بالشهور و الشهود

، قلت: فله أن يراجعها؟ قال

نعم، و هي امرأته. «1»

الحديث، بيان الدلالة: أنّ السائل قد سأل عن جواز الرجوع، فأجاب (عليه السّلام) بقوله

نعم

، و زاد عليه قوله

و هي امرأته

الظاهر في كونها زوجته فعلًا، و احتمال أن يكون المراد أنّها امرأته و زوجته بعد الرجوع خلاف الظاهر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 148، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق و أحكامه، الباب 20، الحديث 11.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 67

______________________________

و في خبر محمّد بن مسلم قال: سئل أبو جعفر (عليه السّلام) عن رجل طلّق امرأته واحدة ثمّ راجعها قبل أن تنقضي عدّتها و لم يشهد علي رجعتها، قال

هي امرأته ما لم تنقض العدّة، و قد كان ينبغي له أن يشهد علي رجعتها فإن جهل ذلك فليشهد حين علم، و لا أري بالذي صنع بأساً. «2»

الحديث، ببيان أنّ السائل و إن سأل عن حال المرأة بعد ما راجعها زوجها و يكون الجواب حينئذٍ بقوله (عليه السّلام)

هي امرأته

لا يقتضي أزيد من كونها امرأته بعد ما راجع، و هو ممّا لا كلام

فيه، إلّا أنّه حيث عقّبه بقوله

ما لم تنقض العدّة

صار حاصل الجواب أنّ المطلّقة في زمن العدّة زوجته، و هو المطلوب. و حمل جملة

ما لم تنقض العدّة

علي كونه ظرفاً للمراجعة المذكورة في السؤال لكي يؤول الجواب إلي أنّها بعد الرجوع امرأته بشرط أن يكون الرجوع قبل انقضاء العدّة خلاف الظاهر.

و يؤيّد بقاء زوجيتهما الحكم بالتوارث بينهما في العدّة، و بلزوم الاعتداد عدّة الوفاة إن مات الزوج في العدّة، و بحصول الرجعة بمجرّد الوطء و إن لم ينو الرجوع علي ما أفتوا به.

و يدلّ عليه: إطلاق صحيحة محمّد بن القاسم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

من غشي امرأته بعد انقضاء العدّة جلد الحدّ، و إن غشيها قبل انقضاء العدّة كان غشيانه إيّاها رجعة لها «1».

______________________________

(2) وسائل الشيعة 22: 135، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق و أحكامه، الباب 13، الحديث 6.

(1) وسائل الشيعة 28: 131، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 29، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 68

______________________________

و أمّا ما في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) من قوله (عليه السّلام)

فإن طلّقها واحدة بشهود علي طهر، ثمّ انتظر بها حتّي تحيض و تطهر، ثمّ طلّقها قبل أن يراجعها لم يكن طلاقه الثانية طلاقاً؛ لأنّه طلّق طالقاً، و لأنّه إذا كانت المرأة مطلّقة من زوجها كانت خارجة من ملكه حتّي يراجعها، فإذا راجعها صارت في ملكه ما لم يطلّقها.

الحديث «1»، حيث عبّر (عليه السّلام) بخروجها من ملكه بالطلاق الظاهر في خروجها علي الزوجية، فهو محمول علي إرادة التزلزل الذي حصل في زوجيتهما بالطلاق؛ فإنّها بعد ما طلّقت ليست تحت سلطته، كيف و هي تبين منه بتّاً إن لم يراجع

في طلاقها!؟

هذا، مضافاً إلي ضعف سند الرواية؛ للتردّد في أنّ الراوي ابن أبي نجران أو ابن أبي عمير أو رجل مجهول غيرهما، فراجع.

و بالجملة: فدلالة المعتبرة و الخبر علي بقاء الزوجية في زمن العدّة الرجعية ظاهرة، و مقتضاه كما عرفت بقاء الإحصان فيهما. هذا تمام الكلام في أوّل الوجهين.

الوجه الثاني: الأخبار الواردة في خصوص الزنا في العدّة:

أمّا في ناحية المرأة ففي معتبرة يزيد الكناسي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة تزوّجت في عدّتها، فقال

إن كانت تزوّجت في عدّة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها الرجم، و إن كانت تزوّجت في عدّة ليس لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها حدّ الزاني غير المحصن، و إن كانت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 109، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق و أحكامه، الباب 2، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 69

______________________________

تزوّجت في عدّة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر و العشرة أيّام فلا رجم عليها و عليها ضرب مائة جلدة.

الحديث «1».

و روي عنه الصدوق (قدّس سرّه) أيضاً في «الفقيه» نحوه بتقديم و تأخير في الفقرات، فراجع «2». و موردها و إن كان التزوّج في العدّة إلّا أنّها كالصريحة في أنّ الحكم المذكور فيه إنّما هو حدّ الزنا الذي ارتكبته، و دلالتها علي المطلوب حينئذٍ واضحة.

و في موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل كانت له امرأة فطلّقها أو ماتت فزني، قال

عليه الرجم

، و عن امرأة كانت لها زوج فطلّقها أو مات ثمّ زنت عليها الرجم؟ قال

نعم «3»

، فذيلها قد تضمّن رجم المطلّقة الزانية و إطلاقها شامل لما نحن فيه، كما أنّه شامل للبائنة و لما إذا كان زنا الرجعية بعد انقضاء

العدّة، لكنّه يقيّد و لو بقرينة معتبرة الكناسي بالرجعية التي زنت في العدّة. و أمّا زناها بعد موت زوجها فليس زنا محصنة، و لا مجال لرجمها، و لم يفت به أحد، و إنّما أفتوا بما تضمّنته المعتبرة من حدّ الضرب، كما هو مقتضي سائر الأدلّة أيضاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 126، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 27، الحديث 3.

(2) الفقيه 4: 26/ 63، وسائل الشيعة 28: 129، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 27، الحديث 10.

(3) وسائل الشيعة 28: 129، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 27، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 70

______________________________

فالموثّقة في هذه الجهة شاذّة نادرة، و قد أمرنا بطرحها في أخبار العلاج.

و ممّا ذكرنا تعرف الكلام في الخبر المروي عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السّلام) قال: سألته عن امرأة طلّقت فزنت بعد ما طلّقت هل عليها الرجم؟ قال

نعم «1»

، فإنّ إطلاقه لا بدّ له من التقييد بما كان الطلاق رجعيا و وقع الزنا قبل انقضاء العدّة، مضافاً إلي أنّه ضعيف السند.

و بالجملة: فإجراء حكم الإحصان في ناحية المرأة المطلّقة رجعيا إذا زنت في العدّة بلا إشكال.

و أمّا في ناحية الرجل فإنّما ورد من الأخبار الخاصّة فيه موثّقة عمّار الماضية، و نحوها خبر علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل طلّق أو بانت امرأته ثمّ زني ما عليه؟ قال

الرجم «2»

، لكن الحكم بالرجم مع كون الزنا بعد موت الزوجة أو بينونتها بطلاق بائن أو بمثل الفسخ مثلًا ممّا لم يقل به أحد، فالخبران في هذه الموارد معرض عنهما، و هما و إن تضمّنا وقوع الرجم عليه بعد

الطلاق أيضاً و هو أيضاً مطلق لكنّه لم يفت أحد علي الظاهر بالرجم في الطلاق البائن أو بعد العدّة الرجعية، فلا محالة يقيّد الإطلاق بخصوص زناه في العدّة الرجعية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 76، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 6، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 75، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 6، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 71

و لو تزوّجت عالمة كان عليها الرجم (42)، و كذا الزوج الثاني (43) إن علم بالتحريم و العدّة، و لو جهل بالحكم أو بالموضوع فلا حدّ، و لو علم أحدهما فعليه الرجم دون الجاهل، و لو ادّعي أحدهما الجهل بالحكم قُبل منه إن أمكن الجهل في حقّه، و لو ادّعي الجهل بالموضوع قُبل كذلك.

[مسألة 12 يخرج المرء و كذا المرأة عن الإحصان بالطلاق البائن]

مسألة 12 يخرج المرء و كذا المرأة عن الإحصان بالطلاق البائن (44) كالخلع و المباراة، و لو راجع المخالع ليس عليه الرجم إلّا بعد الدخول (45).

______________________________

(42) لكونه زنا بعد علمها ببطلان التزويج، و قد مرّ تصريح معتبرة الكناسي به.

(43) ظاهره: أنّ الزوج الثاني محكوم بالرجم إن علم بالحكم و الموضوع، مع أنّه لا وجه لرجمه إلّا إذا تحقّق فيه شرائط الإحصان، و المقطوع أنّه من سهو القلم و المقصود أنّه يحكم عليه بحدّ الزنا مع علمه بالموضوع و الحكم. و منه تعرف وقوع السهو في ظاهر قوله مدّ ظلّه-: و لو علم أحدهما فعليه الرجم، و اللّٰه تعالي هو العاصم. و الوجه في ما ذكره من فروع المسألة واضح، و قد مرّ قبل فلا نعيد.

(44) فإنّ الطلاق قد أخرج كلّا منهما عن الزوجية للآخر، و بينونة الطلاق سدّت طريق رجوع الزوج؛ فليس له فرج يغدو عليه

و يروح و ليس عنده ما يغنيه، و هكذا المرأة فليس لها زوج يكون معها تصل إليه و يصل إليها؛ فالعناوين المقوّمة للإحصان غير صادقة فلا يجري حكم الرجم.

(45) فإنّ الطلاق قد أخرجها عن زوجيته و الرجوع موجب لحدوث

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 72

[مسألة 13 لا يشترط في الإحصان الإسلام في أحد منهما]

مسألة 13 لا يشترط في الإحصان الإسلام في أحد منهما (46)، فيحصن النصراني النصرانية و بالعكس، و النصراني اليهودية و بالعكس (47)، فلو وطأ غير مسلم زوجته الدائمة ثم زني يرجم،

______________________________

الزوجية ثانياً، فهو كعقد جديد عليها و الزوجية جديدة، و من شرائط الإحصان الدخول بالأهل كما عرفت.

(46) يعني أنّ غير المسلم من سائر الملل أيضاً يتّصف بالإحصان إذا اجتمعت فيه الأُمور المذكورة، فإذا زني المحصن أو المحصنة منهم يقضي عليه قاضي المسلمين بالرجم. و الدليل عليه هو عموم الأدلّة المفسّرة للإحصان لهم، مثل قوله (عليه السّلام)

من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن.

و هكذا عموم أدلّة رجم المحصن، مثل قول الصادق (عليه السّلام) في موثّقة سماعة

فأمّا المحصن و المحصنة فعليهما الرجم «1»

يشمل الكفّار أيضاً.

(47) يعني أنّه لا يشترط في إحصانهم وحدة مذهبهم، بل الملاك اجتماع الأُمور المذكورة و لو مع اختلاف مذهب الزوجين. و الدليل عليه أيضاً بعد إطلاقات التفسير قول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في صحيحة الحلبي

و اليهودي يحصن النصرانية، و النصراني يحصن اليهودية «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 62، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 70، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 73

و لا يشترط صحّة عقدهم إلّا عندهم (48). فلو صحّ عندهم و بطل عندنا

كفي في الحكم بالرجم.

______________________________

و قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة ابن مسلم

و النصراني يحصن اليهودية، و اليهودي يحصن النصرانية «1»

، و موردهما و إن كان حصول إحصان المرأة بالرجل إلّا أنّ المفهوم منهما عرفاً أنّ أهل الملل المختلفة يحصن كلّ منهم الآخر، و لا يشترط فيه وحدة الملّة.

(48) لما دلّ من الأخبار علي صحّة نكاحهم بالنسبة إلي أنفسهم إذا كان واجداً لشرائط الصحّة عندهم، بل علي كونهم مأخوذين بما يقتضيه ملّتهم.

ففي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قذف رجل مجوسياً عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال

مه

، فقال الرجل: إنّه ينكح امّه و أُخته، فقال

ذلك عندهم نكاح في دينهم «2»

، و نحوها رواية أبي الحسن الحذّاء «3»، فراجع.

و في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 75، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 5، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 26: 318، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث المجوس، الباب 2، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 28: 173، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 1، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 74

______________________________

الأحكام، قال

تجوز علي أهل كلّ ذي دين بما يستحلّون «1»

، و «الأحكام» فيها و إن كانت قد يدّعي ظهورها فيما يحكم به قضاتهم فتدلّ علي أنّها جائزة علي أنفسهم إذا كانت علي طبق ملّتهم إلّا أنّه لا يبعد دعوي إلغاء الخصوصية عنها إلي كلّ ما كان صحيحاً عندهم، فيجوز هذا الأمر الصحيح عليهم و إن كان غير صحيح عندنا؛ فالنكاح الصحيح عندهم محكوم عندنا أيضاً بالصحّة في أُمور كانت عليهم لا علينا، فيحصل به إحصانهم؛ فيجري عليهم حدّ الرجم.

فرعان: الأوّل: مقتضي إطلاق

المتن أنّه لا يشترط في حصول الإحصان للمسلمين أن يكون أزواجهم أيضاً مسلمين، فلو كان عند رجل أمة مملوكة له كافرة أو زوجة دائمة كافرة كمن أسلم هو و لم تسلم زوجته الدائمة الكتابية فزني مع اجتماع سائر الشرائط فهو محصن و حدّه الرجم، و هو مقتضي إطلاق كلمات الأصحاب أيضاً حيث لم يشترطوه في شرائط الإحصان في مقام تفسيره.

إلّا أنّه مخالف لما في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الذي يأتي وليدة امرأته بغير إذنها، عليه مثل ما علي الزاني يجلد مائة جلدة؟ قال

و لا يرجم إن زني بيهودية أو نصرانية أو أمة، فإن فجر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 319، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث المجوس، الباب 3، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 75

______________________________

بامرأة حرّة و له امرأة حرّة فإنّ عليه الرجم

، و قال

و كما لا تحصنه الأمة و اليهودية و النصرانية إن زني بحرّة كذلك لا يكون عليه حدّ المحصن إن زني بيهودية أو نصرانية أو أمة و تحته حرّة «1»

؛ فإنّه (عليه السّلام) كما تري صرّح بعدم حصول الإحصان للرجل بالمرأة اليهودية و النصرانية حتّي جعله أمراً مفروغاً عنه و أصلًا شبّه به الزنا بهما.

و لم يرد في الأخبار علي ما وقفت عليها ما يعارضه، و الصحيحة قد رواها «التهذيبان» و «الفقيه» و رواتها كبراء الأصحاب، و مع ذلك فإنّه لم ينقل عن أحد الإفتاء بمضمونها، بل إطلاق معاقد الإجماعات المنقولة و اللاخلافات كما عرفت يقتضي عدم اعتبار هذا الشرط، فالرواية معرض عنها عندهم و لا حجّة فيها.

الثاني: مقتضي إطلاق المتن كإطلاق كلماتهم أيضاً أنّه لا يعتبر في الإحصان و تحقّق حدّ الرجم أن يكون

الزنا بمسلمة حرّة، بل يجب الرجم و لو زني بأمة أو كافرة.

لكن الصحيحة المذكورة كما تري صرّحت مرّتين بأنّه لا يكون عليه حدّ الرجم إن زني بيهودية أو نصرانية أو أمة و إن كانت تحته حرّة، إلّا أنّ في موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلي علي (عليه السّلام) في الرجل زني بالمرأة اليهودية و النصرانية، فكتب (عليه السّلام) إليه: إن كان محصناً فارجمه، و إن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ثمّ أنفه، و أمّا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 71، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 2، الحديث 9.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 76

______________________________

اليهودية فابعث بها إلي أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا «1».

فإنّ تعرّض الذيل لحكم المرأة اليهودية و أنّها تبعث إلي أهل ملّتها ليقضوا فيها شاهد علي أنّ الرجل المذكور في الصدر الذي زني كان مسلماً زني بغير مسلم، و قد قال (عليه السّلام)

إن كان محصناً فارجمه

، فهذه الموثّقة معارضة للصحيحة في غير المسلم، و الأصحاب قد عملوا بالموثّقة، و قد تقرّر في باب التعادل و الترجيح أنّ أوّل المرجّحات الشهرة، و أنّ المراد بها الشهرة المقرونة بعمل الأصحاب، و هي هنا مع الموثّقة؛ فيترك الصحيحة لشذوذها.

كما أنّ في خبر زكريا بن آدم أنّه قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن رجل وطئ جارية امرأته و لم تهبها له، قال

هو زانٍ عليه الرجم «2»

، و في سنده و إن كان محمّد بن سهل الذي لم يوثق صريحاً إلّا أنّ فتوي الأصحاب كما عرفت علي طبقه.

و صحيحة ابن مسلم في هذه الجهة أيضاً معرض عنها فلا حجّة فيها، بل إنّ الصحيحة المذكورة تضمّنت أحكاماً لم

يفت المشهور بشي ء منها كما ظهر ممّا مرّ فالرواية معرض عنها من الأصل و لا حجّة في شي ء من مضمونها، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 80، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 8، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 28: 80، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 8، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 77

[مسألة 14 لو ارتدّ المحصن عن فطرة خرج عن الإحصان]

مسألة 14 لو ارتدّ المحصن عن فطرة خرج عن الإحصان؛ لبينونة زوجته منه (49). و لو ارتدّ عن ملّة فإن زني بعد عدّة زوجتها ليس محصناً (50)،

______________________________

(49) فلا يعمّه عنوان المحصن، الذي قد فسّر بمن يكون له فرج يغدو عليه و يروح، و من يكون عنده ما يغنيه عن الزنا و أمثاله. و تفصيل الكلام في أحكام المرتدّ الفطري كالملّي موكول إلي بابه، إلّا أنّ من أدلّة بينونة زوجته منه موثّقة عمّار الساباطي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمّداً (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) نبوّته و كذّبه فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه، و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ، و يقسم ماله علي ورثته، و تعتدّ امرأته عدّة المتوفّي عنها زوجها، و علي الإمام أن يقتله و لا يستتيبه «1».

(50) فإنّه لا ريب في أنّه بعد انقضاء العدّة تبين زوجته منه قطعاً، فهو لا أهل له و لا فرج؛ فليس محصناً.

و الشاهد علي حصول هذه البينونة معتبرة أبي بكر الحضرمي عن الصادق (عليه السّلام)

إن ارتدّ الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلّقة ثلاثاً، و تعتدّ منه كما تعتدّ المطلّقة، فإن رجع إلي الإسلام و تاب قبل أن تتزوّج

فهو خاطب و لا عدّة عليها منه له، و إنّما عليها العدّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 324، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 1، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 78

و إلّا فهو محصن (51).

______________________________

لغيره.

الحديث «1»، فإنّه كما تري جعل الزوج المرتدّ بعد ما أسلم و تاب خاطباً من الخطّاب، و هو لا يكون إلّا إذا كان المفروض حصول البينونة، و المتيقّن منه هو بعد انقضاء العدّة، بل الرواية في هذه الجهة محمولة علي ما بعد الانقضاء، كما في نكاح «الجواهر».

(51) هذا مبني علي بقاء الزوجية بينهما إلي انقضاء العدّة، و المذكور في كلام الأصحاب الذي أفتي به الماتن مدّ ظلّه في كتاب النكاح، (المسألة 5) ممّا يحرم بالكفر أنّ فسخ النكاح موقوف علي انقضاء العدّة، فإن تاب الزوج و رجع إلي الإسلام قبل انقضائها كانت زوجته و لم تبن منه أصلًا، و إن بقي علي الارتداد إلي انقضائها انكشف أنّها بانت منه عند الارتداد.

و عليه فلا بدّ من القول بمثله هاهنا و أنّه إن تاب قبل انقضائها يعلم أنّه كان محصناً، و إلّا علم أنّه لم يكن له زوجة و لم يكن واجداً للشرط الأوّل من شرائط الإحصان.

ثمّ إنّ إثبات هذه الموقوفية و إن كان بعهدة كتاب النكاح إلّا أنّه ممّا ينبغي التنبّه له: أنّه لا نصّ في خصوص مسألة المرتدّ عليها، و إنّما استفيد حكمها هنا من أخبار إسلام الزوجة الكافر زوجها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 27، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 6، ذيل الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 79

[مسألة 15 يثبت الحدّ رجماً أو جلداً علي الأعمي]

مسألة 15 يثبت الحدّ رجماً أو جلداً علي الأعمي (52). و لو ادّعي الشبهة مع

احتمالها في حقّه فالأقوي القبول (53)، و قيل لا تقبل منه (54)،

______________________________

مثل ما في موثّقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السّلام)

أنّ امرأة مجوسية أسلمت قبل زوجها، فقال علي (عليه السّلام): لا يفرّق بينهما، ثمّ قال: إن أسلمت قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك، و إن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثمّ أسلمت فأنت خاطب من الخطّاب «1».

و هناك أخبار أُخر علي خلاف هذه الموثّقة تدلّ علي حصول البينونة مطلقاً و الاحتياج إلي عقد جديد، و البحث موكول إلي محلّه.

(52) لعموم أدلّتها و خصوص عموم خبر إسحاق بن عمّار: قال: سألت أحدهما (عليهما السّلام) عن حدّ الأخرس و الأصمّ و الأعمي، فقال

عليهم الحدود إذا كانوا يعقلون ما يأتون «2».

(53) لعموم أدلّة درء الحدّ بالشبهة، التي قد عرفت أنّ عمدتها استصحاب عدم كونه زانياً أو استصحاب عدم وجوب و لا جواز الحدّ عليه.

(54) يعني مطلقاً، و نُسب إلي الشيخين و ابن البرّاج و سلّار، و استدلّوا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 546، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الباب 9، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 29، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 13، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 80

أو لا تقبل إلّا أن يكون عدلًا (55)، أو لا تقبل إلّا مع شهادة الحال بما ادّعاه (56)، و الكلّ ضعيف.

[مسألة 16 في التقبيل و المضاجعة و المعانقة و غير ذلك]

مسألة 16 في التقبيل و المضاجعة و المعانقة و غير ذلك من الاستمتاعات دون الفرج تعزير، و لا حدّ لها (57)

______________________________

له بأنّ وظيفة الأعمي التحرّي، و فيه: أنّ المفروض احتمال أنّه قد تحرّي و مع ذلك وقع في وطء الأجنبية لشبهة، و الأصل هنا عدم جواز الحدّ كما في

البصير.

(55) و نسب إلي الفاضل المقداد في «التنقيح».

(56) و نسب إلي ابن إدريس صاحب «السرائر».

(57) هذه المسألة متعرّضة لأمرين: أحدهما أنّ جميع الاستمتاعات بالأجنبية أو الأجنبي التي لا تبلغ الزنا لا حدّ لها، حتّي المضاجعة في لحاف واحد، بل فيها تعزير كما في سائر المعاصي الكبيرة. و ثانيهما أنّ التعزير هنا و مطلقاً لا حدّ له، بل هو منوط بنظر الحاكم.

أمّا الأمر الأوّل: فالكلام تارة في غير المضاجعة و أُخري فيها، أمّا الاستمتاعات الأُخر فالمذكور في «الغنية» ثبوت التعزير فيها و في مثل المضاجعة بالإجماع، قال فيها: و اعلم أنّ التعزير يجب بفعل القبيح و الإخلال بالواجب الذي لم يرد الشارع بتوظيف حدّ عليه، أو ورد بذلك فيه و لم يتكامل شروط إقامته، فيعزّر علي مقدّمات الزنا و اللواط؛ من النوم في إزار واحد و الضمّ و التقبيل، إلي غير ذلك علي حسب ما يراه أُولو الأمر من عشرة أسواط إلي تسعة و تسعين سوطاً، ثمّ ذكر موارد كثيرة ممّا

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 81

______________________________

فيه التعزير، ثمّ قال: كلّ ذلك بدليل إجماع الطائفة، انتهي.

و الأخبار و إن لم يرد في التعزير علي خصوص استمتاع الرجل بالمرأة مطلقاً و بالعكس إلّا أنّه يمكن الاستدلال له بما يدلّ علي ثبوت التعزير علي كلّ معصية؛ ففي صحيحة داود بن فرقد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

أنّه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: إنّ اللّٰه قد جعل لكلّ شي ء حدّا، و جعل لمن تعدّي ذلك الحدّ حدّا «1»

، فالحدّ المذكور في الفقرة الأُولي بقرينة كونه مجعولًا لكلّ شي ء هو الحاجز و الفاصل بين الشيئين المعبّر عنه في الفارسية بكلمة «مرز»، فللوطء أو الاستمتاع

الجائز في الشرع حدّ يفصله عن حرامه، و للشرب الجائز أيضاً حدّ يفصله عن الحرام، و هكذا في جميع الأشياء.

و أمّا الحدّ المذكور في الفقرة الثانية فبقرينة كونه مجعولًا لمن تعدّي و تجاوز الحدّ المذكور لكلّ شي ء ظاهر في المؤاخذة التي يؤاخذ بها المتعدّي، لكنّه لمكان أنّه حمل علي المتعدّي عن الحدّ الأوّل الثابت لجميع الأشياء اللازم منه ثبوته في كلّ تعدّ و تجاوز يحصل من المكلّفين؛ فلا محالة يراد منه أعمّ ممّا كانت المؤاخذة المجعولة مقدّرة بمقدار خاصّ و هي التي يطلق عليها الحدّ إطلاقاً شائعاً و ما كانت غير مقدّرة بمقدار معيّن و هي المعبّر عنها بالتعزير و لا مانع من إرادة المعني الأعمّ منه بعد ما كان أصل إطلاق الحدّ و لو في الفرد الشائع بعناية أنّه مانع عن المعاودة، و هذه العناية موجودة في التعزيرات أيضاً؛ قال في «المفردات»: و حدّ الزنا و الخمر سمّي به لكونه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 14، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 2، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 82

______________________________

مانعاً لمتعاطيه عن معاودة مثله، و مانعاً لغيره أن يسلك مسلكه، هذا.

مضافاً إلي أنّ الحدّ قد أُطلق في الأخبار علي موارد التعزير أيضاً؛ ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ في كتاب علي (عليه السّلام) أنّه كان يضرب بالسوط و بنصف السوط و ببعضه في الحدود، و كان إذا اتي بغلام و جارية لم يدركا لا يبطل حدّا من حدود اللّٰه عزّ و جلّ

قيل له: و كيف كان يضرب؟ قال

كان يأخذ السوط بيده من وسطه أو من ثلثه ثمّ يضرب به علي قدر أسنانهم، و لا يبطل حدّا من

حدود اللّٰه عزّ و جلّ «1».

و في خبر يونس فيما كان القاذف غير بالغ في حديث عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و علي غير البالغ حدّ الأدب «2».

و نحوه موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ لكلّ شي ء حدّا، و من تعدّي ذلك الحدّ كان له حدّ «3».

و بيان دلالتها بعين ما مرّ في الصحيحة.

و أظهر منهما خبر علي بن الحسن بن علي بن رباط عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعل لكلّ شي ء حدّا، و جعل علي من تعدّي حدّا من حدود اللّٰه عزّ و جلّ حدّا، و جعل ما دون

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 11، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 1، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 186، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 5، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 28: 17، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 3، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 83

______________________________

الأربعة الشهداء مستوراً علي المسلمين «1»

؛ فإنّ توصيف «حدّا» بقوله «من حدود اللّٰه» يوجب أظهريته في ما ذكرناه من معني الحاجز و الفاصل، كما أنّ الإتيان بكلمة «علي» يوجب أظهرية إرادة المؤاخذة من الحدّ المذكور في الفقرة الثانية. و نحوها خبر عمرو بن قيس «2»، فراجع.

و كيف كان: فدلالة الأخبار المذكورة علي الكلّية المذكورة ممّا لا ينبغي الإشكال فيه، غاية الأمر: أنّه أُريد هنا من الحدّ المجعول مؤاخذة معني أعمّ، هو بإطلاق آخر حدّ إذا كان مقداره معيّناً، و تعزير إذا لم يقدّر هذا التقدير، كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالي.

هذا

كلّه بالنسبة إلي غير المضاجعة.

و أمّا المضاجعة: فقد وردت فيها أخبار خاصّة كثيرة، و هي علي طائفتين:

الأُولي: ما تدلّ علي أنّ فيها حدّ الزنا مائة جلدة؛ ففي صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد، و الرجلان يوجدان في لحاف واحد، و المرأتان توجدان في لحاف واحد «3»

، فإنّ تعقيب حدّ الجلد بقوله (عليه السّلام): «في الزنا»

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 15، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 2، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 15، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 2، الحديث 3 و 5.

(3) وسائل الشيعة 28: 85، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 84

______________________________

يوجب ظهوره فيما وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد، و تذكير فعل التثنية إنّما هو للتغليب. اللهمّ إلّا أن يقال: يحتمل أن يكون قيد «في الزنا» للإشارة إلي مقدار الجلد و عدده؛ لكون هذا العدد معروفاً في الجلد الثابت بالزنا و لو بملاحظة ذكره في القرآن الشريف، فلا يرد أنّ هذا العدد ثابت في جلد اللواط أيضاً. و يشهد له ما في صحيحة أبي عبيدة عن الباقر (عليه السّلام) قال

كان علي (عليه السّلام) إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة كلّ واحد منهما.

الحديث «1»، فقد عبّر بحدّ الزنا مع أنّه أنسب باللواط.

و بالجملة: فيحتمل كون القيد لمجرّد الإشارة إلي المقدار الخاصّ، و حينئذٍ فحيث إنّ الفعل مذكّر فلا ظهور له في اجتماع الرجل و المرأة، فتأمّل.

و في خبر أبي الصباح الكناني

الذي لا يبعد صحّته عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد جلدا مائة مائة.

و زاد عليه في بعض أسانيد «التهذيب»

و لا يكون الرجم حتّي يقوم الشهود الأربعة أنّهم رأوه يجامعها «2»

، و دلالة الخبر علي المطلب واضحة. و احتمال أنّ التكرار تأكيد لفظي و المراد تقسيم المائة علي كليهما بأن يجلد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 89، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 15.

(2) وسائل الشيعة 28: 87، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 10 و 12.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 85

______________________________

كلّ منهما خمسين جلدة خلاف الظاهر جدّاً.

و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن امرأة وجدت مع رجل في ثوب، قال

يجلدان مائة جلدة «1»

، و نحوه خبر عبد الرحمن الحذّاء «2». و احتمال إرادة التوزيع عليهما واضح الضعف، كما عرفت.

و في صحيح عبد اللّٰه بن مسكان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد «3».

و تقريب دلالته يظهر ممّا مرّ في صحيح ابن سنان، و فيه الإشكال المذكور هناك.

الطائفة الثانية: ما دلّت بالصراحة علي أنّ كلّا منهما يضربان أقلّ من مائة جلدة، ففي صحيح حريز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ عليّاً (عليه السّلام) وجد رجلًا و امرأة في لحاف واحد فضرب كلّ واحد منهما مائة سوط إلّا سوطاً «4»

، و دلالتها واضحة.

و في معتبر أبان بن عثمان قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ عليّاً (عليه السّلام) وجد امرأة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 86، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 7.

(2)

وسائل الشيعة 28: 85، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 28: 90، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 22.

(4) وسائل الشيعة 28: 89، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 20.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 86

______________________________

مع رجل في لحاف واحد فجلد كلّ واحد منهما مائة سوط غير سوط «1»

، و هو كسابقته. و حيث إنّه لا ريب في أنّه (عليه السّلام) في نقله لفعل الأمير (عليه السّلام) بصدد بيان الحكم الشرعي و أنّ للولاة و الحكّام الاقتداء بفعله (عليه السّلام) فيدلّ علي أنّه لا يجب إجراء جلد المائة علي واحد منهما، كما لا يخفيٰ.

و في خبر زيد الشحّام عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل و المرأة يوجدان في اللحاف، قال

يجلدان مائة مائة غير سوط «2»

، و هو دالّ علي وجوب إجراء مائة إلّا سوطاً علي كلّ منهما، إلّا أنّ سنده ضعيف بمفضل بن صالح الذي قالوا فيه: إنّه ضعيف كذّاب يضع الحديث.

و بالجملة: فالطائفتان من الأخبار متعارضتان و لا جمع عرفي بينهما، لكن الترجيح مع الطائفة الثانية؛ إذ قد عرفت دعوي «الغنية» الإجماع علي ثبوت التعزير في النوم في إزار واحد الذي هو موضوع هذه الأخبار و هذه الدعوي لا أقلّ من أنّها تكشف عن وجود شهرة قوية في زمانه (قدّس سرّه)، و هو من المتقدّمين. و نُقل الإفتاء بالتعزير عن الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في «المختلف»، كما نقل فيه أيضاً عن «نهاية» الشيخ (قدّس سرّه) الإفتاء به، و قد نسب الإفتاء بالتعزير في «المسالك» إلي المتأخّرين، و في «الشرائع» أنّه الأشهر، و في «الرياض» أنّ عليه

المتأخّرين كافّة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 89، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 19.

(2) وسائل الشيعة 28: 85، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 87

كما لا تحديد في التعزير، بل هو منوط بنظر الحاكم علي الأشبه (58).

______________________________

و بالجملة: فلا ينبغي الريب في أنّ الشهرة الفتوائية التي هي ملاك الترجيح في جانب الطائفة الثانية، فتقدّم علي الطائفة الأُولي؛ فيقال بثبوت التعزير في المضاجعة أيضاً.

إن قلت: إنّ أخبار الطائفة الثانية قد تضمّنت خصوص التسعة و التسعين لا مطلق التعزير.

قلت: إنّ ما دلّت علي تعيّن هذا المقدار هو خصوص خبر زيد الشحّام الذي قد عرفت ضعف سنده، و أمّا صحيح حريز و معتبر أبان فإنّما تضمّنا أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) جلد كلّ واحد من الرجل و المرأة مائة سوط غير سوط، و هو ليس دليلًا علي التعدّد؛ لاحتمال أنّه (عليه السّلام) رأي هذا المقدار فيهما هو الأنسب، فلا ينافي أن يختار أقلّ منه إذا رأي الوالي ضعف بدن الزاني أو الزانية أو عروض حالة أُخري مخفّفة، كما لا يخفي.

هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل.

(58) هذا هو الأمر الثاني الذي تعرّضت المسألة له؛ و هو أن لا حدّ في التعزير، بل هو منوط بنظر الحاكم. و مقتضي إطلاق المتن هنا جواز التجاوز عن أكثر الحدود أعني حدّ الزنا مائة ضربة أيضاً، و هو ممّا لم يعهد القول به من أحد من الأصحاب، و إنّما نقل عن مالك و الأوزاعي من فقهاء العامّة فإنّهما قالا: إنّه إلي اجتهاد الإمام؛ فإن رأي أن يضربه ثلاث مائة و أكثر فعل.

لكنّه دام ظلّه أفاد في الفرع الخامس من

الفروع المذكورة آخر

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 88

______________________________

فصل حدّ القذف ما لفظه: و التعزير دون الحدّ، و حدّه بنظر الحاكم، و الأحوط له فيما لم يدلّ دليل علي التقدير عدم التجاوز عن أقلّ الحدود، انتهي. فتراه أنّه قيّده بأن يكون دون الحدّ، و بعد رعاية هذا القيد يكون حدّه بنظر الحاكم، فليس للحاكم أن يتجاوز الحدّ، و المتيقّن: أنّه لا يجوز له التجاوز عن أكثر الحدود و هو حدّ الزنا و إلّا فربّما يقال: بأنّ صدق عنوان كونه دون الحدّ موقوف علي أن لا يتجاوز شيئاً من الحدود، فلا يصدق إلّا بأن لا يتجاوز عن أقلّ الحدود.

إلّا أن يقال: لو كان هذا مراده لم يحتج إلي زيادة قوله: و الأحوط. إلي آخره، فبقرينة هذه الزيادة يراد ممّا قبله أن لا يتجاوز الحدود كلّها، فقد جوّز له ما دون الحدّ الأكثر، و جعل الأحوط له أن لا يتجاوز الأقلّ.

و كيف كان: فينبغي الكلام في حدّ التعزير عن جهات:

الجهة الاولي: أنّه إذا كان إجراء التعزير في قالب ضرب المجرم بالأسواط فهل هو محدود في جانب الكثرة أو القلّة بحدّ، أم لا؟ و علي الأوّل فما هو ذلك الحدّ؟

فنقول: إنّ هنا في الحدّ الأعلي احتمالات و أقوالًا:

الأوّل: أنّ المائة هي الحدّ الأعلي الذي لا يبلغه التعزير، و هو مختار ابن إدريس؛ فعن «السرائر» أنّه (قدّس سرّه) قال: و الذي يقتضيه أُصول مذهبنا و أخبارنا أنّ التعزير لا يبلغ الحدّ الكامل الذي هو المائة؛ أيّ تعزير كان سواء ناسب الزنا أو القذف، انتهي. و مراده (قدّس سرّه) أنّ المعصية و إن ناسبت عملًا فيه حدّ أقلّ من المائة كما إذا ناسبت القذف الذي فيه ثمانون جلدة إلّا

أنّها لمّا لم تكن في قالب القذف و كان عليها التعزير، فللحاكم أن يقضي فيها

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 89

______________________________

إلي تسعة و تسعين جلدة أكثر من حدّ القذف. و اختار هذا القول أبو المكارم في «الغنية» كما مرّ نقل عبارته في الأمر الأوّل.

و عبارة «السرائر» كما تري مطلقة بالنسبة إلي العبيد أيضاً، لكن عن العلّامة في «التحرير»: أنّ التعزير في الحرّ من سوط إلي تسعة و تسعين، و في العبد من سوط إلي تسعة و أربعين.

الثاني: ما عن الشيخ (قدّس سرّه) في «خلافه» فإنّه قال فيه في بحث الأشربة من كتاب الحدود (مسألة 14) لا يبلغ بالتعزير حدّا كاملًا بل يكون دونه، و أدني الحدود في جنب الأحرار ثمانون فالتعزير فيهم تسعة و سبعون جلدة، و أدني الحدود في المماليك أربعون و التعزير فيهم تسعة و ثلاثون. إلي آخره، و استجوده العلّامة في «المختلف». فتراه (قدّس سرّه) جعل الملاك أن لا يبلغ أدني الحدود، لكنّه قدّر أدناها ثمانين مع أنّ حدّ القيادة خمس و سبعون جلدة في الأحرار، و لا محالة يكون حدّ العبيد فيها سبعاً و ثلاثين جلدة و نصف جلدة.

و قال المحقّق في «الشرائع» في آخر بحث حدّ القذف: السادسة: كلّ من فعل محرّماً أو ترك واجباً فللإمام (عليه السّلام) تعزيره بما لا يبلغ الحدّ، و تقديره إلي الإمام، و لا يبلغ به حدّ الحرّ في الحرّ و لا حدّ العبد في العبد، انتهي. و هو مطلق في جميع المعاصي، لكنّه محتمل لما نصّ عليه الشيخ في «الخلاف» و لغيره ممّا ذكرناه في حدّ القيادة.

بل قد يمكن أن يقال: إنّ أقلّ الحدود اثنا عشر و نصف، حدّ من تزوّج ذمّية علي

مسلمة، بناءً علي أنّه حدّ؛ لتقديره شرعاً بمقدار خاصّ؛ ففي صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل تزوّج ذمّية علي

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 90

______________________________

مسلمة، قال

يفرّق بينهما و يضرب ثُمن حدّ الزاني اثني عشر سوطاً و نصفاً، فإن رضيت المسلمة ضرب ثُمن الحدّ و لم يفرّق بينهما.

الحديث «1». اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الصحيحة مبنية علي جواز تزويج الذمّية، و المشهور منع النكاح الدائم و جواز مُتعتها.

الثالث: ما في وسيلة ابن حمزة فإنّه قال: و الحدّ في القذف ثمانون، و لا يسقط بالتوبة، و التعزير ما بين العشرة إلي العشرين، و قال في حدّ شرب الخمر: فإن شربها غير مستحلّ كان عليه الحدّ ثمانون جلدة. و التعزير فيه بما دون الثمانين. و قال: و من افتضّ بكراً حرّة بإصبعه لزمه مهر المثل و عزّر من ثلاثين سوطاً إلي تسعة و تسعين.

الرابع: ما في «المسالك» حيث قال ذيل المسألة السادسة المذكورة عن «الشرائع»: و كون تقديره إلي الإمام مبني علي الغالب، و إلّا فقد عرفت أنّ منه ما هو مقدر و كون غايته أن لا يبلغ به الحدّ، و الأجود أنّ المراد به الحدّ؛ لضعف تلك المعصية بحسب حال فاعلها؛ فإن كان الموجب كلاماً دون القذف لم يبلغ تعزيره حدّ القذف و إن كان فعلًا دون الزنا لم يبلغ حدّ الزنا، انتهي. و ظاهره علي اغتشاش في عبارة النسخة كما تري أنّه لا يبلغ بالتعزير حدّ ما ناسبه، فلم يتعرّض لما لا مناسب له كأكل لحم الميتة و الخنزير، فيحتمل فيه أن لا يبلغ أقلّ الحدود.

و هنا احتمال خامس؛ و هو أن يكون الغاية مطلقاً حدّ العبد أعني

______________________________

(1) وسائل

الشيعة 20: 544، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الباب 7، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 91

______________________________

الأربعين كما في بعض الأخبار، و نسب اختياره إلي الشيخ في «المبسوط» و اختاره بعض الأعاظم في «مباني التكملة»، لكن في «الرياض»: لم أجد به قائلًا.

و هنا احتمال سادس؛ و هو عدم محدوديته في الجانب الأعلي، كما مرّ نقله عن بعض فقهاء العامّة و إن لم ينقل عن أحد من أصحابنا.

و اللازم هو مراجعة الأخبار بالدقّة و التعمّق فإنّها الأساس في هذا الباب:

فنقول: قد عرفت أنّ الروايات العامّة الدالّة علي لزوم التعزير في كلّ معصية إنّما وردت بعنوان أنّه تعالي جعل لكلّ من تجاوز الحدّ حدّا، فالموضوع العامّ هو عنوان الحدّ.

و قد عرفت أنّ المراد به معني عامّ للمجازاة المحدودة الشرعية و غير المحدودة، و لا بعد في دعوي أنّ المستفاد ممّا مضي من قوله (عليه السّلام) في صحيحة الحلبي في كيفية مجازات غير البالغين

كان يأخذ السوط بيده من وسطه أو من ثلثه، ثمّ يضرب به علي قدر أسنانهم، و لا يبطل حدّا من حدود اللّٰه عزّ و جلّ

أنّ تعيين المقدار و الكيفية منوط بما يراه الحاكم علي قدر سنّ المرتكب، و لا محالة هو أقلّ أو أخفّ من الحدّ المقرّر الشرعي للكبيرة التي فيها الحدّ، لكن الصحيحة واردة في غير البالغين.

و بالجملة: العنوان العامّ هو عنوان الحدّ، إلّا أنّه قد يتراءي في الأخبار عنوانان آخران أيضاً و إن كان لا عموم للدليل المتضمّن لهما:

أحدهما: عنوان الأدب؛ ففي موثّقة الفضيل بن يسار قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): عشرة قتلوا رجلًا، قال

إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعاً

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 92

______________________________

و غرموا تسع

ديات، و إن شاؤوا تخيّروا رجلًا فقتلوه و ادّي التسعة الباقون إلي أهل المقتول الأخير عشر الدية كلّ رجل منهم

قال

ثمّ الوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم «1»

، فتراه (عليه السّلام) قد حكم فيما إذا لم يجر علي المشتركين في قتل النفس المحرّمة حدّ القصاص بأنّهم يسلّمون إلي الوالي حتّي يؤدّبهم، و التأديب لا ريب في أنّه علي ما عملوه من التعدّي عن حدود اللّٰه و ارتكاب معصيته.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا قتل الحرّ العبد غرم قيمته و أُدّب.

الحديث «2».

و في خبر أبي الفتح الجرجاني عن أبي الحسن (عليه السّلام) في رجل قتل مملوكه أو مملوكته، قال

إن كان المملوك له أُدّب و حبس، إلّا أن يكون معروفاً بقتل المماليك فيقتل به «3»

فقد حكم بإجراء الأدب علي قاتل العبد، و لا شكّ في أنّه علي ارتكابه لمعصية القتل الذي ليس فيه قصاص.

و في مرسل الكليني الوارد فيمن قتل رجلًا عمداً فهرب و لم يقدر عليه و ادّي ديته من أمواله أو بيت المال

ثمّ للوالي بعد أدبه و حبسه «4»

، و هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 43، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 12، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 29: 97، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 40، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 29: 94، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 38، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 29: 395، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 4، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 93

______________________________

في الدلالة كما سبقه.

و في موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

آكل الميتة و الدم و لحم الخنزير عليهم (عليه خ. ل) أدب، فإن عاد

أُدّب

، قلت: فإن عاد يؤدّب؟ قال

يؤدّب، و ليس عليهم (عليه خ. ل) قتل «1».

و في موثّقة أبي بصير التي رواها الصدوق عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: آكل الربا بعد البيّنة؟ قال

يؤدّب، فإن عاد أُدّب، فإن عاد قتل «2».

و عن الصدوق بإسناده إلي قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّ رجلًا قال له: إنّ هذا زعم أنّه احتلم بأُمّي، فقال

إنّ الحلم بمنزلة الظلّ، فإن شئت جلدت لك ظلّه

ثمّ قال

لكنّي أُؤدّبه لئلّا يعود يؤذي المسلمين «3».

إلي غير ذلك ممّا مرّ في أثناء البحث و يظفر به الباحث. فقد صرّحت هذه الأخبار في الموارد الخمسة المذكورة فيها بلزوم إجراء التأديب علي مرتكبيها.

و حيث لم يقيّد بخصوص مقدار و لا نوع فلا محالة يكون أمر مقداره بل و نوعه بنظر المؤدِّب فيما يراه أدباً يجريه عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 371، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الباب 7، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 371، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الباب 7، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 28: 211، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 24، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 94

______________________________

و لا يبعد دعوي أنّ من انضمام هذه الأخبار إلي عموم جعل الحدّ علي من تجاوز حدود اللّٰه تعالي و ملاحظة أنّ تعيين المقدار الخاصّ إنّما وقع في ارتكاب بعض المعاصي، يفهم أنّ المجعول في سائر الموارد هو أدب العاصي، فلا محالة يكون أمر مقداره بيد الحاكم، فيحكم بمقدار من الضرب يراه كافياً في حصول الأدب.

و الأدب بحسب الأصل هو السنّة المرضية التي يجب المشي عليها في مقام العمل، إلّا أنّه لا ريب في أنّ

المراد به هنا هو مؤاخذة العاصي بما يحمله علي السير عليها.

العنوان الثاني: هو عنوان التعزير الوارد في أخبار كثيرة:

ففي موثّق إسماعيل بن الفضيل قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الافتراء علي أهل الذمّة، هل يجلد المسلم الحدّ في الافتراء عليهم؟ قال

لا، و لكن يعزّر «1».

و في موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من افتري علي مملوك عزّر؛ لحرمة الإسلام «2».

و في صحيح أبي ولّاد الحنّاط قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجلين قذف كلّ واحد منهما صاحبه بالزنا في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 200، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 17، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 181، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 4، الحديث 12.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 95

______________________________

بدنه، قال: فدرأ عنهما الحدّ و عزّرهما «1».

و نحوه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «2» فراجع.

و في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل سبّ رجلًا بغير قذف يعرض به هل يجلد؟ قال

عليه تعزير «3».

و في موثّق إسحاق بن عمّار عن الصادق (عليه السّلام)

أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يعزّر في الهجاء، و لا يجلد الحدّ إلّا في الفرية المصرّحة أن يقول: يا زان أو يا ابن الزانية أو لست لأبيك «4».

و في موثّق أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الهجاء التعزير «5»

، إلي غير ذلك ممّا تضمّن عنوان التعزير فيما يناسب القذف.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 202، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 18، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 201، كتاب الحدود

و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 18، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 28: 202، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 28: 204، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 28: 204، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 96

______________________________

و في موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سمعته يقول

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا أقطع في الدغارة المعلنة و هي الخلسة، و لكن أُعزّره «1».

و في صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: رجل سرق من المغنم، أيش الذي يجب عليه؟ أ يقطع؟

قال

ينظر كَم نصيبه، فإن كان الذي أخذ أقلّ من نصيبه عزّر و دفع إليه تمام ماله.

الحديث «2».

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا سرق الصبي عفي عنه؛ فإن عاد عزّر، فإن عاد قطع أطراف الأصابع، فإن عاد قطع أسفل من ذلك «3».

و نحوه صحيح عبد اللّٰه بن سنان «4»، فراجع.

و في موثّق السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قضي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيمن سرق الثمار في كمّه فما أكل منه فلا شي ء عليه، و ما حمل فيعزّر و يغرم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 268، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 12، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 289، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 24، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 28: 294، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 28، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 28: 293، كتاب الحدود

و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 28، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 97

______________________________

قيمته مرّتين «1»

، إلي غير ذلك ممّا ورد في موضوع السرقة.

و في حديث الأربعمائة عن علي (عليه السّلام)

لا ينام الرجل مع الرجل في ثوب واحد، فمن فعل ذلك وجب عليه الأدب؛ و هو التعزير «2».

و لا يبعد هاهنا أيضاً دعوي: أنّه من انضمام هذه الأخبار إلي أخبار جعل الحدّ لكلّ معصية يفهم أنّ الشارع جعل التعزير و التأديب لكلّ ما لا قدر معيّن في مؤاخذته من المعاصي، و التعزير و إن فسّر في كتب لغة المسلمين ك «المفردات» و «مجمع البحرين» و «النهاية» و «المصباح» و غيرها بالضرب دون الحدّ أو التأديب دون الحدّ إلّا أنّه لا ينبغي الريب في أنّ التقييد بما دون الحدّ أُخذ من الشرع، و إلّا فأصل اللغة فيه هو المنع و الردّ، و أُطلق هاهنا لكونه مانعاً و رادّاً له عن معاودة الذنب، أو أنّ أصله هو النصرة؛ لكونه نصرة للمرتكب علي ترك الذنب و للجامعة علي تطهيرها عن دنسه. و كيف كان: فلا بعد في دعوي أنّ حقيقته و حقيقة التأديب أمر واحد؛ و هو أن يفعل بالمرتكب و يؤاخذ بحيث يمتنع من العود إلي الذنب، و لا محالة يكون تعيين المقدار اللازم الذي يحصل به هذا الغرض بحسب ما يراه الحاكم المتصدّي للقضاء و الآمر بالإجراء.

نعم، لا يبعد أيضاً أن يقال: إنّ التأمّل في أخبار التعزير فيما يناسب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 286، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 23، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 20: 342، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم و ما يناسبه، الباب 22، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب

الحدود، ص: 98

______________________________

القذف يعطي أنّ التعزير فيه إذا كان بالضرب فهو لا يبلغ الثمانين؛ فإنّه لا ريب في أنّ المسلم إذا افتري علي الذمّي فلا يبلغ افتراؤه حدّ الافتراء علي المسلمين؛ فلذلك كان تعزيره لا يبلغ الثمانين، و هكذا المتقاذفان يخفّف حدّة الحقّ الثابت لهما علي قاذفه فلذلك يدرأ عنهما الحدّ و يعزّران دون الثمانين، و الهجاء أو السبّ لمّا لم يبلغ الفرية المصرّحة كان فيه تعزير لا يبلغ الثمانين.

و بالجملة: فالمفهوم عرفاً من هذه الأخبار أنّ التعزير فيها لا يبلغ حدّ القذف، و لكن لا يبعد أيضاً دعوي اختيار الحاكم إلي التسعة و السبعين جلدة فيها؛ و ذلك أنّه مضافاً إلي أنّه مقتضي إطلاقها بعد خصوص التقييد بأقلّ من حدّ القذف يدلّ عليه بعض الأخبار الخاصّة:

ففي موثّقة عبّاد بن صهيب قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن نصراني قذف مسلماً، فقال له: يا زان، فقال

يجلد ثمانين جلدة لحقّ المسلم، و ثمانين سوطاً إلّا سوطاً لحرمة الإسلام، و يحلق رأسه و يطاف به في أهل دينه لكي ينكل غيره «1»

؛ أي لكي يصير عبرة لغيره، فإنّها صريحة في إيراد التسعة و السبعين سوطاً علي النصراني لحرمة الإسلام التي لم يراعها، فارتكاب هذا الذنب قد أوجب عليه هذا الضرب و التأديب الذي هو عبارة أُخري عن التعزير فيفهم منه: أنّ حدّ التعزير فيما يناسب القذف هو أقلّ من الثمانين؛ لا سيّما إذا انضمّت إلي ما مرّ من موثّقة أبي بصير من قوله (عليه السّلام)

من افتري علي مملوك عزّر لحرمة الإسلام

، فالموجب لتعزير

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 199، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 17، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 99

______________________________

المفتري علي

العبد هو بعينه الموجب لضرب النصراني، فلا محالة يكون بالغاً لحدّ التسعة و السبعين.

يؤكّد هذه الدعوي: خبر عبيد بن زرارة الذي رواه المشايخ الثلاثة في أُصولهم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

لو أتيت برجل قذف عبداً مسلماً بالزنا لا نعلم منه إلّا خيراً لضربته الحدّ؛ حدّ الحرّ إلّا سوطاً «2»

، و الظاهر أنّ قوله (عليه السّلام)

لا نعلم منه إلّا خيراً

كناية عن عدم ثبوت زناه شرعاً، كما أنّ المعلوم أنّ مراده بحدّ الحرّ هو الحدّ الذي يحكم به في قذف الأحرار، فيؤول مفاده إلي إجراء التسعة و السبعين علي قاذف العبيد، كما استفدناه من الانضمام المذكور.

فالحاصل: أنّ إطلاق التأديب و التعزير و خصوص أخبار القذف يدلّ علي جواز أن يبلغ التسعة و السبعين في باب القذف، و بما أنّ المستفاد من جميع أخبار التأديب و التعزير و صريح نفي الحدّ في بعضها ممّا قد عرفت و مضي أنّ المعصية التي لها مناسب فيه الحدّ ليست في مرحلة يجب فيها الحدّ، فلذلك كان المفهوم منها لزوم أن لا يبلغ التعزير حدّ المعصية المتناسبة، فلا يبلغ في مقدّمات الزنا مائة جلدة في الأحرار و خمسين جلده في غيرهم، هذا.

ثمّ إنّ من الأخبار الدالّة علي جواز أن يتجاوز التعزير أدني الحدود ما مرّ من الروايات المتضمّنة لأنّ عليّاً (عليه السّلام) ضرب المتضاجعين تحت لحاف

______________________________

(2) وسائل الشيعة 28: 178، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 4، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 100

______________________________

واحد مائة سوط إلّا سوطاً؛ فإنّ استثناء سوط واحد ظاهر في أنّه (عليه السّلام) عمد أن لا يبلغ حدّ الزاني، و هو منطبق أيضاً علي ما عرفت من لزوم أن لا يبلغ

التعزير حدّ المعصية المتناسبة.

و ممّا يدلّ أيضاً علي هذا المعني: ما رواه الصدوق في «علل الشرائع» بسند معتبر عن موسي البجلي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) ضرب رجلًا مع امرأة في بيت واحد مائة إلّا سوطاً أو سوطين

قلت: بلا بيّنة؟ قال

أ لا تري أنّه قال: ادرؤوا لو كانت البيّنة لأتمّه «1»

، و هي في الدلالة عين ما مرّت من الأخبار الواردة في تعزير المتضاجعين، إلّا أنّ المفروض فيها مجرّد الاجتماع في بيت واحد و إن لم يثبت مضاجعة.

فتلخّص: أنّ المستفاد من إطلاقات التعزير و الأدب الواردين في الأخبار هو أنّ أمر تعيين عدد الأسواط بيد القاضي أو الوالي الموكول إليه تأديب المجرمين، فيختار ما يراه كافياً في حصول الأدب. و ملاحظة بعض أخبار القذف و هكذا أخبار تعزير المتضاجعين في إزار واحد و خبر المجتمعين في بيت واحد تعطي بالصراحة أنّ هذا المقدار لا يقتصر علي ما دون أقلّ الحدود.

إلّا أنّ هنا أخباراً ربّما يستدلّ بها علي لزوم أن لا يبلغ التعزير أقلّ الحدود، بل أقلّ حدود العبد:

ففي صحيحة حمّاد بن عثمان المروية عن «العلل» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) علل الشرائع: 541/ 19.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 101

______________________________

قال: قلت له: كم التعزير؟ فقال

دون الحدّ

، قال: قلت: دون ثمانين؟ قال

لا، و لكن دون أربعين؛ فإنّها حدّ المملوك

، قلت: و كم ذاك؟ قال

علي قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوّة بدنه «1»

؛ فإنّه (عليه السّلام) مع أنّه أوكل أمر مقداره إلي ما يراه الوالي مناسباً للعاصي من حيث قوّة بدنه و كيفية ذنبه إلّا أنّه مع ذلك جعل لأكثره حدّا محدوداً؛ و هو أن يكون

دون الأربعين التي هي حدّ المملوك في شربه للمسكر و ظاهره: أنّ هذا التحديد علي سبيل البتّ و اللزوم، كما أنّه مطلق من حيث كون العاصي من الأحرار أو العبيد، فلا يجوز بمقتضي ظاهر إطلاقه أن يبلغ تعزير الحرّ أربعين سوطاً.

و لكن في موثّق إسحاق بن عمّار المروي عن «التهذيب» و «الكافي» أنّه قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن التعزير كم هو؟ قال

بضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلي العشرين «2»

، و هو أيضاً في كيفية الإطلاق و الظهور في لزوم أن لا يبلغ أو لا يزيد علي العشرين نظير الصحيحة المذكورة و يعارضها، إلّا أنّه لا يبعد أن يجمع بينهما بأنّ ما تضمّنه هذا الموثّق هو الفرد الأفضل، و أنّ الأفضل الأوكد أن لا يتجاوز العشرين، و إلّا فالتجاوز عنه جائز بدلالة الصحيحة المذكورة، فمن ملاحظتهما يعلم أنّ مطلوب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 375، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الباب 10، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 374، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الباب 10، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 102

______________________________

الشارع أن يكون مقدار التعزير في مرحلة خفيفة قليلة حتّي الإمكان.

كما يشهد له موثّقه الآخر قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ربّما ضربت الغلام في بعض ما يجرم، قال

و كم تضربه؟

قلت: ربّما ضربتُه مائة، فقال

مائة؟! مائة؟!

، فأعاد ذلك مرّتين ثمّ قال

حدّ الزنا؟! اتّق اللّٰه

، فقلت: جعلت فداك فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال

واحداً

، فقلت: و اللّٰه لو علم أنّي لا أضربه إلّا واحداً ما ترك لي شيئاً إلّا أفسده، قال

فاثنين

، فقلت: هذا هو هلاكي، قال: فلم أزل أُماكسه حتّي بلغ خمسة، ثمّ غضب

فقال

يا إسحاق! إن كنتَ تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ فيه، و لا تعدَّ حدود اللّٰه «1».

و من هنا يمكن أن يقال: كما أنّ موثّق إسحاق الوارد في تحديد الأكثر بالعشرين يحمل علي الأفضلية بقرينة صحيحة حمّاد بن عثمان، كذلك لا يبعد أن يحمل صحيحته أيضاً علي الأفضلية بقرينة ما عرفت من الأخبار الدالّة علي التعزير بما دون الثمانين، بل بما دون المائة، كما عرفت مفصّلًا، هذا.

و في خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي المروي عن «الكافي» و «التهذيب» قال: سألت أبا عبد اللّٰه و أبا الحسن (عليهما السّلام) عن امرأة زنت فأتت بولد و أقرّت عند إمام المسلمين بأنّها زنت و أنّ ولدها ذلك من الزنا فأُقيم عليها الحدّ، و أنّ ذلك الولد نشأ حتّي صار رجلًا، فافتري عليه رجل، هل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 51، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 30، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 103

______________________________

يجلد من افتري عليه؟ فقال

يجلد و لا يجلد

، فقلت: كيف يجلد و لا يجلد؟ فقال

من قال له يا ولد الزنا لم يجلد و يعزّر و هو دون الحدّ، و من قال له يا ابن الزانية جلد الحدّ كاملًا

، قلت له: كيف (صار) جلد هكذا؟ فقال

إنّه إذا قال له: يا ولد الزنا كان قد صدق فيه و عزّر علي تعييره أُمّه ثانية و قد أُقيم عليها الحدّ، فإن قال له يا ابن الزانية جلد الحدّ تامّاً لفريته عليها بعد إظهار التوبة و إقامة الإمام عليها الحدّ «1».

فإنّه (عليه السّلام) صرّح في التعزير أنّه دون الحدّ، و هو موافق لما في صحيحة حمّاد، إلّا أنّ ظاهره: أنّ الملاك في الحدّ الذي يكون التعزير

دونه هو حدّ القذف؛ فإنّه الظاهر منه بلا شبهة إذا لوحظ مع الفقرة التالية، فانظر إليهما مرّة ثانية قال

من قال له: يا ولد الزنا لم يجلد و يعزّر و هو دون الحدّ، و من قال له: يا ابن الزانية جلد الحدّ كاملًا

، و إنّي لا أرتاب في أنّ من لاحظ الفقرتين لا يشكّ في أنّ المراد أنّ من قال له: يا ولد الزنا لا يجلد الحدّ الكامل و هو الثمانون حدّ القذف و من قال له: يا ابن الزانية يجلد حدّ القذف كاملًا، و فيه أيضاً دلالة علي أنّ هذا التعبير لمّا ناسب القذف و لم يبلغه فلا يبلغ حدّه حدّ القذف؛ أعني حدّ المعصية المناسبة له.

و بالجملة: فهذا الخبر أيضاً قد تضمّن أنّ التعزير يجب أن يكون دون الحدّ، لكن الملاك ليس حدّ العبيد، فهو أيضاً قرينة أُخري علي إرادة الأفضلية في صحيحة ابن عثمان.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 188، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 7، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 104

______________________________

فحاصل الكلام: أنّ رواية حمّاد بن عثمان قد تضمّن أُموراً ثلاثة: أحدها: كون التعزير دون الحدّ، الثاني: أنّه علي حسب ما يراه الوالي، الثالث: أنّ المراد بالحدّ حدّ المملوك. و بقرينة الأخبار الكثيرة المذكورة يحمل الأمر الثالث المذكور فيها علي الأفضلية و يؤخذ بها في الأمرين الآخرين؛ و هي فيهما مؤيّدة بسائر الأخبار الإطلاقات و الصراحات كما عرفت.

فالأقوي: أنّ ما كان من المعاصي كان له مناسب فيه حدّ شرعي فلا يبلغ تعزير هذه المعاصي حدّ هذا الحدّ، و ما لا مناسب لها فلا يبلغ حدّ الزنا، و إلّا لم يراع فيه عنوان دون الحدّ كما عرفت مفصّلًا، و

من التأمّل فيه تعرف أنّ أكثر التعزير في الأحرار تسعة و تسعون أو أقلّ من المائة، كما أنّ أكثره في العبيد في غير القذف تسعة و أربعون أو أقلّ من الخمسين و في ما يناسب القذف أقلّ من الثمانين، بناءً علي أنّ حدّ القذف في أقسام القاذفين حرّهم و عبدهم سواء.

إن قلت: إنّ في موثّق السكوني الذي رواه الصدوق

أنّ عليّاً (عليه السّلام) رفع إليه رجل عذّب عبده حتّي مات، فضربه مائة نكالًا و حبسه و غرمه قيمة العبد و تصدّق بها عنه «1»

، و نحوه خبر مسمع بن عبد الملك فقد تضمّن أنّه (عليه السّلام) ضرب قاتل العبد مائة، و معلوم أنّ هذا الضرب تعزير له و قد بلغ المائة.

______________________________

(1) الفقيه 4: 114/ 388، وسائل الشيعة 29: 92، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 37، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 105

______________________________

قلت: لعلّه كان هذا المقدار لارتكابه معصيتين: تعذيب العبد و قتله، و لا ريب في جواز أن يتجاوز المائة تعزير المعصيتين، فليس في الخبرين حجّة علي خلاف ما قلناه، و اللّٰه تعالي هو العالم بحقائق أحكامه.

هذا تمام الكلام في الجهة الأُولي.

الجهة الثانية: أنّه هل يجوز التعزير بغير الضرب بالأسواط من الضرب بغيرها، أو غير الضرب من الحبس و التوبيخ و كلّ ما يراه الوالي مؤثّراً في تأديبه، مثل تعطيل دكّته و محلّ كسبه، و مثل نصب لوحة دالّة علي أنّه عاصٍ و مرتكب للذنوب، و مثل حلق رأسه أو حلق بعض رأسه و الإطافة به في بلده و أمثال ذلك؟

قد يقال باختصاصه بخصوص الضرب بالأسواط؛ لدعوي أنّ التأمّل في الأخبار يعطي أنّ المراد بالتعزير هو ذلك؛ و لذلك إذا سئل عن

التعزير بقول مطلق في صحيحة حمّاد بن عثمان و موثّقة إسحاق بن عمّار الماضيتين، فأجاب (عليه السّلام) بأنّه بضعة عشر سوطاً أو أنّه دون الأربعين. هذا، مضافاً إلي أنّه فسّر في كثير من كتب اللغة بأنّه ضرب دون الحدّ، كما مرّت إليه الإشارة.

لكن الحقّ: أنّ المستفاد من مجموع الأخبار خلافه، و أنّ للحاكم و الوالي أن يؤدّب العاصي بكلّ ما يراه مصداقاً لتأديبه.

و الوجه فيه أوّلًا: ما عرفت من أنّ المستفاد من الأخبار أنّ الشارع جعل لكلّ من ارتكب معصية و جاوز حدود اللّٰه التأديب و التعزير، و حيث إنّ أمر التأديب بيد الحاكم فلا محالة فما يراه تأديباً في كلّ مورد يحكم به، و إذا كان مصاديقه متعدّدة متساوية كان مخيّراً في اختيار أيّها شاء. و أمّا

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 106

______________________________

الصحيحة و الموثّقة المذكورتان فقوله في السؤال: «كم التعزير؟» قرينة علي إرادة السؤال عن كمّية فرده المتعارف؛ و هو الضرب بالأسواط، و التفسير واقع في كتب لغة المسلمين، و هو مأخوذ عن الفقه.

و ثانياً: أنّه قد وردت أخبار متعدّدة معتبرة بجواز التعزير بغير الضرب أيضاً:

منها: ما مرّ في موثّقة الفضيل بن يسار الواردة في الشركة في القتل من قول أبي جعفر (عليه السّلام)

ثمّ الوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم

، فقد صرّح بجواز تأديبهم و حبسهم، و من الواضح أنّ هذا الحبس بعد أداء نصيبهم من الدية إنّما هو تعزير لهم علي ما ارتكبوه من معصية الشركة في قتل النفس المحترمة.

و منها: ما مرّ أيضاً من خبر أبي الفتح الجرجاني و مرسل الكليني؛ لتضمّنهما أيضاً الأدب مع الحبس.

و منها: موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) اتي

برجل اختلس درّة من اذن جارية، فقال: هذه الدغارة المعلنة، فضربه و حبسه «1».

دلّت أنّه (عليه السّلام) حبس المختلس الذي يأخذ أموال الناس علناً و قهراً، و هو معصية لا حدّ فيها، و يكون عليها التعزير، كما روي في موثّقة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السّلام)

أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: لا قطع في الدغارة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 269، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 12، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 107

______________________________

المعلنة و هي الخلسة، و لكن أُعزّره «2»

، فتراه (عليه السّلام) قال: إنّي اعزّر المختلس، ثمّ إذا اتي المختلس عنده ضربه و حبسه، ففعله (عليه السّلام) تفسير لقوله و دليل علي جواز التعزير بالحبس.

و منها: ما مرّ من موثّقة صهيب عن الصادق (عليه السّلام)

إنّ النصراني القاذف للمسلم بعد إجراء حدّ القذف عليه يجلد تسعة و سبعين جلدة لحرمة الإسلام، و يحلق رأسه و يطاف به في أهل دينه لكي يعتبر غيره

، فحلق رأسه و الإطافة به في أهل دينه تعزير و تأديب له أُوقعا عليه لهتكه حرمة الإسلام، علاوةً عن حدّ قذف الإنسان.

و منها: صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل وجد تحت فراش رجل، فأمر به أمير المؤمنين (عليه السّلام) فلوّث في مخروّة «1»

و المخروّة الموضع الذي يخرأ و يتغوّط فيه، قال العلّامة المجلسي (قدّس سرّه) في «روضة المتّقين» في ذيل الحديث ما لفظه: أي يلطخ بعذرة بيت الخلاء، و هذا لمحض كونهما في لحاف واحد مع الثياب أو يكونان عاريين، و يكون مخيّراً بين الضرب و التلويث؛ لكونه من التعزير، و هو برأي الإمام. و الظاهر تلويث كلّ

بدنه أو ثيابه أو معاً بأن يغمس فيها أو تلويث وجهه، و المناسبة ظاهرة، انتهي.

______________________________

(2) وسائل الشيعة 28: 268، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 12، الحديث 1.

(1) وسائل الشيعة 28: 163، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 6، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 108

______________________________

فموضوع هذا الحكم مجرّد أن يوجد تحت فراش رجل لم يفرض فيه و لم يعلم منه غيره، و إلّا فلو كان منه تفخيذ فهو أحد قسمي اللواط، و فيه حدّ مائة ضربة، فمجرّد الدخول و الكون تحت فراشه معصية، و حيث لا حدّ لها شرعاً ففيها التعزير، و قد أجراه (عليه السّلام) في مصداق التلويث في المخروّة.

و منها: خبر طلحة بن زيد الذي لا يبعد اعتباره عن الصادق عن أبيه (عليهما السّلام): أنّه

رفع إلي أمير المؤمنين (عليه السّلام) رجل وجد تحت فراش امرأة في بيتها، فقال: هل رأيتم غير ذلك؟ قالوا: لا، قال: فانطلقوا به إلي مخروّة فمرّغوه عليها ظهراً لبطن ثمّ خلّوا سبيله «1»

، و بيان دلالته ظاهر ممّا مرّ؛ خصوصاً ذيل صحيحة حفص بن البختري، فلا حاجة إلي الإعادة.

و منها: موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قضي النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيمن سرق الثمار في كمّه فما أكل منه فلا شي ء عليه، و ما حمل فيعزّر و يغرم قيمته مرّتين «2»

، قال المحدّث الفيض الكاشاني (قدّس سرّه) في «الوافي» بعد نقل الحديث: «بيان: الكمّ بالكسر وعاء الطلع و غطاء النور، و لعلّه إنّما يغرم مرّتين لأنّه لو بقي إلي أن يبلغ لزاد قيمته»، انتهي.

أقول: و يحتمل قراءة الكمّ بضمّ الكاف و يراد أنّ السارق أخفي الثمار

في كمّ قميصه و سرقه.

و كيف كان: فقد قضي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بغرامة ضعفي قيمة ما سرق، مع أنّ اللازم بحسب قواعد باب الضمانات وجوب أداء قيمة المضمونات. و ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 145، كتاب الحدود، أبواب حدّ الزنا، الباب 40، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 286، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 23، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 109

______________________________

ذكره المحدّث المذكور (قدّس سرّه) بقوله: لأنّه لو بقي إلي أن يبلغ لزاد قيمته، يصحّ أن يوجّه به قضاؤه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بالضعفين، إلّا أنّه لا ريب في أنّ الضامن إنّما يضمن قيمة ما ضمنه لا أزيد منها.

نعم استعداد الثمار لأن تبلغ و تنضج و كونها علي الأشجار دخيل في كمّية قيمته، و لا محالة يكون ملحوظاً في مقدار القيمة، و مع ذلك كلّه فقد قضي بضعفي قيمته؛ فقد سرق سرقة و هي معصية لا قطع فيها ففيها التعزير، فأغرمه ضعفي قيمة ما سرق. فقوله

و يغرم قيمته مرّتين

إن كان من قبيل عطف التفسير لقوله

فيعزّر

فالموثّقة واردة في بيان التعزير بأداء المال أزيد ممّا يجب عليه من باب التدارك، و إن كان من قبيل عطف أمر آخر بعد التعزير فلا ريب أنّه إنّما قضي به لارتكابه معصية اللّٰه و لا حدّ فيها، فهو تأديب رآه القاضي بعد ما عزّره بمثل الضرب.

و كيف كان: فالموثّقة دالّة علي جواز التأديب بأداء المال أزيد ممّا يجب عليه من باب الضمان، و ليس المراد بها أنّ سارق الثمار محكوم شرعاً بأداء ضعفي القيمة حتّي مع قطع النظر عن باب القضاء و حكم القاضي. فالحديث من باب القضاء لا الإفتاء،

و لعلّ تخيّل أنّه من باب الإفتاء أدّي إلي ما نقل عن «مرآة العقول» من أنّه لم يعمل بظاهره أحد من الأصحاب، فتأمّل.

و منها: ما مرّ من صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا قتل الحرّ العبد غرم قيمته و أُدّب.

الحديث «1»؛ فإنّ إطلاقه يعمّ ما إذا قتل السيّد مملوكه فيكون أخذ قيمته منه تعزيراً مالياً له.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 97، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 40، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 110

______________________________

و نحوه موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يقتل العبد بالحرّ، و لا يقتل الحرّ بالعبد و لكن يغرم ثمنه و يضرب ضرباً شديداً حتّي لا يعود «1»

، و دلالتها بالإطلاق كسابقها، بل هي أظهر بناءً علي رجوع قوله

حتّي لا يعود

إلي كلا الأمرين من الغرامة و الضرب؛ يعني أنّ الجمع بين الأمرين عليه بغرض أن يؤدّب فلا يعود إلي قتل المماليك.

و أظهر منهما ما رواه يونس بسند لا يبعد اعتباره عنهم (عليهم السّلام) قال: سئل عن رجل قتل مملوكه قال

إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضرباً شديداً و أُخذ منه قيمة العبد و يدفع إلي بيت مال المسلمين، و إن كان متعوّداً للقتل قتل به «2»

؛ فإنّ مورده قتل عبده و حكم بأخذ قيمته منه و دفعها إلي بيت المال، و لا يكون إلّا تعزيراً مالياً، و قد قال بأخذ قيمته منه المشهور. بل في «الجواهر» عن «غاية المراد»: هو قريب من المتّفق عليه.

و نحوه مرسل يونس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل قتل مملوكه

أنّه يضرب ضرباً وجيعاً، و تؤخذ منه قيمته لبيت المال «3»

، و دلالته كما عرفت واضحة. و في

الباب إطلاقات أُخر، فراجع.

و منها: رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يقتل ابنه أو عبده،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 96، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 40، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 29: 95، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 38، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 94، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 37، الحديث 10.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 111

______________________________

قال

لا يقتل به، و لكن يضرب ضرباً شديداً و ينفي عن مسقط رأسه «1»

، فدلّت علي انضمام نفي البلد إلي الضرب. و لا يبعد دعوي: أنّ اختلاف الأخبار فيه لمكان ما مرّ من أنّ أمر التأديب و التعزير من حيث النوع و المقدار بيد الحاكم، و اللّٰه العالم.

و في رواية محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في امرأة أمكنت من نفسها عبداً لها فنكحها، أن تضرب مائة و يضرب العبد خمسين جلدة و يباع بصغر منها، قال: و يحرم علي كلّ مسلم أن يبيعها عبداً مدركاً بعد ذلك «2».

و لعلّ المتتبّع يظفر بأخبار أُخر أكثر و أظهر، فتتبّع.

فالحاصل: أنّ التأمّل في هذه الأخبار يشرف الفقيه علي القطع بأنّ أمر الأدب الذي يؤدّب به العاصي بيد الوالي أو القاضي المنصوب بالنصب العامّ أو الخاصّ، و أنّ ما يستفاد من إطلاق عنواني «التعزير» و «الأدب» مراد واقعي لهم (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

الجهة الثالثة: قد ظهر لك ممّا مرّ من الأخبار أنّ للقاضي أن يحكم بنوعين من التعزير و يجمع بينهما في تأديب معصية واحدة إذا كان رأيه أنّ الجمع هو مصلحة التأديب؛ فإنّه مقتضي إطلاق المطلقات. مضافاً إلي أنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 93، كتاب

القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 37، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 21: 160، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 51، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 112

______________________________

أمير المؤمنين (عليه السّلام) قضي به في مختلس الدرّة من اذن الجارية فإنّه (عليه السّلام) علي ما مرّ في موثّقة السكوني ضربه و حبسه، و إلي أنّ الصادق (عليه السّلام) حكم بالجمع بين جلد التسعة و السبعين و الإطافة في أهل دينه و حلق رأسه علي ما في موثّقة ابن صهيب كما عرفت.

و مقتضي إطلاق موثّقة السكوني و ظاهر موثّقة ابن صهيب جواز أن يبلغ التعزير بالجلد غاية ما يمكن، ثمّ يزاد عليه الحبس أو الحلق و الإطافة؛ فإنّ قوله (عليه السّلام)

ضربه

الوارد في بيان جواز الجمع من طريق حكاية فعل الأمير (عليه السّلام) مطلق يدلّ علي جواز أن يضرب غاية ما يجوز في التعزير، كما أنّ جلد التسعة و السبعين هو أعلي ما يجوز من الجلد فيما يناسب حدّ القذف كما عرفت، و حكموا (عليهم السّلام) أيضاً بالجمع بين الضرب و التغريم و بينه و نفي البلد و بين التأديب و الحبس في من قتل ابنه أو عبداً أو عبده، و في من قتل و هرب كما عرفت.

و يحتمل أن يكون من الأخبار الدالّة بالخصوص علي جواز الجمع قوله في موثّقة الفضيل الوارد في الشركة في القتل

ثمّ الوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم

، و هكذا قوله في موثّقة السكوني

فيعزّر و يغرم قيمته مرّتين

، إلّا أنّه حيث يحتمل فيهما أن يكون العطف تفسيرياً فلا يجوز الاستدلال بهما، و في غيرهما كفاية، و اللّٰه العالم.

ثمّ إنّ هنا جهات أُخر في بحث التعزيرات نتعرّض لها إن شاء اللّٰه

طيّ المسائل الآتية تبعاً للمتن، و اللّٰه الموفِّق و المسدِّد.

و كان ختام الكتابة ليلة الأربعاء 21 ربيع الثاني 1404 5 بهمن 1362.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 113

[القول فيما يثبت به]

اشارة

القول فيما يثبت به (1)

[مسألة 1 يثبت الزنا بالإقرار]

مسألة 1 يثبت الزنا بالإقرار (2).

______________________________

(1) ينبغي التنبّه لنكتة؛ هي أنّ ما يثبت به الزنا بل و سائر الموضوعات التي عليها الحدّ و إن كانت ثلاثة: إقرار المرتكب و قيام البيّنة و علم القاضي، لكنّ كلّ واحد منها في الأحكام المترتّبة عليه مفروض وحدة و مع قطع النظر عن الآخر فالإقرار بالزنا مثلًا إنّما يثبت به بشرط أن يكون أربع مرّات، و لا يكفي الثلاث مثلًا بما أنّه إقرار، فلا ينافي أن يثبت في نفس المورد بالبيّنة أو بعلم القاضي، فالحكم علي كلّ منها حيثي.

و كيف كان: فقد تعرّض الماتن دام ظلّه لإثبات الزنا بالإقرار أوّلًا، و لإثباته بالبيّنة في المسألة التاسعة هنا و ما بعدها، و لثبوته بعلم القاضي في المسألة الرابعة من القول في اللواحق.

(2) لا ريب في أنّه ما لم يقم دليل علي كون أمر مثبتاً لشي ء من موضوعات الحدود فاستصحاب عدمه و لا أقلّ من أنّ استصحاب عدم ثبوت حدّ علي الشخص و حرمة إيذائه بأيّ وجه يقتضي عدم جواز إجراء الحدّ أو التعزير. فعمدة الدليل علي ثبوت الزنا و سائر الكبائر بالإقرار في الجملة هو بناء العقلاء و سيرتهم، و لم يردع عنها الشارع، بل أمضاها بالأدلّة الواردة في موارد خاصّة.

نعم قد اشترط في ثبوتها به شرائط أزيد ممّا يشترطه العقلاء،

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 114

و يشترط فيه بلوغ المُقرّ و عقله و اختياره و قصده (3)؛ فلا عبرة بإقرار الصبي و إن كان مراهقاً، و لا بإقرار المجنون حال جنونه، و لا بإقرار المكرَه، و لا بإقرار السكران و الساهي و الغافل و النائم و الهازل و نحوهم.

______________________________

فموضوع الأدلّة الدالّة علي إنفاذ

الإقرار هو نفس الإقرار المعتبر عند العقلاء، فما ليس واجداً للشرائط العقلائية فضلًا عمّا ليس إقراراً حقيقة فهو خارج عن موضوع هذه الأدلّة، و مقتضي الأصل كما عرفت عدم الاعتداد به.

(3) أمّا اعتبار القصد: فلأنّ حقيقة الإقرار هو الاعتراف و الإذعان النفساني بشي ء، فإذا تلفّظ بلفظ غير قاصد لمعناه أصلًا فلم يعترف بشي ء أصلًا، و ليس كلامه إقراراً حتّي يترتّب عليه آثاره. و مثله ما إذا كان في مقام الهزل و السخرية بلا جدّ إلي إظهار المعني، أو كان تلفّظه به من باب السهو و الخطأ في التكلّم؛ فإنّه مع عدم الجدّ و العمد لم يقرّ و لم يعترف بشي ء أصلًا.

و مثله ما إذا كان قصده عند العقلاء كلا قصد، كما في النائم و السكران و المغميٰ عليه و أمثالهم؛ فإنّ تكلّمهم بما كان معناه الإقرار و إن سلّم اقترانه بقصدها لكنّه لا اعتداد به عند العقلاء.

و قد عرفت خروج مثله عن الأدلّة الشرعية، مضافاً إلي رواية خاصّة في النائم؛ و هي ما رواه ابن ظبيان قال: اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت، فأمر برجمها، فقال علي (عليه السّلام)

أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتّي يحتلم، و عن المجنون حتّي يفيق، و عن النائم حتّي

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 115

______________________________

يستيقظ؟! «1»

ببيان: أنّ القلم المذكور فيه بإطلاقه يعمّ كلّ قلم يكتب عليهم شيئاً؛ سواء كان قلم التكليف أو قلم المؤاخذة علي ارتكاب المعاصي أو قلم أخذهم بما أقرّوا به، و هذا الإطلاق و إن كان غير بعيد إلّا أنّ سند الرواية ضعيف.

و أمّا الاختيار: فالمراد به أن يكون الإقرار عن إقدام المقرّ به بطبعه، في قبال أن يكون عن تهديد و

تخويف إيراد ضرر أو عذاب مالي أو بدني أو عرضي بالنسبة إلي شخص المقرّ أو من يتعلّق به. و الدليل علي اعتباره أيضاً بناء العقلاء؛ فإنّ المكرَه و إن كان قاصداً جدّاً إلي إرادة ما يقرّ به إلّا أنّه لمّا اكره و أُلزم بالتهديد علي هذا الإقرار فهذا الإقرار لا قيمة له عند العقلاء بما أنّه إقرار. نعم إذا انكشف به كشفاً قطعياً بقرائن قطعية عن صحّة إقراره كان هذا الانكشاف القطعي حجّة معتبرة و طريقاً آخر لإثبات ما أقرّ به، هذا. مضافاً إلي عموم قوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) في حديث الرفع

و ما اكرهوا عليه

؛ فإنّ مفاده رفع كلّ عمل اكره عليه، و رفعه المطلق ملازم لعدم ترتّب شي ء من آثار وجوده، فلا يثبت به شي ء إذا كان إقراراً. و مضافاً إلي خبر أبي البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو حبس أو تهديد فلا حدّ عليه «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 11.

(2) وسائل الشيعة 28: 261، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 7، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 116

______________________________

و دلالة الخبر علي اشتراط الاختيار واضحة، بل يدلّ علي أنّه لو حبس الرجل فأقرّ لكي ينجو منه فإقراره ليس بشي ء.

و لا يبعد دعوي استفادة هذا المعني من حديث الرفع أيضاً بإلغاء الخصوصية؛ فإنّه إذا رفع الأثر عن عمل لأنّه وقع عن إكراه و تهديد علي العذاب و بداعي أن لا يقع فيه فيفهم عرفاً أنّ ملاك الرفع هو أنّ الداعي كان الفرار عن العذاب، فيرفع الأثر

عنه إذا وقع في العذاب و عمل عملًا الزم عليه لكي ينجو منه. بل يمكن أن يقال بصدق الإكراه عرفاً هنا أيضاً و عدم اختصاصه بما إذا لم يتوجّه إليه المهدّد به أصلًا، و هذا قوي جدّاً.

و عليه: فمن أقرّ خوفاً من الوقوع في العذاب أو فراراً عن العذاب الواقع فيه فليس إقراره باختياره، و لا يترتّب عليه أثر الإثبات أصلًا.

نعم لو انكشف بإقراره الواقع، عمل عليه، بدليل هذا الانكشاف القطعي الحجّة، كما يشهد له في الجملة صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب فجاء بها بعينها، هل يجب عليه القطع؟ قال

نعم، و لكن لو اعترف و لم يجي ء بالسرقة لم تقطع يده؛ لأنّه اعترف علي العذاب «1»

، فتراه حكم بالقطع إذا جاء بالعين المسروقة؛ إذ من مجيئه بها ينكشف سرقته كشفاً قطعياً، و حكم بعدم القطع إذا اعترف بعد الضرب و لم يجي ء بها؛ إذ ليس فيه إلّا الإقرار المستند إلي العذاب و لا قيمة له، بل لا يبعد دعوي استفادة قاعدة كلّية من قوله في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 260، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 7، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 117

______________________________

مقام تعليل عدم القطع

لأنّه اعترف علي العذاب

، و لو بقرينة الارتكاز العقلائي؛ و هي أنّ كلّ إقرار كان منشأه العذاب فلا قيمة له، و لا يصحّ ترتيب أثر الإقرار عليه.

و بالجملة: الإقرار إذا استند إلي تهديد أو عذاب فلا أثر و لا قيمة له بحكم العقلاء، و هو بموجب حديث الرفع و بمقتضي صحيح سليمان بن خالد، فلا يضرّ بعدها ضعف سند خبر أبي البختري المذكور.

و

أمّا العقل: فالدليل علي اعتباره أيضاً حكم العقلاء؛ فإنّ المجنون و إن فرض التفاته إلي ما يقول و كان له جدّ إلي ما يقرّ به إلّا أنّه لمكان جنونه لا يعتدّ العقلاء بإقراره و لا يثبت علي إقراره أثر بما أنّه إقرار، و معه فلا يعمّه أدلّة حجّية الإقرار، و قد عرفت أنّ الأصل عدم الثبوت، هذا. مضافاً إلي ما عرفت من خبر ابن ظبيان المتقدّم، و قد نقل مثله الشيخ المتقدّم المفيد (قدّس سرّه) في «إرشاده»، و أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال لعمر حين أمر بجلد المجنونة الزانية

أما علمت أنّ هذه مجنونة آل فلان، و أنّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: رفع القلم عن المجنون حتّي يفيق.؟!

الحديث «1»، و سند الخبرين و إن كان ضعيفاً إلّا أنّه يكفي في المقام حكم العقلاء، فلو أقرّ المجنون الأدواري حال جنونه بأنّه زني قبل أن يجنّ فلا يلتفت إلي إقراره هذا، و لم يثبت عليه مؤاخذة أصلًا.

و أمّا البلوغ: فالمراد من إقرار غير البالغ أن يقرّ بارتكاب عمل لو ثبت ارتكابه له لكان عليه تعزير، و إلّا فلا يتصوّر منه أن يقرّ بعمل عليه في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 23، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 8، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 118

______________________________

ارتكابه حدّ، و هو واضح. و الدليل عليه فيما إذا لم يبلغ الصبي أو الصبية حدّا من الدرك و التمييز يعقل و يميّز فيه ما يقول واضح؛ فإنّه لا اعتبار بإظهاراته و إقراراته عند العقلاء أصلًا، فلا يتوهّم شمول عمومات الإقرار له. و أمّا إذا بلغ حدّ التمييز كالصبي المراهق الذي في العقل كمن

فوقه في السنّ من البالغين فالعقلاء يرون إقراراته حجّة عليه، و يحتاج الحكم بعدم الاعتداد بأقاريره إلي دليل خاصّ.

و كيف كان: فقد ادّعي اللاخلاف في «الرياض» علي اشتراط قبول الإقرار بالبلوغ، و في «الجواهر» أنّ سلب عبارة الصبي مفروغ عنه عندهم. و يدلّ عليه من الأخبار مضافاً إلي خبر ابن ظبيان المتقدّم رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السّلام)

أنّه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم «1».

و قد عرفت أنّ رفع القلم عنه مطلق يعمّ رفع قلم مؤاخذته بإقراره أيضاً، لكن الخبر ضعيف بأبي البختري.

و يمكن الاستدلال بموثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة؟ قال

إذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جري عليه القلم، و الجارية مثل ذلك؛ إن أتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 119

[مسألة 2 لا بدّ و أن يكون الإقرار صريحاً أو ظاهراً]

مسألة 2 لا بدّ و أن يكون الإقرار صريحاً أو ظاهراً لا يقبل معه الاحتمال العقلائي (4)، و لا بدّ من تكراره أربعاً (5).

______________________________

وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم «1»

دلّت الموثّقة علي أنّ جريان القلم علي الصبي و الصبية موقوف علي بلوغهما الحدّ المقدّر شرعاً و أنّهما لا يجري عليهما القلم قبل ذلك، و القلم في المنطوق ظاهر في كلّ قلم يجري عليه و يكتب عليه شيئاً؛ سواء كان هذا الشي ء تكليفاً أو مؤاخذة أو أخذاً

بإقرار، فما لم يبلغ الحدّ المقدّر الشرعي لا يجري عليه قلم، و إذا بلغ جري عليه القلم؛ فيدلّ بالمفهوم الواضح علي عدم قبول إقراره و عدم حجّيته علي نفسه. و كون الرواية مشتملة في حدّ البلوغ علي ما لم يقل به المشهور غير ضائر في حجّيتها بالنسبة إلي مدلولها الآخر؛ أعني اشتراط جريان القلم علي الصبي ببلوغه إلي الحدّ المقدّر الذي يجري فيه عليه التكليف، و قد قالوا به المشهور كما لا يخفي.

(4) فإنّه إذا بلغ حدّ الصراحة أو الظهور كان حجّة عليه عند العقلاء، و قد عرفت أنّه موضوع حكم الشرع أيضاً، و إذا لم يبلغ هذا الحدّ فليس بحجّة، و قد عرفت أنّ قضية الأصل عدم الثبوت.

(5) قال في «الخلاف» في كتاب الحدود (مسألة 16): لا يجب الحدّ بالزنا إلّا بإقرار أربع مرّات في أربعة مجالس، فأمّا دفعة واحدة فلا يثبت به

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 12.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 120

______________________________

علي حال، و قال أبو حنيفة و قال الشافعي: إذا أقرّ دفعة واحدة لزمه الحدّ؛ بكراً كان أو ثيّباً، و به قال في الصحابة أبو بكر و عمر و في الفقهاء حمّاد بن أبي سليمان و مالك، و قال ابن أبي ليلي: لا يثبت إلّا بأن يعترف أربع مرّات؛ سواء كان في أربعة مجالس أو مجلس واحد. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم. إلي آخره.

و في «المسالك»: اتّفق الأصحاب إلّا من شذّ علي أنّ الزنا لا يثبت علي المقرّ به علي وجه يثبت به الحدّ، إلّا أن يقرّ به أربع مرّات. و يظهر من ابن أبي عقيل الاكتفاء بمرّة، و هو قول أكثر

العامّة، انتهي.

و في «الرياض»: بل في «المسالك» و غيره أنّ عليه الاتّفاق، إلّا من ظاهر العماني فاكتفي بالواحد، انتهي. هذا بالنسبة إلي الأقوال.

و أمّا الأدلّة: فمقتضي حكم العقلاء بحجّية الإقرار كفاية مرّة واحدة منه ما لم يعتبر الشارع فيه عدداً خاصّاً، و قد دلّت الأخبار الخاصّة علي اعتباره هنا:

ففي صحيح جميل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يقطع السارق حتّي يقرّ بالسرقة مرّتين، و لا يرجم الزاني حتّي يقرّ أربع مرّات «1»

، و دلالته علي إناطة إجراء حدّ الرجم بالإقرار أربع مرّات واضحة.

و في موثّق أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

أتت امرأة أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقالت: إنّي قد فجرت، فأعرض بوجهه عنها فتحوّلت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 106، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 121

______________________________

حتّي استقبلت وجهه فقالت: إنّي قد فجرت، فأعرض عنها ثمّ استقبلته فقالت: إنّي قد فجرت، فأعرض عنها ثمّ استقبلته فقالت: إنّي فجرت، فأمر بها فحبست و كانت حاملًا، فتربّص بها حتّي وضعت ثمّ أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة. «1»

ثمّ نقل كيفية رجمها.

فمن ظاهر نقل أبي جعفر (عليه السّلام) لعمل أمير المؤمنين (عليه السّلام) يعلم: أنّه لا يثبت علي المقرّ بالزنا حجّة مقتضية للرجم إلّا إذا أقرّ أربعاً، و معلوم أنّه (عليه السّلام) في نقله هذا بصدد بيان حكم اللّٰه تعالي، فدلالته علي اعتبار أربع دفعات واضحة.

و في موثّقة أبي العبّاس قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أتي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) رجل فقال: إنّي زنيت، فصرف النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) وجهه عنه، فأتاه من جانبه الآخر ثمّ

قال مثل ما قال، فصرف وجهه عنه، ثمّ جاء الثالثة فقال: يا رسول اللّٰه إنّي زنيت و عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): أ بصاحبكم بأس يعني جنّة فقالوا: لا، فأقرّ علي نفسه الرابعة، فأمر به رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن يرجم.

الحديث «2». و هي في كيفية الدلالة كسابقتها، بل تصريح الإمام (عليه السّلام) في قوله

فأقرّ علي نفسه الرابعة

يوجب تأكّد ظهورها في أنّ العدد الأربعة و الإقرار الرابع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 107، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 28: 102، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 15، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 122

______________________________

مورد لعنايته (عليه السّلام) في ترتيب حدّ الرجم.

و هنا أخبار أُخر دالّة علي اعتبار الأربع، كخبر الأصبغ «1» و خبر ميثم و مرسل البرقي «2» و غيرها، إلّا أنّها جميعاً واردة في زنا المحصن أو المحصنة الذي حدّه الرجم، و إلغاء الخصوصية عنه إلي الزنا الذي حدّه القتل و إن لم يكن بعيداً إلّا أنّ استفادة عموم الحكم لما كان حدّه دون القتل غير ممكنة، فلعلّه لأخفّية حدّه يكفي فيه مرّة واحدة.

إلّا أنّ صحيحة ابن مسلم وردت بأنّ الإقرار بالزنا لا حدّ فيه إلّا أن يكون أربع مرّات عند من يتصدّي لإجراء الحدّ كالإمام (عليه السّلام)؛ فقد روي عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيتُ بك، قال

عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها، و أمّا قوله: أنا زنيتُ بك فلا حدّ فيه إلّا أن يشهد علي نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام

«3».

فتري أنّه (عليه السّلام) صرّح بنفي الحدّ في قوله: «أنا زنيت بك» الذي هو إقرار بالزنا إلّا إذا كان أربعاً و كانت عند الإمام، و المنفي هو مطلق الحدّ، جلداً كان أو رجماً أو قتلًا أو غيرها.

و نحوها مرسل الصدوق عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)؛ ففيه

و أمّا إقرارها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 55، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 31، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 103، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 1 و 2.

(3) وسائل الشيعة 28: 195، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 13، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 123

______________________________

علي نفسها فلا تحدّ حتّي تقرّ بذلك عند الإمام أربع مرّات «1».

فالمتحصّل من هذه الأخبار: اعتبار الإقرار أربع مرّات في إثبات أيّ نوع من أنواع حدّ الزنا، هذا.

و في قبال صريح تلك الأخبار و إطلاق صحيحة ابن مسلم و مرسل الصدوق، صحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

من أقرّ علي نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّٰه مرّة واحدة حرّا كان أو عبداً، أو حرّة كانت أو أمة فعلي الإمام أن يقيم الحدّ عليه للّذي أقرّ به علي نفسه كائناً من كان، إلّا الزاني المحصن فإنّه لا يرجمه حتّي يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة ثمّ يرجمه.

إلي أن قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد اللّٰه فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّة واحدة علي نفسه أُقيم عليه الحدّ فيها؟ فقال

إذا أقرّ علي نفسه عند الإمام بسرقة قطعه فهذا من حقوق اللّٰه، و إذا أقرّ علي نفسه أنّه شرب خمراً

حدّه فهذا من حقوق اللّٰه، و إذا أقرّ علي نفسه بالزنا و هو غير محصن فهو من حقوق اللّٰه.

الحديث «2».

فتري الحديث قد دلّ بظهور قريب من الصراحة علي أنّ الرجم لا يثبت بالإقرار مطلقاً و لو أربع مرّات، و لا يرجم الزاني المحصن إلّا إذا قامت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 196، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 13، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 56، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 32، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 124

و هل يعتبر أن يكون الأربع في أربعة مجالس، أو يكفي الأربع و لو كان في مجلس واحد؟ فيه خلاف، أقربه الثبوت (6)،

______________________________

عليه البيّنة أربعة شهداء، و هذا مخالف لصريح ما دلّت عليه الأخبار المعتبرة الماضية، كما دلّ بالظهور القوي أوّلًا و بالصراحة في جواب السؤال عن بيان حقوق اللّٰه ثانياً علي أنّ زنا غير المحصن يثبت و يرتّب حدّه بالإقرار عند الإمام مرّة واحدة، و هو مخالف لإطلاق صحيحة ابن مسلم.

و الجمع العرفي بينه و بين صحيح ابن مسلم و إن أمكن بتقييد صحيحه بزنا المحصن إلّا أنّه بملاحظة فقرته الأُخري الدالّة علي عدم الاعتبار بالإقرار مطلقاً في الزاني المحصن يعارض الصحيح المذكور في الزاني المحصن أيضاً؛ فالنتيجة أنّهما متعارضان.

كما أنّه يعارض تلك الأخبار المتعدّدة المعتبرة الدالّة صريحاً علي ثبوت حدّ الرجم بالإقرار أربع مرّات.

و حيث إنّ هذه الصحيحة لم يفت بمضمونها أحد بالنسبة إلي الرجم، و لم يفت به غير ابن أبي عقيل بالنسبة إلي الزاني غير المحصن، فهو شاذّ لا يعمل به و يردّ علمه إلي أهله، و يؤخذ بصحيح ابن مسلم و بتلك الأخبار فإنّها ممّا لا

ريب فيه، كما قال (عليه السّلام)

و يترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك.

(6) قال في «الرياض»: وفاقاً لإطلاق الأكثر، و به صرّح عامّة من تأخّر. و في «المسالك»: و أطلق الأكثر و منهم الشيخ في «النهاية» و المفيد و أتباعهما و ابن إدريس ثبوته بالإقرار أربعاً، انتهي.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 125

و الأحوط اعتبار أربعة مجالس، و لو أقرّ دون الأربعة لا يثبت الحدّ، و الظاهر أنّ للحاكم تعزيره (7).

______________________________

لكن قد عرفت عن «الخلاف» اعتبار تعدّد المجالس مدّعياً عليه الإجماع، و نقل القول به عنه في «مبسوطه» و عن ابن حمزة أيضاً، إلّا أنّ إجماعه المنقول موهون كما في «الرياض» بندرة القائل به؛ إذ ليس قائله في زمانه إلّا هو نفسه، و إلّا فابن حمزة متأخّر عنه.

و كيف كان: فمقتضي إطلاق أدلّة اعتبار الأقارير الأربعة حجّيتها سواء كانت في مجلس واحد أم في مجالس متعدّدة و إن كان مورد بعضها وقوعها في مجالس أربعة كما في خبر ميثم و مرسل البرقي، لكنّه لا دلالة علي اعتبار تعدّد المجالس أصلًا، مضافاً إلي ضعف سندهما. بل إنّ ظاهر موثّق أبي مريم وقوع أقارير المرأة الأربعة في مجلس واحد، كما أنّ ظاهر موثّق أبي العبّاس وقوع اثنين منها في مجلس واحد، و هو منافٍ لاعتبار أن يكون المجالس أربعة؛ فلا ينبغي الريب في الاكتفاء بالأقارير الأربعة الواقعة في مجلس واحد، و إن كان الأحوط الأولي تعدّد المجالس و كونها أربعة، خروجاً عن مخالفة الإجماع المنقول في «الخلاف».

(7) في «الجواهر»: كما في «القواعد» و عن الشيخين و ابن إدريس.

و يمكن الاستدلال له: بأنّ مقتضي بناء العقلاء حجّية إقرار كلّ مقرّ و لو دفعة واحدة و ترتيب آثاره

عليه، و الشارع بموجب الأدلّة الماضية قد اعتبر كونه أربعة في ترتّب حدّ الزنا كما عرفت فإذا كان دون الأربعة فغاية الأمر أن لا يترتّب عليه حدّ الزنا، و أمّا أن لا يثبت به المعصية حتّي

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 126

و يستوي في كلّ ما ذكر الرجل و المرأة (8) و إشارة الأخرس المفهمة للمقصود تقوم مقام النطق (9)،

______________________________

يعزّر عليها فلا، بل بمقتضي عموم بناء العقلاء علي حجّية الإقرار علي المقرّ يؤخذ بإقراره و يعزّر علي معصية أقرّ بها.

و قد يستشكل: بأنّ المفهوم عرفاً من أدلّة اعتبار العدد في الأقارير أنّ موضوع الحدّ أعني الزنا لا يثبت شرعاً إلّا إذا كانت أربعة، فما لم يقرّ أربعاً لا يثبت الزنا شرعاً، لا أنّ الزنا ثابت و ثبوت إجراء حدّه منوط بكونه أربعاً.

و استدلّ لثبوت التعزير أيضاً: بأنّ الإقرار بالزنا إشاعة للفاحشة كما في اغتياب الناس و هي محرّمة، ففيها التعزير.

و فيه: أنّ موضوع الحرمة في قوله تعالي إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «1» هو حبّ شيوعها، و صدقه علي من أقرّ بالزنا حتّي يجري عليه حدّه ممنوع. اللهمّ إلّا أن يقال بحصول العلم من إقراره بالزنا بأنّه قد عصي؛ لأنّه إن كان صادقاً فقد عصي بالزنا، و إن كان كاذباً فقد عصي بالكذب؛ فللحاكم تعزيره.

(8) لورود بعض الروايات في الرجل و ورود بعض آخر في المرأة، و إلغاء الخصوصية عن الكلّ، كما في سائر الموارد و الأحكام.

(9) فإنّ المفهوم من الأدلّة: أنّ الحكم معلّق علي الإقرار، و الإقرار

______________________________

(1) النور (24): 19.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 127

و لو احتاجت إلي الترجمان يكفي فيه شاهدان عادلان (10).

[مسألة 3 لو قال: «زنيتُ بفلانة العفيفة»]

مسألة 3 لو قال: «زنيتُ بفلانة العفيفة» لم يثبت الزنا الموجب للحدّ في طرفه إلّا إذا كرّرها أربعاً (11)، و هل يثبت القذف بذلك للمرأة؟ فيه تردّد، و الأشبه العدم (12)، نعم لو قال: «زنيت بها و هي أيضاً زانية بزنائي» فعليه حدّ القذف.

______________________________

من قبيل المعاني و حقيقته الإخبار و الاعتراف بالمقرّ به؛ فكما أنّ اختلاف اللغات لا يضرّ بحقيقته الواحدة فكذلك إشارة الأخرس التي هي وسيلة أداء مقاصده عند العرف. بل لا يبعد الاكتفاء بإشارة غير الأخرس أيضاً إذا كانت دلالتها ظاهرة تامّة؛ لما عرفت من أنّ الملاك هو إبراز الأمر و الاعتراف بالمطلب، و الألفاظ و الإشارات حاكيات، و العمدة معانيها، فبأيّ وسيلة أُبرزت صدق الإقرار و تحقّق موضوع الحكم.

(10) إذ هو كسائر الموضوعات يكون خبر الواحد فيه حجّة، غاية الأمر: أنّ الشارع اعتبر تعدّد المخبِر في الموضوعات فيما سوي موارد قام دليل خاصّ علي عدد أكثر كالأربعة في الزنا بل قد عرفت التأمّل في قيام دليل عامّ علي اعتبار هذا التعدّد. و كيف كان: فموضوع البحث و مورد الكلام هنا اجتماع جميع الشرائط اللازمة في الإقرار في إشارة الأخرس، و إنّما الحاجة إلي الترجمان، فيكفي فيه شاهدان.

(11) لأنّه إقرار، و قد عرفت اعتبار العدد المذكور في إثبات الزنا بالإقرار.

(12) فإنّ القول المذكور لا يدلّ بالمطابقة إلّا علي أنّ القائل به قد

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 128

[مسألة 4 من أقرّ علي نفسه بما يوجب الحدّ و لم يعيّن]

مسألة 4 من أقرّ علي نفسه بما يوجب الحدّ و لم يعيّن لا يكلّف بالبيان، بل يجلد حتّي يكون هو الذي ينهي عن نفسه (13)،

______________________________

زني، و حيث لا ملازمة بين كونه زانياً و كون المرأة المذكورة زانية لإمكان الاشتباه و الإكراه في ناحية المرأة

فلا دلالة التزامية له علي نسبتها بالزنا، فمع عدم الدلالة فلا قذف؛ إذ القذف هو نسبة الغير إلي الزنا مثلًا و لا نسبة هنا و لو التزاماً، نعم لو عقّبه بقوله: «و هي زانية بزنائي» و نحوه كان قذفاً يجب فيه حدّه.

(13) كما عن الشيخ الطوسي و القاضي، قال في «الرياض»: و وافقهما الحلّي و الفاضلان في «الشرائع» و «الإرشاد» و «القواعد» و غيرهما.

و مقتضي إطلاق المتن كغيره عدم توقّف الحكم المذكور علي تعدّد الإقرار فضلًا عن اعتبار الأربع كما أنّ إطلاقه يقتضي وجوب رفع اليد عن ضربه إذا نهي و إن لم يبلغ أقلّ الحدود.

و الذي يقتضيه القواعد: أن لا يجب عليه بأقلّ من الأربع شي ء؛ إذ بعد احتمال أن يكون مراده حدّ الزنا فمع عدم بلوغه أربعاً يستصحب عدم وجوب شي ء عليه بإقراره.

و بعد أن بلغ الأربع و إن أمكن أن يقال بحصول العلم الإجمالي بلزوم حدّ عليه إلّا أنّه لدورانه بين أُمور متباينة من قطع اليد أو الرجل مثلًا و القتل و الرجم و الجلد فأمر كلّ منها دائر بين الوجوب و الحرمة؛ فلا بدّ أوّلًا من التوصّل إلي وضوح الأمر ببيان المقرّ بالدفعات اللازمة؛ إذ لا دليل علي حجّية تفسيره إلّا من باب الإقرار، فلا محالة يعتبر فيه الشرائط

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 129

به وردت رواية صحيحة (14)،

______________________________

المقرّرة في كلّ مورد؛ فإن فسّره تفسيراً مقبولًا فهو، و إلّا فعدم إجراء شي ء منها يعلم معه بمخالفة التكليف المعلوم بالإجمال، و إجراء واحد منها يخرج به عن العلم بالمخالفة، و كان فيه موافقة احتمالية.

و بالجملة: فتعيين الجلد من بينها و إيكال أمر مقداره إلي المقرّ لا دليل عليه؛ حتّي بعد إكمال

الأربع. اللهمّ إلّا من باب الأخذ بالأخفّ، و لا دليل علي وجوبه، إلّا أنّه مع جميع ذلك و غيره فلا ريب في أنّه إذا دلّ دليل علي لزوم الأخذ بإقراره و لو مرّة واحدة و جلده حتّي ينهي عن نفسه، و كان هذا الدليل مقبول السند و الدلالة فلا ينبغي الإشكال في وجوب الأخذ به و عدم الاعتناء إلي كونه خلاف القواعد؛ إذ هذه قواعد يخرج عنها بالدليل، بل لا مجال لها في قبال الدليل الخاصّ.

(14) هي صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل أقرّ علي نفسه بحدّ و لم يسمّ أيّ حدّ هو، قال

أمر أن يجلد حتّي يكون هو الذي ينهي عن نفسه «1»

، و كونها صحيحة لثبوت وثاقة إبراهيم بن هاشم، كوثاقة محمّد بن قيس الذي يروي عنه عاصم بن الحميد الحنّاط قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) كما هنا، و دلالة الصحيحة و إطلاقها كعبارة المتن معلومة واضحة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 25، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 11، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 130

و لا بأس بالعمل بها (15). و قيّده قوم بأن لا يزيد علي المائة، و بعض بأن لا ينقص عن ثمانين.

[مسألة 5 لو أقرّ بما يوجب الرجم ثمّ أنكر سقط الرجم]

مسألة 5 لو أقرّ بما يوجب الرجم ثمّ أنكر سقط الرجم، و لو أقرّ بما لا يوجبه لم يسقط بالإنكار (16)،

______________________________

(15) إذ سندها معتبر و قد عمل بها قوم من المتقدّمين و المتأخّرين كما عرفت فلم يسقط اعتبارها بمثل الإعراض، قال المحقّق في «نكت النهاية»: و هذه الرواية مشهورة فيعمل بها، انتهي. فتراه (قدّس سرّه) قد أسند الرواية إلي الشهرة، فالشهرة

في كلامه روائية لا فتوائية، كما يظهر من «الرياض».

(16) أقول: أمّا سقوط الرجم بالإنكار بعد الإقرار ففي «الرياض»: بلا خلاف، بل عليه الإجماع عن «الخلاف»، انتهي. و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده كما عن الفخر الاعتراف به، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، انتهي. و أمّا عدم سقوط غيره به: ففي «الرياض» أيضاً دعوي اللااقتضائيّ خلاف و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل في الحقيقة إجماع، إلّا من إطلاق «الخلاف» و «الغنية»، و في «الجواهر»: أنّه المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة يمكن معها دعوي الإجماع عليه، خلافاً للمحكي عن «الخلاف» و «الغنية» من السقوط، انتهي. و قال في «الخلاف» (مسألة 17): إذا أقرّ بحدّ ثمّ رجع عنه سقط الحدّ، و هو قول أبي حنيفة و الشافعي و إحدي الروايتين عن مالك، و عنه رواية اخري أنّه لا يسقط، و به قال الحسن البصري و سعيد بن جبير و داود. دليلنا: إجماع الفرقة. إلي آخره.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 131

______________________________

و كيف كان: فلا ينبغي الشكّ في أنّ مقتضي الأصل عدم السقوط؛ فإنّه لا ريب في أنّ عموم أدلّة ثبوت الحدّ بالإقرار يشمله، فيثبت عليه حدّا. و الاستصحاب يقتضي بقاءه.

لكن الأخبار المعتبرة المعمول بها قد قامت علي التفصيل المذكور؛ ففي صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من أقرّ علي نفسه بحدّ أقمته عليه، إلّا الرجم فإنّه إذا أقرّ علي نفسه ثمّ جحد لم يرجم «1»

؛ فإنّ صدر الصحيحة مطلق من حيث الشمول لكلّ الحدود و لما إذا أنكر بعد الإقرار. و استثناء الرجم في خصوص الجحود بعد الإقرار به كما يدلّ علي اختصاصه بالسقوط حينئذٍ، كذلك يوجب قوّة ظهور المستثني منه في

الشمول لما بعد الإنكار.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا أقرّ الرجل علي نفسه بحدّ أو فرية ثمّ جحد جلد

قلت: أ رأيت إن أقرّ علي نفسه بحدّ يبلغ فيه الرجم أ كنت ترجمه؟ قال

لا، و لكن كنت ضاربه «2»

، و دلالتها علي التفصيل المذكور واضحة، إلّا أنّها في ناحية عدم السقوط لا تشمل حدّا غير الجلد كقطع اليد.

و في موثّقة الحلبي أيضاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أقرّ علي نفسه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 27، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 12، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 26، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 12، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 132

______________________________

بحدّ ثمّ جحد بعد، فقال

إذا أقرّ علي نفسه عند الإمام أنّه سرق ثمّ جحد قطعت يده و إن رغم أنفه، و إن أقرّ علي نفسه أنّه شرب خمراً أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة

، قلت: فإن أقرّ علي نفسه بحدّ يجب فيه الرجم أ كنت راجمه؟ فقال

لا، و لكن كنت ضاربه الحدّ «1»

، و السؤال فيها و إن كان عن مطلق الحدّ إلّا أنّ جوابه (عليه السّلام) خاصّ بالثلاثة المذكورة و لا يشمل غيرها. لكن الصحيحة الأُولي كما عرفت مطلقة يجب العمل بها.

ثمّ إنّ إطلاق تلك الصحيحة كصريح الموثّقة جريان الحكم في السرقة و أنّه لا يسقط حدّ قطع اليد بالإنكار بعد الإقرار، إلّا أنّ في مرسل جميل بن درّاج عن أحدهما (عليهما السّلام) في حديث قال

لا يقطع السارق حتّي يقرّ بالسرقة مرّتين، فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود.

الحديث «2»، و دلالته واضحة، إلّا

أنّ سنده ضعيف بالإرسال و باشتماله علي علي بن حديد، فليس في نفسه حجّة، مضافاً إلي أنّ مقابله روايات معتبرة السند معمول بها، فلا إشكال من هذه الجهة في المسألة.

ثمّ إنّ الصحيحة الثانية و الموثّقة قد تضمّنتا أنّه بعد إنكار المقرّ بحدّ الرجم يقام عليه حدّ الجلد.

فإنّ ظاهر قوله (عليه السّلام) في الموثّقة

و لكن كنت ضاربه الحدّ

أنّه حدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 26، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 12، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 27، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 12، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 133

و الأحوط إلحاق القتل بالرجم (17)؛ فلو أقرّ بما يوجب القتل ثمّ أنكر لم يحكم بالقتل.

______________________________

الجلد الجاري في الزنا، كما أنّه المنصرف إليه للصحيحة.

و الأصحاب (قدّس سرّهم) إنّما تعرّضوا فيما وجدتُ سقوط الرجم لا تبدّله بالجلد، و ربّما كان ظاهر اكتفائهم بأنّ الرجم يسقط أن لا شي ء عليه بعده، بل في «نهاية» الشيخ ما لفظه: و من أقرّ علي نفسه بحدّ ثمّ جحد لم يلتفت إلي إنكاره، إلّا الرجم فإنّه إذا أقرّ بما يجب عليه الرجم فيه ثمّ جحده قبل إقامته خلّي سبيله، انتهي.

و ظاهر قوله: «خلّي سبيله» عدم أخذه بشي ء أصلًا؛ لا بالرجم و لا بالجلد، لكنّه مع ذلك كلّه فليس عدم تعرّضهم حجّة علي أن ليس عليه شي ء، و إن كان لعبارة «النهاية» المذكورة ظهورٌ ما.

و كيف كان: فالظاهر أنّه لا مانع من العمل بالصحيحة و الموثّقة و إقامة حدّ الجلد علي المحصن إذا رجع عن إقراره، و اللّٰه العالم.

(17) يعني سواء كان في باب الزنا كالزنا بالمحارم أو إكراهاً أم في غيره كاللواط الإيقابي

و المحاربة و نحوهما.

و قد أفتي بهذا الإلحاق في «الرياض» وفاقاً للمحكي عن «الوسيلة» لابن حمزة، و استشكله في «القواعد».

و عمدة الدليل عليه: هو دعوي إلغاء الخصوصية عرفاً عن الرجم إلي كلّ ما فيه حدّ القتل، و إلّا فما رواه جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه قال

إذا أقرّ الرجل علي نفسه بالقتل قتل إذا لم يكن

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 134

[مسألة 6 لو أقرّ بما يوجب الحدّ ثمّ تاب]

مسألة 6 لو أقرّ بما يوجب الحدّ ثمّ تاب كان للإمام (عليه السّلام) عفوه أو إقامة الحدّ عليه (18)؛ رجماً كان أو غيره.

______________________________

عليه شهود، فإن رجع و قال: لم أفعل ترك و لم يقتل «1»

، و إن كانت دلالته تامّة إلّا أنّه ضعيف السند كما تري بالإرسال، بناءً علي أنّ مجرّد كون الراوي من أصحاب الإجماع لا يكفي في تصحيح السند. لكنّ الماتن (قدّس سرّه) لمّا لم يطمئنّ بإلغاء الخصوصية جعل الإلحاق أحوط؛ حذراً عن التهجّم علي دماء الناس، و اللّٰه العالم.

(18) في «الرياض» و «الجواهر»: أنّ أصل تخيير الإمام بين العفو و الإقامة لا خلاف فيه، و إنّما خالف فيه ابن إدريس في غير الرجم. بل في «المختلف» أنّ ابن إدريس استدلّ لتخصيص العفو بالرجم بقوله: لأنّا أجمعنا علي أنّه بالخيار في الموضع الذي ذكرناه، و لا إجماع علي غيره، انتهي. فتراه قد ادّعي الإجماع في مورد الرجم و لا خلاف بينهم في اشتراط العفو بتوبة المقرّ، و صرّح الشيخ في «النهاية» بأنّه متي لم يتب لم يجز للإمام العفو عنه، صرّح بذلك في باب الزنا و اللواط و المساحقة و شرب الخمر و السرقة. و في «الرياض» و «الجواهر» بعد الاعتراف بعدم اعتبار التوبة في أخبار الباب:

و لعلّ اتّفاقهم عليه كافٍ في تقييدها.

و مع ذلك كلّه: فعبارة الصدوق (قدّس سرّه) في «المقنع» مطلقة؛ قال ذيل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 27، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 12، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 135

______________________________

البحث عن حدّ اللواط: و للإمام أن يعفو عن كلّ ذنب بين العبد و خالقه، فإن عفا عنه جاز عفوه، و إذا كان الذنب بين العبد و العبد فليس للإمام أن يعفو، انتهي.

و كيف كان: فلا ريب في أنّ ظاهر إطلاق أدلّة الحدود وجوب إجرائها، و لازمه عدم جواز العفو.

و أمّا الأخبار الخاصّة التي استدلّ بها: فمنها: صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لا يعفي عن الحدود التي للّٰه دون الإمام، فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفيٰ عنه دون الإمام «1»

، أشار إلي الاستدلال بها في «الرياض» و تبعه في «مباني تكملته» بعض أعاظم العصر؛ معتقداً لإطلاقها؛ قائلًا: و لكن لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق هذه الصحيحة بما إذا ثبت الحقّ بالبيّنة؛ فإنّه لا بدّ من إقامته عندئذٍ و لا يعفي عنه، انتهي. لكن استشكل إطلاقها بعض محقّقي العصر بأنّ الرواية في مقام بيان عقد النفي و أنّه ليس لغير الإمام العفو عن حدود اللّٰه. نعم يظهر منه إجمالًا اختيار الإمام في العفو عن حدود اللّٰه، و لكن الرواية ليست في مقام بيانه حتّي يتمسّك بإطلاقها، انتهي.

أقول: و الظاهر أنّ الاستدلال به كما يظهر من عبارة المستشكل المذكورة مبني علي كون لفظة «دون» بمعني غير؛ ليكون حاصل الصحيحة أنّ حدود اللّٰه لا يعفو عنها غير الإمام، و حدود الناس لا بأس

______________________________

(1) وسائل الشيعة

28: 40، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 18، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 136

______________________________

بعفو غير الإمام عنها، فيجري فيها دعوي الإطلاق و استشكاله. و أنت خبير بأنّ لفظة «دون» في الصحيحة منصوبة علي الظرفية، كما في قوله تعالي وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ، و فسّرها في «المفردات» بأقلّ و سوي، و في «المصباح المنير» بأقرب، و في «مجمع البحرين»: دون نقيض فوق، و هو تقصير عن الغاية، انتهي، و الظاهر أنّ مراده أنّه قبل أن يصل إلي ما يضاف إليه، و في «أقرب الموارد» فسّر بضدّ فوق و بأسفل و له أيضاً معان أُخر. و لا يبعد دعوي ظهوره هنا في المكان الخالي عن ما يضاف إليه الواقع قبل أن يوصل إليه الذي يرجع إلي ما عن «المجمع».

و بالجملة: لا ينبغي الريب في أنّ ظاهر الصحيحة أنّه لا يجوز العفو عن حدود اللّٰه تعالي فيما لم يكن إمام و قبل أن يصل الأمر إليه، و إنّما يجوز بدونه في حقوق الناس.

فالصحيحة متعرّضة لأمر العفو فيما إذا لم يكن إمام، و قد فصّل فيه بين حقوق اللّٰه تعالي و حقوق الناس، و ليست ظاهرة في جواز عفو الإمام (عليه السّلام) و لو إجمالًا.

بل لعلّ غرضه (عليه السّلام) تخصيص جواز عفو غير الإمام بحقّ الناس و بما قبل أن يرفع الأمر إلي الإمام، و يكون مفهومه أنّه إذا رفع الأمر إليه فلا يجوز عفو صاحب الحقّ. فيكون حاصل الصحيحة ما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) ففيها بعد ذكر رفع أمر سرقة الرداء إلي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

فقال النبي

(صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): اقطعوا يده، فقال الرجل: تقطع يده من أجل ردائي يا رسول اللّٰه؟ قال: نعم، قال: فأنا أهبه له، فقال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): فهلّا كان هذا قبل أن ترفعه إليّ

، قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 137

______________________________

إليه؟ قال

نعم «1»

، فلا تعرّض الصحيحة و لو مفهوماً لجواز عفو الإمام (عليه السّلام) أصلًا حتّي أنّه يجتمع مع وجوب إقامة الحدّ علي الإمام أيضاً، فالصحيحة لا دلالة فيها أصلًا.

و منها: معتبر طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السّلام) قال: حدّثني بعض أهلي

أنّ شابّاً أتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأقرّ عنده بالسرقة، قال: فقال له علي (عليه السّلام): إنّي أراك شابّاً لا بأس بهيأتك، فهل تقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، فقال: فقد وهبت يدك لسورة البقرة

، قال

و إنّما منعه أن يقطعه لأنّه لم تقم عليه البيّنة «2»

، و معلوم أنّ هذا البعض الذي حدّثه (عليه السّلام) من أهله كان حديثه حجّة؛ و لذلك قام (عليه السّلام) بصدد وجه عفوه عن قطع اليد بقوله

و إنّما منعه.

إلي آخره. و كيف كان: فدلالة الحديث علي جواز العفو عن قطع يد السارق في خصوص مورد الإقرار بالسرقة واضحة، لكنّه ليس فيه عموم أو إطلاق لغير حدّ السرقة.

و منها: مرسل البرقي عن بعض الصادقين (عليهم السّلام) قال

جاء رجل إلي أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأقرّ بالسرقة، فقال له: أ تقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة

، قال

فقال الأشعث: أ تعطّل حدّا من حدود اللّٰه تعالي؟ فقال: و ما يدريك ما هذا؟! إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو،

و إذا أقرّ الرجل علي نفسه فذاك إلي الإمام إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 39، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 17، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 10: 127/ 506.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 138

______________________________

شاء عفا و إن شاء قطع «1»

، و دلالته أيضاً واضحة، إلّا أنّ عمومه أيضاً لغير السرقة مشكل؛ إذ مورده السرقة، و قوله في ردّ الأشعث

إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو

يراد به بقرينة المورد قيام البيّنة علي السرقة؛ و لذلك عبّر في فرض الإقرار بقوله (عليه السّلام)

و إن شاء قطع.

و استظهار العموم منه و دعوي أنّ تعبيره في فرض الإقرار بما ذكر إنّما كان من باب التمثيل به لخصوصية أنّه محلّ الكلام مشكلة جدّاً.

مضافاً إلي أنّه ضعيف السند بالإرسال من البرقي الذي كان يروي عن الضعفاء و يعتمد المراسيل؛ و لذا أخرجه أحمد بن محمّد بن عيسي عن قم.

و منها: ما في «تحف العقول» عن أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) حيث قال في جواب سؤال يحيي بن أكثم: أخبرني عن رجل أقرّ باللواط علي نفسه، أ يحدّ أم يدرأ عنه الحدّ؟ قال (عليه السّلام)

و أمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم تقم عليه بيّنة و إنّما تطوّع بالإقرار من نفسه، و إذا كان للإمام الذي من اللّٰه أن يعاقب عن اللّٰه كان له أن يمنّ عن اللّٰه، أما سمعت قول اللّٰه هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ «2»

بتقريب: أنّ مورده و إن كان الإقرار باللواط إلّا أنّ ظاهر الجواب المقرون بالاستدلال أنّ أمر إجراء الحدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 41، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 18، الحديث 3.

(2) تحف العقول: 478

و 481، وسائل الشيعة 28: 41، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 18، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 139

______________________________

و العفو عنه إلي الإمام، و هو لمّا كان إماماً من اللّٰه فقد أعطاه اللّٰه تعالي نعمة الولاية، فله أن يعاقب عن اللّٰه و له أن يعفو و يمنّ عن اللّٰه تعالي، فقد دلّ علي جواز عفوه عن الحدّ في كلّ مورد ثبت المعصية بالإقرار و هو مطلق كسابقه من حيث التوبة و عدمها، لكنّه ضعيف السند بالإرسال، كما هو دأب صاحب «التحف».

فقد تلخّص: أنّ ما أفتي به المشهور بل ادّعي عليه اللاخلاف و الإجماع من جواز العفو فيما إذا ثبت المعصية بالإقرار ثمّ تاب بعد ثبوتها، ممّا لا يمكن الدلالة عليه فيما بأيدينا من الأخبار. اللهمّ إلّا أن يقال: بعد ما كان جواز العفو علي خلاف إطلاق الأدلّة كما عرفت، و بعد ما كان مفاد الأخبار التي استدلّ بها أعمّ من صورة التوبة كما عرفت، و بعد ما لم يكن إشكال عند المشهور في اشتراط جواز العفو بالتوبة؛ حتّي أنّ صاحب «الرياض» و «الجواهر» بعد الاستدلال بالأخبار الماضية و استظهار الإطلاق منها قالا: و لعلّ اتّفاقهم عليه كافٍ في تقييدها، إنّ جواز العفو بشرط التوبة أمر خلاف القواعد و لا يستفاد من الأخبار المذكورة، و ذهاب المشهور إليه كاشف عن وجود دليل معتبر عليه لم يصل إلينا.

و نختم الكلام فيه بما أفاده المحقّق (قدّس سرّه) في «النكت»؛ و هو شاهد علي صدق ما قلناه، قال (قدّس سرّه) مشيراً إلي ما أفاده الشيخ في الزنا و أمّا التوبة فإن كانت قبل ثبوت الجناية سقط معها الحدّ، و إن كان بعد

قيام البيّنة لم يسقط الحدّ رجماً كان أو جلداً خلافاً للمفيد (رحمه اللّٰه)، و إن كانت بعد الإقرار فالإمام مخيّر، و عليه دلّت الرواية و عمل الأصحاب، انتهي. و سيأتي ما يناسب المقام في (المسألة 16) إن شاء اللّٰه تعالي.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 140

و لا يبعد ثبوت التخيير لغير إمام الأصل (19) من نوّابه.

[مسألة 7 لو حملت المرأة التي لا بعل لها لم تحدّ إلّا مع الإقرار بالزنا أربعاً]

مسألة 7 لو حملت المرأة التي لا بعل لها لم تحدّ إلّا مع الإقرار بالزنا أربعاً أو تقوم البيّنة علي ذلك (20) و ليس علي أحد سؤالها، و لا التفتيش عن الواقعة (21).

______________________________

(19) لاستظهار أنّ ذلك التخيير إنّما هو لمن فوّض إليه أمر إجراء الحدّ، فإذا كان المجتهد الجامع للشرائط جاز له الإجراء بنصب الأئمّة (عليهم السّلام) كذلك يجوز له العفو؛ لا سيّما إذا قامت الحكومة الإسلامية و كان الفقيه ولي أمرها؛ فإنّ له حينئذٍ ما للمعصوم (عليه السّلام)، و تفصيل الكلام في محلّه.

(20) و بمنزلتهما علم الحاكم كما سيأتي في المسألة الرابعة من اللواحق فمع عدم شي ء منها لا حدّ عليها؛ لاحتمال حصوله بالوطء شبهة أو عن إكراه أو بانجذاب المني في مثل الحمّامات، و معه فقد عرفت أنّ مقتضي الاستصحاب الموضوعي و الحكمي عدم ثبوت الحدّ. قال الشيخ (قدّس سرّه) في كتاب الحدود من «الخلاف» (مسألة 10): «إذا وجدت امرأة حبلي و لا زوج لها و أنكرت أن يكون من زنا لا حدّ عليها، و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و قال مالك عليها الحدّ. دليلنا: أنّ الأصل براءة الذمّة و إيجاب الحدّ يحتاج إلي دليل، و أيضاً فإنّه يحتمل أن يكون من زنا و يحتمل أن يكون من وطء شبهة، و يحتمل أن تكون

مكرهة و لا حدّ مع الشبهة». و تخصيص نفي الحدّ عنها بصورة إنكارها لا خصوصية فيه، بل ينفي عنه ما لم تقم عليها حجّة كما عرفت.

(21) لعدم الدليل علي وجوبه، و الأصل البراءة، فما عن «المبسوط» من لزوم السؤال علينا لا وجه له.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 141

[مسألة 8 لو أقرّ أربعاً أنّه زني بامرأة حدّ دونها]

مسألة 8 لو أقرّ أربعاً أنّه زني بامرأة حدّ دونها (22) و إن صرّح بأنّها طاوعته علي الزنا، و كذا لو أقرّت أربعاً بأنّه زني بي و أنا طاوعته حدّت دونه (23). و لو ادّعي أربعاً أنّه وطئ امرأة و لم يعترف بالزنا لا يثبت عليه حدّ (24) و إن ثبت أنّ المرأة لم تكن زوجته،

______________________________

(22) لثبوت الحجّة علي نفسه بالزنا بأقاريره الأربعة، و ليس قوله حجّة علي المرأة فإنّه خبر فاسق، و لا أقلّ أنّه خبر واحد، بل هو قذف لها يستحقّ عليه حدّ القذف كما سيأتي؛ ففي موثّقة السكوني أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال

إذا سألت الفاجرة: من فجر بك؟ فقالت: فلان جلدتها حدّين: حدّا للفجور و حدّاً لفريتها علي الرجل المسلم «1»

، و في موثّقته الأُخري قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لا تسألوا الفاجرة مَن فجر بك، فكما هان عليها الفجور يهون عليها أن ترمي البري المسلم «2»

، و معلوم منهما و لا سيّما بعد التعليل المذكور في الثانية أنّ الحكم لا يختصّ بالفاجرة، بل يجري في الفاجر أيضاً.

(23) لعين ما عرفت في الفرع السابق.

(24) فإنّ الوطء كما عرفت أعمّ من أن يكون موجباً للحدّ، و ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 146، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 41، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 146، كتاب الحدود و

التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 41، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 142

و لو ادّعي في الفرض أنّها زوجته و أنكرت هي الوطء و الزوجية لم يثبت عليه حدّ و لا مهر (25). و لو ادّعت أنّه أكرهها علي الزنا أو تشبّه عليها فلا حدّ علي أحد منهما (26).

[مسألة 9 يثبت الزنا بالبيّنة]

مسألة 9 يثبت الزنا بالبيّنة، و يعتبر أن لا تكون أقلّ من أربعة رجال (27)،

______________________________

لم يثبت الزنا فالأصل ينفي الحدّ عنه؛ حتّي فيما إذا ثبت أنّها لم تكن زوجته؛ إذ معه أيضاً احتمال وطء الشبهة باقٍ.

(25) أمّا عدم ثبوت الحدّ فلما عرفت، و أمّا عدم ثبوت المهر فلأنّ إنكارها للزوجية إقرار علي نفسها بأنّها لا تستحقّ مهراً، و إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز. لكن دعوي الرجل أيضاً الوطء و الزوجية إقرار منه علي نفسه بثبوت المهر عليه، و هو علي نفسه جائز، فحكمه حكم سائر الموارد التي يقرّ فيها أحد بثبوت شي ء علي ذمّته للغير و ينفيه هذا الغير. اللهمّ إلّا أن يدّعي الرجل أداءه أو هبتها له.

(26) المقصود من هذا الحدّ المنفي عنهما حدّ الزنا، و الوجه فيه بالنسبة إلي المرأة أنّها لم تقرّ بالزنا الموجب للحدّ، و لم تقم عليها حجّة أُخري، و قد عرفت أنّ الأصل حينئذٍ عدم الثبوت، و بالنسبة إلي الرجل فقولها ليس حجّة عليه، و الأصل ينفي ثبوته عليه. نعم إنّ عليها حدّ القذف كما مرّ.

(27) ثبوت الزنا مطلقاً بشهادة أربعة رجال ممّا لا إشكال و لا خلاف فيه، بل في «الجواهر» أنّ الإجماع بقسميه عليه.

و يدلّ عليه من الكتاب قوله تعالي:

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 143

______________________________

وَ اللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ

فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّٰي يَتَوَفّٰاهُنَّ الْمَوْتُ. الآية «1»؛ فإنّ الفاحشة مختصّة بالزنا؛ لقوله تعالي وَ لٰا تَقْرَبُوا الزِّنيٰ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً «2»، و لا أقلّ من أنّها تعمّه، و الحكم بإجراء مجازاة الإمساك في البيوت ظاهر في ثبوت الزنا بشهادتهم، كما أنّ إيجاب الأربعة ظاهر في عدم ثبوته بشهادة رجال ثلاثة.

كما يدلّ عليه أيضاً قوله تعالي وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً «3»؛ فإنّ اشتراط إجراء الحدّ بعدم الإتيان بأربعة شهداء ظاهر في أنّه مع الإتيان بها يثبت ما رموهنّ به، و حينئذٍ فذكر خصوص الأربعة ظاهر في عدم الثبوت بغيرها. نعم مورد آية النساء ثبوت الفاحشة علي النساء، و مورد آية النور ثبوتها علي المحصنات منهنّ، و استفادة الإطلاق محتاجة إلي إلغاء الخصوصية، و ليس ببعيد؛ و لا سيّما في آية النور لتعقّبها بآيات اللعان المشتملة علي الشهادات الأربع في كلّ من الرجل و المرأة.

و من الآيات قوله تعالي لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدٰاءِ فَأُولٰئِكَ عِنْدَ اللّٰهِ هُمُ الْكٰاذِبُونَ «4»، و بيان دلالتها أيضاً نظير ما سبق.

______________________________

(1) النساء (4): 15.

(2) الإسراء (17): 32.

(3) النور (24): 4.

(4) النور (24): 13.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 144

______________________________

و أمّا الأخبار: فهي علي طائفتين:

فطائفة منها واردة في الزنا الموجب للرجم، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

حدّ الرجم أن يشهد أربعة أنّهم رأوه يدخل و يخرج «2»

، و صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا يرجم رجل و لا امرأة حتّي يشهد عليه أربعة شهود علي الإيلاج و الإخراج «3»

، و نحوها خبر أبي

بصير و موثّقه و خبره الآخر «4» و صحيحة الكناني «5»، فراجع؛ فإنّه من جميعها يستفاد حجّية شهادة شهود أربعة و أنّ الأقلّ منها لا يكفي، كما مرّ.

الطائفة الثانية منها واردة في مطلق الزنا؛ فمنها موثّقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يشهد عليه ثلاثة رجال أنّه قد زني بفلانة، و يشهد الرابع أنّه لا يدري بمن زني، قال

لا يحدّ و لا يرجم «1»

؛

______________________________

(2) وسائل الشيعة 28: 94، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 28: 94، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 28: 95، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 3، 4، 5.

(5) وسائل الشيعة 28: 88، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 12.

(1) وسائل الشيعة 28: 95، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 145

______________________________

فإنّ الحديث و إن كان في مقام بيان مطلب آخر و هو اعتبار ورود الشهادات الأربع علي موضوع واحد و سيجي ء البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالي إلّا أنّه يفهم منه قطعاً أنّ عدد الأربعة معتبر في الرجال الشهود، و إلّا لثبت بشهادة ثلاثة أو أقلّ الحدّ أو الرجم.

و منها: موثّقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) في ثلاثة شهدوا علي رجل بالزنا، فقال علي (عليه السّلام)

أين الرابع؟

قالوا: الآن يجي ء، فقال علي (عليه السّلام)

حدّوهم فليس في الحدود نظر ساعة «1»

، و كيفية دلالتها تعلم ممّا مرّ، بل إنّ قوله (عليه السّلام)

أين الرابع؟

فيه دلالة واضحة علي أنّه لا يثبت الزنا إلّا

بشهادة أربعة من الرجال دون الأقلّ و تأنيث العدد و تذكير الفعل و وصف الرابع دليل علي أنّ الشهود كانوا رجالًا.

و منها: صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا يجلد رجل و لا امرأة حتّي يشهد عليهما أربعة شهود علي الإيلاج و الإخراج، و قال: لا أكون أوّل الشهود الأربعة أخشي الروعة أن ينكل بعضهم فأُجلد «2»

و دلالتها صدراً و ذيلًا علي اعتبار أربعة من الرجال و عدم الاعتبار بالأقلّ واضحة.

و نحوها خبر إسماعيل بن أبي حنيفة «3»، إلي غير ذلك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 96، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 28: 97، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 27: 408، كتاب الشهادات، الباب 49، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 146

أو ثلاثة رجال و امرأتين (28).

______________________________

(28) في «الجواهر»: وفاقاً للمشهور شهرة عظيمة، بل قيل: لم ينقل الأكثر فيه خلافاً، بل حسبه بعض إجماعاً، بل ربّما نفي عنه الخلاف، بل عن «الغنية» الإجماع عليه، انتهي.

و التحقيق: أنّ مقتضي إطلاق منطوق آية رمي المحصنات و مفهوم آية إتيان الفاحشة أنّ ما سوي شهادة أربعة رجال لا يقوم بإثبات الزنا، و هو عامّ لشهادة ثلاثة رجال فقط أو مع امرأتين و سائر الصور، كما أنّ منطوق صحيحي محمّد بن قيس و بعض آخر و مفهوم مثل صحيح الحلبي الماضيات أيضاً ذلك.

مضافاً إلي ورود أخبار تدلّ علي عدم حجّية شهادة النساء في الحدود؛ ففي صحيحة جميل بن درّاج و محمّد بن حمران عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قلنا: أ تجوز شهادة النساء في

الحدود؟ فقال

في القتل وحده، إنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم «1»

، فالسؤال كما تري عن جواز شهادتهنّ في مطلق الحدود، و قد أجاب بجوازها في القتل فقط، و بقرينة استشهاده بقول الأمير (عليه السّلام) يراد به الشهادة علي كون الشخص قاتلًا، فحاصل الجواب: عدم جواز شهادتهنّ في مطلق الحدود المصطلحة، و جواز الشهادة المذكورة في السؤال مطلق يعمّ ما إذا كانت شهادتهنّ منفردة أو منضمّة إلي الرجال.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 350، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 147

______________________________

و مثلها موثّقة غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) قال

لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في القود «1»

، و نحوهما خبر موسي بن إسماعيل و خبر السكوني «2»، فراجع.

لكن هنا أخبار مستفيضة دلّت علي جواز شهادة ثلاثة رجال و امرأتين؛ إمّا في الزنا مطلقاً، و إمّا في ما يوجب منه الرجم:

فمن الأوّل: صحيحة محمّد بن الفضيل بناءً علي أنّه ابن القاسم بن الفضيل، بقرينة رواية ابن محبوب عنه قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) قلت له: تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو رجم؟ قال

تجوز شهادة النساء فيما لا تستطيع الرجال أن ينظروا إليه و ليس معهنّ رجل، و تجوز شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ رجل، و تجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة في الزنا و الرجم، و لا تجوز شهادتهنّ في الطلاق و لا في الدم «3».

فالسؤال و إن كان عن جواز شهادتهنّ في مواضع ثلاثة إلّا أنّه (عليه السّلام) تفضّل

ببيان حكمها في غيرها أيضاً. و أفاد أنّه

تجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان

، و حدّ الزنا كما تري مطلق يشمل الرجم و غيره.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 358، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 29.

(2) وسائل الشيعة 27: 359، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 30 و 42.

(3) وسائل الشيعة 27: 352، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 148

______________________________

و مثلها خبر أبي بصير المضمر، و فيه

تجوز شهادتها في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة «1»

، و نحوه خبر إبراهيم الحارقي عن الصادق (عليه السّلام) «2»، فراجع.

و من الثاني: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن شهادة النساء في الرجم فقال

إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و إذا كان رجلان و أربع نسوة لم تجز في الرجم «3»

، بناءً علي أنّ الجملة الشرطية الأُولي محذوفة الجواب مستقلّة، و إلّا فإن كان الشرطية الثانية عطفاً عليها لكانت الصحيحة دليل الخلاف، و الأظهر الأوّل.

و منه: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، و لا يجوز في الرجم شهادة رجلين و أربع نسوة، و يجوز في ذلك ثلاثة رجال و امرأتان.

الحديث «4»، و دلالتها واضحة.

و منه: قول علي (عليه السّلام) في معتبر زرارة عن الباقر (عليه السّلام) ففيه قال

قال علي (عليه السّلام): تجوز شهادة النساء في الرجم إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و إذا كان أربع نسوة و رجلان فلا يجوز.

الحديث «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 351، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة

27: 352، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 27: 351، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 27: 353، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 10.

(5) وسائل الشيعة 27: 354، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 11.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 149

______________________________

و مثله صحيحة أبي الصباح الكناني «1»، و خبر زيد الشحّام «2» و صحيحة الحلبي الآتية «3».

و في قبال هذه الأخبار المستفيضة الواردة في القسم الثاني صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان لم يجز في الرجم، و لا تجوز شهادة النساء في القتل «4»

، بل و خبر إبراهيم الحارقي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و تجوز في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و لا تجوز إذا كان رجلان و أربع نسوة، و لا تجوز شهادتهنّ في الرجم «5»

؛ فإنّ التعرّض لعدم جواز شهادتهنّ في الرجم دليل علي أنّ المراد بحدّ الزنا الذي جوّز شهادة امرأتين و ثلاثة رجال فيه هو حدّ غير الرجم. اللهمّ إلّا أن يراد من الفقرة الأخيرة نفي جواز شهادتهنّ مستقلّة، فتدبّر. و كيف كان: فالصحيحة صريحة في عدم جواز شهادة ثلاثة رجال و امرأتين في باب الرجم.

و عن المفيد و ابن أبي عقيل و سلّار الفتوي بها حيث منعوا عن قبول شهادة الزنا في باب الزنا مطلقاً، لكنّها معارضة للأخبار المعتبرة المستفيضة التي قد عمل بها المشهور، و مقتضي أخبار العلاج الأخذ بما هو المشهور؛ فلا بدّ من الأخذ بهذه المستفيضة؛ لا سيّما و أنّ الصحيحة موافقة للعامّة، كما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 357، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 25.

(2) وسائل الشيعة

27: 359، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 32.

(3) المراد بها نفس ما عبر عنها بموثقة الحلبي في الصفحة 151.

(4) وسائل الشيعة 27: 358، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 28.

(5) وسائل الشيعة 27: 352، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 150

و لا تقبل شهادة النساء منفردات، و لا شهادة رجل و ستّ نساء فيه (29) و لا شهادة رجلين و أربع نساء في الرجم (30)، و يثبت بها الحدّ دون الرجم علي الأقوي (31)،

______________________________

نقل الشيخ في «خلافه» في (المسألة 2) من كتاب الشهادات، قال (قدّس سرّه): حقوق اللّٰه كلّها لا تثبت بشهادة النساء إلّا الشهادة بالزنا. إلي أن قال: و خالف جميع الفقهاء في ذلك، و قالوا: لا يثبت شي ء منها بشهادة النساء؛ لا علي الانفراد و لا علي الجمع، انتهي. فالأخذ بالمستفيضة المذكورة و تخصيص ما يدلّ بالإطلاق أو العموم علي عدم الجواز متعيّن، كما أنّ الأخذ بالقسم الأوّل لازم؛ لا سيّما و أنّه لا يبعد دعوي استفادة جواز شهادتهنّ مع ثلاثة رجال في غير الرجم أيضاً من المستفيضة، و اللّٰه العالم.

(29) قال في «الجواهر»: بلا خلاف أجده، إلّا ما يحكي عن «الخلاف» من ثبوت الجلد بذلك دون الرجم، انتهي. و يشهد لعدم القبول جميع الآيات و الروايات المذكورة مفهوماً أو منطوقاً، فراجع متدبّراً، و معها فلا بدّ من رفع اليد عن ما في خبر عبد الرحمن عن الصادق (عليه السّلام) في حديث

تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال «1»

، مضافاً إلي ضعف سنده.

(30) بلا خلاف ينقل فيه، و الدليل عليه ما مرّ من الأخبار من صحيحة الحلبي و ابن سنان و معتبر زرارة و غيرها.

(31) وفاقاً للشيخ في

«نهايته» و لما عن ابن الجنيد و ابن إدريس و ابن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 356، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 21.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 151

______________________________

حمزة قال في «الجواهر»: بل عن بعض أنّه المشهور، و يشهد له موثّقة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان

وجب عليه الرجم، و إن شهد عليه رجلان و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم و لا يرجم، و لكن يضرب حدّ الزاني «1»

، و موردها كما تري مخصوص بقيام هذه الشهادة علي المحصن، فلا يرجم هو و لكن يضرب حدّ الزاني، و يبدّل الرجم بالجلد؛ فالاستدلال بها مبني علي إلغاء الخصوصية عن المورد.

و دعوي أنّ المفهوم منها: أنّ شهادة رجلين و أربع نسوة تقوم بإثبات الزنا في مرتبة حدّ الجلد سواء كان المشهود عليه محصناً أم غير محصن و إلّا فمع احتمال خصوصية المورد يكون مفادها حكماً علي خلاف القواعد يصار إليه لهذه الموثّقة.

و ربّما كان ملاك الخصوصية تشديد الأمر علي المحصنين، و يؤخذ في غير موردها بعموم الأدلّة المانعة؛ و لا سيّما بقول أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) في صحيحة ابن الفضيل الماضية

و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة في الزنا و الرجم «2»

، و قول الصادق (عليه السّلام) في خبر إبراهيم الحارقي

و تجوز في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و لا تجوز إذا كان رجلان و أربع نسوة

؛ فإنّهما في كمال ظهور الدلالة علي عدم إثبات حدّ الزنا و لو كان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 132، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 30، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 27: 352،

كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 152

و لو شهد ما دون الأربعة و ما في حكمها لم يثبت الحدّ رجماً، و لا جلداً، بل حدّوا للفرية (32).

______________________________

جلداً بشهادة أربع نسوة و رجلين.

نعم، لو أُلغيت الخصوصية عن مورد الموثّقة أمكن الجواب بأنّ العمومات تخصّص بها، و أنّ صحيحة ابن الفضيل قابلة لإرادة خصوص الزنا الموجب للرجم؛ بأن يكون من قبيل عطف التفسير، و خبر الحارقي لا حجّة فيه؛ لعدم اعتبار سنده، مضافاً إلي إمكان تخصيصه بالرجم أيضاً؛ فالمهمّ هو التصديق بإلغاء الخصوصية.

(32) فإنّ الآية المباركة الواردة في حدّ القذف و إن كان المنصرف لها غير الشاهد فلا تعمّ الشهود، إلّا أنّ قول علي (عليه السّلام) في ذيل صحيحة محمّد بن قيس

لا أكون أوّل الشهود الأربعة أخشي الروعة أن ينكل بعضهم فأُجلد

دالّ عليه؛ فإنّ قوله (عليه السّلام) هذا دليل واضح علي ثبوت الجلد علي الشهود إذا لم يبلغ عددهم النصاب المعتبر فيهم. و مثله قوله (عليه السّلام) في موثّقة السكوني فيما شهد ثلاثة و لم يحضر الرابع

حدّوهم، فليس في الحدود نظر ساعة

؛ فإنّ أمره بإجراء الحدّ علي الشهود الثلاثة بمجرّد أن لم يحضر معهم الرابع دليل علي وجوب حدّ القذف عليهم إذا لم يبلغ عددهم النصاب المعتبر، كما هو واضح. و نحوها خبر عبّاد البصري «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 97، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 9.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 153

[مسألة 10 لا بدّ في شهادة الشهود علي الزنا من التصريح أو نحوه]

مسألة 10 لا بدّ في شهادة الشهود علي الزنا من التصريح أو نحوه (33)، علي مشاهدة الولوج في الفرج،

______________________________

و خبر حريز المروي عن تفسير علي بن إبراهيم «1»، فراجع. و قد تقدّم نقل

صحيح محمّد بن قيس و موثّق السكوني ذيل الأخبار الدالّة علي اعتبار أربعة رجال، فتذكّر.

(33) هذه المسألة كالمسألة السابقة و بعض ما تأتي متضمّنة للشرائط المعتبرة في الشهادة أو الشهود تحمّلًا أو أداءً؛ فمن هذه الشروط أن يكون الأداء بعبارة صريحة لا يحتمل إرادة غير معناها أو نحوها، و المراد من نحوها ما كان لها ظهور معتدّ به عند العقلاء؛ فإنّ كلّا من الصراحة و الظهور حجّة و كاشف و طريق إلي المراد عند العقلاء، من غير فرق عندهم بين مقام الشهادة و غيرها، و لم يقم دليل خاصّ علي اعتبار أزيد منه. فما في «المسالك» من اعتبار الصراحة؛ مستدلّاً بأنّ أمر الحدود سيّما الرجم مبني علي الاحتياط التامّ و يدرأ بالشبهة، مدفوع بأنّ التعبير عن الشي ء إذا كان ظاهراً عرفاً فيه فهو طريق إليه، و معه فلا يصدق عنوان الشبهة بعد قيام الطريق العقلائي. نعم لو كان العبارة غير صريحة و لا ظاهرة في إفادة معني الزنا فلم ينكشف بالشهادة بها أنّ المشهود عليه قد زني، فلا حجّة و لا طريق عليه، و لا يمكن للقاضي أن يحكم عليه بثبوت الحدّ بعد ما كان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 177، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 2، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 154

كالميل في المكحلة (34)،

______________________________

مقتضي الأصل عدم الثبوت، كما لا يخفي.

(34) هذا شرط آخر معتبر في كيفية التحمّل و الأداء، و توضيحه: أنّه لا ريب في أنّ الزنا لا يتحقّق إلّا بالولوج في الفرج كالميل في المكحلة، إلّا أنّ الكلام هنا ليس فيه بل في أنّه هل يعتبر في الشهادة علي الزنا أن يري الشاهد هذا الولوج بعينه، فلو لم

يبصر به لا يجوز له الشهادة و لا تسمع شهادته؟ أو لا يعتبر سوي العلم القطعي بالولوج، و لو كان حاصلًا من القرائن القطعية لا من الرؤية و إبصار نفس الإيلاج؟

و قد مرّ في كتاب الشهادات أنّ أدلّة الشهادة و عموماتها لا تقتضي أزيد ممّا يعتبر العقلاء في حجّية خبر الواحد العدل، و هو كونه قد أُحرز المشهود به إمّا بالحسّ و إمّا بقرائن حسّية توجب العلم به، كأن زني أحد وراء ستر و سمع منهما أصوات و خصوصيات توجب العلم بالزنا. و بالجملة فعنوان الشهادة و عموماتها لا تقتضي اعتبار المشاهدة، لا في باب الزنا و لا في سائر الموارد، فلو اعتبرت المشاهدة هنا لا بدّ و أن يكون بدليل خاصّ.

و لا يصحّ الاستدلال لاعتبار المشاهدة بما تضمّن من الأخبار اعتبار أن يشهد الشهود علي الإيلاج و الإخراج كالميل في المكحلة؛ فإنّ هذا المعني عبارة أُخري عن الزنا، و الشهادة علي الزنا لا معني لها إلّا الشهادة علي الإيلاج و الإخراج كالميل في المكحلة، فهذه الأخبار بصدد التنبيه علي أنّ إجراء الحدّ باستناد الشهادة إنّما هو فيما شهد الشهود علي نفس العمل، لا علي مقدّماته أو الأعمّ.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 155

______________________________

نعم، قد يستدلّ بأخبار اعتبرت أن يشهد الشهود بأنّهم قد رأوا أنّه يجامعها؛ ففي صحيح الحلبي الماضي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

حدّ الرجم أن يشهد أربع أنّهم رأوه يدخل و يخرج «1»

، و في خبر أبي بصير عنه (عليه السّلام)

لا يجب الرجم حتّي يشهد الشهود الأربع أنّهم قد رأوه يجامعها «2»

، و نحوه خبره الآخر عنه (عليه السّلام) «3»، و نحوها صحيحة محمّد بن الفضيل أيضاً «4»، و هذه

الأخبار جميعها واردة في خصوص الرجم.

و في صحيح حريز المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

القاذف يجلد ثمانين جلدة، و لا تقبل له شهادة أبداً إلّا بعد التوبة أو يكذّب نفسه، فإن شهد له ثلاثة و أبي واحد يجلد الثلاثة، و لا تقبل شهادتهم حتّي يقول أربعة: رأينا مثل الميل في المكحلة «5»

، و هذا كما تري وارد في مطلق الزنا، و قد اعتبر أن يقول الشهود: «رأينا.» إلي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 94، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 95، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 28: 95، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 28: 88، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 12.

(5) وسائل الشيعة 28: 177، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 2، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 156

______________________________

آخره، فيعلم: أنّه ما لم ير الزنا بالعين لا يجوز الشهادة به لكي يثبت و يدفع عن القاذف حدّ الزنا، بل لا تسمع شهادته حتّي يقول: رأيت منه الزنا.

و بالجملة: فيستظهر من هذه الأخبار اعتبار الرؤية في التحمّل، و اعتبار أن يقول شاهَده و رآه في مقام الأداء؛ و لذلك قال المشهور، بل لا خلاف يوجد معتدّاً به كما في «الجواهر» إنّه لا بدّ من المشاهدة، و في «الرياض» أنّهم اعتبروا المعاينة مطلقاً في الجلد و الرجم من غير خلاف بينهم.

و أمّا موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال

إذا قال الشاهد: إنّه قد جلس منها مجلس الرجل

من امرأته أُقيم عليه الحدّ «1»

، فلا تعارض هذه الأخبار بتوهّم أنّه اكتفي في ثبوت الحدّ و إقامته أن يشهد الشاهد بجلوسه منها مجلس الرجل من امرأته، و هو أعمّ من الزنا فضلًا عن رؤيته له وجه عدم المعارضة: أنّه لا ريب في أنّه لم يرد من الجلوس كذلك معناه اللغوي، بل الظاهر أنّه كناية عن عمل الوقاع، كما أنّ الجماع أيضاً معني كنائي، هذا.

و يمكن أن يقال: إنّ الروايات المذكورة واردة في مقام اعتبار أن يحرز الشاهد و يشهد نفس الزنا و لا يكفي رؤية مقدّماته؛ و ذلك:

أمّا في صحيح أبي الصباح الكناني فلأنّ تمام الرواية هكذا: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد، قال

اجلدهما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 88، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 13، و الباب 12، الحديث 10.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 157

______________________________

مائة مائة

، قال

و لا يكون الرجم حتّي تقوم الشهود الأربعة أنّهم رأوه يجامعها «1»

، فإنّه (عليه السّلام) بحسب هذه الرواية قد جعل موضوع جلد المائة مجرّد أن يوجد الرجل و المرأة في لحاف واحد و إن لم يعلم منهما جماع و وقاع، ثمّ قال: و لا يكون الرجم حتّي تقوم الشهود بأنّهم رأوا جماعهما، فلا يبعد استظهار أنّه (عليه السّلام) بصدد أنّه لا يكفي في الرجم مجرّد أن يكونا في لحاف واحد، بل لا بدّ فيه من ثبوت الزنا منهما، فتمام العناية بثبوت الزنا و الإيلاج في قبال ثبوت مجرّد المضاجعة لا برؤية الزنا، و إنّما ذكرت الرؤية لكونها طريقاً إلي الإحراز فيما هو قابل للرؤية، فلا تدلّ الرواية علي اعتبار ذكر الرؤية في الأداء لكي

تدلّ علي اعتبارها في التحمّل أيضاً.

و أمّا في خبر أبي بصير فهو أيضاً بإسناد الشيخ عن الحسين بن سعيد عن القاسم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) هكذا: سألته عن امرأة وجدت مع رجل في ثوب، قال

يجلدان مائة جلدة، و لا يجب الرجم حتّي تقوم البيّنة الأربعة بأن قد رأوه يجامعها «2»

، و فقه هذا الحديث أيضاً هو ما عرفت في رواية أبي الصباح الكناني. نعم هذا الخبر بنقل «الكافي» و بسند الشيخ عن أحمد بن محمّد ليس له هذا الصدر، إلّا أنّ صدره أيضاً قد نُقل في «الكافي» بدون هذا الذيل، و لا يبعد استظهار أنّ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 10: 43/ 156، وسائل الشيعة 28: 88، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 12.

(2) تهذيب الأحكام 10: 43/ 154، وسائل الشيعة 28: 86، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 158

______________________________

الرواية واحدة صدراً و ذيلًا كما في نقل الحسين بن سعيد، و إنّما جاء التقطيع من قبل ثقة الإسلام الكليني أو من قبل من تقدّمه من الرواة (قدّس سرّهم)؛ ففي «الكافي»: أحمد بن محمّد عن علي بن الحكم [عن أبان] عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة وجدت مع رجل في ثوب واحد، فقال

يجلدان مائة جلدة «1»

هكذا رواه في باب ما يوجب الجلد، و الظاهر بقرينة الرواية السابقة عليه أنّ الراوي عن أحمد بن محمّد هو محمّد بن يحيي، فراجع.

و فيه في باب ما يوجب الرجم ما لفظه: محمّد بن يحيي عن أحمد

بن محمّد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يجب الرجم حتّي تقوم البيّنة الأربعة أنّهم قد رأوه يجامعها «2»

، و مثله ما رواه في «التهذيب» عن أحمد بن محمّد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): قال

لا يجب الرجم حتّي تقوم البيّنة الأربعة شهود أنّهم قد رأوه يجامعها «3»

، فمن ملاحظة ما رواه الشيخ عن كتاب الحسين بن سعيد يعلم أنّ للحديث صدراً و ذيلًا قد قطعه الكليني أو أحمد بن محمّد أو غيرهما، و صدره قرينة علي أنّ

______________________________

(1) الكافي 7: 182/ 9، وسائل الشيعة 28: 86، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 7.

(2) الكافي 7: 184/ 3، وسائل الشيعة 28: 95، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 10: 2/ 2، وسائل الشيعة 28: 95، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 159

______________________________

المراد من ذيله هو أنّه يعتبر في ثبوت الرجم أن يشهد الشهود علي نفس الجماع، لا علي مجرّد كونهما مجرّدين في ثوب واحد.

و منه يعلم كيفية الأمر فيما رواه شعيب العقرقوفي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

حدّ الرجم في الزنا أن يشهد أربعة أنّهم رأوه يدخل و يخرج «1»

؛ فإنّ أبا بصير هنا مثلًا قد اكتفي بنقل ذيل ما سمعه مع صدره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، لكنّه لم يعلم أنّ أبا بصير فهم من هذا الحديث اعتبار الرؤية و المشاهدة، بل هو

أيضاً إنّما فهم ما استظهرناه من اعتبار إحراز الجماع و الإيلاج؛ و لذلك فقد نقل هذا المضمون لسماعة هكذا: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا يرجم الرجل و المرأة حتّي يشهد عليهما أربعة شهداء علي الجماع و الإيلاج و الإدخال، كالميل في المكحلة «2»

، فتري أنّه نقل عن الإمام أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مجرّد اعتبار أن يشهد الشهود علي الجماع و الإيلاج، و لم يكن في كلامه هذا من الرؤية عين و لا أثر، و هو شاهد علي ما قلناه، و علي أنّ أبا بصير أيضاً قد فهم ما ذكرناه.

و ممّا عرفت من جريان الأمر و مراد المعصوم (عليه السّلام) في خبري أبي الصباح و أبي بصير تعرف كيفية الأمر في صحيحة الحلبي أيضاً؛ فإنّها و إن لم يذكر لها صدر و لا ذيل فيما بأيدينا من كتب الحديث علي ما وجدنا إلّا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 95، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 28: 95، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 160

______________________________

أنّ هذه الصحيحة بنفس هذا السند قد نقلت تارة متضمّنة لما في صدر الخبرين و أُخري لما في ذيلهما؛ ففي «الكافي» في باب ما يوجب الجلد ما لفظه: حدّثني علي بن إبراهيم عن أبيه و محمّد بن يحيي عن أحمد بن محمّد بن عيسي جميعاً عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

حدّ الجلد أن يوجدا في لحاف واحد، فالرجلان (و الرجلان خ. ئل) يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحدّ، و المرأتان تجلدان إذا أُخذتا في لحاف

واحد الحدّ «1»

، ثمّ فيه في باب ما يوجب الرجم ما لفظه: علي بن إبراهيم عن أبيه و محمّد بن يحيي عن أحمد بن محمّد جميعاً عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

حدّ الرجم أن يشهد أربعة أنّهم رأوه يدخل و يخرج «2».

فلا يبعد أوّلًا: دعوي الحدس القطعي بأنّ الرواية الثانية قطعة من الاولي قطعتا و رويتا بصورة روايتين، و حينئذٍ يأتي فيهما ما سمعته في رواية أبي الصباح و أبي بصير. و ثانياً: أنّ الظاهر من حديث الرجم و لو بقرينة ما مرّ في خبر أبي بصير و أبي الصباح أنّ المعتبر أن يشهدوا بالإيلاج، و إنّما ذكرت الرؤية لمجرّد أنّها طريق الإحراز.

فالحاصل: أنّ هذه الأخبار الثلاثة من قبيل ما دلّت من الأخبار

______________________________

(1) الكافي 7: 181/ 1، وسائل الشيعة 28: 84، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 1.

(2) الكافي 7: 183/ 1، وسائل الشيعة 28: 94، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 161

______________________________

المستفيضة علي أنّ موضوع جلد المائة ضربه أن يوجدا في لحاف واحد و إن لم يعلم منهما جماع، و أمّا موضوع الرجم فهو الجماع و الإيلاج. و نحن و إن لم نعمل بمفادها في مسألة المضاجعة و رجّحنا أخبار التعزير علي ما عرفت البحث عنها مفصّلًا إلّا أنّ هذا الصدر و هذا المعني الذي تضمّنته قرينة قوية معيّنة للمراد بذيلها، و أنّه لا يرجم الرجل و لا المرأة حتّي يشهد الشهود بأنّهم رأوه يجامعها.

و ممّا ذكرناه تعرف الكلام في خبر حريز و قوله (عليه السّلام)

لا تقبل شهادتهم حتّي يقول

أربعة رأينا مثل الميل في المكحلة

؛ فإنّه بعد ما عرفت مرادهم (عليهم السّلام) من هذه العبارة تعلم أنّ مرادهم (عليهم السّلام) هنا أيضاً أنّه يعتبر في ثبوت الزنا الذي قذفه به أن يشهد الشهود الأربع علي أنّه قد أولج و جامع، لا علي مجرّد أنّه اضطجع مع المرأة الأجنبية، هذا. مضافاً إلي عدم العلم باعتبار جميع ما في تفسير علي بن إبراهيم؛ إذ قالوا: إنّه زيد فيه و نقص.

هذا ما يقتضيه الدقّة و تحقيق الكلام في هذا المقام، و مع ذلك فيمكن أن لا يحدس أحد حدسنا و يقول: إنّ صحيحة الحلبي قد رويت لنا مستقلّة و بلا صدر و ظاهرها اعتبار الرؤية، لكنّها ربّما يعارضها ما وردت من الأخبار بكفاية أن يشهد الشهود بالزنا و بالإيلاج و الإخراج، كما في صحيحي محمّد بن قيس و موثّقة عمّار و السكوني المتقدّمات، فمن جميع ما عرفت لا يبعد القول بعدم اعتبار الرؤية في التحمّل و لا اعتبار ذكرها في الأداء. و هو و إن كان خلاف المشهور إلّا أنّه لا بأس به بعد العلم بأنّ مستند المشهور هو هذه الروايات، و لا أقلّ من احتماله احتمالًا قويّاً. و منه تعرف سرّ ترديده دام ظلّه علي ما يظهر من قوله في ذيل المسألة: «و في

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 162

أو الإخراج منه من غير عقد و لا ملك و لا شبهة و لا إكراه (35) و هل يكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سبباً للتحليل؟ قيل: نعم، و الأشبه لا (36) و في كفاية الشهادة مع اليقين و إن لم يبصر به وجه لا يخلو من شبهة في المقام.

______________________________

كفاية الشهادة مع اليقين و إن لم

يبصر به وجه لا يخلو من شبهة في المقام».

(35) يعني أنّه لو أُريد الحكم بثبوت حدّ الزنا باستناد شهادة البيّنة و قيامها فلا بدّ من شهادتهم علي انتفاء هذه الأُمور؛ إذ مع وجود أحدها فلا يمكن الحكم بإقامة الحدّ؛ لانتفاء الحدّ بل موضوع الزنا، و هذا لا ينافي أن يؤخذ بكلامهم و شهادتهم علي أصل الجماع. و يثبت انتفاء هذه الأُمور بطريق معتبر آخر. فلو شهد الأربعة بأصل الجماع و الإيلاج و أقرّ هو نفسه بانتفاء الشبهة و العقد و الملك و الإكراه، أو قامت بيّنة علي انتفائها أو علم الحاكم بانتفائها، فالظاهر ثبوت الزنا و وجوب الحدّ من انضمامهما؛ إذ أصل الجماع يثبت من طريق شهادة الأربعة، و خصوصية أنّه كان حراماً و غير مشروع من طريق آخر.

و الماتن دام ظلّه و سائر الأصحاب و إن لم يكونوا بصدد بيان هذا المعني إلّا أنّه لا دليل في كلامهم علي خلافه، و مقتضي القواعد أيضاً هو ثبوت الزنا من هذا الانضمام.

(36) قال في «الشرائع»: و يكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سبباً للتحليل، و لعلّ الوجه فيه: أنّه إذا لم يعلم سبب التحليل فاستصحاب عدم العقد و الملك كاستصحاب أنّه غير مكره، بل و استصحاب أنّه غير مشتبه يثبت حرمة جماعها، و الاستصحاب رافع للشكّ في الحرمة تعبّداً

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 163

[مسألة 11 تكفي الشهادة علي نحو الإطلاق]

مسألة 11 تكفي الشهادة علي نحو الإطلاق (37)؛ بأن يشهد الشهود أنّه زني و أولج كالميل في المكحلة، من غير ذكر زمان أو مكان أو غيرهما،

______________________________

و يجعلنا بمنزلة المتيقّن بها، و بعبارة اخري: استصحاب موضوع الحرمة يتعبّدنا ببقاء الموضوع، فيعمّه دليل حرمة الزنا و يرفع عنّا الشبهة؛ فليس المورد من

موارد الشبهة حتّي يقال: يدرأ الحدّ بالشبهة، هذا.

لكن فيه: أنّه إذا احتملنا وجود أحد الأُمور المذكورة فلا محالة نحتمل جواز الجماع له و لو ظاهراً و مع هذا الاحتمال فأصالة الصحّة و أدلّة حمل فعل المسلم علي الحسن تقتضي لا أقلّ أن لا يحمل علي الحرام، و هذا الأصل و القاعدة مقدّم علي الاستصحاب المذكور، كما تقرّر في محلّه. فدليل الاستصحاب يخصَّص بأدلّة القاعدة؛ و لذا كان الأشبه بالقواعد عدم الاكتفاء بشهادتهم إذا قالوا: لا نعلم سبباً للتحليل، ما لم يقولوا: ليس بينهما سبب التحليل، و لم يثبت عدم هذا السبب من الطرق الأُخر.

(37) كما هو الظاهر من كلام المتقدّمين؛ حيث إنّ كلماتهم كالنصوص مطلقة لم يشترطوا سوي الشهادة بالزنا و الإيلاج و الإدخال، علي ما حكاه عنهم في «المسالك».

و الدليل علي كفايتها و عدم وجوب التعرّض للخصوصيات هو إطلاق النصوص التي مرّ ذكرها؛ حيث إنّها أيضاً جعلت موضوع ثبوت الجلد أو الرجم شهادة أربعة مثلًا علي الزنا و الإيلاج و الإدخال، من دون تعرّض لاشتراط ذكر الخصوصيات في شي ء منها، فإطلاقها حجّة؛ فيؤخذ بمجرّد شهادة أربعة رجال علي أنّه زني و إن احتملنا أنّ الفرد

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 164

لكن لو ذكروا الخصوصيات و اختلف شهادتهم فيها كأن شهد أحدهم بأنّه زني يوم الجمعة و الآخر بأنّه يوم السبت، أو شهد بعضهم أنّه زني في مكان كذا و الآخر في مكان غيره، أو بفلانة و الآخر بغيرها لم تسمع شهادتهم (38) و لا يحدّ. و يحدّ الشهود للقذف.

______________________________

المشهود به لبعضهم غير ما يشهد به الآخر؛ أخذاً بإطلاق النصوص المذكورة.

(38) يظهر من «المسالك»: أنّه متّفق عليه بينهم حيث استدلّ لعدم ثبوت الزنا فيما

اختلفت الأربعة في كون المزني بها مكرهة، أو مطاوعة بقوله: لأنّه لم يشهد به علي كلّ تقدير العدد المعتبر، فهو جارٍ مجري تغاير الوقتين و المكانين المتّفق علي أنّه لا يثبت علي تقديره، انتهي. فتري أنّه جعل محلّ كلامه مساوياً لما اختلفوا في الوقت أو المكان، و جعل من المسلّم أنّ عدم الثبوت فيه متّفق عليه.

و كيف كان: فالدليل علي عدم السماع أنّه إذا اختلف الشهود في بعض الخصوصيات المذكورة فحيث إنّ الفعل الواجد لهذه الخصوصية غير الواجد لتلك الخصوصية فالزنا بهذه المرأة فعل خاصّ غير الزنا بالمرأة الأُخري، و الزنا في يوم الجمعة مثلًا غير الزنا في يوم الخميس، و هكذا الزنا في بلدة قم مثلًا غير الزنا في القاسان و بالجملة: فحيث إنّ الأفعال تختلف باختلاف الخصوصيات، فإذا اختلف الشهود فيها فلا محالة لا تقوم علي فعل واحد شهادة أربعة شهود مثلًا و إطلاق الاكتفاء بشهادة العدد المعتبر علي الزنا منصرف عمّا إذا تعرّضوا للخصوصيات و اختلفوا فيها؛

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 165

و لو ذكر بعضهم خصوصية و أطلق بعضهم فهل يكفي ذلك أو لا بدّ مع ذكر أحدهم الخصوصية أن يذكرها الباقون؟ فيه إشكال، و الأحوط لزومه (39).

______________________________

حيث يلزم منه كما عرفت أن لا يقوم العدد المعتبر علي فعل واحد، هذا.

أقول: إنّ الاختلاف في الخصوصيات علي قسمين:

فتارة: يشهد بعضهم علي هذا العمل الخاصّ كالزنا يوم الجمعة مثلًا، و البعض الآخر علي عمل آخر كالزنا يوم السبت، من غير أن يكون وحدة ما يشهد جميعهم به مفروضة فيما بينهم، ففيها يجري البيان المذكور و صحّ القول بأنّه لم يقم علي شي ء من الفعلين شهادة عدد معتبر.

و أُخري: يكون المفروض عند جميعهم

أنّ المشهود عليه زني زنا واحداً، و أنّهم جميعهم مثلًا شهدوا زناه معاً و جميعاً، لكنّهم يختلفون في أنّ هذا الزنا الواحد الشخصي هل تحقّق يوم الجمعة أو يوم السبت؟ أو كان المزني بها في شخص هذا الزنا فلانة أو فلانة؟ و هكذا، ففيها كأنّهم يقولون أربعتهم: إنّا نشهد بوقوع فعل واحد شخصي منه، و إنّما نختلف في خصوصيات هذا الشخص، من دون أن نعتقد اثنينية ما نشهد عليه فهنا قد تحقّقت شهادة العدد المعتبر علي زنا واحد و يكون مشمولًا للإطلاقات، و يثبت أصل الزنا بشهادة العدد المعتبر و شي ء من الخصوصيات لم يقم عليه شهادة الأربعة، فلا يثبت إذا اعتبرنا فيه عدد الأربعة مثلًا. و قد مرّ نظيره منّا في كتاب الشهادات أيضاً، فتذكّر.

(39) دليل الاكتفاء بالإطلاق ما عرفت من أنّ مقتضي إطلاق النصوص: أنّه لا يعتبر في الشهادة إلّا أن تكون شهادة بالزنا، و هي متحقّقة

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 166

______________________________

في الفرض؛ إذ مَن ذكر الخصوصية من الشهود فقد أتي بأزيد من المعتبر، و إنّما يعتبر شهادته بلحاظ أنّها شهادة بالزنا، و ذكر الخصوصية كالحجر بجنب الإنسان. فإذا لم يتعرّض غيره الخصوصية كانت شهادته أيضاً تامّة، و يحصل شهادة العدد المعتبر علي الزنا و يثبت به.

و وجه لزوم ذكر الخصوصية علي غيره حينئذٍ موثّقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يشهد عليه ثلاثة رجال أنّه قد زني بفلانة و يشهد الرابع أنّه لا يدري بمن زني، قال

لا يحدّ و لا يرجم «3»

، و ظاهرها كما تري أنّ الرابع يشهد بأصل الزنا لكنّه لا يدري أنّه بمن زني، و هو محلّ الكلام فيما نحن فيه حيث

ذكر ثلاثة الخصوصية و شهد الرابع بالإطلاق، فحكم (عليه السّلام) بعدم ثبوت الزنا و أنّه لا يحدّ و لا يرجم.

إن قلت: لعلّ المراد منها أنّ الرابع يشهد بزناه، و يظهر بقوله «لا يدري بمن زني» أنّه يحتمل كون المزني بها هي من يسمّيها غيره و كونها غيرها، ففي مثل هذه الصورة لا تتمّ شهادة العدد المعتبر علي عمل واحد، و يكون هذا المورد غير مشمول للإطلاقات.

قلت: قوله: «لا يدري بمن زني» يجتمع مع اعترافه بوحدة العمل الذي يشهد هو و تلك الثلاثة به، غاية الأمر أنّهم يعرفونها و لا يعرفها هو، و لا شكّ في أنّ مثلها مشمول للإطلاقات.

فالحقّ: أنّ الموثّقة تدلّ في الجملة علي أنّه لا بدّ من ذكر الجميع

______________________________

(3) وسائل الشيعة 28: 95، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 167

[مسألة 12 لو حضر بعض الشهود و شهد بالزنا في غيبة بعض آخر]

مسألة 12 لو حضر بعض الشهود و شهد بالزنا في غيبة بعض آخر حدّ من شهد للفرية (40).

______________________________

للخصوصية إذا تعرّض لها بعضهم، و بإلغاء الخصوصية عن موردها يسري الحكم إلي جميع الموارد. اللهمّ إلّا أن يمنع إلغاء الخصوصية و يقال بوجوب الاقتصار علي موردها، بل لو احتمل أنّ مراد الرابع إظهار الشكّ في وحدة ما يشهد هو به مع ما شهد به غيره كان أصل اعتبار ذكر الخصوصية محلّ إشكال بل منع. و لعلّه لهذه الجهات لم يجزم بشي ء من الطرفين، و الأظهر الاقتصار علي موردها و الاكتفاء بالإطلاق في غيره، و اللّٰه العالم.

(40) ادّعي عليه عدم الخلاف فيه في «الرياض»، و في «الجواهر»: «بلا خلاف محقّق أجده فيه إلّا ما يحكي عن جامع ابن سعيد و هو شاذ».

و الدليل عليه: موثّقة

السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) في ثلاثة شهدوا علي رجل بالزنا، فقال علي (عليه السّلام)

أين الرابع؟

قالوا: الآن يجي ء، فقال علي (عليه السّلام)

حدّوهم، فليس في الحدود نظر ساعة «1»

، و مثلها خبر عبّاد البصري قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن ثلاثة شهدوا علي رجل بالزنا و قالوا: الآن نأتي بالرابع، قال

يجلدون حدّ القاذف ثمانين جلدة كلّ واحد منهم «2»

و دلالتهما واضحة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 96، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 28: 97، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 9.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 168

و لم ينتظر مجي ء البقية لإتمام البيّنة، فلو شهد ثلاثة منهم علي الزنا و قالوا: لنا رابع سيجي ء حدّوا. نعم لا يجب أن يكونوا حاضرين دفعة (41)؛ فلو شهد واحد و جاء الآخر بلا فصل فشهد و هكذا ثبت الزنا و لا حدّ علي الشهود. و لا يعتبر تواطؤهم علي الشهادة (42)؛ فلو شهد الأربعة بلا علم منهم بشهادة السائرين تمّ النصاب و ثبت الزنا، و لو شهد بعضهم بعد حضورهم جميعاً للشهادة و نكل بعض يحدّ من شهد للفرية (43).

______________________________

(41) خلافاً للعلّامة في «القواعد»، و وفاقاً لإطلاق الأصحاب. و الدليل علي عدم وجوبه هو إطلاق أدلّة قبول شهادة العدد المعتبر؛ فإنّ ظاهرها أنّ تمام الملاك هو شهادة هذا العدد، و هي محقّقة مع الحضور دفعة و لا معه.

(42) للإطلاق المذكور بعينه.

(43) ادّعي عليه الإجماع في «الخلاف»، و جعله المنصوص المشهور في «المختلف»، و مع ذلك فقد خالف فيه العلّامة في «المختلف» و قال بأنّ القول بعدم الحدّ لا يخلو من قوّة.

و دليل وجوب

الحدّ مضافاً إلي ما يستفاد من أدلّة ثبوت الحدّ علي من شهد في غيبة بعض آخر و قبل حضوره، حيث يستفاد منه أنّ موضوع أدلّة القذف عامّ لمن يشهد علي أحد بالزنا عند الحاكم أيضاً، و لا يختصّ بمن قذفه في غير مجلس القضاء و بغير وجه الشهادة صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لا أكون أوّل الشهود الأربعة

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 169

______________________________

في الزنا، أخشي أن ينكل بعضهم فأُجلد «1»

، و قد مرّ ذكر هذه الفقرة ذيل صحيحته المذكورة عن «الفقيه» في عداد ما يدلّ علي اعتبار شهادة الأربعة في مطلق الزنا، فتذكّر.

نعم، ينبغي التنبّه لنكتة، هي: أنّ من شرط إجراء حدّ القذف بل ثبوت كلّ حدّ أن لا يكون المرتكب و القاذف جاهلًا بالموضوع أو الحكم جهلًا معذوراً معه، فمثلًا إذا اعتقد أنّ جميع الثلاثة الشهود يشهدون بالزنا؛ فلذا بادرهم إلي الشهادة به، فنكل عن الشهادة بعضهم فهو باعتقاده هذا معتقد لجواز شهادته التي ينكشف أنّها قذف بنكول بعض منهم، و هذا الاعتقاد منه عذر له مجوّز للشهادة له، و هذا من قبيل الجهل بالموضوع. كما أنّه إذا اعتقد جهلًا مركّباً قاصراً بجواز الشهادة بالزنا عند الحاكم و لو كان واحداً فلا يجوز إجراء حدّ القذف عليه.

و بالجملة: فمفروض المتن اجتماع سائر الشرائط المعتبرة في ثبوت الحدّ، و لازمه: أنّه إنّما يحدّ فيما علم من الأوّل بأنّ بعضاً منهم ينكل عن الشهادة؛ إذ مع احتمال عدم النكول فلا يعلم بحرمة شهادة نفسه، و الأصل هو الحلّية.

إن قلت: هذا المعني كخلاف صريح صحيحة محمّد بن قيس فإنّه (عليه السّلام) عبّر بقوله

أخشي

، و الخشية إنّما تكون مع احتمال النكول، و

لا يعبّر بها مع العلم بالنكول.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 194، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 12، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 170

[مسألة 13 لو شهد أربعة بالزنا و كانوا غير مرضيين]

مسألة 13 لو شهد أربعة بالزنا و كانوا غير مرضيين كلّهم أو بعضهم كالفسّاق حدّوا للقذف (44)، و قيل: (45) إن كان ردّ الشهادة لأمر ظاهر كالعمي و الفسق الظاهر حدّوا، و إن كان الردّ لأمر خفي كالفسق الخفي لا يحدّ إلّا المردود،

______________________________

قلت: لعلّ بناء فقهاء العامّة في زمنه (عليه السّلام) كان علي جلد الشهود إذا نكل من يتمّ به العدد، و لا دليل فيه علي أنّ حكم اللّٰه الواقعي هو ذلك، فتدبّر.

(44) لما مرّ من أنّ المستفاد من صحيحة محمّد بن قيس و موثّقة السكوني أنّ موضوع أدلّة حدّ القذف عامّ لمن يشهد عند الحاكم، و لا يمكنه إثبات المشهود به أيضاً، و لا تختصّ بمن قذف الغير في غير مجلس أداء الشهادة.

فهؤلاء أيضاً حيث لم يثبت بشهادتهم الزنا صاروا مشمولين للأدلّة و يحكم عليهم بحدّ القذف. نعم لا ينبغي الغفلة عن النكتة التي أشرنا إليها آنفاً من لزوم علمهم بالحكم و الموضوع في الحكم عليهم بحدّ القذف.

(45) القائل به الشيخ في كتاب الحدود من «الخلاف» (المسألة 33)، و حكي عن «مبسوطه» و عن «السرائر» و «الجامع» و «تحرير» العلّامة.

و عمدة ما وجّهوا به أنّهم في غير العلّة الظاهرة غير مفرّطين في إقامة الشهادة.

و الجواب عنه ظاهر بعد ما عرفت أنّ شرط إجراء الحدّ و الحكم به

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 171

و لو كان الشهود مستورين و لم يثبت عدالتهم و لا فسقهم فلا حدّ عليهم للشبهة (46).

[مسألة 14 تقبل شهادة الأربعة علي الاثنين]

مسألة 14 تقبل شهادة الأربعة علي الاثنين فما زاد (47)؛ فلو قالوا: إنّ فلاناً و فلاناً زنيا قبل منهم و جري عليهما الحدّ.

______________________________

علمهم بحرمة شهادتهم، و معه فهم مفرّطون، كما هو واضح.

(46) تقريبه: أنّهم

لمّا احتمل كونهم عُدولًا فيحتمل أن يكونا داخلين في من استثني عن وجوب حدّ القذف بمفهوم قوله تعالي وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ. الآية؛ إذ هم حينئذٍ أربعة شهداء فلا حدّ عليهم، فمع هذا الاحتمال يشكّ في تعلّق الحدّ بهم، و قد عرفت أنّ مقتضي الأصل موضوعاً و حكماً عدم الوجوب، بل و لا جواز إجراء الحدّ عليهم.

(47) حكاه في «الرياض» عن «السرائر» و «التحرير» و «الإرشاد» و غيرها من كتب الأصحاب، قال: و لعلّه لا خلاف فيه؛ لعموم أدلّة قبول الشهادة السليمة عن المعارض، انتهي.

أقول: و يؤيّد عمومها مضمرة عبد اللّٰه بن جذاعة قال: سألته عن أربعة نفر شهدوا علي رجلين و امرأتين بالزنا، قال

يرجمون «1»

، فقد حكم بقبول شهادة أربعة نفر في أكثر من زنا واحد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 96، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 172

[مسألة 15 إذا كملت الشهادة ثبت الحدّ]

مسألة 15 إذا كملت الشهادة ثبت الحدّ، و لا يسقط بتصديق المشهود عليه مرّة أو مرّات دون الأربع، خلافاً لبعض أهل الخلاف، و كذا لا يسقط بتكذيبه (48).

[مسألة 16 يسقط الحدّ لو تاب قبل قيام البيّنة]

مسألة 16 يسقط الحدّ لو تاب قبل قيام البيّنة (49)؛ رجماً كان أو جلداً.

______________________________

(48) التقييد بما دون الأربع؛ لأنّها إذا بلغت أربعاً ثبت المشهود به بلا إشكال و لا خلاف و لو للأقارير الأربعة. و الدليل لأصل المسألة إطلاق أدلّة حجّية الشهادة لجميع الصور؛ سواء سكت المشهود عليه أو صدّق أو كذّب، قال الشيخ في كتاب الحدود من «الخلاف» (مسألة 19): إذا شهد عليه أربعة شهود بالزنا فكذّبهم أُقيم عليه الحدّ بلا خلاف، و إن صدّقهم أُقيم عليه الحدّ و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: لا يقام عليه الحدّ؛ لأنّه يسقط حكم الشهادة مع الاعتراف، و بالاعتراف دفعة واحدة لا يقام عليه الحدّ. دليلنا عموم الأخبار التي وردت في وجوب إقامة الحدّ إذا قامت عليه البيّنة و لم يفصّلوا.

(49) في الرياض: بلا خلاف أجده، و به صرّح بعض الطائفة و بالوفاق بعض الأجلّة، و هو الحجّة، انتهي. و في «الجواهر» أيضاً: بلا خلاف أجده، بل في «كشف اللثام» الاتّفاق عليه، انتهي. و قال الشيخ في «النهاية» في باب أقسام الزنا: و من زني و تاب قبل قيام البيّنة عليه بذلك درأت التوبة عنه الحدّ، فإن تاب بعد قيام البيّنة عليه وجب عليه الحدّ، و لم يجز للإمام العفو عنه، انتهي. و قد ذكر هذا التفصيل في اللواط و المساحقة

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 173

______________________________

و شرب الخمر و حدّ السرقة. و قال ابن زهرة في «الغنية»: و إذا تاب أحد الزانيين قبل قيام البيّنة

عليه و ظهرت توبته و صلاحه سقط الحدّ منه، انتهي. و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي نقل عبارة الشيخ المفيد (قدّس سرّه)، و قد مرّت عبارة المحقّق في «نكت النهاية».

و أمّا بحسب الأدلّة: فلا ينبغي الريب في أنّ مقتضي إطلاق أدلّة حدود الزنا من القرآن و السنّة ثبوتها علي الزاني و إن تاب عن زناه، و هذا الإطلاق يخرج المورد عن كونه شبهة، فلا وجه للتمسّك برواية درء الحدود بالشبهة، مع أنّها كما عرفت ضعيفة السند، و مع الإغماض عنه فمقتضي الاستصحاب ثبوت الحدّ عليه و لو بعد التوبة، و مفاده إبقاء اليقين، و هو حاكم أيضاً علي رواية الدرء بالشبهة.

نعم، قد ورد عنهم (عليهم السّلام) قولهم

التائب من الذنب كمن لا ذنب له

، كما في رواية يوسف بيّاع الأرز عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام)، و في رواية دارم بن قبيصة عن الرضا (عليه السّلام) «1»، و قد يتوهّم دلالته علي سقوط الحدّ عن التائب بملاحظة أنّه إذا كان التائب بمنزلة من لا ذنب له فكما أنّ من لا ذنب له لا مجال لإجراء الحدّ عليه فكذلك التائب.

لكن فيه: أنّ غاية مفاد الحديث أنّ التائب من زمن توبته يكون كمن لا ذنب له، و لا يدلّ علي أنّ التائب بمنزلة من لم يذنب، فهو قد أذنب و بعد أن تاب يصير من زمن التوبة كمن لا ذنب له. و ظاهر أدلّة حدّ الزنا و سائر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 16: 74، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 86، الحديث 8 و 14.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 174

______________________________

الحدود كاللواط و السحق و شرب الخمر و السرقة أنّ موضوعه مَن صدر منه هذه الأعمال،

فتدلّ أدلّة الحدود علي تعلّق الحدّ بمن زني أو سرق مثلًا، و إن صار بعد بالتوبة كمن لا ذنب له، فهو بعد التوبة عن هذه الكبيرة و غيرها و ظهور صلاحه يكون عادلًا يجوز الصلاة خلفه، و مع ذلك فبمقتضي إطلاق أدلّة الحدود يجب إجراء حدّ الزنا مثلًا عليه، هذا. مضافاً إلي أنّ الخبرين كليهما ضعيف السند.

نعم، هنا أخبار خاصّة قد يستدلّ بها علي المطلوب:

منها: مرسل جميل بن درّاج المروي في «الكافي» و «التهذيب» عن رجل عن أحدهما (عليهما السّلام) في رجل سرق أو شرب الخمر أو زني، فلم يعلم ذلك منه و لم يؤخذ حتّي تاب و صلح، فقال

إذا صلح و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ

، قال ابن أبي عمير: قلت يعني لجميل فإن كان امرء غريباً لم تقم؟ قال

لو كان خمسة أشهر أو أقلّ، و قد ظهر منه أمر جميل لم تقم عليه الحدود

، روي ذلك بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السّلام) «1»، و دلالته علي سقوط الحدّ عن التائب الصالح واضحة.

و الظاهر: أنّ عرفان الجميل منه طريق إلي توبته و صلاحه لا أنّه شرط زائد عليها، كما أنّ ما تضمّنه ذيله في الرجل الغريب لا يدلّ علي الاعتبار بمرور الزمان؛ إذ الظاهر أنّ وجه سؤال ابن أبي عمير عن خصوصه لمكان أنّه لغربته قد لا يظهر حاله و صلاحه، فأجاب بأنّه أيضاً

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 327، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 16، الحديث 3. (طبع المكتبة الإسلامية).

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 175

______________________________

بعد مضي زمان و ظهور الجميل منه الكاشف عن توبته و صلاحه يسقط و لا تقام عليه الحدود أيضاً، و هو

ظاهر في التائب قبل ثبوت معصيته سواء كان ثبوتها بالبيّنة أو الإقرار أو القرائن الموجبة للعلم فدلالته علي سقوط الحدّ عمّن تاب قبل قيام البيّنة ظاهرة، إلّا أنّه ضعيف السند بالإرسال، و إن كان جميل بن درّاج من أصحاب الإجماع.

و منها: موثّقة أبي العبّاس الواردة فيمن أقرّ عند النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بالزنا أربع مرّات، و أمر برجمه ثمّ هرب حين الرجم فأخذه الناس فقتلوه، أنّه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

لو استتر ثمّ تاب كان خيراً له «1»

؛ فإنّ ظاهر قوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) ذلك: أنّ استتار الزاني و توبته يدفعان عنه الحدّ و إن كان رجماً، و هو خيرٌ له من أن يعرّض نفسه للحدّ، و ظاهره أنّ تمام الموضوع لاندفاع الحدّ عنه هو استتاره و توبته، و إطلاقه يشمل ما إذا قام بعد التوبة عليه البيّنة أيضاً، و واضح أنّه في مقام تقييد أدلّة الحدود، مضافاً إلي أنّه أخصّ مطلقاً؛ فيقدّم علي الإطلاقات المذكورة.

و منها: قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حديث الأصبغ بن نباتة الذي لا يبعد اعتبار سنده الوارد فيمن أقرّ عنده بالزنا مرّة واحدة أنّه (عليه السّلام) قال

أ يعجز أحدكم إذا قارف هذه السيّئة أن يستر علي نفسه كما ستر اللّٰه عليه؟!

، فقام الرجل فقال: يا أمير المؤمنين: إنّي زنيت فطهّرني، فقال

و ما دعاك إلي ما قلت؟

، قال: طلب الطهارة، قال

و أيّ طهارة أفضل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 102، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 15، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 176

______________________________

من التوبة.

الحديث «1»، دلّ الحديث دلالة واضحة علي أنّ الزاني إذا استتر علي نفسه

ثمّ تاب يحصل له من الطهارة أفضل ممّا يحصل في ظلّ إجراء الحدّ، و هو عبارة أُخري عن سقوطه بالتوبة، و إطلاقه شامل لمن قام بعد هذا الاستتار و التوبة عليه البيّنة أيضاً.

فإن قلت: قد ورد في خبر علي بن الحسن بن علي بن رباط أنّه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال في حديث

و جعل ما دون الأربعة شهداء مستوراً علي المسلمين «2»

، فإذا قامت عليه الشهود الأربعة فقد خرج عن كونه ممّن ستره اللّٰه عليه، و ظاهر الحديث الأمر بالتوبة و الاستتار كما ستر اللّٰه عليه؛ فلا يدلّ علي أزيد من الاعتبار بالتوبة في خصوص مورد الاستتار. و أمّا إذا قامت البيّنة فقد خرج عن الاستتار و لم يدلّ الحديث حينئذٍ علي الإغماض عنه. فكما أنّه لمّا أقرّ علي نفسه أربع مرّات خرج عن الاستتار و أُجري عليه الحدّ مع أنّه كان تائباً و نادماً فكذلك إذا قامت الشهود الأربعة مكان أقاريره. بل يمكن أن يقال: إنّه لا حاجة إلي خبر ابن رباط، و إنّ ظاهر خبر الأصبغ ليس أزيد من دفع الحدّ عن المستتر الذي ستر اللّٰه عليه، و من المعلوم أنّ من ثبت جرمه عند قاضي الشرع المأمور بإجراء الحدود فليس مستوراً عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 38، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 16، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 28: 15، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 2، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 177

______________________________

قلت: لا يبعد أن يقال: إنّ غاية الأمر أنّ الترغيب إلي الاستتار و التوبة كما ستر اللّٰه عليه يدلّ علي لزوم استتاره بنفسه في زمن ستر اللّٰه

عليه، و توبته في قبال أن يفضح نفسه عند القاضي أو الوالي، فلا يعمّ من أفضح نفسه بالإقرار. و أمّا من استتر كما ستر اللّٰه عليه و تاب في هذا الزمان زمان الاستتار فقد شمله الحديث و حكم عليه بأنّه

أيّ طهارة أفضل من التوبة!؟

، و سقط عنه الحدّ و إن قامت عليه بيّنة بعد ذلك، كما لا يخفي.

و منها: قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مرفوعة البرقي الواردة في من أقرّ بالزنا عنده أربع مرّات و أمر بإجراء الحدّ عليه

ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه علي رؤوس الملأ، أ فلا تاب في بيته، فواللّٰه لتوبته فيما بينه و بين اللّٰه أفضل من إقامتي عليه الحدّ «1»

، و دلالتها علي المطلوب واضحة خصوصاً بالنظر إلي ما مرّ إلّا أنّها ضعيفة السند بإرسال مثل البرقي الذي يروي عن غير الثقات أيضاً.

و منها: قوله (عليه السّلام) أيضاً في صحيحة أبي بصير المروية عن تفسير القمي في رجم الرجل المقرّ بالزنا؛ فإنّ في ذيلها أنّه قال بعد رجمه

أيّها الناس من أتي من هذه القاذورة فليتب إلي اللّٰه تعالي في ما بينه و بين اللّٰه، فواللّٰه توبته إلي اللّٰه في السرّ لأفضل من أن يفضح نفسه و يهتك ستره «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 36، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 16، الحديث 2.

(2) تفسير القمي 2: 97، وسائل الشيعة 28: 99، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 178

و لا يسقط لو تاب بعده (50).

______________________________

فتلخّص: أنّ دلالة الأخبار الخاصّة علي سقوط الحدّ عمّن تاب قبل البيّنة تامّة، و بعضها و إن

كان ضعيف السند إلّا أنّ في بعضها الآخر غني و كفاية.

(50) معني عدم السقوط واضح؛ يعني أنّ عليه إذا تاب بعد قيام البيّنة حدّا من اللّٰه تعالي. فالحدّ لم يسقط عنه بالتوبة بالمرّة بل هو ثابت عليه، و هو لا ينافي أن يكون للإمام أن يعفو عنه، كما لا يخفي. و حينئذٍ فلا خلاف في عدم السقوط بهذا المعني بين الأصحاب أصلًا.

و يدلّ عليه إطلاقات أدلّة الحدود، و لا معارض لها هنا؛ لما عرفت من أنّ موضوع أخبار السقوط بالتوبة هو أن يقع التوبة في زمن ستر اللّٰه عليه و قبل أن يعلم منه، فلا يشمل هذا المورد، هذا.

مضافاً إلي إمكان الاستدلال له أيضاً بموثّقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من أخذ سارقاً فعفا عنه فذلك له، فإذا رفع إلي الإمام قطعه، فإن قال الذي سرق له أنا أهبه له لم يدعه إلي الإمام حتّي يقطعه إذا رفعه إليه، و إنّما الهبة قبل أن يرفع إلي الإمام؛ و ذلك قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ، فإذا انتهي الحدّ إلي الإمام فليس لأحد أن يتركه «1»

، فالموثّقة و إن وردت في السرقة إلّا أنّ استناده (عليه السّلام) إلي الآية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 39، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 17، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 179

______________________________

المباركة دليل واضح علي جريان الحكم في حدود اللّٰه كلّها، و ليس المراد نفي ترك إجراء الحدّ لمكان هبة ذي الحقّ؛ فإنّه خلاف ظاهر مقتضي كونه (عليه السّلام) حافظاً لحدود اللّٰه؛ فإنّ حفظ الحدّ إنّما هو بإجرائه لا غير. مضافاً إلي أنّه قد تضمّن قبله أنّه لم

يدعه حتّي يقطعه إذا رفعه إليه، و هو ظاهر في وجوب إجرائه عليه إذا رفع الأمر إليه (عليه السّلام).

و بالجملة: فالموثّقة دالّة علي وجوب إجراء الحدّ إذا رفع إلي الإمام، فضلًا عن ثبوته علي المجرم، و معلوم أنّ إطلاقها يشمل ما إذا تاب المجرم بعد هذا الثبوت أيضاً، و لا دليل علي خلافها؛ فيؤخذ بها و بإطلاقها هنا.

و نحوها موثّقة السكوني عن الصادق (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا يشفعنّ أحد في حدّ إذا بلغ الإمام؛ فإنّه لا يملكه «1»

، بناءً علي رجوع الضمير إلي الإمام؛ فإنّه يدلّ حينئذٍ علي وجوب إجرائه علي الإمام؛ فيدلّ علي ثبوته قطعاً.

فإن قلت: إنّ خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أُقيمت عليه البيّنة بأنّه زني ثمّ هرب قبل أن يضرب، قال

إن تاب فما عليه شي ء، و إن وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ، و إن علم مكانه بعث إليه «2»

يدلّ علي سقوط الحدّ بالتوبة و لو بعد البيّنة؛ فإنّ ظاهر قوله

إن تاب

أنّها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 43، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 20، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 37، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 16، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 180

و ليس للإمام (عليه السّلام) أن يعفو بعد قيام البيّنة (51)، و له العفو بعد الإقرار كما مرّ.

______________________________

بعد البيّنة، و الحكم عليه بقوله

فما عليه شي ء

يقتضي بإطلاقه نفي الحدّ عنه أيضاً.

قلت: كلّا؛ فإنّ قوله (عليه السّلام)

و إن وقع.

إلي آخره، دليل علي عدم سقوط الحدّ عنه بالتوبة، و حينئذٍ فالمراد بقوله

فما عليه شي ء

أنّه إذا دام علي هربه فلم يعص، و إن

كان لو ظفر به الإمام أجري عليه الحدّ.

(51) قال في «المختلف»: قال شيخنا المفيد: من زني و تاب قبل أن تقوم الشهادة عليه بالزنا أدرأت التوبة عنه الحدّ، فإن تاب بعد قيام الشهادة عليه كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحدّ عليه حسب ما يراه من المصلحة له في ذلك و لأهل الإسلام، فإن لم يتب لم يجز العفو عنه في حال، و وافقه أبو الصلاح. و الشيخ أبو جعفر و ابن إدريس أوجبوا الحدّ إذا تاب بعد قيام الشهادة عليه، و إنّما خيّروا الإمام إذا تاب بعد الإقرار، و هو المشهور، انتهي.

و هذا الذي قال به الشيخ المفيد (قدّس سرّه) يظهر من إطلاق عبارة «الغنية» و الصدوق في «المقنع»؛ قال في «الغنية»: و إن تاب بعد ثبوت الزنا عليه فللإمام العفو منه، و ليس ذلك لغيره، و هو كما تري مطلق من حيث كون الثبوت بالإقرار أو البيّنة أو غيرهما.

و قال في «المقنع» في عقوبة اللواط: و إذا أحبّ التوبة تاب من غير أن يرفع خبره إلي إمام المسلمين، فإن رفع إلي الإمام هلك؛ فإنّه يقيم عليه

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 181

______________________________

إحدي هذه الحدود التي ذكرناها، و للإمام أن يعفو عن كلّ ذنب بين العبد و خالقه، فإن عفا عنه جاز عفوه، و إذا كان الذنب بين العبد و العبد فليس للإمام أن يعفو، انتهي. و دلالته بالإطلاق علي ما إذا ثبت ذنب الزنا بالبيّنة واضح، بل هو مطلق من حيث التوبة عن الذنب و عدمها أيضاً.

و كيف كان: فيشهد للمشهور إطلاقات وجوب إجراء الحدّ و خصوص موثّقة سماعة بن مهران الماضية، فكذا موثّقة السكوني، و يؤيّدها رواية التحف الماضية

في عداد أدلّة جواز العفو فيما ثبت الذنب بالإقرار؛ حيث علّل جواز العفو عن المعترف باللواط بقوله

و أمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم يقم عليه البيّنة، و إنّما تطوّع بالإقرار من نفسه، و إذا كان للإمام الذي من اللّٰه أن يعاقب عن اللّٰه كان له أن يمنّ عن اللّٰه.

الحديث «1». فتعليل جواز العفو عنه بما ذكر دليل عدم جوازه فيما قامت عليه البيّنة، و قوله (عليه السّلام) بعده

و إذا كان للإمام.

إلي آخره دليل عدم اختصاص الحكم جوازاً و منعاً بمورد الحديث، بل جارٍ في كلّ ما يعاقب الإمام عن اللّٰه، فيجري في باب الزنا أيضاً.

كما أنّه يمكن الاستشهاد له بمرسل البرقي الماضي هناك أيضاً، بناءً علي استظهار العموم من قوله (عليه السّلام) فيه

إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو «2»

، لكنّك عرفت احتمال إرادة خصوص مورد السرقة، فراجع؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 41، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 18، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 41، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 18، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 182

و لو تاب قبل الإقرار سقط الحدّ (52).

______________________________

فلذلك مضافاً إلي ضعف سنده يصلح لأن يخرج مؤيّداً أيضاً.

و لم نجد ما يصلح للاستدلال به للمفيد سوي قول الباقر (عليه السّلام) في معتبرة ضريس

لا يعفي عن الحدود التي للّٰه دون الإمام.

الحديث، و هو مبني علي كون «دون» بمعني إلّا، و ليس كذلك، كما مرّ البحث عنه تفصيلًا في العفو بعد الإقرار، فراجع ما علّقناه في المسألة السادسة، و اللّٰه العالم.

(52) لم أجد في كتب الأصحاب و لا سيّما القدماء من تعرّض لهذا الفرع، نعم هو داخل في إطلاق

عبارة المحقّق (قدّس سرّه) في «نكته» حيث قال مشيراً إلي ما قاله الشيخ في الزنا و أمّا التوبة فإن كانت قبل ثبوت الجناية سقط معها الحدّ. إلي آخره، و إطلاقها كما تري شامل لما إذا ثبت بعد التوبة بالإقرار أيضاً.

و بالجملة: فلعلّ الوجه لما أفاده دام ظلّه هو أولوية سقوط الحدّ عنه فيما إذا ثبت بالإقرار من مورد قيام البيّنة عليه بعد التوبة قطعاً.

إن قلت: إنّ إطلاق أدلّة السقوط بالتوبة التي مضت في التوبة قبل البيّنة شامل لما نحن فيه أيضاً.

قلت: شموله و إن لم يكن ببعيد في مرسل جميل لكون موضوع السقوط فيه أن لا يعلم ذلك منه حتّي تاب و صلح، و هو شامل لما هنا إلّا أنّ سائر الأخبار الماضية لا يشمله، بل قد وردت في مورد تاب الزاني قبل

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 183

______________________________

أن يثبت بالإقرار زناة؛ فإنّ مورد جميعها أنّ المقرّ رجع إلي النبي أو الأمير (عليهما السّلام) و طلب إجراء الحدّ علي نفسه طلباً للطهارة كما في مرفوعة البرقي و معتبر الأصبغ، و لأنّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة كما في موثّق أبي العبّاس، أو لهما جميعاً كما في خبر ابن ميثم عن أبيه؛ فإنّ فيه أنّ المرأة قالت لأمير المؤمنين أوّل مرّة: يا أمير المؤمنين إنّي زنيتُ فطهّرني طهّرك اللّٰه؛ فإنّ عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع «1»، فهؤلاء قد جاءوا إليهما (عليهما السّلام) نادمين من معاصيهم كمال الندامة و وضعوا أنفسهم بين أيدي حجّة اللّٰه طالبين لإجراء حدّ اللّٰه عليهم لئلّا يتأخّر أمرهم إلي الآخرة و لم يطهّروا بعد فيعذّبوا بعذاب اللّٰه فيها الذي هو أشدّ من عذاب الدنيا، و كلّما

أعرض المعصوم عنهم أصرّوا عليه، و هل التوبة الحقيقية إلّا هذه؟! فالتوبة سواء كانت بمعني الرجوع الذي هو في العبد رجوعه عن المعصية أو بمعني ترك الذنب علي أجمل الوجوه كانت حاصلة فيهم قبل أن يأتوا إلي النبي أو الوصي (عليهما السّلام)، فقد ندموا كمال الندامة في أنفسهم، و قد قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

كفي بالندم توبة «2»

، و قاموا بصدد تطهير أنفسهم بإجراء حدّ الزنا عليهم، ثمّ جاؤوا إلي المعصوم (عليه السّلام)، و مع ذلك كلّه فبعد أن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 103، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 15: 335، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 47، الحديث 11.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 184

______________________________

أصرّوا علي ما أرادوا و إصرارهم أبلغ دليل علي صحّة توبتهم، فبعد ذلك كلّه حكم المعصوم (عليه السّلام) بإجراء حدّ الزنا عليهم و رجمهم.

فراجع إلي ألفاظ هذه الأخبار تجدها أصدق شاهد علي ما استظهرناه؛ و لا سيّما قوله (عليه السّلام) في معتبر الأصبغ فإنّه (عليه السّلام) قال للرجل الزاني بعد إقراره الرابع

و لسنا بتاركيك إذ لزمك حكم اللّٰه عزّ و جلّ

؛ فإنّ ظاهره وجوب إجراء الحدّ عليه تعييناً، و أنّه ليس للإمام (عليه السّلام) أيضاً أن يعفو عنه.

و ممّا يؤكّده أيضاً ما في بعض النبويات المروية في الامرأة الجهينية بعد أن رجمت

لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، و هل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها للّٰه تعالي؟! «1»

، فهو (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد جعل نفس تسليم نفسها لإجراء حدّ اللّٰه عليها أفضل التوبة، و هو ما ذكرناه.

فهذه

الأخبار علاوة عن أنّها لا إطلاق لها أدلّة علي ثبوت الحدّ علي من تاب عن الزنا ثمّ جاء إلي القاضي أو الوالي مقرّاً بالزنا طالباً لتطهير نفسه بإجراء الحدّ عليه، و موجبة لتقييد إطلاق مثل مرسلة جميل لو كانت حجّة بنفسها.

إلّا أنّها مع ذلك كلّه إنّما تدلّ علي ثبوت الحدّ علي التائب إذا أقرّ بالزنا طالباً لإجراء حدّه عليه، و أمّا إذا استتر ثمّ تاب بينه و بين اللّٰه ثمّ جاء إلي الوالي، فحكي له حكاية نفسه و أنّه زني ثمّ تاب، فالظاهر أنّه ليس

______________________________

(1) صحيح مسلم 4: 531/ 24.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 185

______________________________

مشمول مورد إجراء الحدّ علي التائب الذي دلّت عليه هذه الأخبار، بل لا يبعد دعوي شمول قوله

لو استتر ثمّ تاب كان خيراً له

، و قوله

و أيّ طهارة أفضل من التوبة؟!

له، و سقوط الحدّ عن مثله.

إن قلت: إنّ قوله (عليه السّلام) في مرفوعة البرقي

ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه علي رؤوس الملأ

، و قوله في حديث الأصبغ

أ يعجز أحدكم إذا قارف هذه السيّئة أن يستر علي نفسه كما ستر اللّٰه عليه؟!

شاهد علي أنّ المطلوب أن يستر علي نفسه و لا يحكي لأحد، و أنّه إنّما أجري الحدّ علي المذكورين لخروجهم عمّا هو المطلوب منهم، فمن لم يستر علي نفسه يجري عليه الحدّ؛ سواء كان طالباً له أم لا.

قلت: غاية مدلول هذه الفقرات أنّ المطلوب من العصاة أن يستروا علي أنفسهم كما ستره اللّٰه تعالي و لا يحكوا معصيتهم لأحد، و أمّا أنّ كلّ من تخلّف عنه فعليه الحدّ فلا، بل إنّ ظاهر إطلاق ما عرفت من كلماتهم خلافه و أنّ من استتر ثمّ تاب يسقط

عنه الحدّ، و هو أفضل من إقامة الحدّ، و إنّما خرج عنه خصوص من طلب إجراءه و أقرّ عند الوالي مقدّمة لذلك.

و الحاصل: أنّ موضوع سقوط الحدّ هو الاستتار إلي أن يتوب لا إلي الأبد، فتأمّل.

فتلخّص: أنّ القول بسقوط الحدّ عن مطلق من تاب قبل الإقرار خلاف هذه الأخبار، و أنّ اللازم هو القول بإجراء الحدّ علي من تاب ثمّ أقرّ أربع مرّات عند القاضي ليجري عليه حدّ اللّٰه، و اللّٰه العالم.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 186

______________________________

و يستشمّ بل قد يستظهر هذا الذي ذكرناه ممّا مرّ من عبارة الصدوق (قدّس سرّه) في «المقنع» حيث قال في اللواط: و إذا أحبّ التوبة تاب، من غير أن يرفع خبره إلي إمام المسلمين، فإن رفع إلي الإمام هلك؛ فإنّه يقيم عليه إحدي هذه الحدود التي ذكرناها، انتهي.

فظاهره: أنّ التائب يقام عليه الحدّ إذا رفع خبره إلي الإمام، و هو أوسع ممّا ذكرناه حيث يشمل التوبة قبل قيام البيّنة أيضاً، كما يشمل ما إذا كان إقراره بالزنا لا من باب طلب التطهير، و الحمد للّٰه.

كان ختام التحرير يوم الجمعة 19/ 12/ 62 و الحمد للّٰه ربّ العالمين، و أنا العبد محمّد المؤمن

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 187

[القول في الحدّ]

اشارة

القول في الحدّ و فيه مقامان:

[الأوّل: في أقسامه]
اشارة

الأوّل: في أقسامه للحدّ أقسام:

[الأوّل: القتل]
اشارة

الأوّل: القتل، فيجب علي من زني بذات محرم للنسب (1) كالأُمّ و البنت و الأُخت و شبهها.

______________________________

(1) بلا خلاف كما في «المسالك»، و بلا خلاف أجده كما في «الرياض» و «الجواهر»، و في «الرياض»: أنّ باللاخلاف صرّح جماعة حدّ الاستفاضة، بل عليه الإجماع في «الانتصار» و «الخلاف» و «الغنية»، و في «الجواهر»: أنّه اعترف باللاخلاف غير واحد، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، انتهي.

و في كتاب الحدود من «الخلاف» (مسألة 29): إذا عقد النكاح علي ذات محرم له كأُمّه و بنته و أُخته و خالته و عمّته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه أو أبيه أو تزوّج بخامسة. مع العلم بالتحريم فعليه القتل في وطء ذات محرم، و الحدّ في وطء الأجنبية. و به قال الشافعي، إلّا أنّه لا يفصّل. و قال أبو حنيفة: لا حدّ في شي ء من هذا. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم. و روي عكرمة عن ابن عبّاس: أنّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

من وقع علي ذات رحم فاقتلوه «1».

______________________________

(1) مسند أحمد 1: 300/ السطر 13، سنن ابن ماجة 2: 856، سنن الترمذي 3: 12.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 188

______________________________

فهو (قدّس سرّه) كما تري قد ادّعي الإجماع علي أنّ عليه القتل؛ سواء في ذلك المحرّمات النسبية و السببية، رضاعية و مصاهرة.

و أمّا الروايات: فما يمكن الاستدلال بها خبران:

الأوّل: رواية بكير بن أعين المروية بعدّة طرق معتبرة:

منها: ما رواه المشايخ الثلاثة في الموثّق أو الصحيح عنه عن أحدهما (عليهما السّلام) قال

من زني بذات محرم حتّي يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت، و إن كانت تابعة ضربت ضربة

بالسيف أخذت منها ما أخذت

، قيل له: فمن يضربهما و ليس لهما خصم؟ قال

ذاك علي الإمام إذا رفعا إليه «1».

و منها: ما رواه ثقة الإسلام و الشيخ في «المعتبر» عن علي بن أسباط و أحمد بن أبي نصر البزنطي عن عبد اللّٰه بن بكير عن أبيه قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

من أتي ذات محرم ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت «2».

و منها: ما روياه أيضاً في «الكافي» و «التهذيبين» عن عبد اللّٰه بن بكير عن حريز عن بكير قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يأتي ذات محرم، قال

يضرب بالسيف «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 113، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 115، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 28: 114، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 189

______________________________

فجميع طرق الحديث معتبر و مضمونه في الجميع واحد، إلّا أنّ الأوّل منها تضمّن حكم الزانية أيضاً و أنّ حكم الزاني و الزانية واحد؛ هو أن يضرب بالسيف أخذت منه ما أخذت.

الخبر الثاني: هو رواية جميل بن درّاج، و هي أيضاً رويت بعدّة طرق، أحدها معتبر؛ و هي ما رواه الصدوق بسنده الصحيح عنه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يضرب عنقه

أو قال

رقبته «1».

و في نقل آخر في سنده الحكم بن مسكين عنه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أين يضرب هذه الضربة؟ يعني: من أتي ذات محرم قال

تضرب عنقه

أو قال

رقبته «2»

، رواه في «الكافي» و «التهذيبين».

و في نقل آخر في سنده أيضاً الحكم بن مسكين عنه قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف؟ أين هذه الضربة؟ قال

تضرب عنقه

، أو قال

تضرب رقبته «3».

و في نقل آخر في سنده محمّد بن سالم عن بعض أصحابنا عن الحكم عنه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يأتي ذات محرم أين يضرب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 116، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 11.

(2) وسائل الشيعة 28: 115، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 28: 114، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 190

______________________________

بالسيف؟ قال

رقبته «3».

فجميل قد تسلّم أنّ حدّ من زني ذات محرم أن يضرب بالسيف، و هو (عليه السّلام) قد قرّره علي هذا التسلّم، ثمّ سأله عن محلّ هذه الضربة، و أجابه بأنّ محلّها عنقه؛ يعني أنّه يضرب ضربة بالسيف عنقه، فيحمل خبر بكير أيضاً عليه، و يكون مبيّناً و شارحاً له بلا إشكال.

فالخبران و إن لم يصرّح فيهما بالقتل إلّا أنّ من المعلوم أنّ ضرب العنق الذي فيه عرقا الحياة بالسيف المعدّ للقتل بالضربة المتعارفة ملازم للقتل. اللهمّ إلّا أن لا يكون السيف ذا الحدّة المتوقّعة منه أو يضرب العنق أخفّ ما يمكن، و الخبران منصرفان عن مثل هذا السيف و مثل هذه الضربة، و إلّا فالمتعارف منهما ملازم للقتل. و يكون المراد بقوله

أخذت منه ما أخذت

أنّه لا يعتبر قطع الرقبة و لا بقاؤها، بل يكفي في إجراء الحدّ أن يضرب رقبته ضربة بالسيف.

ثمّ إنّ هذا كلّه بناءً علي غير نقل الصدوق، و إلّا فعلي نقله الذي قد عرفت أنّه السند المعتبر فظاهره: أنّه يضرب

رقبته، و ضربُ رقبته عبارة أُخري عن قتله.

و كيف كان: فحاصل الخبرين أن يقتل الزاني بالمحارم بضربة واحدة بالسيف، هذا.

و قد يعارض هذه الأخبار ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال:

______________________________

(3) وسائل الشيعة 28: 113، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 191

______________________________

إذا زني الرجل بذات محرم حدّ حدّ الزاني، إلّا أنّه أعظم ذنباً «1»

؛ و ذلك أنّه (عليه السّلام) جعل حدّ الزنا بذات محرم مساوياً للحدّ المقرّر للزنا بغيرها، و إنّما الفرق أنّ ذنب الزنا بها أعظم، فهو مخالف لما دلّت عليه تلك الأخبار من أنّ حدّه أن يضرب بالسيف ضربة الذي يساوق القتل.

لكنّه بهذا المعني لم يعمل به أحد؛ فإنّ ثبوت القتل بالزنا بذات محرم قد عرفت أنّه قد حكي عليه اللاخلاف و الإجماع، فرواية أبي بصير معرض عنها، و لا أقلّ من أنّها تسقط بمعارضة غيرها، الذي هو مشهور فتوًي و سنداً. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مقصود الإمام (عليه السّلام) أنّ حدّ الزنا يجري عليه أوّلًا، ثمّ لمكان أنّه أعظم ذنباً يحكم عليه بعقوبة أشدّ، و فسّرت هذه العقوبة في الأخبار بأن يضرب رقبته بالسيف. و عليه لا معارضة بين الأخبار و يكون مضمون رواية أبي بصير ما اختاره ابن إدريس من الجمع بين الجلد مثلًا و القتل علي ما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي و يأتي إن شاء اللّٰه تعالي تتمّة الكلام، فانتظر.

و في قبال ما استفدناه من أخبار الباب من أنّ المراد بضرب رقبته بالسيف قتله به خبر عامر بن السمط عن عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) في الرجل يقع علي أُخته، قال

يضرب ضربة بالسيف،

بلغت منه ما بلغت، فإن عاش خلّد في السجن حتّي يموت «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 115، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 28: 116، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 10.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 192

و لا يلحق ذات محرم للرضاع بالنسب (2) علي الأحوط لو لم يكن الأقويٰ.

______________________________

و نحوه رواية محمّد بن عبد اللّٰه بن مهران عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل وقع علي أُخته، قال

يضرب ضربة بالسيف

، قلت: فإنّه يخلص؟ قال

يحبس أبداً حتّي يموت «1».

و دلالتهما علي الاقتصار بضرب ضربة بالسيف فإن مات بها و إلّا يحبس أبداً واضحة، و لو كانتا معتبرتين معمولًا بهما لكانتا قرينة علي إرادة خلاف ما استظهرناه من تلك الأخبار، إلّا أنّه لم يثبت وثاقة ابن السمط، و ابن مهران ضعيف و روايته مرسلة من جهتين؛ فليس سندهما بمعتبر و لم يقل بمضمونهما أحد حتّي ينجبر ضعف السند بالعمل؛ فلا بدّ من العمل بما استظهرناه من تلك الأخبار.

(2) قد مرّ أنّ الشيخ في «الخلاف» قال بالإلحاق، بل ادّعي عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، إلّا أنّه مع ذلك قال في «الرياض» بعدم ظهور قائل به عدا الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» و يحيي بن سعيد ابن عمّ المحقّق و أنّهما شاذّان؛ و لذا لم يمل إلي مختارهما أحد من المتأخّرين سوي الشهيد الثاني في «الروضة»، انتهي.

أقول: إنّ أخبار الباب قد وردت علي عنوان ذات محرم كما عرفت-

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 114، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 193

______________________________

و كلمة

«ذات» بمعني صاحبة، كما أنّ كلمة «محرم» مصدر ميمي بمعني الحرمة؛ فمعني «ذات محرم» هي المرأة التي تحرم، و الظاهر أنّ المراد منها من يحرم نكاحها، و هذا المعني مضافاً إلي وضوحه بنفسه يمكن استفادته من بعض الأخبار الخاصّة أيضاً:

ففي معتبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: هل يصافح الرجل المرأة ليست بذات محرم؟ فقال

لا، إلّا من وراء الثوب «1».

و في موثّقة سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن مصافحة الرجل المرأة، قال

لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة إلّا امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها؛ أُخت أو بنت أو عمّة أو خالة أو بنت أُخت أو نحوها، و أمّا المرأة التي يحلّ له أن يتزوّجها فلا يصافحها إلّا من وراء الثوب و لا يغمز كفّها «2».

فتري الخبرين تضمّنا حكم المصافحة مع المرأة، و قد جعل موضوع الحرمة في أحدهما من ليست بذات محرم و في الآخر من يحلّ تزوّجها، فمن انضمام أحدهما بالآخر و لا سيّما مع النظر إلي مدلول كلمتي «ذات محرم» يفهم عرفاً من دون إشكال: أنّ ذات محرم هي من يحرم نكاحها من النساء، و غير ذات محرم هي من يحلّ تزوّجها منهنّ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 207، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 115، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 20: 208، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 115، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 194

و هل تلحق الامّ و البنت و نحوهما من الزنا بالشرعي منها؟ فيه تردّد (3)، و الأحوط عدم الإلحاق.

______________________________

و كيف كان: فلا ينبغي الشبهة في أنّ مفهوم «ذات محرم» هو ما ذكرناه، و لا محالة

تعمّ كلّ امرأة يحرم نكاحها سواء كان الحرمة من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة و لذلك يمكن لأحد دعوي إطلاقها لجميع الطوائف الثلاث منهنّ، و لا وجه لمنع هذه الدعوي. إلّا أن يدّعي انصرافها إلي خصوص النسبية، و يمكن تقريبها بأنّ المنصرف منها خصوص من كانت يحرم التزوّج معها في أصل خلقتها بحيث كانت حرمة التزوّج بها أصلية غير عارضية، و هي منحصرة في المحارم النسبية فإنّ الرضاع كالمصاهرة أمر عارضي، فإلحاق المحارم السببية بالنسبية في بعض الأحكام الذي قام عليه دليل خاصّ و إن كان مفروغاً عنه كالنظر إليهنّ مثلًا إلّا أنّه لا دليل علي الملازمة. و دعوي الانصراف فيما نحن فيه ممّا ليس فيه سوي عنوان «ذات محرم» غير بعيدة.

و لذلك كلّه مضافاً إلي منع الشارع عن التهجّم علي الدماء رجّح في المتن عدم الإلحاق بقوله: «علي الأحوط لو لم يكن الأقوي».

(3) من أنّ عناوين الحرمة صادقة مع الزنا أيضاً؛ فإنّ البنت مثلًا مَن خلقت من مائه و الأُمّ من خلق و تكوّن في رحمها الولد و هكذا سائر العناوين، فهي متوقّفة علي روابط تكوينية متحقّقة في النكاح الصحيح و الزنا كليهما، و لا دليل لفظي علي نفي الآثار عن المتولّد من الزنا حتّي يكون الأصل انتفاءها، بل مقتضي صدق العناوين الموضوعة للأحكام

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 195

______________________________

شمول أدلّتها للمتحقّقة منها بالزنا أيضاً.

إن قلت: قد روي محمّد بن الحسن الأشعري أنّ بعض أصحابنا كتب إلي أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) معي يسأله عن رجل فجر بامرأة، ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل فجاءت بولد هو أشبه خلق اللّٰه به، فكتب بخطّه و خاتمه

الولد لغيّة لا يورث «1»

، فتري أنّه (عليه السّلام)

حكم بأنّ الولد المخلوق من الزنا لغو، و مقتضي كونه لغواً أنّه ليس بشي ء و لا يعدّ شيئاً و لا ينسب إلي والديه، بل هو أمر ملغي زائد؛ فيدلّ علي أنّ الأصل انتفاء جميع الآثار و منها الإرث و لذلك قال

لا يورث.

قلت: هذا مبني علي قراءة «لغيّة» علي وزان فعيلة صفة مشبّهة من «اللغو» و كون «التاء» فيها للمبالغة كما في «علّامة» لكنّها غير متعيّنة بل يحتمل قوياً أن تكون مركّبة من «لام» الجرّ و لفظة «غيّة» بكسر الغين أو فتحها قال في «مجمع البحرين»: يقال: هو لغيّة بفتح الغين و كسرها و تشديد الياء نقيض رشدة، و في «المصباح»: لغيّة بالفتح و الكسر كلمة يقال في الشتم كما يقال: هو لزنية، و في «القاموس»: ولد غَيّة و يكسر زنية، انتهي. و عليه: فيكون غاية مفاد الحديث أنّ الولد ولد الزنا فلا يورث، فلا يدلّ علي أزيد من أنّه لا يورث، هذا.

مضافاً إلي أنّ محمّد بن الحسن الأشعري راوي الحديث لم يوثّق، و إن روي حديثه هؤلاء المشايخ الثلاثة في كتبهم الأربعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 274، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه، الباب 8، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 196

و الأحوط عدم إلحاق المحارم السببية كبنت الزوجة و أُمّها بالنسبية (4)، نعم الأقوي إلحاق امرأة الأب بها (5) فيقتل بالزنا بها.

______________________________

فبالجملة: صدق العناوين علي الحاصلة منها بالزنا و عموم الأدلّة الواردة عليها يقتضي اشتراك المتحقّقة بالزنا مع غيره، و بمثله استدلّ المحقّق في حرمة نكاح الولد المخلوق من الزنا علي أبيه و أُمّه، قال في «الشرائع»: و هل يحرم علي الزاني و الزانية؟ الوجه أنّه يحرم؛ لأنّه

مخلوق من مائه فهو يسمّي ولداً لغة، انتهي.

و إن كانت المسألة هناك إجماعية؛ ففي «المسالك»: و لكن يظهر من جماعة من علمائنا منهم العلّامة في «التذكرة» و ولده في «الشرح» و غيرهما أنّ التحريم إجماعي. إلي أن قال: و عبارة المصنّف تشعر بالخلاف في المسألة، إلّا أنّه ليس بصريح؛ لأنّ الخلاف واقع بين المسلمين في التحريم فالشافعية لا يحرّمونها، انتهي.

و كيف كان: فوجه عدم اللحوق هو انصراف عنوان «ذات محرم» إلي المحارم المحقّقة بالنكاح الصحيح؛ فلذلك مضافاً إلي أنّ أمر الدماء شديد لا يتهجّم عليها كان الأحوط عدم الإلحاق، إلّا أنّ الأقوي عندنا هو الإلحاق؛ لقوّة ما مرّ.

(4) لعين ما مرّ في المحارم الرضاعية.

(5) كما عن الشيخ و الحلبي و القاضي و بني زهرة و حمزة و سعيد و جماعة من المتأخّرين، بل عن «الغنية» دعوي الإجماع عليه. و يستدلّ له بموثّقة السكوني عن الصادق عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليهم السّلام)

أنّه رفع إليه

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 197

و يقتل الذمّي إذا زني بمسلمة مطاوعة أو مكرهة؛ سواء كان علي شرائط الذمّة أم لا (6)،

______________________________

رجل وقع علي امرأة أبيه، فرجمه و كان غير محصن «1».

و دلالتها علي جواز إجراء الحدّ عليه بالرجم واضحة. و ظاهر إطلاقها: أنّ تمام الموضوع له هو مجرّد الوقوع علي امرأة الأب من غير اعتبار إكراه أو أيّ شي ء آخر، إلّا أنّها إنّما تضمّنت إجراء الحدّ بالرجم علي خصوص الرجل الزاني، و استفادة إجرائه في صورة القتل مطلقاً و علي امرأة الأب الزانية بابن زوجها مبنية علي دعوي إلغاء الخصوصية، و هي علي عهدة مدّعيها.

(6) في «الجواهر»: بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، انتهي.

و يدلّ عليه موثّقة حنان بن سدير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن يهودي فجر بمسلمة، قال

يقتل «2»

، و نحوها خبر جعفر بن رزق اللّٰه الآتي، و الموثّقة قد تضمّنت أنّ الحدّ هو القتل، و هو مطلق يحصل بأيّ طريق كان؛ و منه أن يضرب حتّي يموت كما في خبر جعفر الآتي، إلّا أنّ موردها اليهودي، و هو و إن كان مطلقاً من حيث الذمّي و الحربي منهم إلّا أنّ سراية الحكم إلي مطلق الذمّي محتاجة إلي إلغاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 115، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 19، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 28: 141، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 36، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 198

و الظاهر جريان الحكم في مطلق الكفّار، فلو أسلم هل يسقط عنه الحدّ أم لا؟ فيه إشكال و إن لا يبعد عدم السقوط (7).

______________________________

الخصوصية، و مثلها خبر جعفر إلّا أنّ مورده النصراني.

نعم، إسراء الحكم إلي غير أهل الكتاب من الكفّار موقوف علي إحراز أولويتهم بذلك الحدّ قطعاً، و هو غير بعيد؛ إذ المفهوم عرفاً من الموثّقة أنّ تشديد الأمر في زنا اليهودي بالمسلمة لمكان تجاوز هذا الكافر عن حدّه و عدم رعاية حرمة الإسلام، و هذا المعني في غير أهل الكتاب أشدّ و أكثر.

(7) قال في «الرياض» ما حاصله: أنّه أفتي به الشيخان و ابن إدريس و العلّامة و الشهيد الثاني، بل لا خلاف يوجد فيه إلّا من بعض متأخّري المتأخّرين، فأحتمل سقوط القتل عنه لجبّ الإسلام ما قبله، انتهي.

أقول: إنّ مفروض الكلام ليس إلّا إسلام الزاني لا و توبته أيضاً، و حينئذٍ فيدلّ علي عدم السقوط موثّقة

حنّان الماضية؛ إذ ظاهرها أنّ موضوع حدّ القتل هو فجور اليهودي بالمسلمة، و لا يتوقّف صدقه إلّا علي كون الزاني يهودياً حين الارتكاب، و إطلاقه شامل لما إذا أسلم بعد أيضاً.

و ليس في قباله سوي رواية الجبّ، و هي لم ترد من طرقنا إلّا ما عن تفسير علي بن إبراهيم في بيان شأن نزول قوله تعالي وَ قٰالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰي تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً؛ فإنّه روي مرسلًا أنّ أُمّ سلمة قالت لرسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): بأبي أنت و أُمّي يا رسول اللّٰه! أ لم تقل: إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله؟ قال

نعم. «1»

إلي آخره، إلّا أنّه مع إرساله لا حجّة فيه،

______________________________

(1) تفسير القمي 2: 27.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 199

______________________________

مضافاً إلي اشتماله علي ما ينزّه عنه ساحته (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم). نعم لو كان سنده تامّاً لما كان بأس بدلالته؛ فإنّ الجبّ هو القطع، و جبّ الإسلام لما قبله ظاهر في رفع اليد عمّا كان يلزم الكافر لكفره؛ و منه قتله بزناه بالمسلمة، كما لا يخفي.

و ربّما يستأنس له أيضاً بخبر جعفر بن رزق اللّٰه قال: قدّم إلي المتوكّل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة و أراد أن يقيم عليه الحدّ، فأسلم فقال يحيي بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه و فعله. إلي أن قال: فأمر المتوكّل بالكتاب إلي أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) و سؤاله عن ذلك، فلمّا قدم الكتاب كتب أبو الحسن (عليه السّلام)

يضرب حتّي يموت

، فأنكر يحيي بن أكثم و أنكر فقهاء العسكر ذلك و قالوا: يا أمير المؤمنين سله عن هذا فإنّه شي ء لم ينطق به كتاب و لم

تجئ به السنّة، فكتب: إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا و قالوا: لم تجئ به سنّة و لم ينطق به كتاب، فبيّن لنا بما أوجبت عليه الضرب حتّي يموت؟ فكتب (عليه السّلام)

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم فَلَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا سُنَّتَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبٰادِهِ وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ الْكٰافِرُونَ.

قال: فأمر به المتوكّل فضرب حتّي مات «1».

وجه الاستئناس: أنّه (عليه السّلام) و إن حكم بأنّ حدّ النصراني الزاني بالمسلمة هو أن يضرب حتّي يموت إلّا أنّ تعليله إجراء هذا الحدّ عليه بعد إسلامه بالآيتين يعطي أنّ سرّ عدم سقوط الحدّ عنه بعد إسلامه إنّما هو عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 141، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 36، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 200

و كذا يقتل من زني بامرأة مكرهاً لها (8).

______________________________

قبول إسلامه و عدم انتفاعه به؛ لأنّه إنّما أسلم بعد ما رأي بأس اللّٰه، و شاهد أنّهم يجرون حدّ اللّٰه عليه. و مفهومه: أنّه لو أسلم لا لذلك بل أسلم حقيقة و عن حاقّ قلبه لكان إسلامه نافعاً له في سقوط حدّ القتل عنه، هذا.

لكن الخبر ضعيف السند لجهالة جعفر، مضافاً إلي أنّ هذا التعليل قد استدلّ به في جواب يحيي بن أكثم و أضرابه، فلعلّه لو أسلم حقيقة أيضاً لما كان يسقط عنه؛ فلذلك كلّه كان الحقّ ما أفاده الماتن بقوله (قدّس سرّه): «لا يبعد عدم السقوط».

(8) في «الرياض» بعد قول المحقّق و يقتل الذمّي إذا زني بمسلمة و الزاني قهراً-: إجماعاً في المقامين علي الظاهر المصرّح به في كثير من العبائر ك

«الانتصار» و «الغنية» و غيرهما من كتب الجماعة، انتهي.

و في «الجواهر»: بعد قول المحقّق: «و كذا من زني بامرأة مكرهاً لها»: بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، انتهي.

و يدلّ عليه من الأخبار صحيحة بريد العجلي قال: سئل أبو جعفر (عليه السّلام) عن رجل اغتصب امرأة فرجها، قال

يقتل؛ محصناً كان أو غير محصن «1»

، و في صحيح زرارة قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): الرجل يغصب المرأة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 108، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 17، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 201

______________________________

نفسها، قال

يقتل «1»

، و نحوه صحيحه عن أحدهما «2»، فراجع.

و ما في خبره عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل غصب امرأة فرجها، قال

يضرب ضربة بالسيف؛ بالغة منه ما بلغت «3»

فمحمول علي القتل، و يراد منه أنّه لا يعتبر قطع رقبته مثلًا، بل يقتل بضربة بالسيف مهما بلغت منه، مضافاً إلي ضعف سنده بوقوع علي بن حديد في السند.

نعم، روي أبو بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا كابر الرجل المرأة علي نفسها ضرب ضربة بالسيف؛ مات منها أو عاش «4»

، و مكابرة الرجل لها التي معناها مغالبته إيّاها عبارة كنائية عن الزنا بها قهراً لها، و تضمّن أنّ حدّه ضربة بالسيف و إن عاش بعدها، لكن في «الجواهر»: إنّي لم أجد عاملًا بها، فهو لا يقاوم الصحاح المستفيضة، و يكون حدّه القتل كما في المتن.

ثمّ إنّ المأخوذ في الموضوع في الأخبار إنّما هو اغتصاب فرج المرأة أو غصب نفسها، و الغصب و الاغتصاب هو السلطة علي الشي ء قهراً و ظلماً،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 108، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا،

الباب 17، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 109، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 17، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 28: 109، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 17، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 28: 109، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 17، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 202

[مسألة 1 لا يعتبر في المواضع المتقدّمة الإحصان]

مسألة 1 لا يعتبر في المواضع المتقدّمة الإحصان، بل يقتل محصناً كان أو غير محصن و يتساوي الشيخ و الشابّ و المسلم و الكافر و الحرّ و العبد (9).

______________________________

و لا محالة لا يعتبر في صدق الموضوع صدق عنوان الإكراه الذي قد يقال بتوقّف صدقه علي تهديد من المكرِه للمكرَه، بل كما يصدق معه كذلك يصدق علي ما إذا زني بها قهراً لها بنحو يسلب الاختيار بالمرّة عنها، فموضوع حدّ القتل في الأخبار أعمّ من الإكراه و العنف.

و الأصحاب أيضاً قد عبّروا تارة بالقهر كما عرفت من «المختصر النافع» و كما في «وسيلة» ابن حمزة، و أُخري بالغصب كما في «المقنع» و «الهداية» للصدوق و «الانتصار» للمرتضي و «النهاية» للشيخ و «الغنية» لابن زهرة، و ثالثة بالإكراه كما في «الشرائع» و «إرشاد» العلّامة و «شرحه» للمحقّق الأردبيلي و في «المسالك» و «الجواهر» تبعاً للمتن، و الظاهر: أنّه لو فرض توقّف صدق الإكراه علي بقاء إرادة المكره بالفتح و عدم سلب إرادته بالمرّة فهم لم يريدوا خصوصه، بدليل أخذهم للعنوانين الآخرين أيضاً في كلماتهم. و كيف كان: فموضوعه هو المعني الأعمّ كما عرفت.

(9) و ذلك كلّه لأنّ المفهوم عرفاً من أدلّتها أنّ هذا الحدّ إنّما هو لأنّه زني بذات محرم أو قهراً أو اغتصاباً أو زني الكافر بالمسلمة، و هذا المعني

أمر متحقّق في جميع الموارد المذكورة؛ فلذلك يقوي إطلاقها و يتساوي فيها الأصناف المذكورة، مضافاً إلي التصريح بشمول حدّ القتل لغير المحصن في بعض أخبار ثالث الأقسام، كما عرفت.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 203

و هل يجلد الزاني المحكوم بقتله في الموارد المتقدّمة ثمّ يقتل فيجمع فيها بين الجلد و القتل؟ الأوجه عدم الجمع، و إن كان في النفس تردّد في بعض الصور (10).

______________________________

(10) وفاقاً للمشهور علي ما في «الرياض»، و خلافاً لابن إدريس و الشهيدين في «اللمعة» و «الروضة» علي ما فيه أيضاً. و يشهد للمشهور: أنّ ظاهر الأخبار المذكورة الدالّة علي ثبوت القتل في المواضع الثلاثة كون الحدّ منحصراً في القتل، و هذا الظهور أقوي من إطلاق قوله تعالي الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، فيقيّد به إطلاقه، و لا يعارض ظهورها شي ء في زنا الكافر بالمسلمة و في الزنا بامرأة قهراً و اغتصاباً.

نعم، ربّما يعارضه في الزنا بذات محرم قول الصادق (عليه السّلام) علي ما مرّ في رواية أبي بصير في الزنا بذات محرم

حُدّ حَدّ الزاني، إلّا أنّه أعظم ذنباً

بناءً علي أن يراد به أنّه يضرب مائة جلدة أوّلًا و هي حدّ الزاني ثمّ لمكان أنّه أعظم ذنباً يجري عليه حدّ الزنا بالمحارم أعني القتل إلّا أنّ هذا المعني خلاف الظاهر منه كما مرّت الإشارة إليه، بل إنّ ظاهره الاقتصار علي إجراء حدّ الزاني عليه، و حينئذٍ فهو ممّا أعرض المشهور عنه و لا حجّة فيه. و لعلّ مراده دام ظلّه من التردّد في بعض الصور هو هذه الصورة و لمكان هذه الرواية.

و كيف كان: فممّا ذكرنا تعرف ضعف ما استدلّ به ابن إدريس من أنّ في الجمع

بين الجلد و القتل عملًا بكلا الدليلين و امتثال الأمر في الحدّين معاً؛

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 204

[الثاني: الرجم فقط]
اشارة

الثاني: الرجم فقط؛ فيجب علي المحصن إذا زني ببالغة عاقلة، و علي المحصنة إذا زنت ببالغ عاقل (11) إن كانا شابّين، و في قول معروف يجمع في الشابّ و الشابّة بين الجلد و الرجم، و الأقرب الرجم فقط (12).

______________________________

و ذلك لما عرفت من أنّ مفهوم أدلّة حدّ القتل هو الاقتصار عليه فقط، و أنّه به يقيّد إطلاق دليل الجلد؛ فالأوجه كما في المتن عدم الجمع.

(11) ذكر البلوغ و العقل في المزني بها بالنسبة إلي رجم الزاني و كذا في الزاني بالنسبة إلي رجم المزني بها مبني علي ذكر القدر المتيقّن، بقرينة ما ذكره دام ظلّه في المسألة التالية و القسم الثالث، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي تفصيل البحث عنهما فيهما.

(12) وفاقاً للشيخ في «الخلاف» و «النهاية»، و لما عن ابن البرّاج و ابن حمزة و ابن سعيد، و خلافاً لما عن السيّد المرتضي في «الانتصار» و ابن إدريس و المفيد بل و عامّة المتأخّرين علي ما في «الرياض»، بل عن السيّد دعوي إجماع الطائفة. لكن الحقّ: أنّ المسألة اجتهادية اختلافية، منشأه اختلاف الأخبار.

و خلاصة الكلام: أنّ الأخبار الواردة في الباب طوائف ثلاث:

الاولي: ما دلّت علي الجمع بين الجلد و الرجم في الزاني المحصن أو المحصنة بنحو الإطلاق: فمنها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام)

في المحصن و المحصنة جلد مائة ثمّ الرجم «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 63، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 205

______________________________

و منها: صحيحة زرارة عنه (عليه السّلام)

في المحصن

و المحصنة جلد مائة ثمّ الرجم «1».

ففيهما و إن لم يصرّح بزنا المحصن و المحصنة إلّا أنّه من البديهي بقرينة ذكر كلّ من جلد المائة و الرجم أنّ مفروضهما زناهما، و حينئذٍ فقد جعل موضوع الجمع بين الجلد و الرجم مجرّد الزنا ممّن اتّصف بالإحصان، و إطلاقه شامل للشيخ و الشابّ و النصَف، كما لا يخفي.

و في صحيحة الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

من أقرّ علي نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّٰه مرّة واحدة حرّا كان أو عبداً، أو حرّة كانت أو أمة فعلي الإمام أن يقيم الحدّ عليه للّذي أقرّ به علي نفسه كائناً من كان إلّا الزاني المحصن فإنّه لا يرجمه حتّي يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة ثمّ يرجمه.

الحديث «2»؛ فإنّها و إن تضمّنت عدم ثبوت الزنا الموجب للرجم بالإقرار و لم يقل به أحد، كما تضمّنت ثبوت الزنا بالإقرار مرّة واحدة و لم يقل به أيضاً أحد، إلّا أنّها صرّحت بأنّه إذا شهدت أربعة شهداء علي الزاني المحصن فيجب عليه الجمع بين جلد مائة و الرجم، و تضمّنها لما لم يفت به غير مانع عن حجّيتها في سائر الفقرات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 65، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 14.

(2) وسائل الشيعة 28: 56، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 32، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 206

______________________________

و نحوها صدر خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) بناءً علي نقل الشيخ في «التهذيبين» قال (عليه السّلام)

المحصن يجلد مائة و يرجم، و الذي لم يحصن يجلد مائة، و لا ينفي.

الحديث «2». نعم،

موضوع الخبرين الأخيرين المحصن، فلا يعمّان المحصنة إلّا بإلغاء الخصوصية، و كيف كان فهما في الإطلاق كالصحيحتين الأولتين، كما لا يخفي.

الطائفة الثانية: ما تدلّ علي الاقتصار بالرجم و نفي الجلد عن المحصن و المحصنة مطلقاً، و هي أخبار كثيرة:

منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الرجم حدّ اللّٰه الأكبر و الجلد حدّ اللّٰه الأصغر، فإذا زني الرجل المحصن رجم و لم يجلد «1»

، و الظاهر: أنّ تفريع الجملة الأخيرة إنّما هو علي مضمون الجملة الأُولي و أنّ الرجم حدّ اللّٰه الأكبر؛ و حينئذٍ فلا اختصاص لنفي الجلد بالرجل بل يعمّ المحصنة، و يصير إطلاقه للشيخ و النصَف و الشابّ قوياً.

و منها: موثّقة أبي العبّاس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

رجم رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لم يجلد.

الحديث «4»، و هي كالصريحة في نفي الإيجاب الكلّي بالجمع بين الجلد و الرجم، و إن كان إطلاقها محلّ كلام؛ لاحتمال أن يكون

______________________________

(2) وسائل الشيعة 28: 63، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 7.

(1) وسائل الشيعة 28: 61، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 28: 62، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 207

______________________________

هو (عليه السّلام) بصدد نقل أنّه قد وقع و اتّفق عنه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن يرجم و لا يجلد، في قبال الإيجاب الكلّي بالجمع بينهما؛ فلا ينافي أن يكون هو (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد جمع بينهما في بعض الموارد. و بالجملة: فالمتيقّن منها سالبة جزئية لا كلّية، فلا

إطلاق فيها.

و منها: موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الحرّ و الحرّة إذا زنيا جلد كلّ واحد منهما مائة جلدة، فأمّا المحصن و المحصنة فعليهما الرجم «1»

؛ فإنّ تخصيص المحصن و المحصنة بالذكر و استثناءهما عمّا سبقهما و الاقتصار فيهما علي مجرّد الرجم، فيه دلالة واضحة علي أنّه لا يزاد عليه الجلد أيضاً، و حينئذٍ فهي مطلقة تشمل الشابّ و الشيخ و النصَف.

و منها: صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مائة، و قضي للمحصن الرجم، و قضي في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما.

الحديث «2»؛ فإنّ تخصيص كلّ من صاحبي العناوين المذكورة بحدّ فيه دلالة واضحة علي أنّه لا يجمع في المحصن بين الجلد و الرجم، بل يقتصر فيه علي ما اقتصر فيه عليه من الرجم، و هو مطلق من حيث الشيخوخة و عدمها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 62، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 61، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 208

______________________________

و منها: موثّقة أبي العبّاس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) الواردة في رجل أقرّ عند النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أربع مرّات بالزنا، ففيها

فأقرّ علي نفسه الرابعة، فأمر به رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن يرجم.

الحديث «1»؛ فقد أمر هو (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) برجمه لا بجلده ثمّ رجمه، فيعلم من إطلاقه أنّه لا يجمع بين الجلد و الرجم في زنا

المحصن مطلقاً.

و منها: غير ذلك ممّا هو مذكور في الباب الأوّل من أبواب حدّ الزنا من «الوسائل» و الباب الثامن و غيرهما، فراجع.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ علي التفصيل بين الشيخ و غيره بالجمع في الأوّل و الرجم فقط في الثاني؛ و هي ما رواه الصدوق في «الفقيه» عن إبراهيم بن هاشم عن محمّد بن حفص عن عبد اللّٰه يعني ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا زني الشيخ و العجوز جلدا ثمّ رجما عقوبة لهما، و إذا زني النَّصَف من الرجال رجم و لم يجلد إذا كان قد أحصن، و إذا زني الشابّ الحدث جلد مائة و نفي سنة من مصره «2»

، و ليس في السند سوي محمّد بن حفص، و يظهر من «جامع الرواة» أنّ محمّد بن حفص الذي يروي عنه إبراهيم بن هاشم هو العمري الثقة وكيل الناحية المقدّسة، و بعد تصريح الصدوق بأنّ المراد بعبد اللّٰه هو ابن سنان لا يصغي إلي ما عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 102، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 15، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 64، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 11.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 209

______________________________

المجلسي في «روضة المتّقين» من أنّ المظنون أنّه ابن طلحة، بقرينة ما رواه عن كتاب محمّد بن أحمد بن يحيي.

و كيف كان: فإن ظهر أنّ سند الحديث معتبر و قد تضمّن أنّ النَّصَف من الرجال و هو ما بين الشابّ و الشيخ إذا زني و كان قد أحصن رجم و لم يجلد، و أنّ الشيخ و الشيخة يجلدان أوّلًا ثمّ يرجمان، و هو و إن كان غير مقيّد فيهما بخصوص

من أحصن إلّا أنّه لا ريب في شموله للمحصن منهما أيضاً، فحاصل الحديث رجم الشيخ و الشيخة بعد جلدهما إذا كانا محصنين، و الاقتصار علي مجرّد الرجم إذا كان الزاني نَصَفاً.

و من المعلوم: أنّ هذا التفصيل إنّما هو لمكان كسر الشهوة عن الشيخ دون النَّصَف، فيدلّ الحديث بلا إشكال علي عدم جلد الشابّ المحصن قبل الرجم لو كان عليه رجم. و من الواضح إلغاء الخصوصية عن الرجل خصوصاً إذا كان هذا التخفيف في النَّصَف بمقتضي أقلّية سنّه و قوّة شهوته و وجود هذا المعني في النساء أيضاً. و حينئذٍ: فلا محالة يخرج عن إطلاق الطائفة الأُولي النَّصَف و الشابّ و يبقي فيها خصوص الشيخ و الشيخة المحصنين، كما أنّه يخرج عن إطلاق الطائفة الثانية الشيخ و الشيخة فإنّه قد تضمّن هذا الحديث المعتبر جلدهما أوّلًا ثمّ الرجم، فهذا الحديث شاهد جمع بين إطلاق الطائفتين، هذا.

و مثل هذا الحديث المعتبر رواية عبد اللّٰه بن طلحة «1»، فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 64، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 11.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 210

______________________________

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ هذه المعتبرة و إن خصّصت حكم الرجم بالنَّصَف المحصن إلّا أنّ حكم الجمع بين الجلد و الرجم فيها بالنسبة إلي الشيخ و الشيخة مطلق يشمل المحصن منهما و غير المحصن، فتكون من هذه الجهة نظير صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرجم، و البكر و البكرة جلد مائة و نفي سنة «1».

حيث حكم بالجمع فيهما بين الجلد و الرجم و أُطلق من حيث الإحصان و عدمه؛ فيكون النسبة بينها و بين الطائفة الثانية العموم

من وجه، و لا جمع عقلائي بينهما في مادّة اجتماعهما أعني الشيخ و الشيخة المحصنين فلا تصلح المعتبرة أن تكون مخصّصة للطائفة الثانية بغير الشيخ و الشيخة، و حينئذٍ فيبقي التعارض بين الطائفة الأُولي الدالّة علي الجمع و الثانية الحاكمة بخصوص الرجم فقط علي حالها.

لا يقال: إنّ الطائفة الأُولي بعد تخصيصها في غير الشيخ و الشيخة تختصّ بهما و ينقلب النسبة بينها و بين الطائفة الثانية بالخاصّ و العامّ المطلقين، فتخصّص بها الطائفة الثانية و تختصّ بغير الشيخ و الشيخة.

فإنّه يقال: قد تحقّق في محلّه أنّ المعتبر هو النسبة المتحقّقة بين المتعارضين بنفسهما، و لا اعتبار في الجمع العرفي بانقلاب النسبة الأوّلية، فهنا النسبة هي السلب و الإيجاب كلّياً علي موضوع واحد، فيتعارضان و لا جمع عقلائي بينهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 64، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 9.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 211

______________________________

و منه تعرف ضعف ما أفاده في المقام صاحب «مباني التكملة».

و الحقّ أن يقال: إنّ الطائفتين و إن تعارضتا إلّا أنّ الاولي منهما موافقة لعمل المشهور من أصحابنا و الثانية منهما موافقة لفتوي جميع فقهاء العامّة إلّا داود منهم كما نقله في «الخلاف» في (المسألة 2) من كتاب الحدود فيكون الترجيح علي أيّ حال للطائفة الأُولي، فتسقط الثانية بالتعارض و تبقي الأُولي حجّة، و تخصّص بمعتبرة ابن سنان في غير الشيخ و الشيخة، فتختصّ بخصوص الشيخ و الشيخة؛ فلذلك كان الأقرب في غيرهما هو الرجم فقط، و اللّٰه العالم.

إن قلت: لا دليل حينئذٍ علي رجم الشابّ المحصن أصلًا؛ إذ المعتبرة دلّت علي رجم النَّصَف من الرجال فقط، و الطائفة الثانية قد سقطت عن الحجّية بالمرّة، و

الطائفة الاولي قد اختصّت بالشيخ و الشيخة و لا دليل سواها.

قلت: إنّ كلتا الطائفتين متّفقتان علي رجم الزاني المحصن شابّاً كان أو شيخاً و إنّما تعارضتا في حيثية الاقتصار علي الرجم و إن يزاد عليه الجلد، فهما يكونان حجّة في ثبوت الرجم و إنّما يتعارض المرجوح بالتعارض بالنسبة إلي نفي الجلد.

و بالجملة: فالطائفة الثانية حجّة علي ثبوت أصل الرجم في الشابّ أيضاً، و اللّٰه العالم بحقائق أحكامه.

ثمّ إنّ هذا كلّه مبني علي اعتبار سند رواية عبد اللّٰه بن سنان، و إلّا كانت معارضة الطائفتين كما عرفت باقية، و الترجيح مع الطائفة الأُولي الدالّة علي الجمع لموافقتها للمشهور و مخالفتها لمشهور العامّة.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 212

[مسألة 2 لو زني البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة]

مسألة 2 لو زني البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فهل عليه الرجم، أم الحدّ دون الرجم؟ وجهان، لا يبعد ثبوت الرجم عليه. و لو زني المجنون بالعاقلة البالغة مع كونها مطاوعة فعليها الحدّ كاملة من رجم (13) أو جلد، و ليس علي المجنون حدّ علي الأقوي.

______________________________

بل و موافقتها لظاهر الكتاب أعني إطلاق قوله تعالي الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ فيكون اللازم الأخذ بها و الفتوي بالجمع في جميع الموارد.

(13) حاصل كلامه دام ظلّه عدم تأثير جنون الطرف الآخر في تخفيف حدّ العاقل أو العاقلة إذا زني و كان محصناً، و عدم تأثير صغر الزانية و عدم بلوغها في تخفيف حدّ البالغ الزاني بها. نعم إذا كان الزانية بالغة و الزاني بها غير بالغ فلا رجم عليها و إن كانت محصنة، كما يستفاد ممّا أفاده في ذيل القسم الثالث.

أقول: أمّا إذا كان بالطرف المقابل جنون فإن كان الزاني عاقلًا و الزانية مجنونة

فعن «النهاية»: أنّه ليس علي الزاني رجم و إن كان محصناً، و تبعه ابن البرّاج و جعله ابن إدريس رواية كما في «المختلف» و صريح المحكي من عبارة أبي الصلاح في «المختلف» و ظاهر عبارة ابن الجنيد أنّ عليه الرجم.

و اختار العلّامة في «المختلف» قول الشيخ في «النهاية»، بل في «الرياض» أنّ ثاني الشهيدين ادّعي عليه الشهرة.

و أمّا إذا كان الزانية عاقلة و الزاني مجنوناً ففي «الرياض» أنّه لا خلاف

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 213

______________________________

ظاهراً في وجوب الحدّ الكامل علي الزانية، إلّا عن ابن سعيد حيث نفي الرجم عنها.

و أمّا إن كان الطرف المقابل غير بالغ ففي «المختلف» عن «نهاية» الشيخ: أنّه لا رجم علي الرجل الزاني بالصبية غير البالغة، و لا علي المرأة الزانية بالغلام غير البالغ و إن اتّصف كلّ من الرجل و المرأة بالإحصان، و تبعه ابن البرّاج و هو قول الصدوق، و اختاره العلّامة نفسه في «المختلف»، و ظاهر العبارة المحكية عن المفيد وجوب إقامة الحدّ علي الرجل و المرأة المذكورين بلا تفصيل بين الرجم و الجلد، و صريح العبارة التي حكي في «المختلف» عن أبي الصلاح وجوب الرجم عليهما إذا كانا محصنين، و اختاره الحلّي علي ما حكي في «سرائره»، و في «الرياض» أنّ كلّ من قال بنفي الرجم عن المرأة المحصنة إذا زني بها الصبي قال بنفيه عن الرجل المحصن إذا زني بصبية، هذا.

أقول: إنّ مقتضي عمومات الأدلّة أنّ ملاك الرجم أن يكون من يوجب عليه الحدّ متّصفاً بالإحصان، و هي مطلقة من ناحية الطرف المقابل؛ فمقتضاه ثبوت الرجم علي الرجل المحصن العاقل و إن زني بصبية أو مجنونة، و علي المرأة المحصنة العاقلة و إن زني

بها مجنون أو صبي، و يجب الأخذ بها ما لم يقم دليل علي خلافها.

و لا دليل علي الخلاف إلّا في محصنة زني بها صبي؛ ففي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زني بامرأة، قال

يجلد الغلام دون الحدّ، و تجلد المرأة الحدّ كاملًا

، قيل: فإن كانت محصنة؟ قال

لا ترجم؛ لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك، و لو كان

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 214

[الثالث: الجلد خاصّة]

الثالث: الجلد خاصّة، و هو ثابت علي الزاني غير المحصن إذا لم يملك؛ أي لم يزوّج (14)

______________________________

مدركاً رجمت «1»

، و دلالتها علي عدم رجم المحصنة إذا كان الزاني بها غير بالغ واضحة، فيؤخذ بها في موردها و بالعمومات في سائر الموارد، كما فعله الماتن دام ظلّه العالي.

و أمّا ما عرفته من «الرياض» من عدم القول بالفصل بين عدم بلوغ الزاني و الزانية فإمّا أن يقال بنفي الرجم في كليهما أو بالرجم في كليهما.

ففيه أوّلًا: أنّه لا بأس بالخروج عنه إذا لم يبلغ حدّ الكشف عن عدم الفصل واقعاً. و ثانياً: أنّ ظاهر العبارة المحكية في «المختلف» عن ابن الجنيد أنّه قائل بالفصل حيث قال: و إذا كان أحد المشهود عليهما غير بالغ رجم الرجل إن كان محصناً، انتهي؛ يعني و لا يرجم المرأة إن كانت محصنة، و هو ما أردناه.

(14) وفاقاً للشيخ في «النهاية» و لأبي المكارم في «الغنية» و لسلّار في «المراسم» و لابن حمزة في «الوسيلة» و لما عن يحيي بن سعيد في «الجامع» و لظاهر «المقنع» و اختاره العلّامة في «المختلف» و قد حكي القول به عن جمع آخر، و خلافاً للشيخ في «الخلاف» و لكلّ من فسّر

البكر بكلّ من كان غير محصن، كما عن «المبسوط» و «السرائر» و ظاهر ابن أبي عقيل و ابن الجنيد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 81، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 9، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 215

______________________________

و الحلبي، و نسب هذا التفسير في «المسالك» إلي أكثر المتأخّرين.

و قد جعل المحقّق في «الشرائع» مبني الخلاف اختلافهم في تفسير البكر؛ فمن فسّره بمن أملك و لم يدخل اختار الجلد خاصّة هنا، و من فسّره بمطلق غير المحصن اختار الجلد و الجزّ و التغريب، قال في «الشرائع»: و أمّا الجلد و التغريب فيجبان علي الذكر الحرّ غير المحصن يجلد مائة و يجزّ رأسه و يغرّب عن مصره عاما مملكاً كان أو غير مملك و قيل: يختصّ التغريب بمن أملك و لم يدخل، و هو مبني علي أنّ البكر ما هو؟ و الأشبه أنّه عبارة عن غير المحصن و إن لم يكن مُملِكاً، أمّا المرأة فعليها الجلد مائة و لا تغريب عليها و لا جزّ، انتهي. و هو ظاهره (قدّس سرّه) في «المختصر النافع» و قد قرّروه علي هذا التفريع الشرّاح في «المسالك» و «الرياض» و «الجواهر». و لكنّ الذي يظهر بالرجوع إلي أخبار الباب: أنّ هذا الابتناء غير صحيح، فارتقب.

و كيف كان: فلا ريب في ثبوت الجلد علي الزاني غير المحصن مُملِكاً كان أو غير مُملِك كما يدلّ عليه إطلاق الآية المباركة و الأخبار الكثيرة التي يأتي بعضها، و إنّما الكلام في ثبوت التغريب عليه زائداً عن الجلد:

ففي موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

الحرّ و الحرّة إذا زنيا جلد كلّ واحد منهما مائة جلدة، فأمّا المحصن و المحصنة فعليهما الرجم «1»

، فاقتصاره

(عليه السّلام) في الحدّ علي خصوص المائة جلدة يدلّ علي انتفاء كلّ تعذيب سواه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 62، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 216

______________________________

و نحوها أخبار أُخر واردة في موارد خاصّة اقتصرت علي خصوص الجلد، فراجع الباب 3 و 4 من أبواب حدّ الزنا من «الوسائل» و غيرهما.

و أمّا خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة و لا ينفي.

الحديث «1»، فلا حجّة فيه فإنّه قد رواه في «الوافي» «ينفي» بالإثبات، فيتعارض النقلان؛ فلا حجّة في أحدهما بالخصوص، مضافاً إلي أنّه ضعيف السند بموسي بن بكر.

و في قبال هذه الأخبار طائفتان من الأخبار يدلّان علي ضمّ التغريب إلي الجلد أيضاً:

فالطائفة الأُولي: تدلّ علي ضمّه في كلّ زانٍ محدود بالجلد؛ ففي معتبر مثني الحنّاط عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الزاني إذا جلد الحدّ، قال

ينفي من الأرض إلي بلدة يكون فيها سنة «2»

، فموضوع السؤال كما تري مطلق الزاني المحدود بالجلد و قد حكم بنفيه سنة إلي بلدة اخري، و ظاهره وجوب النفي أيضاً، كما لا يخفي.

و في موثّقة سماعة قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إذا زني الرجل ينبغي (فليس ينبغي خ. يه) للإمام أن ينفيه من الأرض التي جلد فيها إلي غيرها، فإنّما (و إنّما خ. يه) علي الإمام أن يخرجه من المصر الذي جلد فيه «3»

؛ فإنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 63، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 28: 123، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 24، الحديث 4.

(3) الفقيه 4: 17/ 29، وسائل الشيعة 28:

123، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 24، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 217

______________________________

قوله (عليه السّلام) في ذيلها

فإنّما (أو و إنّما) علي الإمام أن يخرجه من المصر الذي جلد فيه

ظاهر في وجوب ذلك علي الإمام، و لا ينافيه قوله في صدره «ينبغي» فإنّ الانبغاء هو المطلوبية المجتمعة مع الوجوب و الندب.

و أمّا اختلاف النسخ بالنفي و الإثبات فلا يوجب الإجمال؛ فإنّه بناءً علي نسخة «الفقيه» «فليس ينبغي» يكون ظاهره أنّه ليس ينبغي للإمام أن يرسل المحدود إلي مصر آخر، فيكون بها سنة مثلًا و إنّما اللازم عليه هو مجرّد إخراجه من المصر الذي جلد فيه، و بعده يكون المجلود مختاراً في المقام في أيّ بلد شاء. و أمّا علي نسخة الإثبات فالظاهر أنّ ذيلها يكون كالتأكيد و التفسير لصدرها و يبيّن أنّ ما علي الإمام فإنّما هو مجرّد إخراجه من المصر الذي جلد فيه، و إلّا فنفيه إلي أرض أُخري يكون من مصاديق ذلك الكلّي الواجب.

و في معتبر عبد اللّٰه بن سنان و خبر عبد اللّٰه بن طلحة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

و إذا زني الشابّ الحدث السنّ جلد و نفي سنة من مصره «1»

، فتراه أوجب علي الشابّ المجلود أن ينفي سنة أيضاً.

و هنا أخبار أُخر تدلّ علي ثبوت النفي علي مطلق الزاني المجلود، و إن كان في دلالتها علي الوجوب نظر، فراجع «الوسائل»، الباب 24 من أبواب حدّ الزنا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 64، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 11.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 218

______________________________

فالحاصل: أنّ هذه الطائفة من الأخبار دلّت علي وجوب ضمّ النفي إلي الجلد في كلّ

من حكم عليه بالجلد، و من المعلوم أقوائية ظهورها من مفهوم موثّقة سماعة الماضية، فيكون هذه الطائفة قرينة علي أنّ المراد من الموثّقة أنّ الجلد إنّما يكون في غير المحصن، و إلّا فالمحصن محكوم بالرجم؛ فلا ينافي ضمّ التغريب أيضاً إلي الجلد.

الطائفة الثانية: ما تدلّ علي ضمّه إلي الجلد في خصوص البكر و البكرة:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرجم، و البكر و البكرة جلد مائة و نفي سنة «1».

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كان علي (عليه السّلام) يضرب الشيخ و الشيخة مائة و يرجمهما، و يرجم المحصن و المحصنة، و يجلد البكر و البكرة و ينفيهما سنة «2».

و منها: صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مائة، و قضي للمحصن الرجم، و قضي في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما، و هما اللذان قد أملكا و لم يدخل بها «3»

، و دلالة الصحاح الثلاث علي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 64، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 28: 65، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 28: 61، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 219

______________________________

وجوب ضمّ التغريب سنة إلي الجلد في البكر واضحة، كما أنّ الصحيحة الثالثة قد فسّرت البكر و البكرة بمن أُملك و لم يدخل بها. و سندها معتبر، و دلالتها في

التفسير واضحة؛ فهي علي التفسير حجّة، إلّا أنّه لا دلالة فيها لتخصيص التغريب بخصوص البكر؛ فإنّه لا وجه لها إلّا توهّم أنّ التعرّض فيها لخصوص البكر يدلّ بالمفهوم علي نفيه عن غيره، لكنّه مرفوع بأنّ التعرّض لخصوص موضوع لا يدلّ علي نفيه إلّا بمفهوم اللقب، و قد تقرّر في محلّه أن لا مفهوم له؛ لا سيّما و يحتمل قوياً أن يكون التعرّض لخصوصه إنّما هو بملاحظة ذكر حكم المحصن أو المحكوم بالرجم في جميع الصحاح الثلاثة؛ فلذلك تعرّض لحكم المتزوّج الذي لم يدخل بأهله دفعاً لتوهّم مساواته للمحصن في الحكم؛ لتساويهما في المتزوّجية.

ثمّ إنّ هنا أخباراً أُخر دالّة علي هذا الانضمام في البكر بالمعني المذكور، لكن لا بعنوان البكر بل بعنوان آخر؛ ففي خبر زرارة عن الباقر (عليه السّلام) في حديث

و الذي قد أملك و لم يدخل بها يجلد مائة و ينفي «1»

، و في خبره الآخر عنه (عليه السّلام)

المحصن يرجم، و الذي قد أملك و لم يدخل بها فجلد مائة و نفي سنة «2»

، إلي غير ذلك ممّا يأتي إن شاء اللّٰه تعالي ذيل القسم الخامس.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 63، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 28: 63، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 220

______________________________

فقد تلخّص ممّا ذكرنا أوّلًا: أنّ حكم نفي السنة غير مختصّ بمن يصدق عليه عنوان البكر، بل هو جارٍ في كلّ زانٍ محكوم عليه بالجلد.

و ثانياً: أنّ الصحيح في تفسير البكر: أنّه الذي قد أملك و لم يدخل بها، كما صرّحت به صحيحة محمّد بن قيس، و مع هذه الصراحة فلا يلتفت

إلي الإشعار المستفاد من موثّقة السكوني عن الصادق عن آبائه (عليهم السّلام)

أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلي علي (عليه السّلام) في الرجل زني بالمرأة اليهودية و النصرانية، فكتب (عليه السّلام) إليه: إن كان محصناً فارجمه، و إن كان بكراً فاجلده مائة جلدة، ثمّ انفه، و أمّا اليهودية فابعث بها إلي أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا «1».

وجه الاستشعار: أنّ مورد سؤاله مطلق الرجل الشامل لجميع أقسام الرجال من المحصن و البكر و غير المتزوّج، و قد ذكر في الجواب عنوان المحصن و البكر.

و ظاهره أنّه أجاب به عن جميع مورد سؤاله؛ فجميع مورد السؤال داخل في أحد العنوانين، و حيث إنّ غير المتزوّج لا يدخل في المحصن المحكوم بالرجم بلا إشكال فلا محالة يكون داخلًا في عنوان البكر، و هو و إن كان إشعاراً قوياً إلّا أنّه لا يقاوم التفسير الصريح المذكور في الصحيحة، و لا محالة لم يتعرّض الموثّقة لحكم الشقّ الثالث أعني من لم يتزوّج بعد و الأمر سهل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 80، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 8، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 221

و علي المرأة العاقلة البالغة إذا زني بها طفل؛ كانت محصنة أو لا (15)، و علي المرأة غير المحصنة إذا زنت (16).

[الرابع: الجلد و الرجم معاً]

الرابع: الجلد و الرجم معاً، و هما حدّ الشيخ و الشيخة إذا كانا محصنين (17)، فيجلدان أوّلًا ثمّ يرجمان.

______________________________

(15) قد مرّ نقل الأقوال فيها و ذكر الدليل عليها ذيل المسألة الثانية، فتذكّر.

(16) بعد ما كان قوام الإحصان بالتزوّج و الدخول، فغير المحصنة شاملة لمن لم يتزوّج بعد و لمن تزوّجت و لم يدخل بها؛ فهي شاملة للبكرة أيضاً، و قد

مرّت الصحاح الثلاث الدالّة بالوضوح علي أنّ في البكرة أيضاً إذا زنت جلد مائة و نفي سنة، إلّا أنّه لم يقل بتغريبها أحد سوي ابن أبي عقيل و ابن الجنيد علي ما حكي، و إلّا فقد حكي عن المشهور: أنّه لا تغريب عليها، بل ادّعي عليه الإجماع في «الخلاف» و «الغنية» و حكي الإجماع عن ظاهر «المبسوط» أيضاً، فهذه الصحاح المروية في الكتب الأربعة كانت بين أيدي أصحابنا، و دلالتها علي وجوب نفي المرأة أيضاً كالرجل واضحة، و مع ذلك فلم يفتوا بمضمونها؛ فهو كاشف عن إعراضهم عنها، و إعراض المشهور في مثلها يسقط الخبر عن الحجّية، كما تقرّر في محلّه؛ و حينئذٍ فليس عليها سوي الضرب مائة جلدة، الذي يدلّ عليه إطلاق الآية و الأخبار، و اللّٰه العالم.

(17) ادّعي عليه الإجماع في «الغنية»، و قال في «الرياض»: و يجمع للشيخ و الشيخة مع الإحصان بين الحدّ أي الجلد و الرجم

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 222

______________________________

إجماعاً كما هنا و في كلام جماعة، انتهي. و لم ينقل فيه خلاف عن أحد.

و الأخبار الواردة فيهما طوائف ثلاث: الاولي: ما تدلّ علي جلدهما و رجمهما مطلقاً؛ ففي صحيح الحلبي المروي في «الفقيه» و «التهذيبين» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرجم، و البكر و البكرة جلد مائة و نفي سنة «1».

و في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كان علي (عليه السّلام) يضرب الشيخ و الشيخة مائة و يرجمهما، و يرجم المحصن و المحصنة، و يجلد البكر و البكرة و ينفيهما سنة «2».

و في صحيح عبد اللّٰه بن سنان و خبر عبد اللّٰه بن

طلحة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا زني الشيخ و العجوز جلدا ثمّ رجما عقوبة لهما، و إذا زني النَّصَف من الرجال رجم و لم يجلد إذا كان قد أحصن، و إذا زني الشابّ الحدث السنّ جلد و نفي سنة من مصره «3».

فهذه الأخبار المعتبرة تدلّ علي الجمع في الشيخ و الشيخة بين الجلد و الرجم، و لم يفصّل فيهما بين المحصن و غيره، بل إطلاقها شامل لغير المحصن أيضاً، و تدلّ علي أنّ عنوان الشيخوخة كعنوان الزنا بذات محرم مثلًا له

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 64، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 28: 65، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 28: 64، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 11.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 223

______________________________

موضوعية و موجب لجريان الجلد و الرجم عليه. و هذا الظهور الإطلاقي قوي في صحيح عبد الرحمن؛ فإنّ ذكر المحصن و المحصنة بعد عنوان الشيخ و الشيخة يوجب قوّة ظهوره في أنّ الموجب للجمع هو زنا الشيخ و الشيخة لا حيثية الإحصان.

الطائفة الثانية: ما تدلّ علي رجمهما مطلقاً أيضاً، و هي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الرجم في القرآن قول اللّٰه عزّ و جلّ إذا زني الشيخ و الشيخة فارجموهما البتّة فإنّهما قضيا الشهوة «1».

و صحيحة سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في القرآن رجم؟ قال

نعم

، قلت: كيف؟ قال

الشيخ و الشيخة فارجموهما البتّة فإنّهما قضيا الشهوة «2».

فهما مع قطع النظر عن دلالتهما علي وقوع النسخ في كتاب اللّٰه و عن تعارضهما

في بيان هذه الآية المنسوخة تدلّان بالإطلاق علي وجوب الرجم علي الشيخ و الشيخة؛ سواء كانا محصنين أم لا. و التعليل بقوله

فإنّهما قضيا الشهوة

مؤيّد لهذا الإطلاق و مشير إلي أنّهما لمّا مضي عنهما زمان فوران الشهوة فتوجّههما مع ذلك إلي الزنا كاشف عن كمال عدم اعتنائهما بأحكام اللّٰه؛ فلذلك وجب رجمهما، و هذا المعني يؤكّد إطلاقه؛ لوجود العلّة في كلتا صورتي الإحصان و عدمه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 62، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 67، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 18.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 224

______________________________

فلو كنّا و هاتين الطائفتين لأمكن الجمع بينهما بأنّ مفاد الطائفة الثانية إنّما هو خصوص وجوب الرجم فلا ينافي أن يجب قبله الجلد أيضاً، كما دلّت عليه الطائفة الأُولي، و لا أقلّ من أنّها محمولة عليه في مقام الجمع.

الطائفة الثالثة: صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مائة، و قضي للمحصن الرجم، و قضي في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما، و هما اللذان قد أملكا و لم يدخل بها «1»

، فإطلاقها أيضاً يدلّ علي أنّ الشيخ و الشيخة إذا زنيا يجب عليهما جلد مائة فقط؛ سواء كانا محصنين أم لا، فيكون الشيخ أو الشيخة عنواناً مخفّفاً للحدّ لضعف قواهما، كما أنّ المحصن عنوان آخر قباله موجب للرجم في غير الشيخ أو الشيخة.

اللهمّ إلّا أن يقال: تذييل ذاك الصدر بحكم المحصن قرينة علي اختصاص حكم الجلد بما إذا لم يكن في البين عنوان الإحصان الموجب

للرجم، فالشيخ و الشيخة غير المحصنين عليهما مائة جلدة، و أمّا إذا اتّصفا بالإحصان فنفس الإحصان يوجب الرجم، و لا ينافي أن يجتمع مع الجلد الذي وجب للشيخوخة، فتدبّر.

فالحاصل: أنّ ظاهر الصحيحة بقرينة ما ذكر في المحصن أنّ حدّ المائة جلده في غير المحصن من الشيخ و الشيخة، و حينئذٍ فبها يخصّص إطلاق الطائفتين السابقتين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 61، كتاب الحدود، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 225

[الخامس: الجلد و التغريب و الجزّ]
اشارة

الخامس: الجلد و التغريب و الجزّ، و هي حدّ البكر، و هو الذي تزوّج و لم يدخل بها علي الأقرب (18).

______________________________

إن قلت: مثل هذه القرينة موجود في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، و لازمها أنّ حدّ المائة و الرجم مختصّ بغير المحصن منهما، و يقع التعارض بينها و هذه الصحيحة.

قلت: إنّ تناسب الحكم و الموضوع يمنع عن انعقاد هذا الظهور في صحيحة عبد الرحمن، كيف و لازمه أخفّية حدّ المحصن من غير المحصن في الشيخ و الشيخة! و هو ممّا لا يقبله ذهن أحد؛ إذ الإحصان من العوامل المشدّدة لا المخفّفة، بخلافه في صحيحة ابن قيس كما عرفت، هذا. مضافاً إلي أنّ المذكور في كلام الأصحاب أنّ غير المحصن منهما يكون حدّه الجلد فقط، و لم يقل بالجمع مع عدم الإحصان أحد من الفقهاء (قدّس سرّهم)، فلو كان للأخبار المذكورة إطلاق فقد أعرض عنه الأصحاب و لا حجّة فيه، فتأمّل. و كيف كان: فالأظهر ما ذكره الماتن دام ظلّه و اللّٰه العالم.

(18) قد مرّ ذكر الدليل علي وجوب الجلد و التغريب في البكر ذيل البحث عن القسم الثالث، بل عرفت أنّ الأظهر ثبوتهما في مطلق الزاني المحكوم بالجلد، فتذكّر.

و أمّا

الجزّ فتدلّ علي وجوبه في البكر بالمعني المذكور في المتن صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة و لم يدخل بها فزني، ما عليه؟ قال

يجلد الحدّ و يحلق رأسه و يفرّق

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 226

______________________________

بينه و بين أهله و ينفي سنة «1»

، و معتبرة حنان قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا أسمع عن البكر يفجر و قد تزوّج ففجر قبل أن يدخل بأهله، فقال

يضرب مائة و يجزّ شعره و ينفي من المصر حولًا و يفرّق بينه و بين أهله «2»

، و الجزّ هو القطع. و دلالة الحديثين علي وجوب الجزّ واضحة.

و ينبغي التنبّه هنا لأُمور:

أحدها: أنّ دليل الجزّ كما تري خاصّ بالرجل، فلا يعمّ المرأة حتّي يحتاج في نفيه عنها إلي مثل الإعراض المذكور في نفيها، فيبقي أدلّة حرمة الإيذاء باقية علي إطلاقها فيها بلا معارض.

و ثانيها: أنّا و إن قلنا بثبوت التغريب في مطلق الزاني غير المحصن كما عرفت إلّا أنّه لا وجه للحكم بجزّ رأس غير المتزوّج الذي لم يدخل بأهله؛ و ذلك لانحصار دليله في هذين الخبرين، و هما مختصّان بالمتزوّج المذكور، و يبقي عمومات الحرمة في غيره علي حاله. و منه تعرف عدم ابتناء نفي الجزّ عن غيره علي تفسير البكر به، بل و لو فسّرناه بمطلق غير المحصن لما كان إلي القول بثبوته في مطلقه سبيل؛ لما عرفت من اختصاص دليله بخصوص المتزوّج الذي لم يدخل بأهله، و يبقي غيره تحت عمومات الحرمة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 78، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 28: 77، كتاب

الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 227

[مسألة 3 الجزّ حلق الرأس]

مسألة 3 الجزّ حلق الرأس (19) و لا يجوز حلق لحيته و لا حلق حاجبه (20). و الظاهر: لزوم حلق جميع رأسه، و لا يكفي حلق شعر الناصية (21).

______________________________

و ثالثها: أنّ الظاهر اختصاص حكم الجزّ بما إذا كانت زوجته عنده و كان الزوجية دائمية، فإن كانت الزوجية انقطاعية أو لم تكن عنده لحبس أو سفر فلا يحكم عليه بالجزّ؛ و ذلك أنّ ظاهر الأدلّة الواردة في حدّ البكر أنّ مجازاته أخفّ ممّن له زوجة مدخول بها، و إذا كان المفروض عدم جريان حكم الجزّ بالنسبة إلي من دخل بزوجته لعدم كونها عنده أو لكونها متعة فعدم جريانه في البكر في الصورتين أولي قطعاً.

و منه تعرف عدم جريان حكم التغريب أيضاً في الصورتين بناءً علي اختصاصه بالبكر و عدم جريانه في مطلق غير المحصن، كما هو مختار الماتن دام ظلّه و أمّا بناءً علي المشهور المنصور فكلّ زانٍ حدّه الجلد ينفي سنة أيضاً.

(19) للتصريح به في صحيحة علي بن جعفر، و هي قرينة علي أنّه المراد من جزّ الشعر المذكور في معتبرة حنان، لو لم نقل بانصرافه بنفسه إليه.

(20) بلا خلاف علي الظاهر، و يدلّ عليه أنّ إيراد أيّ عذاب كان علي الغير ظلم و حرام، خرجنا منه في حلق الرأس بالدليل؛ فيبقي غيره تحت العموم.

(21) خلافاً لظاهر «الوسيلة» و «المراسم» و لظاهر ما عن المفيد

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 228

[مسألة 4 حدّ النفي سنة من البلدة التي جلد فيها]

مسألة 4 حدّ النفي سنة (22) من البلدة التي جلد فيها (23)،

______________________________

علي ما في «المختلف» فإنّ ظاهرهم وجوب جزّ الناصية، و وفاقاً للشيخ في «النهاية» حيث عبّر بجزّ الرأس. و الدليل عليه: أنّ ظاهر قوله (عليه السّلام)

يحلق رأسه

حلق جميع شعر رأسه، و معه

لا يصغي إلي وجوه اعتبارية استحسانية.

(22) بلا خلاف، بل عليه دعوي الإجماع في «الخلاف» و «الغنية»؛ للتصريح به في كثير من الأخبار الواردة في حدّ البكر أو مطلق من حدّه الجلد، كما مرّ. و لا ينافيه عدم التعرّض للمدّة في أخبار أُخر؛ فإنّها ليست في مقام بيان المدّة، و هذه الأخبار الكثيرة بيان لمدّته و قرينة للمراد منها.

(23) قال في «الغنية»: و من الزناة من يجب عليه الجلد ثمّ النفي عاما إلي مصر آخر؛ و هو الرجل إذا كان بكراً بدليل إجماع الطائفة، انتهي. و في «النهاية»: يجب عليه الجلد مائة و نفي سنة عن مصره إلي مصر آخر، انتهي. و في «الخلاف»: غرّب عاما، و في «المراسم»: غرّب من المصر سنة، و في «الوسيلة» ذكر النفي.

و كيف كان: فالمستفاد من العبارة اعتبار أُمور ثلاثة في النفي:

أحدها: أن لا يبقي في البلدة التي جلد فيها و إن كانت غير وطنه؛ بمعني أنّه لو ثبت زناه عند القاضي و جلد في بلدة غير وطنه فلا يجوز احتساب النفي من وطنه لكي يبقي في هذه البلدة التي جلد بها سنة، بل يجب أن ينفي من هذه البلدة التي جلد بها. و يشهد له صحيح أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الزاني إذا زني أ ينفي؟ قال

نعم، من التي

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 229

و تعيين البلد مع الحاكم (24).

______________________________

جلد فيها إلي غيرها «1»

؛ فإنّه و إن أمكن المناقشة في دلالته علي وجوب النفي لاحتمال أن يراد به السؤال عن جوازه، و لا محالة لا يدلّ الجواب علي أكثر من الجواز إلّا أنّ أصل الوجوب معلوم لنا من سائر أخبار الباب كما عرفت.

و حينئذٍ فظاهر هذه الصحيحة اعتبار أن ينفي و يخرج من البلدة التي جلد فيها. و نحوه قول الصادق (عليه السّلام) في حديث في موثّقة سماعة الماضية

فإنّما (أو و إنّما خ. يه) علي الإمام أن يخرجه من المصر الذي جلد فيه «2»

، و قد مرّ بيان دلالته علي وجوب النفي ذيل القسم الثالث، و ظهوره في اعتبار أن يخرج من المصر الذي جلد فيه واضح لا ينكر.

(24) هذا هو الأمر الثاني الذي يدلّ العبارة علي اعتباره و حاصله: اعتبار أن يكون النفي إلي بلدة خاصّة بحيث يجبر المنفي علي الإقامة فيها سنة، و يكون أمر تعيين هذه البلدة بيد الحاكم الذي يحكم و يقضي عليه بالنفي. و بعبارة اخري: أنّ هذا النفي إقامة إجبارية، لا تبعيد و نفي محض.

و يدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

النفي من بلدة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 122، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 24، الحديث 2.

(2) الفقيه 4: 17/ 29، وسائل الشيعة 28: 123، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 24، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 230

______________________________

إلي بلدة

و قال

قد نفي علي (عليه السّلام) رجلين من الكوفة إلي البصرة «1»

، و بيان دلالته: أنّ ظاهر صدره عامّ و شارح بالنسبة لجميع الموارد التي حكم الشارع فيها بالنفي، و يدلّ علي اعتبار أن يكون النفي من بلدة هي مبدأ النفي إلي بلدة اخري، و يكون ذيله بمنزلة ذكر المثال و توضيح له بأنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قد نفي رجلين من بلدة الكوفة إلي بلدة البصرة.

و قد ذكر مثل الفقرتين في ذيل صحيحة الحلبي علي نقل «الفقيه» عن أبي عبد اللّٰه

(عليه السّلام) قال

الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرجم، و البكر و البكرة جلد مائة و نفي سنة، و النفي من بلد إلي بلد، و قد نفي أمير المؤمنين (عليه السّلام) رجلين من الكوفة إلي البصرة «6»

، هكذا رواه في «الفقيه» «2»، و في «الوافي» عنه أيضاً «3» و إن خلي نسخة «الوسائل» التي بيدي عن ذكر قوله

إلي البصرة «4»

و بيان دلالتها قد ظهر ممّا مرّ.

و يدلّ عليه أيضاً معتبرة مثنّي الحنّاط عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الزاني إذا جلد الحدّ؟ قال

ينفي من الأرض إلي بلدة يكون فيها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 122، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 24، الحديث 1.

(6) وسائل الشيعة 28: 64، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 10.

(2) الفقيه 4: 17/ 11.

(3) الوافي 15: 288/ 4.

(4) وسائل الشيعة 18: 348، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 10 (طبع المكتبة الإسلامية).

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 231

______________________________

سنة «1»

، هكذا في نسخة «الوسائل» عندي و نسخة «الكافي»، إلّا أنّ في نسخة «التهذيب» و في «الوافي» أيضاً عن «الكافي» و «التهذيب» هكذا

ينفي من الأرض التي يأتيه إلي بلدة يكون فيها سنة «2»

، قال في «الوافي»: بيان: في «التهذيب»: من الأرض التي يأتيه؛ أي يأتي الزنا «3»، انتهي. و كيف كان: فظاهرها اعتبار أن يكون النفي إلي بلدة اخري.

فظاهر هذه الأخبار الثلاثة اشتراط أن ينفي إلي بلدة اخري، و ظاهرها أنّ أمر تعيين هذه البلدة إلي من إليه الحكم. و يشهد له ما في ذيل صحيحة الحلبي

و قد نفي أمير المؤمنين (عليه السّلام) رجلين من الكوفة إلي البصرة.

و في قبال

هذه الأخبار موثّقة سماعة الماضية؛ إذ قد عرفت أنّ ظاهر قوله (عليه السّلام)

فإنّما (و إنّما) علي الإمام أن يخرجه من المصر الذي جلد فيه

أنّ الواجب علي الإمام مجرّد أن يخرج الزاني المجلود من المصر الذي جلد فيه و هذا من دون فرق بين أن يكون صدره علي نسخة «الفقيه»

فليس ينبغي

أو علي نسخة غيره

ينبغي

، كما مرّ بيانه فهذه الموثّقة شاهدة علي أنّ تمام العناية في الأخبار الماضية أيضاً بمجرّد إخراجه من البلد، و أنّ ذكر البلد الأُخري إنّما كان لمكان ملازمتها غالباً للإخراج من البلدة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 123، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 24، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 10: 35/ 122.

(3) الوافي 15: 288، ذيل الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 232

و لو كانت بلدة الحدّ غير وطنه لا يجوز النفي منها إلي وطنه، بل لا بدّ من أن يكون إلي غير وطنه (25).

______________________________

و لعلّ وجه إفتائه دام ظلّه بما في المتن تصوّر أنّ مفاد الحديث مجمل كما في «الجواهر» و «الوافي» فأخذ بمفاد الأخبار الثلاثة، و قد عرفت عدم الإجمال فيه و أنّه قرينة علي المراد من الأخبار المذكورة. فالأظهر: أنّ النفي هنا تبعيد لا إقامة إجبارية، و اللّٰه العالم.

(25) هذا هو الشرط الثالث المعتبر في النفي، و يشهد له مضافاً إلي عدم بعد دعوي انصراف عنوان النفي إليه قوله (عليه السّلام) في صحيحة محمّد بن قيس: «و قضي في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما» «1»، و قول الصادق (عليه السّلام) علي ما في معتبر عبد اللّٰه بن سنان و خبر عبد اللّٰه بن طلحة: «و إذا زني الشابّ الحدث السنّ

جلد و نفي سنة من مصره» «2»، و قوله (عليه السّلام) أيضاً علي ما في معتبر حنان: «و ينفي من المصر حولًا» «3»؛ فإنّ المنصرف من المصر وطنه. و بالجملة: فدلالة الأخبار علي المطلوب واضحة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 61، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 64، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 1، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 28: 77، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 233

و لو حدّه في فلاة لا يسقط النفي (26) فينفيه إلي غير وطنه. و لا فرق في البلد بين كونه مصراً أو قرية (27).

______________________________

(26) فإنّ المفهوم عرفاً من أخبار النفي لزوم أن يورد عليه هذا التعذيب مضافاً علي جلده و زائداً عليه، و هو جزاء علي زناه؛ و لذلك لا دخل لمكان إجراء الجلد فيه بلا ريبة. و ذكر البلد في بعض الأخبار إنّما هو لتعارف إجراء الحدّ فيه، كما لا يخفي.

(27) و ذلك أيضاً لإلغاء الخصوصية عن كلمة «البلد» المذكورة في الأخبار، فيستفاد منها أنّ الملاك نفيه إلي محلّ آخر قرية كانت أو مصراً بل قد عرفت عدم اعتبار تعيين المحلّ، فتذكّر.

تنبيه: قد تضمّنت صحيحة علي بن جعفر و معتبرة حنان الماضيتان في أدلّة وجوب جزّ الشعر أنّه إذا زني الرجل بعد ما تزوّج و قبل أن يدخل بأهله يفرّق بينه و بين أهله، و قد ورد هذا المعني في معتبرة طلحة بن زيد المروية عن «الفقيه» و «العلل» و «التهذيب» عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) قال

قرأتُ في كتاب علي (عليه السّلام): أنّ الرجل إذا

تزوّج المرأة فزنا قبل أن يدخل بها لم تحلّ له؛ لأنّه زانٍ، و يفرّق بينهما و يعطيها نصف المهر «1»

، و هذه الأخبار معارضة في موردها بصحيحة رفاعة بن موسي أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أ يرجم؟ قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 21: 237، كتاب النكاح، أبواب العيوب و التدليس، الباب 17، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 234

______________________________

لا

، قلت: هل يفرّق بينهما إذا زنا قبل أن يدخل بها؟ قال

لا «1»

، فلو لم يجمع بحمل تلك الأخبار علي استحباب التفرّق بالطلاق لما كان بدّ من ترك العمل بتلك الأخبار؛ إذ لم نجد قائلًا بها من الأصحاب، فصحيحة رفاعة من المجمع عليه الذي لا ريب فيه. هذا بالنسبة إلي زنا الرجل.

و أمّا في المرأة: ففي موثّقة السكوني عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) قال

قال علي (عليه السّلام) في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها زوجها، قال: يفرّق بينهما و لا صداق لها؛ لأنّ الحدث كان من قبلها «2»

، و في موثّقة الفضل بن يونس قال: سألت أبا الحسن موسي بن جعفر (عليهما السّلام) عن رجل تزوّج امرأة فلم يدخل بها فزنت، قال

يفرّق بينهما و تحدّ الحدّ، و لا صداق لها «3».

و دلالتهما علي وجوب التفريق بينهما بزناها واضحة، إلّا أنّه لم يفت أحد بمضمونهما، سوي ما عن المفيد و سلّار من تحريم المرأة و لو المدخول بها بزناها مصرّة عليه، و هو أيضاً غير مضمون الموثّقتين. فالموثّقتان محمولتان علي ضرب من الندب و نحوه؛ لإعراض الطائفة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 21: 236، كتاب النكاح، أبواب العيوب و التدليس، الباب 17، الحديث 1 و 4، و 28:

76، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 7، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 21: 218، كتاب النكاح، أبواب العيوب و التدليس، الباب 6، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 21: 218، كتاب النكاح، أبواب العيوب و التدليس، الباب 6، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 235

مسألة 5 في تكرّر الزنا مرّتين أو مرّات في يوم واحد أو أيّام متعدّدة بامرأة واحدة أو متعدّدة حدّ واحد مع عدم إقامة الحدّ في خلالها (28)؛

______________________________

عن العمل بمضمونهما كما في «الجواهر» و غيره.

مضافاً إلي دلالة بعض الأخبار المعتبرة علي خلافهما؛ ففي موثّقة عبّاد بن صهيب عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) قال

لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني إذا كانت تزني، و إن لم يقم عليها الحدّ فليس عليه من إثمها شي ء «1».

فمورد الموثّقتين و إن كان أخصّ مطلقاً من هذه الموثّقة إلّا أنّ ظهورها قوي يستفاد منه أنّ الزنا اللاحق بالنكاح لا يوجب حرمة الزانية علي زوجها؛ فلذلك يمكن دعوي عدم قابليتها للتخصيص، فيقع التعارض بينهما و بينها، و يكون الترجيح معها. و كيف كان: فلا ريب في لزوم العمل طبق موثّقة عبّاد بن صهيب.

و حيث إنّ الحكم بالتفريق بينهما كان نحو مجازاة لهما فلذا تعرّضنا له هنا، و إلّا فتمام الكلام موكول إلي بحث النكاح.

(28) وفاقاً للمشهور بين علمائنا كما في «المختلف»، و المشهور بين الأصحاب كما في «المسالك»، بل عليه عامّة من تأخّر علي ما في «الرياض». و خلافاً للصدوق في «المقنع» و لابن الجنيد، قال في «المقنع»: فإن زني رجل في يوم واحد مراراً فإن كان زني بامرأة واحدة فعليه حدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 436، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة و

نحوها، الباب 12، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 236

______________________________

واحد، و إن هو زني بنساء شتّي فعليه في كلّ امرأة زني بها حدّ، انتهي. و في «المختلف»: قال ابن الجنيد: و لو زني الزاني مراراً بامرأة واحدة وجب حدّ واحد، فإن زني بجماعة نساء في ساعة واحدة حدّ لكلّ امرأة حدّا، انتهي.

و بعد إلغاء الخصوصية عن اليوم الواحد في عبارة «المقنع»، و عن الساعة الواحدة في ما عن ابن الجنيد يتّحد المضمونان، و محصّلهما التفصيل بين وقوع التكرّر بامرأة واحدة فلا يتكرّر، و بنساء متعدّدة فيتكرّر الحدّ، هذا.

و يمكن أن يستدلّ للمشهور: بأنّ المفهوم من أدلّة حدّ الزنا كسائر الحدود و إن كان سببية هذه الكبائر لثبوت تلك الحدود إلّا أنّ المسبّب ليس إلّا طبيعة الحدّ الصادقة علي فرد واحد، فالزنا و إن كان سبباً للجلد مثلًا إلّا أنّ المسبّب طبيعة الجلد الصادق علي مائة واحدة، فما لم يقم عليه الجلد يكفي إجراؤها مرّة واحدة، فإذا زني بعده فعليه مائة جلدة، و تكرّره لا يوجب شيئاً ما لم تقم عليه، و هكذا، من غير فرق في ذلك بين أن يكون الزنا المتكرّر بشخص خاصّ أو أشخاص متعدّدة، و لا بين كونه في ساعة أو يوم واحد أو ساعات و أيّام متعدّدة.

و ممّا يقرّب هذا الاستظهار: أنّ الحدّ حقيقته تأديب خاصّ لأن يرتدع بإجرائه العاصي، فيناسبه الاقتصار علي مرّة واحدة بالنسبة إلي ما مضي، و لو كان دفعات نظير الغسل المشروع لإزالة الخبث و الغسل المشروع لإزالة الحدث.

و لو شكّ في الاستظهار المذكور لكفي احتماله في ثبوت القول المشهور؛ إذ مع احتماله فالقدر المتيقّن من الحدّ الثابت مرّة واحدة، و الزائد عليها

مباني تحرير الوسيلة

- كتاب الحدود، ص: 237

هذا إذا اقتضي الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من الحدّ كالجلد مثلًا و أمّا إن اقتضي حدوداً مختلفة كأن يقتضي بعضه الجلد خاصّة و بعضه الجلد و الرجم أو الرجم فالظاهر تكراره بتكرار سببه (29).

______________________________

مشكوك محكوم بالعدم بحكم الاستصحاب.

و أمّا قول الصدوق و ابن الجنيد فمستنده رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مراراً كثيرة، قال: فقال

إن زني بامرأة واحدة كذا و كذا مرّة فإنّما عليه حدّ واحد، فإن هو زني بنسوة شتّي في يوم واحد و في ساعة واحدة فإنّ عليه في كلّ امرأة فجر بها حدّا «1»

، و دلالتها علي هذا القول بعد إلغاء الخصوصية عن اليوم الواحد و الساعة الواحدة، بل الأخذ بإطلاق الجواب في المرأة الواحدة و حمل الساعة الواحدة في النسوة علي الفرد الخفي واضحة، إلّا أنّ في سندها علي بن أبي حمزة البطائني و هو ضعيف. و ابن محبوب الواقع في السند لم يعلم كونه من أصحاب الإجماع، مضافاً إلي أنّ مجرّد وقوع أصحاب الإجماع في السند لا يكفي لتصحيحه، فسندها غير معتبر ليس بحجّة في نفسه، مضافاً إلي أنّ الأصحاب لم يعملوا بها، بل هي مطرحة كما في «الشرائع».

(29) لعدم جريان الوجه المذكور فيه، بل إنّ إطلاق دليل النوع الآخر من الحدّ يقتضي ثبوته أيضاً. نعم إذا كانا من قبيل الأقلّ و الأكثر ففي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 122، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 23، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 238

[مسألة 6 لو تكرّر من الحرّ غير المحصن]

مسألة 6 لو تكرّر من الحرّ غير المحصن و لو كان امرأة فأُقيم عليه الحدّ ثلاث مرّات قتل في الرابعة،

و قيل قتل في الثالثة بعد إقامة الحدّ مرّتين، و هو غير مرضي (30).

______________________________

المشترك بينهما لا يتكرّر الحدّ، فلو زني و هو شيخ غير محصن ثمّ زني محصناً لم يكن عليه إلّا جلد مائة مرّة واحدة ثمّ الرجم، كما لا يخفي؛ فإنّ الوجه المذكور ينفي أزيد من المائة الواحدة هنا أيضاً.

(30) القول بالقتل في المرّة الرابعة مختار الصدوق في «الهداية»، و جعله في «الانتصار» ممّا انفردت به الإمامية؛ مدّعياً عليه إجماع الطائفة، و أفتي به في «الغنية» و استدلّ له بإجماع الطائفة، كما أفتي به الشيخ في «النهاية» و سلّار في «المراسم» و ابن حمزة في «الوسيلة»، و نقل عن «المقنعة» و «مبسوط» الشيخ و «الكافي» لأبي الصلاح و «جامع» ابن سعيد أيضاً.

كما أنّ القول بالقتل في الثالثة ظاهر الصدوق في «المقنع»، و حكي عن أبيه و عن الحلّي في «السرائر» أيضاً، بل قال في عبارته المحكية: و الأظهر من أقوال أصحابنا و الذي يقتضيه أُصول مذهبنا: أنّه يقتل في الثالثة؛ لإجماع أصحابنا أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة، و هذا منهم بغير خلاف، انتهي. فتراه ادّعي الإجماع علي القاعدة الكلّية و استدلّ بها، و معلوم أنّها تجتمع مع قيام الشهرة، بل الإجماع علي خلافها في خصوص بعض مواردها، كما هنا علي ما عرفت و ادّعي.

و هنا قول ثالث لم ينقل إلّا عن الشيخ في «الخلاف»؛ و هو قتله في

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 239

______________________________

الخامسة، و جعل القتل في الرابعة رواية. و العجب أنّه ادّعي عليه إجماع الفرقة، مع أنّ المعروف حتّي عنه نفسه خلافه، كما عرفت. اللهمّ إلّا أن يحمل دعواه الإجماع علي أصل قتل الزاني غير المحصن في قبال العامّة الذين

لم يقولوا فيه إلّا بالحدّ غير القتل.

و كيف كان: فلا مستند لقول الصدوقين و الحلّي إلّا صحيحة يونس عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال

أصحاب الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «1»

، و دلالتها بالعموم علي جريان الحكم المذكور في باب الزنا أيضاً واضحة.

إلّا أنّ موثّقة أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

الزاني إذا زني يجلد ثلاثاً و يقتل في الرابعة.

يعني جلد ثلاث مرّات «2» واردة في خصوص الزنا و دالّة بالوضوح علي أنّ الزاني لا يقتل إلّا في المرّة الرابعة بعد أن اجري عليه حدّ الجلد ثلاث مرّات، و ظاهرها أنّ هذا حكم الزنا؛ فلا فرق فيه بين الزاني و الزانية، و هي أخصّ مطلقاً من الصحيحة المذكورة، فتخصّص بها بلا إشكال.

و يوافق هذه الموثّقة خبر عبيد بن زرارة أو بريد العجلي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أمة زنت، قال

تجلد خمسين جلدة.

إلي أن قال

إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 19، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 5، الحديث 1، و أبواب حدّ الزنا، الباب 20، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 19، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 5، الحديث 2 و أبواب حدّ الزنا، الباب 20، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 240

______________________________

زنت ثماني مرّات يجب عليها الرجم

، قلت: كيف صار في ثماني مرّات؟ فقال

لأنّ الحرّ إذا زني أربع مرّات و أُقيم عليه الحدّ قتل، فإذا زنت الأمة ثماني مرّات رجم في التاسعة.

الحديث «1»؛ فإنّ ظاهر قوله (عليه السّلام)

لأنّ الحرّ إذا زني أربع مرّات و أُقيم عليه الحدّ قتل

أنّ القتل مترتّب علي الزنا مرّة رابعة من دون حالة

أُخري منتظرة، فيوافق الموثّقة المذكورة. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ ذكره في مقام التعليل لرجم الأمة في التاسعة يناسب أن يكون قتل الحرّ أيضاً في المرّة الخامسة، و إلّا فمقتضي تنصيف حدّ المماليك أن يكون الرجم في المرّة الثامنة، فحيث لم ينتقل إلي القتل في مرّات ثمان فاللازم أن لا ينتقل إليه في الأحرار في مرّات أربع، فلو زاد علي الأربع في الأحرار و علي الثمان في المماليك كان علي الفاعل القتل. و لعلّ هذا هو مستند الشيخ في «الخلاف»، إلّا أنّه ضعيف بجهالة الأصبغ بن الأصبغ، و لا جابر لضعفه كما لا يخفي.

و يمكن أن يدلّ علي المشهور قول أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) فيما كتب من العلل لمحمّد بن سنان

و علّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة علي الزاني و الزانية لاستخفافهما و قلّة مبالاتهما بالضرب «2»

، فهو (عليه السّلام) و إن كان في مقام بيان علّة الحكم إلّا أنّه جعل أصل الحكم مفروغاً عنه، إلّا أنّ دلالته

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 116، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 20، الحديث 2، و الباب 32، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 19، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 5، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 241

[مسألة 7 قالوا: الحاكم بالخيار في الذمّي]

مسألة 7 قالوا: الحاكم بالخيار (31) في الذمّي بين إقامة الحدّ عليه و تسليمه إلي أهل نحلته و ملّته ليقيموا الحدّ علي معتقدهم،

______________________________

مبنية علي كون قوله

في الثالثة

ظرفاً لإقامة الحدّ، و إلّا فلو كان ظرفاً للقتل لكان سنداً لمختار الصدوق و ابن إدريس. و الإنصاف: أنّه مع هذا الاحتمال لا يصحّ الاستدلال به، و إن كان لا حجّة فيه علي الخلاف، مضافاً

إلي ما في سنده أيضاً.

فتحصّل: أنّ اللازم هو الالتزام بما عليه المشهور، و أنّ سائر الأقوال غير مرضي، و اللّٰه العالم.

(31) في «الرياض»: بلا خلاف أجده و به صرّح بعض الأجلّة و هو الحجّة، انتهي. و نحوه «الجواهر».

و مقتضي أدلّة الحدود لزوم إجراء الحدّ علي كلّ من أتي بموجبه؛ فإنّه لا شكّ في شمول إطلاقها لجميع البلاد التي يجري فيها حكم الإسلام و يتولّاها والي المسلمين، و لم يفرّق فيها بين المسلم و الكافر إلّا في نوع الحدّ في بعض الموارد. و يوافقها ما رواه في «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن يهودي أو نصراني أو مجوسي أُخذ زانياً أو شارب خمر، ما عليه؟ قال

يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين، أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلي حكّام المسلمين «1»

، فتراه (عليه السّلام) قد أوجب إجراء حدود الإسلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 50، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 29، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 242

______________________________

عليهم في داخل المملكة الإسلامية مطلقاً، و في خارجها أيضاً بشرط الرفع إلي القاضي؛ بمعني أنّه إذا رفع الأمر إلي القاضي تعيّن عليه أن يحكم بحكم الإسلام، فليس له أن يسلّمه إلي أهل ملّته ليقضوا فيه بمذهبهم.

إلّا أنّ الظاهر من قوله تعالي الوارد في اليهود فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ «1» أنّه لا يتعيّن علي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن يحكم بينهم حتّي مع

مرافعتهم إليه و سؤالهم لحكمه، بل هو مخيّر بين الحكم بينهم و الإعراض عنهم، و من الواضح أنّ المفهوم من الآية أنّ هذا التخيير هو حكم اللّٰه في القضاء الإسلامي لا أنّه من مختصّاته صلوات اللّٰه عليه و آله فتدلّ علي أنّ القاضي مخيّر كذلك مطلقاً.

و دعوي أنّها مختصّة بالدعاوي التي يكون فيها أحد الطرفين مدّعياً و الآخر مدّعي عليه كما يقتضيه قوله فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ فلا تعمّ إجراء حدود اللّٰه في حقوق اللّٰه تعالي.

مدفوعة أوّلًا: بأنّه ربّما كان حدّ اللّٰه أيضاً ممّا له مساس ببعض الناس فيرفعه إلي الحاكم، كأن يدّعي الزنا أو اللواط بولده و زوجته. و ثانياً: بأنّ حقوق اللّٰه أيضاً ممّا يمكن فيها أن يرفعها بعض الناس إلي الحاكم حرصاً علي تطهير محيط الجامعة الإنسانية من الفواحش، و هو كافٍ لصدق عنوان الحكم بينهم. و حينئذٍ فلا يبعد دعوي أنّ المستفاد من الآية تخيير قاضي

______________________________

(1) المائدة (5): 42.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 243

______________________________

المسلمين بين التعرّض للحكم الإسلامي بالنسبة إلي أهل الكتاب و بين الإعراض عنهم.

و أمّا ما عن بعض العامّة من أنّ الآية الشريفة منسوخة بقوله تعالي وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتٰابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ. الآية «1»، حيث أمره (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بأن يحكم بينهم بما أنزل اللّٰه، و هو ظاهر في تعيّنه عليه، فينسخ التخيير المذكور في تلك الآية.

فمدفوع: بأنّ هذه الآية متعرّضة لكيفية الحكم و أنّه يجب أن يحكم بما أنزل اللّٰه لا أن يتّبع أهواءهم، و الآية السابقة يجعله مختاراً بين الحكم و الإعراض، و لا أقلّ من

أنّه المستفاد منهما بعد الانضمام؛ فلا منافاة و لا نسخ. فإن اختار الحكم بينهم فعليه أن يحكم بينهم كما يقتضيه الشريعة الإسلامية و بالحدود الإسلامية، فالآية تنفي احتمال جواز أن يحكم قاضي المسلمين بحدّ الزنا علي مذهب أهل الذمّة.

و منه تعرف: أنّ ما رواه السكوني في الموثّق من

أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلي علي (عليه السّلام) في الرجل زني بالمرأة اليهودية و النصرانية، فكتب (عليه السّلام) إليه: إن كان محصناً فارجمه، و إن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ثمّ انفه، و أمّا اليهودية فابعث بها إلي أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا «2»

حيث إنّه

______________________________

(1) المائدة (5): 48.

(2) وسائل الشيعة 28: 80، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 8، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 244

و الأحوط إجراء الحدّ عليه (32). هذا إذا زني بالذمّية أو الكافرة، و إلّا فيجري عليه الحدّ بلا إشكال (33).

[مسألة 8 لا يقام الحدّ رجماً و لا جلداً علي الحامل]

مسألة 8 لا يقام الحدّ رجماً و لا جلداً علي الحامل و لو كان حمله من الزنا حتّي تضع حملها و تخرج من نفاسها إن خيف في الجلد الضرر علي ولدها، و حتّي ترضع ولدها إن لم يكن له مرضعة و لو كان جلداً إن خيف الإضرار برضاعها. و لو وجد له كافل يجب عليها الحدّ مع عدم الخوف عليه (34).

______________________________

ظاهر في تعيّن تسليم اليهودية أو النصرانية إلي أهل ملّته، فهو محمول علي الإرشاد إلي أحد شقّي التخيير المستفاد من الآية المباركة علي ما لا يخفي.

(32) رعايةً لاحتمال اختصاص التخيير المستفاد من الآية بحقوق الناس، و عنايةً إلي أنّ موثّقة السكوني واردة في الذمّية، فلعلّها لا تشمل الذمّي، و الاحتمال الضعيف كافٍ في الاحتياط.

(33) فإنّ التخيير

إنّما يكون في ما إذا كان الحكم بينهم و لا يعمّ غيره، مضافاً إلي أنّك قد عرفت أنّ حدّ زنا الكافر بالمسلمة قتل الكافر فهو حدّ شديد، أحبّ الشارع تشديد الأمر علي الكفّار صيانة لنواميس المسلمين، و تسليمه إلي أهل ملّته نقض للغرض و مخالف لدليل ثبوت هذا الحدّ، فتذكّر.

(34) بلا خلاف كما في «الرياض»، و بلا خلاف أجده كما في «الجواهر». و يشهد له من الأخبار الخاصّة موثّقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن محصنة زنت و هي حبلي، قال

تقرّ حتّي تضع ما

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 245

______________________________

في بطنها و ترضع ولدها ثمّ ترجم «1»

، و دلالتها علي المطلوب في حدّ الرجم واضحة. و لا ريب في أنّ المنع عن رجمها في زمن الرضاعة إنّما هو لرعاية حال الرضيع الذي يخاف عليه الضرر من عدم مرضعة له كافلة؛ فلذلك يلغي الخصوصية عن الرجم عرفاً إلي كلّ حدّ يكون في إجرائه علي الامّ خوف الضرر علي طفلها.

و بالجملة: يستفاد من الموثّقة عرفاً أنّ الشارع قدّم جانب الطفل علي رعاية عدم تأخير إجراء الحدّ؛ فكلّما تزاحما يؤخّر الحدّ رجماً كان أو غيره و من البيان المذكور تعرف شمول الحديث لولد الزنا أيضاً، و أنّ هذا التأخير إنّما هو لمكان رعاية حال الطفل لا أنّ له موضوعية، فلو وجدت له مرضعة و كافل تحضنه و ترضعه كأُمّه بلا عسر فيه و لا حرج لكان مقتضي عموم أدلّة عدم جواز التأخير لزوم إجرائه، كما أنّه إذا لم يخف علي الطفل من إجراء الجلد علي امّه وجب إجراؤه.

و يشهد له أيضاً موثّقة أبي مريم عن الباقر (عليه السّلام) الواردة في امرأة أقرّت عند

أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالزنا أربع مرّات فإنّ فيها ما لفظه

فأمر بها فحبست و كانت حاملًا، فتربّص بها حتّي وضعت ثمّ أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة.

الحديث «2»، و هي ظاهرة في عدم جواز إجراء الحدّ الرجم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 106، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 4 و 6.

(2) وسائل الشيعة 28: 107، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 246

______________________________

علي الحامل، كما لا يخفي. و ما تضمّنته من أنّه (عليه السّلام) بادر إلي رجمها بعد الوضع محمول و لو بقرينة الموثّقة السابقة إمّا علي إحراز عدم الضرر علي الطفل الرضيع من قتل امّه، و إمّا علي أنّ إجراء الحدّ أُخّر إلي أن لا يتضرّر من إجرائه، كما لعلّه يناسبه التعبير ب «ثمّ»، فتدبّر.

و يؤيّدهما ما عن «إرشاد» الشيخ المفيد (قدّس سرّه) عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال لعمر و قد اتي بحامل قد زنت فأمر برجمها فقال له علي (عليه السّلام)

هب لك سبيل عليها، أيّ سبيل لك علي ما في بطنها؟! و اللّٰه يقول وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْريٰ

، فقال عمر: لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن، ثمّ قال: فما أصنع بها يا أبا الحسن؟ قال

احتط عليها حتّي تلد، فإذا ولدت و وجدت لولدها من يكفله فأقم الحدّ عليها «1»

، و دلالتها واضحة؛ خصوصاً بعد ما ذكرناها ذيل موثّقة عمّار، إلّا أنّها مرسلة السند كما تري.

و أمّا خبر ابن ميثم فهو وارد فيمن لم تتمّ منها إقرارات أربع، نعم إنّ فيه إشعاراً بذلك.

و قوله (عليه السّلام) فيه لعمرو بن حريث المخزومي الذي تكفّل طفلها

قبل إقرارها الرابع بعد أن رأي كراهته (عليه السّلام)، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي إنّما أردت أن أُكفّله إذ ظننت أنّك تحبّ ذلك، فأمّا إذ كرهته فإنّي لست أفعل، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

أبعد أربع شهادات باللّٰه لتكفلنّه و أنت صاغر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 108، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 247

[مسألة 9 يجب الحدّ علي المريض و نحوه]

مسألة 9 يجب الحدّ علي المريض و نحوه كصاحب القروح و المستحاضة إذا كان رجماً أو قتلًا (35). و لا يجلد أحدهم إذا لم يجب القتل أو الرجم خوفاً من السراية، و ينتظر البرء (36)،

______________________________

الحديث «1»، فلا دلالة فيه علي عدم رعاية حال الطفل من حيث كفالته و حضانته، بل هو (عليه السّلام) قد ألزم عمرو بن حريث علي حضانته ثمّ قام بصدد رجمها، كما لا يخفي.

(35) قال في «الجواهر»: و يرجم المريض و المستحاضة بلا خلاف أجده فيه بل و لا إشكال، انتهي. أقول: أمّا أصل وجوب الحدّ علي المريض و نحوه فلإطلاق أو عموم الأدلّة، و أمّا وجوب إجرائه بلا تأخير إذا كان رجماً أو قتلًا فلأنّ الحدّ إذا كان قتلًا أو منتهياً إليه فليس للمريض خصوصية توجب انصراف الأدلّة عنه، بل تشمله كالأصحّاء. نعم يمكن أن يقال فيما إذا ثبت حدّ الرجم بالإقرار و كان المرض ممّا يوجب ضعف المريض عن الفرار عن الحفيرة لو أراده: إنّ أدلّة الرجم منصرفة عنه، و إنّ المستفاد منها ليس قتل الزاني المحصن مطلقاً، بل فيما لم يفرّ عن حفيرة الرجم، و هو منصرف إلي النحو المتعارف من الأصحّاء، لا ما إذا لم يفرّ المرجوم لابتلائه بمرض يمنعه عن ذلك.

(36) أقول: مفهوم التقييد

بما إذا لم يجب القتل: أنّه يجلد المريض

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 103، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 248

______________________________

و نحوه إذا وجب عليه الجلد و القتل، و لا ينتظر به أن يبرأ. و كيف كان: ففي «الرياض» دعوي أنّه لا خلاف فيه أجده.

و الدليل عليه: أمّا في المستحاضة فلموثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يقام الحدّ علي المستحاضة حتّي ينقطع الدم عنها «1»

، و دلالتها واضحة، و إطلاق الحدّ فيها منصرف بتناسب الحكم و الموضوع إلي غير القتل ممّا يخاف من إجرائه عليه ضرر آكد أو مشقّة أشدّ.

و أمّا في المريض: فلأنّ إطلاق أدلّة الحدّ و وجوب إجرائه و إن كان يشمله إلّا أنّه محكوم أدلّة نفي الضرر و الحرج.

بيانه: أنّ أدلّة الحدود تقتضي إيجاب مقدار من الضرر و الحرج يلزمه طبيعة ذلك الحدّ، و لا يعمّه أدلّة نفي الضرر و نحوه.

و أمّا إذا اقتضي إجراء الحدّ في مورد ضرراً أو حرجاً أزيد فهو مشمول لهذه الأدلّة النافية، و تكون في مثله حاكمة و مقدّمة علي أدلّة الحدود، هذا.

إلّا أنّ هذا الوجه جارٍ فيما إذا أُحرز ضرر أزيد، و فيما إذا خيف منه فيمكن الاستدلال لعدم جواز إجرائه باستصحاب العدم؛ فإنّ الشكّ في الضرر الزائد يوجب الشكّ في اندراج المورد في كلّ من الدليل الحاكم و المحكوم، فليس واحد منهما بحجّة، فتصل النوبة إلي الأُصول العملية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 29، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 13، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 249

______________________________

و يمكن الاستدلال أيضاً بانصراف أدلّة الحدود عن المريض الذي يخاف فيه

ابتلاؤه بمرض أزيد، فيكون المرجع فيه هو استصحاب الحرمة إلي أن يبرأ، فيعمّه أدلّة الحدود بلا إشكال.

و هاهنا أخبار خاصّة يستدلّ بها أيضاً؛ ففي موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل أصاب حدّا و به قروح في جسده كثيرة، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): أقرّوه حتّي تبرأ لا تنكئوها عليه فتقتلوه «1»

، فتراه (عليه السّلام) قد أمر بإقراره و تأخير إجراء الحدّ عليه حتّي تبرأ، لكنّه كما تري مفروض فيما إذا احتمل في إجراء الحدّ قتله، فلا يعمّ ما إذا حصل الاطمئنان بعدم قتله، فلو خيف من إجرائه سراية الجرح مثلًا أو شدّة مرضه أو بطؤ برئه فليس أمثالها مشمولة لعموم ما يستفاد من تعليل ذيله، كما لا يخفي.

و نحوها خبر مسمع بن عبد الملك عن الصادق (عليه السّلام) «2»، فراجع.

و في موثّقة أبي العبّاس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اتي رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) برجل قصير دميم قد سقي بطنه و قد درت عروق بطنه قد فجر بامرأة، فقالت المرأة: ما علمت به إلّا و قد دخل عليّ، فقال له رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): أزنيت؟ فقال له: نعم (و لم يكن أُحصن)، فصعد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 29، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 13، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 30، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 13، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 250

______________________________

رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بصره و خفضه ثمّ دعا بعذق فعدّه مائة ثمّ ضربه بشماريخه «1».

و في موثّقة

سماعة عن الصادق (عليه السّلام)

أنّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) اتي برجل كبير البطن قد أصاب محرّماً، فدعا رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه مرّة واحدة، فكان الحدّ «2»

و «الشمراخ» عذق عليه البسر أو العنب، و كلّ غصن دقيق ينبت في أعلي الغصن الغليظ، فرجوعه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن جلده مائة جلدة إلي الضرب بالشماريخ فيه دليل واضح علي عدم جواز إجراء الحدّ الكامل علي المريض. إلّا أنّ مورد الموثّقين أيضاً مريض مبتلي بالاستسقاء، و لا ريب في أنّه يخاف عليه القتل لو ضرب حدّ الزنا أشدّ الضرب. و نحوهما خبر يحيي بن عبّاد المكّي أو خبر عبّاد المكّي و خبر عبد اللّٰه بن الحسن المروي عن «قرب الإسناد» «3»، فراجع.

و يمكن الاستدلال بخبر السكوني السابق الوارد في المستحاضة، بدعوي إلغاء الخصوصية عنها إلي كلّ مرض يساوي الاستحاضة و يخاف فيه شدّة المرض أو السراية، كما فيها. فعمدة الدليل كما تري هو عمومات اللااقتضائيّ ضرر و اللاحرج بضميمة الاستصحاب المذكور.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 30، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 13، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 28: 31، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 13، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 28: 28، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 13، الحديث 1 و 9.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 251

و لو لم يتوقّع البرء أو رأي الحاكم المصلحة في التعجيل ضربهم بالضغث (37) المشتمل علي العدد من سياط أو شماريخ و نحوهما.

______________________________

(37) الضغث قبضة من حشيش و نحوه، و الظاهر

من «الرياض» عدم الخلاف بين الأصحاب في الاكتفاء به في كلتا صورتي عدم توقّع البرء و رؤية المصلحة في التعجيل.

و يشهد له فيما لم يتوقّع البرء الموثّقتان الماضيتان و غيرهما؛ إذ لم يكن يتوقّع برء المبتلي بمرض الاستسقاء في الأزمنة السالفة.

و أمّا جواز تبديله بضرب الضغث بمجرّد رؤية المصلحة، فلا دليل عليه سوي ما في خبر زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

لو أنّ رجلًا أخذ حزمة من قضبان أو أصلًا فيه قضبان فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدّة ما يريد أن يجلد من القضبان «1»

، إلّا أنّ سنده ضعيف بموسي بن بكر و إطلاقه عامّ لجميع الموارد، و لم يقل به علي الظاهر أحد؛ فلا حجّة فيه لما نحن فيه أيضاً.

نعم، لا يبعد أن يقال: بإلغاء الخصوصية عن الموثّقتين إلي كلّ مورد يخاف من التأخير فوت إجراء الحدّ؛ و لذلك بعد ذكر الموثّقة الثانية و الاستدلال بها للضرب بالضغث، قال في «الرياض»: و ليس فيها مع كثرتها اعتبار المصلحة، لكن حملها عليه الأصحاب من غير خلاف أجده

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 31، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 13، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 252

و لا يعتبر وصول كلّ سوط أو شمراخ إلي جسده (38)، فيكفي التأثير بالاجتماع و صدق مسمّي الضرب بالشماريخ مجتمعاً، و لو برأ قبل الضرب بالضغث حدّ كالصحيح (39).

______________________________

جمعاً بينها و بين الروايات المتقدّمة الآمرة بالتأخير؛ بحملها علي عدم تعطيل الحدّ بالتأخير، و هذه علي خوف تعطيله بموت و شبهه كما هو ظاهرها، انتهي. فهو (قدّس سرّه) قد فسّر المصلحة المجوّزة بخوف تعطيل الحدّ بالتأخير، و قد عرفت استفادته من الأخبار و لو بإلغاء

الخصوصية ففي مثلها يجوز الاكتفاء بالضرب بالضغث، و في غيره يكون المرجع هو القواعد، و لا ريب في أنّ مقتضي إطلاق أدلّة الحدود مثل قوله تعالي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ و سائر الأدلّة وجوب إجرائها بما وجب من عدد السياط كلّ مرّة بضرب سوط كما لا يخفي، و العدول إلي الضغث محتاج إلي الدليل.

فالحاصل: أنّ الواجب أن يضرب مائة ضربة في الزنا أو العدد الواجب في غيره، و لا يجوز العدول إلي الضرب بالضغث و الشماريخ، إلّا فيما خاف فوت أصل الحدّ بالتأخير أو كان هناك مصلحة أُخري أعظم و أقوي من مصلحة وجوب التعجيل، و لا يجوز العدول بمجرّد المصلحة الاستحسانية، كما لا يخفي.

(38) لتنزيل الأدلّة المذكورة علي المتعارف، فيشمل إطلاقها لما إذا لم يصل كلّ الشماريخ إلي جسده أيضاً، بل لعلّه الغالب.

(39) فإنّ مقتضي إطلاق الأدلّة علي ما عرفت إجراء الحدّ الكامل علي كلّ أحد، و لا يعدل عنها إلّا فيما دلّ عليه الدليل المخصّص؛ و هو

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 253

و أمّا لو برأ بعده لم يعد (40). و لا يؤخّر حدّ الحائض (41)، و الأحوط التأخير في النفساء (42).

[مسألة 10 لا يسقط الحدّ باعتراض الجنون أو الارتداد]

مسألة 10 لا يسقط الحدّ باعتراض الجنون أو الارتداد (43)؛ فإن أوجب علي نفسه الحدّ و هو صحيح لا علّة به من ذهاب عقل ثمّ جنّ، أُقيم عليه الحدّ رجماً أو جلداً و لو ارتكب المجنون الأدواري ما يوجبه في دور إفاقته و صحّته أُقيم عليه الحدّ و لو في دور جنونه، و لا ينتظر به الإفاقة، و لا فرق بين أن يحسّ بالألم حال الجنون أو لا.

______________________________

المريض الذي لا يتوقّع برؤه بحيث يخاف من تأخيره الفوت علي

ما عرفت فيرجع في غيره إلي مقتضي الأدلّة.

(40) لظهور الموثّقتين في أنّ الضرب بالشماريخ هو حدّه، و إطلاقهما شامل لما إذا برئ بعده؛ لا سيّما و قد تضمّنت موثّقة سماعة قوله

و كان الحدّ

، فتذكّر.

(41) لعدم كون الحيض مرضاً و لا حالة غير عادية عرفاً، فلا يعمّه أدلّة المرض، و لا يصحّ إلغاء الخصوصية عن المستحاضة؛ فيكون المرجع فيها الأدلّة الأوّلية.

(42) لقوّة احتمال إلغاء الخصوصية عن المستحاضة و اقتضاء الاستصحاب لعدم الجواز، كما عرفت.

(43) فإنّ عمومات أدلّة الحدود تدلّ بإطلاقها علي وجوب إجرائه علي من ارتكب موجبه و إن عرض عليه بعد الارتكاب أحد الأمرين و نحوهما.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 254

[مسألة 11 لا يقام الحدّ إذا كان جلداً في الحَرّ الشديد و لا البرد الشديد]

مسألة 11 لا يقام الحدّ إذا كان جلداً في الحَرّ الشديد و لا البرد الشديد (44)؛

______________________________

و ظاهر قولهم (عليهم السّلام)

لا حدّ علي المجنون حتّي يفيق «1»

و لو بمناسبة الحكم و الموضوع نفي الحدّ علي ما يفعله المجنون حال جنونه، و لا يعمّ إجراء حدّ ما فعله حال إفاقته عليه.

مضافاً إلي أنّ صحيحة أبي عبيدة دالّة عليه خصوصاً؛ فروي عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل وجب عليه الحدّ فلم يضرب حتّي خولط، فقال

إن كان أوجب علي نفسه الحدّ و هو صحيح لا علّة به من ذهاب عقل أُقيم عليه الحدّ كائناً ما كان «2»

، و إطلاقه شامل للأدواري المحتمل فيه الإفاقة و لغيره، كما أنّه شامل لمن يحسّ بالألم و غيره، كما لا يخفي. فاحتمال الانتظار في الأدواري حتّي يفيق كاحتمال سقوطه إذا لم يحسّ بالألم خلاف إطلاق النصّ و العمومات و لا يعبأ بهما.

(44) ظاهر العبارة حرمة إقامته في الحَرّ و البرد الشديدين، قال في «المسالك»: و ظاهر النصّ و الفتوي

أنّ الحكم علي وجه الوجوب لا الاستحباب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 22، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 23، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 9، الحديث 1، و أبواب حدّ الزنا، الباب 26، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 255

فيتوخّيٰ به في الشتاء وسط النهار، و في الصيف في ساعة برده؛ خوفاً من الهلاك أو الضرر زائداً علي ما هو لازم الحدّ (45).

______________________________

(45) في العبارة إرشاد إلي دليل الحكم، و حاصله: أنّ إطلاق أدلّة الحدّ و إن اقتضي جواز إجرائه في شدّة الحرّ أو البرد أيضاً إلّا أنّ عمومات نفي الضرر و الحرج كما مرّ تقتضي نفي الجواز فيما إذا كان في إجرائه حرج أو ضرر أزيد ممّا يقتضيه طبع الحدّ، فضلًا عمّا إذا استلزم إجراؤه هلاك المجلود، و مع خوف هذا الضرر أو الهلاك و إن لم يحرز وقوعه و يحتمل عدم ترتّبه إلّا أنّه لا يبعد دعوي أنّ الشارع قد أوجب الاحتياط، إلّا إذا اطمأنّ بالعدم، كما يرشد إليه ما ورد في النهي عن إنفاق جميع المال في سبيل اللّٰه، و أنّه من مصاديق إلقاء النفس في التهلكة؛ ففي خبر حمّاد اللحّام عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لو أنّ رجلًا أنفق ما في يديه في سبيل من سبيل اللّٰه ما كان أحسن و لا وفّق، أ ليس اللّٰه يقول وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ؛ يعني المقتصدين «1»

، و تمام الكلام موكول إلي محلّه.

و بالجملة: ففي عبارة المتن نحو إشارة إلي أنّ الحكم المذكور علي مقتضي القواعد، و أنّ الأدلّة

الخاصّة الواردة في المقام ضعيفة السند.

و كيف كان: ففي مرسلة أبي داود المسترقّ عن بعض أصحابنا قال: مررتُ مع أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إذن رجل يضرب بالسياط، فقال

______________________________

(1) البرهان في تفسير القرآن 1: 192.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 256

______________________________

أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

سبحان اللّٰه! في مثل هذا الوقت يضرب؟

قلت له: و للضرب حدّ؟ قال

نعم، إذا كان في البرد ضرب في حَرّ النهار، و إذا كان في الحَرّ ضرب في برد النهار «1»

، و نحوها خبر هشام بن أحمر عن العبد الصالح (عليه السّلام) «2»، فراجع. و لا ينافيهما التعبير ب «ينبغي» و «لا ينبغي» في مرسلة سعدان بن مسلم «3»؛ فإنّ الابتغاء لغة هو المطلوبية، فنفيه يجتمع مع الحرمة أيضاً.

فالحاصل: أنّ دلالة هذه الأخبار أيضاً علي عدم جواز إجراء حدّ الجلد في الحرّ أو البرد الشديد واضحة، إلّا أنّ سندها ضعيف، و في القواعد كفاية.

ثمّ إنّ ظاهر المتن حيث قيّد عدم الجواز بما إذا كان جلداً جواز إقامة حدّ القتل أو الرجم عليه و لو في الحرّ و البرد الشديدين، و قد وجّهوه بأنّ الأخبار الخاصّة مختصّة بالجلد، و أنّه إذا كان المقصود القتل فلا فرق فيه بين الساعات، فإطلاق أدلّة الحدود هنا لا مانع من الأخذ به.

أقول: و هو كلام لا غبار عليه في حدّ القتل، و أمّا الرجم فإن كان شدّة الحرّ أو البرد موجبة لضعف المرجوم بحيث يمنعه عن الفرار عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 21، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 7، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 21، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 7، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 28:

22، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 7، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 257

و لا يقام في أرض العدوّ (46)،

______________________________

الحفيرة بعد مسّ الحجارة إذا أراده فيمكن منع جواز إجرائه حينئذٍ؛ فإنّ إجراءه مستلزم لإيراد الضرر علي المحدود أزيد ممّا يقتضيه طبع الحدّ الشرعي؛ فينفي بأدلّة نفي الضرر كما لا يخفي.

(46) ظاهر العبارة حرمة إقامته في أرض العدوّ، إلّا أنّ صريح «المسالك»: أنّه علي وجه الكراهة، و قال في «الرياض»: و ظاهر العبارة يعني عبارة «النافع» و نحوها من عبائر الجماعة كون النهي هنا للحرمة، و صريح «المسالك» كونه للكراهة، كما يحكي عن ظاهر «المنتهي» و «التذكرة»، انتهي.

و يدلّ عليه موثّقة أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

لا يقام علي أحد حدّ بأرض العدوّ «1»

، و موثّقة غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) أنّه قال

لا أُقيم علي رجل حدّا بأرض العدوّ حتّي يخرج منها؛ مخافة أن تحمله الحمية فيلحق بالعدوّ «2»

، و في ذيل خبر إسحاق بن عمّار عن الصادق عن أبيه (عليهما السّلام)

إنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: لا تقام الحدود بأرض العدوّ؛ مخافة أن تحمله الحمية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 24، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 24، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 10، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 258

و لا في الحرم علي من التجأ إليه (47)، لكن يضيّق عليه في المطعم و المشرب ليخرج، و لو أحدث موجب الحدّ في الحرم يقام عليه فيه.

______________________________

فيلحق بأرض العدوّ «1»

،

و ظاهر موثّقة أبي مريم و خبر إسحاق عدم جواز إقامته بأرض العدوّ، و لا يبعد استظهاره من موثّقة غياث أيضاً؛ فإنّ الظاهر من حكاية قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّها لبيان الحكم و أنّ من شرائط الإقامة أن لا تكون في أرض العدوّ، و كيف كان فلا إشكال في المسألة.

ثمّ إنّ ظاهر المتن و إن كان الاختصاص بحدّ الجلد إلّا أنّ إطلاق الموثّقة الاولي التعميم لحدّ القتل و الرجم أيضاً، و اختصاص الخبرين الآخرين بغير القتل بقرينة التعليل لا يوجب تخصيص إطلاقها، كما لا يخفي.

(47) كما يدلّ عليه و علي سائر ما تضمّنته المسألة إلي آخرها صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يجني في غير الحرم ثمّ يلجأ إلي الحرم، قال

لا يقام عليه الحدّ و لا يطعم و لا يسقي و لا يكلّم و لا يبايع؛ فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحدّ، و إن جني في الحرم جناية أُقيم عليه الحدّ في الحرم فإنّه لم ير للحرم حرمة «2».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 10: 147/ 17.

(2) وسائل الشيعة 28: 59، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 34، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 259

______________________________

و مثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً، قال

إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثمّ فرّ إلي الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم، و لكن يمنع من السوق و لا يبايع و لا يطعم و لا يسقي و لا يكلّم؛ فإنّه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ،

و إذا جني في الحرم جناية أُقيم عليه الحدّ في الحرم؛ لأنّه لم يرع للحرم حرمة «1»

، إلي غير ذلك من الأخبار المعتبرة الواضحة الدلالة، فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 226، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف، الباب 14، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 260

[المقام الثاني في كيفية إيقاعه]
اشارة

المقام الثاني في كيفية إيقاعه

[مسألة 1 إذا اجتمع علي شخص حدود بدئ بما لا يفوت معه الآخر]

مسألة 1 إذا اجتمع علي شخص حدود بدئ بما لا يفوت معه الآخر (1)؛ فلو اجتمع الجلد و الرجم عليه جلد أوّلًا ثمّ رجم، و لو كان عليه حدّ البكر و المحصن فالظاهر وجوب كون الرجم بعد التغريب علي إشكال (2).

______________________________

(1) بلا خلاف كما في «الرياض»، و بلا خلاف أجده فيه بيننا بل و لا إشكال كما في «الجواهر». و يشهد له أوّلًا: أنّه ممّا يحكم به العقل في مقام الامتثال؛ فإنّ إطلاق دليل كلّ من هذه الحدود يوجب إيقاعه، فامتثال كلّ منها لازم و لا يكون إلّا بأن يبدأ بما لا يفوت معه الآخر. و ثانياً: أخبار معتبرة مستفيضة؛ منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

أيّما رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل يبدأ بالحدود التي هي دون القتل، ثمّ يقتل بعد ذلك «1»

، إلي غير ذلك من الأخبار.

(2) فإنّ التغريب أيضاً حدّ و قد دلّت المستفيضة علي وجوب البدأة بالحدود التي دون القتل، و البدأة بها عبارة أُخري عن إجرائها ابتداءً؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 34، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 15، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 261

و لا يجب توقّع برء جلده (3) فيما اجتمع الجلد و الرجم، بل الأحوط عدم التأخير.

______________________________

فلا محالة يجب أن يكون الرجم بعد التغريب. و لعلّ وجه الاستشكال توهّم انصرافها إلي سائر الحدود ممّا لا يتوقّف إجراؤها علي زمان طويل، لكنّه مندفع بمنع الانصراف المذكور، و أنّ المستفاد منها الجمع بين جميع الحدود التي اجتمعت عليه أيّاً ما كان.

نعم، لو كان المستند هو حكم العقل المذكور فربّما يشكل هنا بأنّ تأخير القتل أو الرجم

عن التغريب مستلزم لترك امتثال تكليف عدم جواز تأخير إجراء الحدّ، فالأمر دائر بين ترك امتثال هذا التكليف و ترك امتثال تكليف إجراء حدّ التغريب، و لا يمكن الجمع بين امتثال جميع التكاليف. اللهمّ إلّا أن يمنع حرمة التأخير إذا استند إلي إجراء حدّ آخر، و سيأتي الكلام فيها عند تعرّض الماتن دام ظلّه له في المسألة الأخيرة من اللواحق إن شاء اللّٰه تعالي.

(3) خلافاً للشيخين و الأتباع كما في «المسالك»، و لهما و للقاضي و بني زهرة و حمزة و سعيد كما في «الرياض» و «الجواهر»؛ و ذلك أنّه خلاف إطلاق المستفيضة المذكورة و خلاف إطلاق أدلّة الحدود، كما لا يخفي. و ما ذكروه من الوجه له من أنّه تأكيد في الزجر استحسان لا يقوم حجّة في قبال الإطلاقات، بل مقتضي القواعد أن لا يجوز التوقّع و التأخير لما سيأتي من عدم جواز التأخير في إجراء الحدود، و أنّه ليس في الحدود نظرة ساعة، قال المحقّق الأردبيلي في «شرح الإرشاد»: و لا يتوقّف أن يبرأ جراحاته التي

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 262

______________________________

حصلت بالأوّل ثمّ يرجم أو يقتل، بل يجوز بل يجب أن يقتل بعد ذلك أو يرجم بما لا يعدّ تأخيراً، و عبارة المصنّف مشعرة بعدم جواز التأخير و وجوب التعجيل، انتهي.

اللهمّ إلّا أن يقال كما في «الرياض» باتّفاق الفتاوي علي جواز التأخير، و إن اختلفوا بين قائل بوجوبه كمن عرفت و قائل باستحبابه كما عن ابن إدريس و جماعة من المتأخّرين. و لعلّه لذلك كلّه قال: «بل الأحوط عدم التأخير».

و حقّ المقال: أنّ مقتضي القواعد الأوّلية عدم جواز التأخير كما عرفت، و الظاهر أنّ القائلين بوجوبه استندوا إلي رواية مرسلة؛ قال

في «السرائر» علي ما حكي روي أصحابنا أنّه لا يرجم حتّي يبرأ جلده، فإذا برئ رجم، و الأولي حمل الرواية علي الاستحباب؛ لأنّ الغرض في الرجم إتلافه و هلاكه، انتهي. و الكلام إنّما هو في سند الرواية، و إلّا فلا وجه لرفع اليد عن دلالتها بالوجه الاعتباري الذي ذكره «السرائر»، و مجرّد عمل الشيخين و أتباعهما لا يوجب حجّيته ما لم يصل حدّ عمل المشهور.

إن قلت: إنّ المشهور بين قائل بالوجوب و قائل بالاستحباب، فهم قد عملوا به، إلّا أنّ القائل بالوجوب قائل و عامل بظهوره و القائل بالاستحباب أيضاً عامل به إلّا أنّه حمله علي الاستحباب، فالرواية معمول بها؛ فهي حجّة سنداً، و لا وجه لرفع اليد عن دلالتها علي الوجوب بالاعتبار الذي ذكره في «السرائر».

قلت: كلّا فإنّ من المحتمل جدّاً أنّ القول بالاستحباب مبني علي المعروف بينهم من التسامح في أدلّة السنن؛ فإنّ المستفاد من كلامهم شموله

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 263

[مسألة 2 يدفن الرجل للرجم إلي حقويه لا أزيد]

مسألة 2 يدفن الرجل للرجم إلي حقويه لا أزيد، و المرأة إلي وسطها فوق ألحقوه تحت الصدر (4).

______________________________

لمثل ما نحن فيه، فلم يثبت عمل المشهور بالرواية بما أنّها رواية معتبرة، فعلي القول بعدم جواز تأخير إجراء الحدود لا بدّ من القول بعدم التأخير، و اللّٰه العالم.

(4) كما يدلّ علي هذا التفصيل موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

تدفن المرأة إلي وسطها ثمّ يرمي الإمام و يرمي الناس بأحجار صغار، و لا يدفن الرجل إذا رجم إلّا إلي حقويه «1»

، فالرواية معتبرة السند لكونها موثّقة، و ظاهرها: أنّ الدفن واجب، و أنّ مبلغه في الرجل و المرأة مختلف؛ ففي الرجل لا يتجاوز الحقوين و هما موضع شدّ الإزار

و هو الخاصرة، كما عن «مجمع البحرين» و في المرأة إلي وسطها، و الظاهر من الوسط و لا سيّما إذا وقع قبال الحقوين هو ما في المتن؛ أعني فوق ألحقوه تحت الصدر.

ثمّ إنّ الموثّقة مطلقة من حيث ثبوت الزنا بالبيّنة و العلم أو بالإقرار، و قوله

ثمّ يرمي الإمام و يرمي الناس

ظاهر في أنّه أُريد منه أنّه بعد الدفن يأخذون في الرمي، و ليس ظاهراً في أنّه ثمّ يبتدأ الإمام بالرمي لكي تختصّ بصورة ثبوته بالإقرار، و إلّا لكان البادئ هي البيّنة.

ثمّ إنّ الموثّقة و إن لم تتعرّض إلّا لوجوب الدفن المجتمع مع عدم حفر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 99، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 264

______________________________

الحفيرة أيضاً؛ لتحقّقه بجعل الزاني علي سطح الأرض و صبّ التراب مثلًا حوله إلي المبلغ المذكور، إلّا أنّ ذكر الحفر و الحفيرة في كثير من أخبار الباب يوجب انصراف هذه الموثّقة أيضاً إليها، فالموثّقة كافلة بإثبات جميع أبعاد حكم المسألة.

و يؤكّدها في حكم المرأة موثّقة أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

تدفن المرأة إلي وسطها إذا أرادوا أن يرجموها، و يرمي الإمام ثمّ يرمي الناس بأحجار صغار «1»

، و كيفية دلالتها و حدودها تعرف ممّا سبق. و احتمال الاختصاص بالمُقرّ هنا أضعف؛ لأنّ غاية مدلولها تأخّر رمي الناس عن رمي الإمام، فيجتمع مع كلتا صورتي بدأة الإمام بالرمي قبل كلّ أحد كما في الثبوت بالإقرار و بدأته بعد البيّنة علي ما لا يخفي.

و أمّا رواية أبي مريم عن الباقر (عليه السّلام) الواردة في كيفية رجم علي (عليه السّلام) للمرأة المُقرّة بالزنا بقوله (عليه السّلام)

ثمّ أمر بها بعد ذلك،

فحفر لها حفيرة في الرحبة و خاط عليها ثوباً جديداً و أدخلها الحفيرة إلي الحقو و موضع الثديين و أغلق باب الرحبة و رماها.

الحديث «2».

فربّما يستظهر منها وجوب بلوغ موضع الثديين، و هو ينافي الموثّقين، أو يكون شاهداً علي أنّ المراد من الوسط فيهما هو الصدر، كما نسب القول

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 98، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 107، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 265

______________________________

بوجوب كونه إلي الصدر فيها إلي المشهور في «الجواهر»، لكنّه مبني علي كون النسخة ما ذكرناه.

إلّا أنّ المذكور في «الوافي» و «الجواهر» و بعض نسخ الفقيه

و أدخلها الحفرة إلي الحقو، دون موضع الثديين

، و عليها فدون الثديين منطبق علي الوسط بالمعني الذي ذكرناه ذيل الموثّقة، و مع اختلاف النسخ فلا حجّة علي خلاف ما استظهرناه في الموثّقة.

هذه هي عمدة أخبار الباب، و أمّا غيرها الوارد من طرقنا فلا تعرّض فيه إلّا لأصل الحفر أو الدفن و لا يعارض أخبارنا، و ما ورد من طريق غيرنا فليس فيه معتبر السند حتّي يعارض ما ذكرناه.

و أقوال الأصحاب و إن اختلفت هنا من حيث جعل الكيفية مطلقاً مستحبّة كما في «المسالك»، و نفي وجوب الحفر إذا ثبت بالإقرار كما عن ابن حمزة، و عدم ذكر الدفن مطلقاً كما عن الصدوقين و الديلمي و ابن سعيد، بل التصريح بعدم الدفن إذا ثبت بالإقرار كما عن «كافي» أبي الصلاح و «غنية» أبي المكارم، أو التصريح بعدم وجوب دفن الرجل مطلقاً و لا المرأة إلّا إذا ثبت زناها بالبيّنة كما عن المفيد، و هكذا الأمر في

عمق الحفيرة؛ فقد نسب إلي الأشهر بل المشهور أنّه إلي الحقو في الرجل و إلي الصدر في المرأة كما في «الرياض» و «الجواهر»، و عن «مقنع» الصدوق أنّ الحفر للرجل بمقدار ما يقوم فيه إلي عنقه، و عن «مقنعة» المفيد أنّ الحفر لكلّ من الرجل و المرأة إلي الصدر، و عن «المراسم» أنّه له إلي الصدر و لها إلي الوسط، إلّا أنّ هذه الاختلافات إنّما تكون شاهدة علي أنّ المسألة اجتهادية؛ فالمتّبع فيها ما نستفيده من أخبار الباب، و هو ما عرفت.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 266

فإن فرّ أو فرّت من الحفيرة ردّا إن ثبت الزنا بالبيّنة، و إن ثبت بالإقرار فإن فرّا بعد إصابة الحجر و لو واحداً لم يردّا، و إلّا ردّا (5).

______________________________

(5) لا خلاف يوجد، بل ادّعي الإجماع علي وجوب إعادتهما لإقامة الرجم فيما إذا ثبت الزنا بالبيّنة، كما أنّه لم يوجد خلاف في عدم إعادتهما إذا ثبت بالإقرار و كان الفرار بعد أن أصابهما الحجارة، و إنّما الخلاف فيما ثبت بالإقرار و كان الفرار قبل إصابة الحجارة؛ فالمحكي عن إطلاق المفيد و أبي الصلاح و سلّار و ابن سعيد و جماعة، بل عن «الروضة» دعوي الشهرة علي عدم الردّ، كما أنّ المحكي عن «نهاية» الشيخ و «الوسيلة» و الإسكافي و القاضي وجوب الردّ، و عن الحلّي في «السرائر» و العلّامة في «التحرير» و الصيمري التردّد، و منشأ الخلاف اختلاف أخبار الباب.

فنقول: لا ريب في أنّ مقتضي إطلاق أدلّة الحدود وجوب إجرائها و عدم سقوط التكليف بها إلّا بالامتثال، و لازمه أن يجب ردّهما في جميع الصور و الفروض مقدّمة لإجراء الحدّ الواجب. و لو احتمل سقوطها و فرض عدم

إطلاق لأدلّتها فالاستصحاب يحكم بعدم السقوط، إلّا أنّ فرض عدم الإطلاق خلاف الواقع و ضعيف جدّاً.

كما أنّه لا ريب في أنّه إذا ثبت الزنا بالإقرار و كان الفرار بعد مسّ الحجارة فلا يردّ؛ فإنّه القدر المتيقّن من جميع الأخبار و صريح مورد موثّقة أبي العبّاس؛ فإنّها وردت في المقرّ و فيها

فلمّا أن وجد مسّ الحجارة خرج يشتدّ.

إلي أن قال

فقال (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): هلّا تركتموه.

الحديث «1»، و قد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 102، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 15، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 267

______________________________

صرّح به أيضاً في خبر الحسين بن خالد الآتي؛ فلا إشكال في تقييد الإطلاقات هاهنا.

كما أنّ المتيقّن من الأخبار الخاصّة وجوب الردّ إذا ثبت الزنا بالبيّنة و كان الفرار قبل مسّ الحجارة، كما يظهر بأدني تأمّل فيها؛ فالإطلاقات فيها باقية و الأخبار الخاصّة مؤكّدة.

و أمّا الفرار قبل مسّها فيما ثبت بالإقرار أو بعده فيما ثبت بالبيّنة فالأخبار بالنسبة إليهما علي طوائف ثلاث:

الاولي: ما تدلّ علي أنّ ملاك الردّ و عدمه هو إصابة الحجارة و عدمها؛ ففي خبر أبي بصير الذي لا يضرّ باعتبار سنده إرسال مثل صفوان، الذي لا يروي إلّا عن ثقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: المرجوم يفرّ من الحفيرة فيطلب؟ قال

لا و لا يعرض له، إن كان أصابه حجر واحد لم يطلب، فإن هرب قبل أن تصيبه الحجارة ردّ حتّي يصيبه ألم العذاب «1»

، فتري أنّ مفروض السؤال مطلق المرجوم الشامل لمن يثبت زناه بالبيّنة أو الإقرار أو غيرهما، و أفاد (عليه السّلام) أنّ الملاك في مطلقه إصابة الحجارة و عدمها.

و مثله ما رواه الصدوق في

«الفقيه» عن صفوان عن غير واحد عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أنّه إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يردّ، و إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 102، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 15، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 268

______________________________

لم يكن أصابه ألم الحجارة ردّ «1»

، بل الظاهر: أنّه هو بعينه و الاختلاف إنّما هو في مجرّد الألفاظ.

الطائفة الثانية: ما أرسله الصدوق في «فقيهة» بقوله: و سئل الصادق (عليه السّلام) عن المرجوم يفرّ، قال

إن كان أقرّ علي نفسه فلا يردّ، و إن كان شهد عليه الشهود يردّ «2»

، فموضوع السؤال فيه مطلق، و قد أجاب بأنّه مع الإقرار لا يردّ و مع البيّنة يردّ، و كلاهما مطلق من حيث إصابة الحجارة و عدمها، كما أنّه لا تعرّض فيه للثبوت بغيرهما كالعلم.

فالمتيقّن من الطائفتين: أنّ المقرّ الذي فرّ بعد الإصابة لا يردّ و أنّ المشهود عليه الذي فرّ قبل الإصابة يردّ، و تتعارضان في مقرّ فرّ قبل الإصابة و في مشهود عليه فرّ بعد الإصابة؛ فالطائفة الأُولي تقتضي بإطلاقها وجوب ردّ الأوّل و عدم ردّ الثاني، و الطائفة الثانية بالعكس، إلّا أنّ الطائفة الثانية مرسلة و لا طريق إلي اعتبار سندها إلّا أنّ الصدوق رواها في «فقيهة» الذي ضمن صحّة ما فيه؛ لا سيّما و أسنده إلي الصادق (عليه السّلام) بتّاً.

الطائفة الثالثة: خبر الحسين بن خالد الذي قد يقال بصحّة سنده قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): أخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يردّ حتّي يقام عليه الحدّ؟ فقال

يردّ و لا يردّ

، فقلت: و كيف ذاك؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 103، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا،

الباب 15، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 28: 103، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 15، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 269

______________________________

فقال

إن كان هو المقرّ علي نفسه ثمّ هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي ء من الحجارة لم يردّ، و إن كان إنّما قامت عليه البيّنة و هو يجحد ثمّ هرب ردّ و هو صاغر حتّي يقام عليه الحدّ؛ و ذلك أنّ ماعز بن مالك أقرّ عند رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بالزنا فأمر به أن يرجم، فهرب من الحفرة فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله فسقط فلحقه الناس فقتلوه، ثمّ أخبروا رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بذلك فقال لهم: فهلّا تركتموه؟! إذا هرب يذهب؛ فإنّما هو الذي أقرّ علي نفسه و قال لهم: أما لو كان علي (عليه السّلام) حاضراً معكم لما ضللتم

، قال

و وداه رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن بيت مال المسلمين «1»

، فصدر الرواية صريح في أنّ المقرّ إذا فرّ بعد الإصابة لا يردّ، و قد عرفت أنّه المتيقّن من سائر أخبار الباب أيضاً.

و ربّما يقال: بأنّ تقييد المقرّ بأن يكون هرب بعد الإصابة دالّ بالمفهوم علي أنّه يردّ إذا هرب قبلها، فيقيّد به إطلاق الطائفة الثانية. و ربّما يقال: بأنّ عدم ذكر هذا القيد في الفقرة الثانية أعني قوله (عليه السّلام)

و إن كان إنّما قامت عليه البيّنة

مع ظهور أنّ مرجع ضمير «كان» و «عليه» و غيرهما هو المحصن المذكور في كلام السائل الشامل للمصاب و غيره. و تعليل عدم الردّ بقوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

فإنّما هو الذي أقرّ علي نفسه

الشامل

لكليهما أيضاً دالّ علي أنّ ملاك عدم الردّ هو مجرّد أن يثبت زناه بالإقرار إصابة الحجارة قبل الفرار أم لا و حينئذٍ فيكون ذكر قيد

بعد ما يصيبه شي ء من الحجارة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 101، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 15، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 270

______________________________

لمكان الإشارة إلي سرّ الفرار و الداعي الغالبي إليه؛ خصوصاً للمقرّ المسلم نفسه للحدّ، لا لكونه دخيلًا في حكم سقوط الرجم بعد الفرار، هذا.

و الإنصاف: أنّه كما أنّ كون ذكر القيد لأنّه غالبي محتمل فهكذا استناد حذفه في الفقرة الثانية اعتماداً إلي ذكره أوّلًا محتمل؛ و عليه فكلا شقّي الرواية مفروض في صورة الإصابة، و لا محالة يكون مفروض قصّة ماعز أيضاً هذه الصورة كما صرّح به في موثّقة أبي العبّاس فيكون مفاد التعليل بيان سرّ الفرق في الذي فرّ بعد الإصابة بين صورة الإقرار و صورة قيام البيّنة؛ فلا عموم في التعليل أيضاً.

و بالجملة: فهذا الخبر محتمل الوجهين، و لا حجّة فيه لعموم حكم عدم الردّ في المقرّ حتّي لصورة عدم الإصابة أيضاً حتّي يقيّد به إطلاق مصحّحة أبي بصير الماضية، بل إطلاق المصحّحة حجّة و يحكم به بعدم سقوط الحدّ عمّن لم يصبه الحجارة؛ سواء ثبت زناه بالإقرار أو البيّنة.

و أمّا مَن أصابته الحجارة و فرّ و كان قد ثبت زناه بالبيّنة فربّما يقال بأنّه مورد التعارض بين الصدر و الذيل من خبر ابن الخالد، كما كان مورد تعارض الطائفتين أيضاً.

لكن الحقّ: أنّ الخبر دالّ علي وجوب ردّه؛ و ذلك أنّ المتيقّن من الفقرة الأُولي المفروضة في صورة الإقرار هو مَن أصابته الحجارة، و ظاهره إبداء الفرق بين هذه الصورة و مشابهتها

الثابت فيها الزنا بالبيّنة بأنّه الذي أقرّ علي نفسه، فيدلّ دلالة واضحة علي أنّه يردّ، و لا يرفع اليد عنه إذا ثبت بالبيّنة، و إلّا فلو كان هو أيضاً لا يردّ إذا فرّ بعد الإصابة لما كان بين الصورة المذكورة في الصدر المفروض ثبوتها بالإقرار و الصورة

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 271

و في قول مشهور: إن ثبت بالإقرار لا يردّ مطلقاً، و هو أحوط (6). هذا في الرجم، و أمّا في الجلد فالفرار غير نافع فيه، بل يردّ و يحدّ مطلقاً (7).

______________________________

المقابلة لها المفروض ثبوته بالبيّنة فرقاً، و هو كخلاف صريحه؛ فالخبر أيضاً يدلّ علي عدم سقوط الحدّ عمّن فرّ بعد الإصابة إذا ثبت زناه بالبيّنة، و يكون مؤكّداً للإطلاقات.

فالأقوي: هو وجوب ردّه إذا فرّ قبل إصابة الحجارة مطلقاً سواء ثبت بالإقرار أو العلم أو البيّنة عملًا بإطلاق المصحّحة الذي لا معارض و لا مقيّد له، و يؤكّده و يؤيّده الإطلاقات. و إذا فرّ بعد إصابتها فإطلاقها يقتضي عدم ردّه مطلقاً، و الخارج عنه خصوص صورة ثبوت الزنا بالبيّنة، فيبقي غيرها تحته، فيسقط الحدّ الرجم عمّن إصابة الحجارة إذا فرّ و كان ثبوت زناه بالعلم أو الإقرار.

(6) كونه أحوط لأنّ فيه ترك التهجّم علي الدماء، و إلّا فقد عرفت أن لا حجّة لرفع اليد عن إطلاق مصحّحة أبي بصير؛ لعدم ثبوت الشهرة بحدّ توجب حجّية مرسل الصدوق؛ لا سيّما و يحتمل استنادهم إلي تعليل خبر الحسين بن خالد الذي عرفت الكلام فيه، و بالجملة فلا نري لما جعله أحوط مجوّزاً.

(7) بلا خلاف كما في «الرياض»، و بلا خلاف أجده فيه كما في «الجواهر». و الحجّة عليه ما عرفت من أنّه مقتضي إطلاق أدلّة

الحدود، و يؤيّده خبر عيسي بن عبد اللّٰه عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض الحدّ، أ يجب عليه أن يخلا عنه و لا يردّ كما

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 272

[مسألة 3 إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام (عليه السّلام) ثمّ الناس]

مسألة 3 إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام (عليه السّلام) ثمّ الناس، و إذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة ثمّ الإمام (عليه السّلام) ثمّ الناس (8).

______________________________

يجب للمحصن إذا رجم؟ قال

لا، و لكن يردّ حتّي يضرب الحدّ كاملًا

، قلت: فما الفرق بينه و بين المحصن و هو حدّ من حدود اللّٰه؟ قال

المحصن هرب من القتل و لم يهرب إلّا إلي التوبة؛ لأنّه عاين الموت بعينه، و هذا إنّما يجلد فلا بدّ أن يوفي الحدّ؛ لأنّه لا يقتل «1»

، و دلالته علي المطلوب كما تري واضحة و إن كان التعليل المذكور ليس ممّا يتمّ الاستدلال به بنفسه؛ و لذا تركنا التعرّض له في أدلّة أصل المسألة.

(8) و قد نسب القول بمضمون المسألة إلي ظاهر الأكثر، و إنّ في صريح «الخلاف» و ظاهر «المبسوط» الإجماع عليه؛ قال في «الخلاف» (مسألة 15): إذا حضر الإمام و الشهود موضع الرجم فإن كان الحدّ ثبت بالإقرار وجب علي الإمام البدأة به ثمّ يتبعه الناس، و إن كان ثبت بالبيّنة بدأ أوّلًا الشهود ثمّ الإمام ثمّ الناس، و قال أبو حنيفة مثل ذلك، و قال الشافعي: لا يجب علي واحد منهم البدأة بالرجم. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم و طريقة الاحتياط. إلي آخره.

و الدليل عليه: ما رواه المشايخ الثلاثة عن صفوان عمّن رواه عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 140، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ

الزنا، الباب 35، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 273

______________________________

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام ثمّ الناس، فإذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة ثمّ الإمام ثمّ الناس «1»

، و حيث إنّ هذا التفصيل خلاف الإطلاقات فيعلم أنّ مستند المشهور أو الإجماع هذه الرواية التي كانت بأيديهم، فضعف إرسال سندها ينجبر بعمل القوم، مضافاً إلي أنّ المرسِل هو صفوان الذي لا يروي إلّا عن ثقة فلا إشكال في سندها، و دلالتها علي وجوب الكيفية المذكورة واضحة.

و أمّا ما في موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

تدفن المرأة إلي وسطها ثمّ يرمي الإمام و يرمي الناس بأحجار صغار.

الحديث «2» فلا يخالف هذه الرواية؛ إذ ظاهر الموثّقة مجرّد بيان لزوم تأخّر الرمي و ترتّبه علي الدفن في الحفيرة، فلا ينافي وجوب رعاية ترتيب خاصّ في رمي الرامين. و مثله موثّقة أبي بصير عنه (عليه السّلام)

تدفن المرأة إلي وسطها إذا أرادوا أن يرجموها، و يرمي الإمام ثمّ يرمي الناس بعد بأحجار صغار «3»

؛ فإنّ ظاهرها بيان وجوب ترتّب رمي الناس علي رمي الإمام و كونه بعده، فلا ينافي ترتّب رميه (عليه السّلام) في بعض الموارد علي رمي البيّنة. و قد مرّت الموثّقتان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 99، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 99، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 28: 98، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 274

[مسألة 4 يجلد الرجل الزاني قائماً مجرّداً من ثيابه]

مسألة 4 يجلد الرجل الزاني قائماً (9) مجرّداً من ثيابه إلّا

ساتر عورته، و يضرب أشدّ الضرب، و يفرّق علي جسده من أعالي بدنه إلي قدمه، و لكن يتقي رأسه و وجهه و فرجه. و تضرب المرأة جالسة، و تربط عليها ثيابها،

______________________________

ذيل المسألة الأُولي فتذكّر. و لو سلّم لهما ظهور في الخلاف فهو ظهور إطلاقي قابل للتقييد برواية المسألة، كما لا يخفي.

و أمّا قصّة رجم ماعز بن مالك المقرّ بالزنا عند النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) حيث إنّ ظاهر الأخبار الحاكية لها أنّه لم يحضره النبي و لا الوصي، صلوات اللّٰه و سلامه عليهما.

فلا دليل علي عدم بدأته بالرجم أوّلًا؛ لاحتمال أن يكون حاضراً بادئاً بالرجم ثمّ غاب عنهم حينما فرّ ماعز، و هو قضية في واقعة خاصّة ثانياً فربّما كان عدم حضوره لعذر مثلًا.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف ما في «المسالك» هنا بقوله: «و يحتمل حمل ذلك علي الاستحباب؛ لضعف المستند عن إثبات الوجوب، و للأخبار المستفيضة بقصّة ماعز، و أنّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يحضر رجمه فضلًا عن بدأته به، انتهي.

(9) إنّ المسألة قد تعرّضت لاعتبار أُمور أربعة في كيفية الجلد؛ اثنان منها مختصّان بالرجل الزاني و الآخران مشتركان بين الرجل و المرأة:

فمنها: كون المجلود قائماً، و هو مختصّ بالرجل و إلّا فالمرأة تضرب جالسة، و الظاهر أنّه لا خلاف فيه بحسب الفتوي، و لا إشكال فيه من حيث النصوص فإنّ موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

يضرب الرجل

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 275

______________________________

الحدّ قائماً و المرأة قاعدة، و يضرب علي كلّ عضو و يترك الرأس و المذاكير

، و في نقل الصدوق و الشيخ

و يترك الوجه و المذاكير «1»

دالّة علي اعتبار القيام فيه

دونها، بل يعتبر قعودها حال الجلد.

و منها: كونه مجرّداً، و هو أيضاً مختصّ بالرجل و إلّا فالمرأة تربط عليها ثيابها، و هو محلّ خلاف بين الأصحاب في كليهما، أمّا بالنسبة إلي الرجل فباعتبار التجريد أفتي الفاضلان و الشهيد الثاني في «شرح اللمعة» و ادّعي الصيمري في «غاية المرام» أنّه المشهور، و لكن عن الشيخ و جماعة بل ادّعي عليه الشهرة جماعة، بل عن ظاهر «الغنية» الإجماع عليه أنّه يضرب علي الحالة التي وجد عليها؛ عارياً كان أم كاسياً، و نسبه «المسالك» إلي الأكثر. و أمّا بالنسبة إلي المرأة فالمنقول عن الأصحاب اعتبار أن تربط عليها ثيابها، و عن الصدوق في «المقنع» أنّها أيضاً تجلد علي الحالة التي وجد عليها، كاسية كانت أم عارية.

و الظاهر: أنّ منشأ الخلافين هو الأخبار؛ ففي موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الزاني كيف يجلد؟ قال

أشدّ الجلد

، فقلت: من فوق الثياب؟ فقال

بل يجرّد «2».

و مثله صدر موثّقه الآخر «3»، و في مضمرة أبي بصير سألته عن السكران و الزاني، قال

يجلدان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 91، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 92، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 28: 92، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 276

______________________________

بالسياط مجرّدين بين الكتفين، فأمّا الحدّ في القذف فيجلد علي ما به ضرباً بين الضربين «1».

و في قباله خبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه (عليهما السّلام) قال

لا يجرّد في حدّ و لا يشنح

يعني يمدّ و قال

و يضرب الزاني علي الحال التي وجد عليها؛

إن وجد عرياناً ضرب عرياناً و إن وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه «2».

فالموضوع في كلا الخبرين هو الزاني و قد اعتبر تجريده من ثيابه في الأوّل و اعتبر رعاية الحال التي وجد عليها في الثاني، و هما متعارضان، و إن كان المتيقّن منهما اعتبار التجريد إذا وجد عرياناً؛ ففي هذه الصورة لا إشكال في لزوم تجريده، و في غيرها يتعارض الخبران.

و حينئذٍ: فلعلّ وجه إفتاء المتن بمفاد موثّقة إسحاق أنّه لا يري اعتباراً لطلحة بن زيد بلحاظ أنّ المسلّم إنّما هو اعتبار كتابه كما قاله الشيخ، و هو لا يدلّ علي اعتباره بنفسه و كونه ثقة، و لم يعلم أنّ هذا الخبر أُخذ من كتابه، و عليه فخبر طلحة غير معتبر، و اللازم هو الأخذ بموثّق إسحاق بن عمّار.

و أمّا إن قلنا بظهور كلام الشيخ في توثيق نفسه أيضاً كما لعلّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 231، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المسكر، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 93، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 277

______________________________

الأظهر فقد يجعل خبر طلحة دليلًا لتقييد إطلاق الموثّقة بخصوص ما إذا وجد عرياناً، لكنّه جمع غير عرفي، بل هما متعارضان و الشهرة مع خبر طلحة؛ فيؤخذ به و يترك الموثّقة.

و عندئذٍ: يقع الكلام في المراد بالحال التي وجد عليها، أ هي حالة زناه، أم حالته التي رأوه الناس عليها حال الزنا، أو لأوّل مرّة بعد ما ثبت أو سمع زناه؟ و لعلّ الأظهر هو الأوّل، و حيث إنّ المنقول إلينا «وجد» فلا مجال لاحتمال أن يقرأ «أُخذ» بإعجام الخاء و الذال، و اللّٰه العالم.

هذا

كلّه بالنسبة إلي الرجل، و أمّا المرأة فمستند قول الصدوق أنّ خبر طلحة مطلق شامل للرجل و المرأة، و دليل المشهور هو انصراف دليل وجوب التجريد عن المرأة الزانية، مع ما علم من مذاق الشرع من شدّة تحفّظه علي ستر المرأة؛ و لذلك أيضاً اعتبر فيها الجلوس حال إجراء الجلد عليها. و يؤيّده ما ورد في خبر أبي مريم الوارد في رجم المرأة المقرّة بالزنا من أنّ علياً (عليه السّلام) أمر بها و خاط عليها ثوباً جديداً ثمّ رجمها «1»، و هذا هو الأظهر فيجب ربط ثيابها عليها؛ لأنّها عورة.

هذا بالنسبة إلي غير القبل و الدبر، و أمّا فيهما فلا ريب في أنّ الأمر بالتجريد منصرف عنهما، و هما باقيان علي وجوب تستّرهما، كما هو واضح.

و منها: أنّه يضرب أشدّ الضرب، و هو مشترك بين الرجل و المرأة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 107، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 278

______________________________

و اعتبار هذا الأمر هو المشهور كما في «المسالك»، و فيه عن بعض الأصحاب أنّه يضرب ضرباً متوسّطاً، لكن في «الجواهر» أنّه لم نتحقّق هذا البعض، و في «الرياض» أنّه شاذّ.

و كيف كان: فيدلّ علي اعتباره موثّقا إسحاق عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) و قد مضيا، و موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود «1»

، و قد جعل اعتباره مفروضاً في رواية علل عن محمّد بن سنان عن الرضا (عليه السّلام) و علّله بقوله (عليه السّلام)

و علّة ضرب الزاني علي جسده بأشدّ الضرب لمباشرته الزنا و استلذاذ الجسد كلّه به، فجعل الضرب عقوبة له و عبرة لغيره، و

هو أعظم الجنايات «2».

و بالجملة: فدلالة هذه الأخبار علي اعتباره لا إشكال فيه، إلّا أنّ في خبر حريز عمّن أخبره عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال

يفرّق الحدّ علي الجسد كلّه، و يتقي الفرج و الوجه، و يضرب بين الضربين «3»

، فقد صرّح بأنّه يضرب بين الضربين، و هو عبارة أُخري عن التوسّط، لكنّه عامّ لكلّ ضرب يضرب حدّا، و الأخبار السابقة خاصّ بالزنا فيخصّص بها، مضافاً إلي أنّه مرسل غير حجّة لا يقوم دليلًا علي خلافها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 92، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 94، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 28: 93، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 279

______________________________

ثمّ إنّ المفهوم منها: أنّ كونه أشدّ الضرب إنّما هو لأنّه أعظم الجنايات أو لأنّه زنا؛ و لذلك لا يفهم الاختصاص بالرجل بوجه؛ فيعمّه و المرأة كما هو مقتضي إطلاقات القوم أيضاً.

و منها: أنّه يفرّق علي جميع الجسد إلّا الرأس و الوجه و الفرج، فأصل التفريق علي جميع الجسد لم ينقل فيه خلاف، و لا إشكال فيه بعد دلالة موثّقة زرارة عن الباقر (عليه السّلام) و قد مضي نقلها في الاستدلال علي اعتبار كونه قائماً و يؤيّده إطلاق خبر حريز الماضي آنفاً، و إطلاقها شامل لكلّ من الزاني و الزانية.

و أمّا موارد الاستثناء فاستثناء الفرج ممّا لم ينقل فيه خلاف و لا إشكال بعد التصريح به بعنوان المذاكير في الموثّقة و بعنوان الفرج في خبر حريز، و أمّا استثناء الوجه و الرأس: فاستثناء الوجه أيضاً لم يذكر

فيه خلاف، و أمّا الرأس فاستثناؤه علي المشهور كما في «الرياض»، و إلّا فعن الشيخ في «المبسوط» الاقتصار علي استثناء الوجه و حكي فيه استثناء الرأس قولًا، و قال في «الخلاف» (مسألة 12): يفرّق حدّ الزاني علي جميع البدن إلّا الوجه و الفرج، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: إلّا الوجه و الفرج و الرأس.

دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، انتهي. فتراه ادّعي الإجماع علي استثناء خصوص الوجه في مقابل أبي حنيفة.

و أمّا بحسب الأخبار: فقد اقتصر علي استثناء خصوص الوجه خبر حريز الماضي، و مثله خبر محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السّلام) قال

الذي يجب عليه الرجم يرجم من ورائه و لا يرجم من وجهه؛ لأنّ الرجم و الضرب

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 280

و لو قتله أو قتلها الحدّ فلا ضمان (10).

______________________________

لا يصيبان الوجه، و إنّما يضربان علي الجسد علي الأعضاء كلّها «1».

و قد يقال: بأنّ لازمهما وجوب التفريق علي الرأس أيضاً؛ لحكمهما بوجوب التفريق علي جميع الجسد إلّا الوجه، فالرأس باقٍ في المستثني منه، إلّا أنّ المذكور في موثّقة أبان التي نقلناها ذيل اعتبار كونه قائماً

يترك الرأس و المذاكير

، لكنّه علي نقل خصوص «الكافي»، و إلّا فقد نقله الشيخ و الصدوق بعبارة

يترك الوجه و المذاكير

، فيتعارض النقلان.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المفهوم عرفاً من استثناء كلّ منهما استثناء كليهما، فلا يكون خلاف في مفاد الأخبار، و لعلّه الأظهر، و هو ملاك فتوي الماتن دام ظلّه.

(10) كما في «المختصر النافع» و عن «السرائر» علي ما في «الرياض».

و يدلّ عليه خبر الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

من ضربناه حدّا من حدود اللّٰه فمات فلا دية

له علينا، و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فإنّ ديته علينا «2»

، و رواه الصدوق عنه (عليه السّلام) مرسلًا «3»، و معتبر معلّي بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 101، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 29: 64، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 24، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 28: 17، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 3، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 281

[مسألة 5 ينبغي للحاكم إذا أراد إجراء الحدّ أن يعلم الناس]

مسألة 5 ينبغي للحاكم إذا أراد إجراء الحدّ أن يعلم الناس ليجتمعوا علي حضوره، بل ينبغي أن يأمرهم بالخروج لحضور الحدّ (11)،

______________________________

قال

من قتله القصاص أو الحدّ لم يكن له دية «1».

و في صحيح أبي الصبّاح الكناني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

من قتله الحدّ فلا دية له «2»

إلي غير ذلك، و شمول عموم أو إطلاق الجميع لما نحن فيه واضح.

(11) قال في «الجواهر»: لا إشكال و لا خلاف في أنّه ينبغي للإمام و من قام مقامه إذا أراد استيفاء الحدّ أن يعلم الناس ليتوفّروا علي حضوره، انتهي. و استدلّ لاستحبابه بل استحباب أن يأمرهم بالحضور بفعل علي (عليه السّلام) حين أراد إجراء الحدّ علي الامرأة المقرّة و الرجل المقرّ بالزنا، فيستحبّ للحاكم المأمور بإجراء الحدّ تأسّياً به (عليه السّلام).

و فيه أوّلًا: أنّه (عليه السّلام) لم يأمرهم بالحضور المطلق، بل مقيّداً بأن يكونوا متنكّرين لا يعرف أحدهم صاحبه، فلعلّ غرضه (عليه السّلام) تعلّق بهذا التنكّر لأن ينبّههم علي سوء فعالهم و ينتهوا عن المعاصي فيما بينهم و بين اللّٰه، فلا دليل فيه علي مطلوبية الإعلام

أو الأمر بالحضور.

و ثانياً: أنّ مورده إجراء حدّ الرجم لا مطلق حدّ الزنا، فراجع أخبار

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 65، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 24، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 29: 63، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 24، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 282

______________________________

الباب في «الوسائل» الباب 31 من مقدّمات الحدود و أحكامها.

و استدلّ أيضاً بقوله تعالي وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «1»، استدلّ به صاحب «المسالك»، و قرّره عليه بعض الأعاظم في كتاب حدوده.

و الاستدلال كما أفاده هذا البعض مبني علي كون الأمر في الآية للاستحباب، و تقريبه: أنّ إجراء الحدّ بشرائطه و آدابه من وظائف الحاكم، فإذا استحبّ شهود طائفة لإجرائه استحبّ عليه من باب المقدّمة إعلام الناس، بل أمرهم بالحضور حتّي يتحقّق ما هو المستحبّ الأصلي.

و فيه: أنّ المدّعي استحباب إعلام الناس ليتوفّروا و يجتمعوا علي حضوره، و لا محالة يدّعي استحبابه حتّي فيما علم بحضور الطائفة بأقلّ مقدار الصدق، و من المعلوم أنّ الدليل قاصر عن الدلالة علي الاستحباب هنا؛ لفرض حصول المأمور به فيه بلا حاجة إلي الإعلام، و بالجملة فالدليل أخصّ من المدّعي.

و استدلّ له أيضاً: بأنّ في الإعلام و اجتماع الناس زجراً للمحدود و اعتباراً للغير، و هو ما يقتضيه حكمة الحدود. و بعبارة اخري: إنّ العقل حاكم بأنّ إصلاح محيط الاجتماع الإنساني مطلوب مهما أمكن، و المستفاد من أدلّة النهي عن المنكر و أدلّة الحدود أنّ الشارع أيضاً طالب لهذا الإصلاح، و حيث إنّ اجتماع الناس مهما كان أكثر كان صلاح المحيط أشدّ و آكد فينبغي للحاكم السعي إلي حصول هذا المطلوب بأيّ وجه ممكن؛

______________________________

(1) النور (24): 2.

مباني تحرير الوسيلة

- كتاب الحدود، ص: 283

و الأحوط حضور طائفة من المؤمنين (12) ثلاثة أو أكثر (13)،

______________________________

و منه إعلام الناس لأن يشهدوا عذابه.

(12) ظاهر المتن التردّد في وجوب حضور الطائفة، و أنّه واجب من باب الاحتياط. و للأصحاب فيه قولان: فالمحقّق في «النافع» و ابن إدريس و جماعة اخري علي الوجوب، و الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و المحقّق في «الشرائع» علي الاستحباب؛ قال في «الخلاف» (مسألة 11): يستحبّ أن يحضر عند إقامة الحدّ علي الزاني طائفة من المؤمنين بلا خلاف؛ لقوله تعالي وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، ثمّ تعرّض لمقدار الطائفة، انتهي.

أقول: إنّ ظاهر الأمر في الآية الكريمة أنّ حضور الطائفة عند إجراء عذابهما واجب؛ فلا بدّ من الأخذ به. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ دعوي عدم الخلاف في استحبابه الواقعة في كلام الشيخ تدلّ علي أنّه كان عند القوم قرينة عدلوا بها عن القول بالوجوب، و إلّا فحجّية الأمر في الوجوب أمر يعلمه كلّ أحد، إلّا أن يكون مراده نفي خلاف العامّة فيه، و أنّه ممّا وافق فيه العامّة فتوي الشيخ بالاستحباب، لا أنّ الأصحاب لا خلاف بينهم أيضاً في الاستحباب؛ و لذلك تردّد الماتن و قال: «إنّ الأحوط حضور الطائفة».

(13) ظاهرها: أنّ أقلّ مصداق الطائفة ثلاثة، و هو المنسوب إلي الحلّي، قال في «الرياض»: و إلي هذا القول يميل الفاضل في «المختلف» و المقداد في «التنقيح» و شيخنا في «الروضة» حيث رجّحوا العرف، و دلالته علي الثلاثة فصاعداً واضحة، كما صرّح به في «الروضة»، انتهي. و في

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 284

و ينبغي أن يكون الأحجار صغاراً (14)، بل هو الأحوط، و لا يجوز بما لا يصدق عليه الحجر كالحصي، و

لا بصخرة كبيرة تقتله بواحدة أو اثنتين،

______________________________

«الخلاف»: أنّ أقلّها عشرة، و في «النافع» و «الشرائع»: أنّ أقلّها واحد، و حكي القول به عن جمع، فراجع.

أقول: بناءً علي أنّ الظاهر منها عرفاً الثلاثة فصاعداً فاللازم المصير إليه إذا لم يكن دليل علي خلافه، و لعلّه لذلك اختاره الماتن دام ظلّه إلّا أنّه قد دلّت موثّقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليهم السّلام) في حديث في قوله تعالي وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قال

الطائفة واحد «1»

، علي أنّ أقلّ مصداق الطائفة واحد، و هي معتبرة لا بدّ من القول بمضمونها، و لعلّه دام ظلّه اعتمد علي ما في «الجواهر» من التعبير عنها بالمرسل فلم ير له حجّية، و اعتمد علي ما قيل: إنّه ظاهرها عند العرف. و كيف كان: فالرواية موثّقة بلا إشكال، و اللازم هو القول بمفادها.

(14) المذكور و الواجب في الحدّ هنا أن يكون رجماً، و الرجم هو الرمي بالرجام أعني الحجارة فهو مرادف في الفارسية ل «سنگسار كردن»؛ فلا محالة لا يصدق عنوانه إلّا أن يكون الرمي بالأحجار، و أن يتعدّد الأحجار بحيث يصدق الرجم. فلو قتله بحجر كبير فليس هذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 93، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 285

______________________________

رجماً، كما أنّه لو كان الرمي بحصاة لا يصدق عليها الحجارة لما كان رجماً، بل مصداقه أن يكون بأحجار معتدلة، فهو مخيّر تخييراً عقلياً في اختيار أيّ من مصاديقها.

لكنّه ينبغي أن يكون الأحجار صغاراً، كما ورد الأمر بذلك في موثّقتي أبي بصير و سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)؛ ففي الأُولي

تدفن المرأة إلي وسطها إذا

أرادوا أن يرجموها، و يرمي الإمام ثمّ يرمي الناس بعد بأحجار صغار «1»

، و في الثانية

تدفن المرأة إلي وسطها ثمّ يرمي الإمام و يرمي الناس بأحجار صغار.

الحديث «2»، و ظاهر الجملة الخبرية الواردة في مقام الإنشاء مطلوبية الكيفية، و أدناها الاستحباب. بل لا يبعد أن يقال: بأنّ ظاهر الخبرين أنّهما بصدد بيان كيفية الرجم؛ فكما أنّ أصل الدفن و كونه في المرأة إلي وسطها واجبة الرعاية، فليكن كذلك كون الرمي بأحجار صغار؛ قضاءً لمقتضي ظهور الطلب و لوحدة السياق.

و الظاهر: أنّه لا محيص عنه إلّا دعوي عدم القول بالوجوب هنا من أحد من الأصحاب؛ فهم قد أعرضوا عن العمل بهذا المفاد الظاهر في الروايتين، و معه فيسقط عن الحجّية، و هذه الدعوي علي عهدة مدّعيها؛ و لذلك كلّه قال دام ظلّه: «و هو الأحوط».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 98، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 99، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 286

و الأحوط أن لا يقيم عليه الحدّ من كان علي عنقه حدّ (15).

______________________________

(15) الكلام تارة في أصل القيد و أنّه علي الحتم أو الكراهية، و أُخري في حدوده:

أمّا الأوّل: فظاهر المحقّق في «المختصر» حيث قال: لا يجوز أن يرجمه مَن للّٰه تعالي قبله حدّ أنّه علي الحتم، لكنّه لم يعرف له قائل غيره؛ و لذا قال في «الجواهر» بعد عبارة «الشرائع»: و قيل لا يرجمه من للّٰه تعالي قبله حدّ و إن كنّا لم نتحقّقه، و قال في «الشرائع» بعد العبارة المذكورة: «و هو علي الكراهية».

قال في «الرياض»: كما هو ظاهر الأكثر، بل المشهور كما

في «شرح الشرائع» للصيمري، انتهي. و مع ذلك كلّه فظاهر «الرياض» اختيار التحتّم، و اختاره في «تكملة المنهاج».

و كيف كان: فلا ريب في أنّ مقتضي إطلاقات أدلّة الحدود عدم اعتباره، لكنّه يمكن الاستدلال لاعتباره بعدّة من الأخبار:

منها: قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خبر ميثم الوارد في رجم المرأة المقرّة بالزنا

أيّها الناس إنّ اللّٰه عهد إلي نبيه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) عهداً (و خ. يه) عهده محمّد (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) إليَّ بأنّه (إن خ. يه) لا يقيم الحدّ من للّٰه عليه حدّ، فمن كان للّٰه عليه (حدّ خ. يه) مثل ما له عليها فلا يقيم الحدّ عليها.

الحديث «1»،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 53، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 31، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 287

______________________________

فظاهر ما نقله (عليه السّلام) من عهد اللّٰه و عهد نبيه أنّه علي سبيل البتّ و الجزم.

و سند الحديث و إن كان غير نقي في «الكافي» و «التهذيب»، و روايته عن خلف بن حمّاد و إن سلم اعتبار سندها، إلّا أنّه حيث لم ينقل عين الألفاظ و إنّما ذكر أنّه نحوه فلا يصحّ الاحتجاج بها؛ لاحتمال أن تكون مثل مرسلة ابن أبي عمير التي سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي عدم تمامية دلالتها.

إلّا أنّ في «الوسائل» ما لفظه: و رواه الصدوق بإسناده إلي قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام). و إسناد الصدوق إلي القضايا معتبر؛ و عليه فسند الرواية معتبر. لكنّه ممّا ينبغي التنبيه عليه: أنّ الصدوق هنا لم يصرّح بسند الرواية، و لا أنّه عنونه بمثل قول «قضي علي أمير المؤمنين» كما فعله في موارد اخري، و الظاهر

أنّ قول «الوسائل» المذكور مبني علي الأخذ بعموم ما في مشيخة «الفقيه» من قوله (قدّس سرّه): و ما كان فيه متفرّقاً من قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) المتفرّقة فقد رويتُه عن أبي. إلي آخره؛ فإنّ ظاهره أنّه يشمل مثل المورد، و بالجملة: فمقتضي هذه الأُمور اعتبار السند و كونه حجّة.

و منها: قوله (عليه السّلام) في مرفوعة البرقي المروية عن تفسير علي بن إبراهيم بسند معتبر

معاشر المسلمين! إنّ هذه حقوق اللّٰه فمن كان للّٰه في عنقه حقّ فلينصرف و لا يقيم حدود اللّٰه من في عنقه حدّ «1»

؛ فإنّ ذكر الكبري الكلّية في الذيل دالّ بالوضوح علي أنّه ليس لمن عليه حدّ أن يقيم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 55، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 31، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 288

______________________________

حدود اللّٰه و يشترك في إجرائها. و سنده علي ما في تفسير القمي معتبر، و عبارته قريبة ممّا مرّ؛ فإنّها فيه ذيل آية الرمي

أيّها الناس! إنّ هذه حقوق اللّٰه لا يطلبها من كان عنده للّٰه حقّ مثله، فمن كان للّٰه عليه حقّ مثله فلينصرف فإنّه لا يقيم الحدّ من اللّٰه من للّٰه عليه الحدّ «1»

، و دلالتها واضحة بل أوضح من المرفوعة.

و منها: قوله (عليه السّلام) في خبر الأصبغ الوارد في مثل المورد المذكور

نشدت اللّٰه رجلًا منكم للّٰه عليه مثل هذا الحقّ أن يأخذ للّٰه به؛ فإنّه لا يأخذ للّٰه بحقّ من يطلبه اللّٰه بمثله.

الحديث «2»؛ فإنّ دلالة الفقرة الأُولي و إن كانت غير تامّة بنفسها كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالي إلّا أنّ ذكر الكبري الكلّية التي بمنزلة العلّة لها ظاهر الدلالة علي الحتمية المذكورة. و سند هذا

الخبر لا يبعد اعتباره، فراجع.

و قد يستدلّ بمرسلة ابن أبي عمير عن الباقر (عليه السّلام) قال

اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل قد أقرّ علي نفسه بالفجور، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام) لأصحابه: اغدوا غداً عليّ متلثّمين، فقال لهم: من فعل مثل فعله فلا يرجمه و لينصرف، قال: فانصرف بعضهم و بقي بعضهم فرجمه من بقي منهم «3»

، و تقريب الدلالة: أنّه (عليه السّلام) قد أمر بانصراف من فعل مثل فعله، و هو ظاهر

______________________________

(1) تفسير القمي 2: 96 97.

(2) وسائل الشيعة 28: 55، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 31، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 28: 54، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 31، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 289

______________________________

في الوجوب؛ فيدلّ المرسلة أيضاً علي المطلوب مثل ما مرّ.

لكن فيه: أنّ المرسلة إنّما تضمّنت أنّه (عليه السّلام) أمرهم بالانصراف، إلّا أنّها لم تتضمّن أنّ اللّٰه تعالي أيضاً أراد منهم الانصراف علي نحو الحتم، فيحتمل أنّه كان علي نحو الكراهة، و أراد الإمام (عليه السّلام) المجري للحدّ أن يجريه بالنحو الأحسن الأولي، فطلب منهم الانصراف و أمرهم به؛ فوجب عليهم الانصراف امتثالًا لأمر والي المسلمين، لا أنّه ليس لهم أن يشاركوا في الإجراء بقضاء من اللّٰه تعالي و أمره.

و أضعف منه: مرسلة أُخري للصدوق متضمّنة لقيام عيسي (عليه السّلام) برجم أحد و أنّ المرجوم المذنب نادي لا يحدّني مَن للّٰه في جنبه حدّ «1»؛ فإنّ نداءه و طلبه من الناس لذلك لا حجّة فيه علي عدم جواز مشاركة الناس في إجراء الحدّ شرعاً، كما لا يخفي. مضافاً إلي أنّ السند في كليهما غير تامّ بالإرسال، و إن

أمكن تصحيح الأُولي بأنّ الأصحاب يعتمدون مراسيل ابن أبي عمير و أنّها كمسانيده.

و كيف كان: ففي الثلاثة الأُولي غني و كفاية؛ لتماميتها سنداً و دلالةً كما عرفت، فلا يصغي إلي ما في «المسالك» من أنّ الأولي حمله علي الكراهة؛ لقصوره سنداً من إفادة التحريم، مضافاً إلي أصالة الإباحة، انتهي.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ عدم إفتاء المشهور علي طبقها كما مرّ قرينة علي عثورهم علي قرينة صارفة عن دلالتها علي الوجوب، إلّا أنّ من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 56، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 31، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 290

سيّما إذا كان ذنبه مثل ذنبه (16) و لو تاب عنه بينه و بين اللّٰه جاز إقامته (17)، و إن كان الأقوي الكراهة مطلقاً،

______________________________

المحتمل أن يكون عدم إفتائهم لعدم وضوح السند عندهم، فلا يسلّم إعراضهم عن ظهورها؛ و لذلك كلّه تردّد الماتن في التحتّم و أفتي أخيراً بأنّ الأقوي الكراهة، و لعلّه لقوّة ثبوت إعراض المشهور عنده، فتدبّر.

(16) يعني أنّ الحكم عامّ لغير مورد المماثلة أيضاً، و إن كان في موردها أوضح. و هذا شروع و إشارة إلي بيان حدود الحكم و جوانبه، و هو الأمر الثاني.

و كيف كان: فالدليل عليه أنّ الكبري المذكورة في قضاء الأمير (عليه السّلام) أو من التفسير عامّة لكلّ من للّٰه عليه أو في عنقه حدّ، و قوله في خبر قضائه

فمن كان للّٰه عليه حدّ مثل ما له عليها فلا يقيم الحدّ عليها

يراد منه و لو بقرينة الكبري السابقة مجرّد المماثلة في كونها حدّا عليه و في عنقه. نعم قوله في خبر الأصبغ ليس ظاهراً في أكثر من النهي عن إقامة الحدّ ممّن عليه

مثله الظاهر في المماثلة بالنوع لا الجنس، لكنّه لا ينافي الأخذ بعموم غيره إذا كان غيره كالمفسّر له، كما لا يخفيٰ.

(17) فإنّ العنوان المنهي: «من كان للّٰه عليه أو في عنقه حدّ» و «من يطلبه اللّٰه بمثله».

و إذا تاب بينه و بين اللّٰه فالتوبة من مسقطات الحدود كما عرفت في محلّه فبالتوبة يسقط الحدّ عن عنقه و لا يطلبه اللّٰه بعدها بمثله، فلا يعمّه أدلّة النهي.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 291

و لا فرق في ذلك بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البيّنة (18).

______________________________

(18) فإنّ الكبري المذكورة تعمّهما و إن كان موردها الإقرار، إلّا أنّ من الواضح أنّ خصوص المورد لا يخصّص عموم الوارد. و أمّا احتمال التخصيص بالإقرار بلحاظ أنّ أدلّة بدأة الشهود بالرجم تدلّ علي وجوب بدأتهم و إن كان عليهم مثل هذا الحدّ.

ففيه: أنّه لا بدّ من تخصيص هذه الأدلّة بغير ما كان علي الشاهد أيضاً حدّ الرجم.

فإنّ الظاهر منها أنّ واجدية الشهود لشرائط إقامة الحدّ مفروضة فأوجبت ابتداءهم به، فإذا تضمّنت أخبارنا شرطاً في المقيم للحدّ فلا محالة يعتبر وجدانهم أيضاً له، مضافاً إلي أنّ فرض عدالتهم ربّما يناسب محكوميتهم بأن لم يرتكبوا كبيرة مخرجة لهم عن العدالة، فأدلّة بدأتهم مفروضة في صورة إحراز أن لا حدّ عليهم، فهي حاكمة علي أخبار الباب و منقّحة لموضوعها.

تنبيه: إنّ موضوع النهي في الأخبار «من كان عليه أو في عنقه حدّ»، و ظاهر الحدّ ما لا يعمّ التعزير، فإذا كان علي رجل تعزير فلا يمنعه عن الشركة في إقامة الحدّ بعد ما كان مقتضي العمومات عدم اشتراط شرط أصلًا.

و رجوع أكثر الناس عن رجمه بضميمة بُعد أن يكون عليهم حدّ؛ فلا محالة قد فهموا

الأعمّ، لا حجّة فيه علينا؛ إذ هو استبعاد محض، مضافاً إلي أنّه لم يعلم علمهم بالأحكام.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 292

[مسألة 6 إذا أُريد رجمه يأمره الإمام (عليه السّلام) أو الحاكم أن يغتسل غسل الميّت]

مسألة 6 إذا أُريد رجمه يأمره الإمام (عليه السّلام) أو الحاكم أن يغتسل غسل الميّت بماء السدر ثمّ ماء الكافور ثمّ القراح، ثمّ يكفن كتكفين الميّت يلبس جميع قطعه و يحنط قبل قتله كحنوط الميّت، ثمّ يرجم فيصلّي عليه و يدفن بلا تغسيل (19)

______________________________

(19) في «الجواهر»: لا يرجم إلّا بعد التغسيل و التكفين إجماعاً كما في محكي «الخلاف» و في «كشف اللثام»، و قال في «الخلاف» (مسألة 28): من وجب عليه الرجم يؤمر بالاغتسال أوّلًا و التكفين ثمّ يرجم و يدفن بعد ذلك بعد أن يصلّي عليه، و لا يغسل بعد قتله، و قال جميع الفقهاء: إنّه يغسّل بعد موته (قتله خ. ل) و يصلّي عليه. دليلنا: إجماع الفرقة، و أخبارهم لا يختلفون فيه، انتهي. و في «مجمع البرهان» ذيل قول العلّامة: «و يؤمر من وجب قتله بالاغتسال أوّلًا ثمّ لا يغسل» ما لفظه: كأنّ دليله الإجماع، و إلّا فليس له مستند واضح عامّ، انتهي.

و كيف كان: فلا ريب في أنّ مقتضي عموم وجوب تغسيل الأموات أن يجب تغسيله، و أن لا يسقط بكلّ فعل يفعله أو يفعل به قبل أو بعد موته، كما أنّ مقتضي القواعد عدم وجوب غسله و لا تجهيزه قبل إجراء الحدّ عليه؛ فالقول بوجوب التجهيز قبله أو الاكتفاء به بعده محتاج إلي دليل يدلّ عليه.

و لا دليل يوجد في الأخبار إلّا ما رواه مسمع كردين عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك ثمّ يرجمان و يصلّي عليهما،

و المقتصّ منه بمنزلة ذلك يغسل

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 293

______________________________

و يحنط و يلبس الكفن (ثمّ يقاد) و يصلّي عليه «1».

أقول: و في «التهذيب»

يغتسلان و يتحنّطان

، و هكذا

يغتسل و يتحنّط «2»

، و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة السند بالإرسال أو لوقوع الضعفاء في سندها إلّا أنّه لا ينبغي الريب في أنّ الأصحاب قد عملوا بها، و إلّا لما كان لهم حجّة علي فتواهم التي هي علي خلاف القواعد، قال المجلسي في «روضة المتّقين» ذيلها: رواه الكليني و الشيخ بإسنادهما عن مسمع كردين، و هو ثقة و كتابه معتمد، فلا يضرّ ضعف الطريق إليه؛ و لذا اعتمد عليه الأصحاب و عملوا به، انتهي.

و بالجملة: فلا ينبغي الريب في انجبار ضعف سندها بعمل الأصحاب؛ فالمهمّ هو التأمّل في مفادها لكي يتبيّن حدود دلالتها:

فمنها: أنّ هذا الاغتسال و التحنّط حيث إنّه من آداب إجراء الحدّ و كيفياته فهو كأصل الحدّ يكون المأمور به و مسؤوله الحاكم الإسلامي الذي إليه إجراء الحدود و التعزيرات.

و منها: أنّ ظاهرها أنّ هذا العمل علي جهة الوجوب كما نسب إلي ظاهر الأكثر و ذلك أنّ ظاهر الجملة الخبرية هنا الواقعة في مقام الإنشاء ذلك كما في سائر الموارد. فما لعلّه يظهر من «المسالك» هنا من أنّ السنّة أمره بالاغتسال قبله كالتردّد الذي وقع في «مصباح الفقيه» واقع في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 513، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 17، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 334/ 978.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 294

______________________________

غير محلّه. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ ظاهر عبارة الرواية المذكورة و إن كان هو الوجوب إلّا أنّ خلوّ الأخبار الكثيرة الحاكية لكيفية رجم الزناة بأمر الأئمّة و

لا سيّما أمير المؤمنين- (عليهم السّلام) عن أمرهم للمرجوم بهذه التجهيزات شاهد علي عدم وجوبها.

و كيف يمكن أن يقال: إنّ هذه الأخبار الكثيرة غير متعرّضة له و ساكتة عنه، مع أنّها تعرّضت لأُمور أُخر لا حاجة إلي ذكرها؟! فانظر إلي موثّقة أبي مريم الواردة في المرأة التي أقرّت بالزنا، حيث قال بعد إقرارها ثلاث مرّات

ثمّ استقبلته فقالت: إنّي فجرتُ، فأمر بها فحبست و كانت حاملًا، فتربّص بها حتّي وضعت، ثمّ أمر بها بعد ذلك، فحفر لها حفيرة في الرحبة و خاط عليها ثوباً جديداً و أدخلها الحفيرة إلي الحقو دون موضع الثديين و أغلق باب الرحبة و رماها بحجر و قال بسم اللّٰه اللهمّ علي تصديق كتابك و سنّة نبيّك، ثمّ أمر قنبر فرماها بحجر، ثمّ دخل منزله ثمّ قال: يا قنبر ائذن لأصحاب محمّد (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فدخلوا فرموها بحجر حجر.

الحديث «1»؛ فإنّه (عليه السّلام) قد حكي في هذه الرواية جميع الخصوصيات حتّي خياطة ثوب جديد عليها و مع ذلك فليس فيها أنّه (عليه السّلام) أمرها بالغسل و الحنوط و الكفن، فمثل هذه الموثّقة دليل واضح علي عدم الوجوب، و بها يحمل ظهور رواية مسمع علي الاستحباب، و اللّٰه العالم.

و منها: أنّ الظاهر من الغسل هنا و لو بقرينة ذكره تلو التحنّط

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 107، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 295

______________________________

و التكفّن هو غسل الميّت، و من المتعارف أن يعبّر بغسل الميّت عن الأغسال الثلاثة الواقعة عليه. و بعبارة اخري: فالمفهوم من الرواية أنّه يقدّم فيه قبل موته الغسل و الحنوط و الكفن الواجبة عليه بعد موته،

فكما أنّ الحنوط و الكفن يراد منهما ما أوجبه الشارع للميّت و بالنحو الذي أوجبه من جعله علي المواضع المعهودة و لُبسه القِطَع المخصوصة فكذلك يراد من غسله الغسل الواجب للميّت و هو أغسال ثلاثة؛ أوّلها بماء السدر ثمّ ماء الكافور ثمّ القراح فما يتراءي من «مصباح الفقيه» من استبعاده بل استظهار وحدة الغسل في غير محلّه قطعاً.

و منها: أنّ ظاهرها أنّ المحدود يلزم بالغسل و الحنوط و الكفن، لا أنّه يغسّله الغير و يحنّطه و يكفّنه كما يفعل بالميّت، و ذلك مضافاً إلي أنّه لا يمكن إرادته من عبارة «التهذيب» المنقولة بصيغة الافتعال أنّه حيث نسب هذه الأفعال إلي من له إرادة و اختيار يمكنه بها التصدّي و مباشرة الأفعال فلا محالة يكون ظاهره أنّه يفعله بنفسه، إلّا أنّه يؤمر به و يلزم عليه، و هذا هو مصحّح التعبير بالتغسيل و نحوه. و يتفرّع عليه: أنّه هو المأمور بقصد العنوان و قصد القربة، و إن كان الأحوط نية الآمر أيضاً.

و منها: أنّ ظاهر قوله (عليه السّلام) فيها

ثمّ يرجمان و يصلّي عليهما

حيث ذكر الصلاة عليه بعد الرجم، أنّ الأعمال السابقة كافية عن الواجب منها بعد الموت، بل المفهوم منها كما مرّت الإشارة إليه أنّ مورد الرواية من قبيل تقديم العمل علي ظرفه المقرّر؛ فلا محالة لا يبقي مورد له و لا وجه لتكراره بعد الموت، كما هو واضح.

و منها: و هو متفرّع علي سابقه و هو أنّ الرجم أو القتل حيث كان

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 296

______________________________

مستلزماً في الغالب القريب من الدائم إن يتلطّخ اللباس بالدم و يتنجّس به، و مع ذلك قد حكم بتقديم تكفينه و أنّه بعد الرجم يصلّي عليه فلا

محالة تدلّ بالملازمة علي أنّ غسل الدم من كفنه هنا غير واجب، و إن كان اللازم التنبيه عليه.

و منها: أنّ غسله المتقدّم علي موته حيث كان غسل الميّت و ليس مقدّمة لإتيان عمل مشروط بالطهارة فلا محالة لا يضرّ بصحّته لو أحدث قبل قتله و إجراء الحدّ عليه، و يكون إطلاقها حجّة من هذه الجهة بلا إشكال.

فهذه جهات تعرّض لها الماتن مستفادة كلّها من التأمّل في الرواية.

ثمّ إنّ تقديم تجهيزه بالكيفية المذكورة و إن كانت واجبة كما عرفت إلّا أنّه لو لم يقدّم، كان لازمه ترك واجب تكليفي، لا أنّ الرجم أو القصاص واقع بصورة غير مشروعة. و بعبارة اخري: أنّ المفهوم من الرواية بتناسب الحكم و الموضوع أنّ العمل المذكور إنّما هو من باب تقديم تجهيز الميّت قبل موته، فهو مربوط بتكليف تجهيز الميّت لا أنّه شرط لصحّة الرجم أو القصاص، فلو ترك لكان لازمه ارتكاب معصية مستقلّة، و لا يضرّ بصحّة الحدّ أصلًا.

و ممّا يتفرّع عليه: أنّه لو ترك عمداً أو نسياناً لكان الواجب أن يجهّز هذه التجهيزات بعد موته؛ لما عرفت من أنّ عدم وجوبها في المقام بعد موته إنّما هو من باب أنّه أتي بها قبل موته و من باب امتثالها قبل الوقت، فلو لم يأت بها قبله لما كان وجه لسقوطها و كان مقتضي عمومات أدلّة التجهيز وجوبها، و هو واضح.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 297

في قبور المسلمين (20)، و لا يلزم غسل الدم من كفنه. و لو أحدث قبل القتل لا يلزم إعادة الغسل. و نية الغسل من المأمور، و الأحوط نية الآمر أيضاً.

______________________________

(20) دفنه في قبور أهل الإسلام و إن لم يتعرّض له الرواية إلّا أنّه

من الواضحات؛ بداهة أنّ زناه أو ارتكاب سائر المحارم التي فيها حدّ لا يوجب خروجه عن الإسلام، فهو مسلم حكم عليه بوجوب رجمه، فيشمله سائر أحكام المسلمين بعموم أدلّتها. و ممّا يدلّ عليه ذيل موثّقة أبي مريم عن الباقر (عليه السّلام) الواردة فيمن أقرّت بالزنا عند أمير المؤمنين (عليه السّلام) و أمر برجمها ففيها

فقالوا له: قد ماتت فكيف نصنع بها؟ قال: فادفعوها إلي أوليائها و مروهم أن يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم «1»

؛ فإنّ ظاهر جوابه (عليه السّلام) أنّها كسائر موتي أوليائها لا فرق بينها و بينهم إلّا أنّه قتيل الحدّ، و إلّا فمن حيث التجهيز يصنع بها كما يصنع بغيرها من موتاهم، فيدفن في مقابر المسلمين كسائر موتاهم، نعم هذه الفقرة الأخيرة دليل آخر علي ما استظهرنا من الموثّقة من أنّه (عليه السّلام) لم يأمرها بالتجهيز قبل موتها، و إلّا لما كان يفعل بها ما يصنع بسائر الموتي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 107، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 298

[القول في اللواحق]

اشارة

القول في اللواحق و فيها مسائل:

[مسألة 1 إذا شهد الشهود بمقدار النصاب علي امرأة بالزنا قبلًا]

مسألة 1 إذا شهد الشهود بمقدار النصاب علي امرأة بالزنا قبلًا فادّعت أنّها بكر و شهد أربع نساء عدول بذلك يقبل شهادتهنّ و يدرأ عنها الحدّ (21)

______________________________

(21) في «الرياض»: إجماعاً علي الظاهر المصرّح به في «التنقيح»، و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده فيه.

أقول: مقتضي القواعد الأوّلية أنّ الشهود علي الزنا إذا شهدوا بمطلق الزنا المجتمع مع الدخول بقدر الحشفة الذي يحتمل تحقّقه مع بقاء العذرة فالشهادتان غير متعارضتين بل يجب الأخذ بهما، و إذا شهدوا بالدخول بمقدار لا يحتمل معه بقاء العذرة فالشهادتان متعارضتان يسقط كلتاهما عن الحجّية فلا حجّة علي زناها؛ فلا يمكن الحكم بإجراء الحدّ بحكم استصحاب عدم تحقّق الموضوع أو الحكم.

و أمّا مع النظر إلي الأدلّة الخاصّة: ففي صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) في أربعة شهدوا علي امرأة بالزنا فقالت: أنا بكر، فنظرت إليها النساء فوجدتها بكراً، فقال

تقبل شهادة النساء «1».

فالحديث و إن لم يصرّح بنفي حدّ الزنا عنها إلّا أنّه لا ريب في أنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 363، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 44.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 299

______________________________

المراد من قبول شهادة النساء هو هذا المعني؛ و ذلك أنّ قولها «أنا بكر» أرادت به أنّها ما زنت، فإذا نظر النساء إليها و قبلت شهادتهنّ بأنّها بكر فلا محالة يراد منه نفي ترتّب آثار الزنا عليها، و حيث إنّ موضوع الحديث و مفروضه مجرّد شهادة الأربعة بالزنا و إطلاقه شامل لكلتا صورتي شهادتهم فإطلاق قول الإمام (عليه السّلام) أيضاً يقتضي نفي الحدّ عنها في كلتيهما. فحاصل المستفاد منه يرجع إلي أنّ الجمع بين الشهادتين و إن كان ممكناً، إلّا أنّ حصول الشبهة في

المورد كافٍ شرعاً في نفي الحدّ عنها و لو بالاستناد إلي هذه الصحيحة و أمثالها.

و في موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بامرأة بكر زعموا أنّها زنت، فأمر النساء فنظرت إليها فقلن: هي عذراء، فقال: ما كنت لأضرب من عليها خاتم من اللّٰه، و كان يجيز شهادة النساء في مثل هذا «1»

، فقوله (عليه السّلام) في مفروض الكلام

زعموا أنّها زنت

عامّ لما كان هذا الزعم مستنداً إلي شهادة الشهود الأربعة، فيعمّ مورد البحث. مضافاً إلي أنّ تعليل الأمير (عليه السّلام) لنفي إجراء الحدّ بأنّ عليها خاتماً من اللّٰه شاهد علي أنّ المانع هو وجود هذا الخاتم، و هو إنّما يناسب عرفاً ما إذا كان الموضوع مع قطع النظر عنه ثابتاً، فالموثّقة دالّة بالصراحة علي انتفاء حدّ الزنا عنها، و بقية جهاتها كالصحيحة.

و ممّا ذكرنا تعرف صحّة الاستدلال بموثّقة السكوني عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه عن علي (عليهما السّلام) المروية بهذا اللفظ

أتي رجل بامرأة بكر زعم أنّها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 354، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 13.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 300

______________________________

زنت، فأمر النساء فنظرن إليها فقلن: هي عذراء، فقال علي (عليه السّلام): ما كنت لأضرب من عليها خاتم من اللّٰه، و كان يجيز شهادة النساء في مثل هذا «1».

فالمفروض في موضوعه و إن لم يكن إلّا إتيان رجل بامرأة زعم هذا الرجل زناه و ليس فيه التصريح بإقامة الشهود علي زعمه إلّا أنّ قول الأمير (عليه السّلام)

ما كنت لأضرب.

إلي آخره شاهد علي اجتماع الجهات الأُخر.

و نحوها النبوي المنقول عن «عيون أخبار الرضا (عليه السّلام)» «2» فراجع.

و ممّا ينبغي التنبّه له: أنّ لسان جميع هذه الأخبار أنّ

شهادة النساء تقبل في المورد و يثبت بها البكارة، فمقتضي القواعد و إن كان تعارض الشهادتين إلّا أنّ مدلول هذه الأخبار الخاصّة تقديم شهادتهنّ و ثبوت البكارة بها.

و هذا الأمر واضح في صحيحة زرارة المعبّرة بقوله

تقبل شهادة النساء

، و هكذا في غيرها؛ فإنّ قوله (عليه السّلام)

ما كنت لأضرب من عليها خاتم من اللّٰه

مفروضه قبول و تسلّم أنّ عليها خاتماً من اللّٰه، و هو لا يكون إلّا بأن تكون شهادتهنّ حجّة فعلية علي بكارتها، و حمل قبولها علي مجرّد عدم إجراء الحدّ كحمل كون الخاتم عليها علي كونها هكذا بحسب شهادتهنّ لا بحسب الواقع، خلاف الظاهر جدّاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 124، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 25، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 27: 365، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 49.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 301

بل الظاهر: أنّه لو شهدوا بالزنا من غير قيد بالقبل و لا الدبر فشهدت النساء بكونها بكراً يدرأ الحدّ عنها (22)، فهل تحدّ الشهود للفرية أم لا؟ الأشبه الثاني (23)،

______________________________

(22) وفاقاً ل «الجواهر» و خلافاً ل «المسالك»، و وجه الدرء: أنّ مقتضي القواعد و إن كان وجوب الأخذ بكلتا الشهادتين لعدم ثبوت التعارض بينهما؛ لاحتمال إرادة شهود الزنا، الزنا في الدبر إلّا أنّ إطلاق الأخبار الخاصّة شاملة لهذه الصورة؛ لكون المفروض في موضوعها أنّها زنت، و هو يجتمع مع احتمال كون الزنا في الدبر، و قد دلّت علي نفي الحدّ عنها. و مجرّد احتمال كون مراد شهود الزنا الزنا قبلًا كافٍ في صدق

ما كنت لأضرب من عليها خاتم

فإنّ مرجعه إلي درء الحدّ عنها حينئذٍ بالشبهة، و هكذا الكلام في صحيحة زرارة، نعم هو لا يجري فيما صرّحوا بأنّ

الزنا كان دبراً، كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي.

(23) قال في «الرياض»: وفاقاً ل «المبسوط» و عامّة المتأخّرين، و القول بثبوت حدّ الفرية علي الشهود اختاره المحقّق في «الشرائع» تبعاً للشيخ في «النهاية» و الحلّي في حدود «السرائر» و لابن الجنيد.

و استدلّ للقول بالثبوت: بأنّ ردّ شهادتهم و عدم إجراء الحدّ عليها مستلزم لتكذيبهم، فيكون شهادتهم فرية موجبة لحدّها. و أُجيب بأنّ فيه منعاً ظاهراً؛ لجواز قبول الشهادتين علي حدّ سواء و كون ترك حدّ الزنا للشبهة الحاصلة بتعارضهما، قال في «المسالك» في مقام ردّ استدلال الثبوت: و فيه نظر؛ لمنع كون قبول شهادة النساء يستلزم ردّ شهادة

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 302

______________________________

الرجال؛ لجواز قبول الجانبين و الحكم بالتعارض. و تبعه «الرياض» و «الجواهر» و بعض أعيان العصر في كتاب حدوده.

أقول: إنّ القول بتعارض الشهادتين و كون كلّ منهما حجّة غير فعلية و إن كان صحيحاً في المقام في فرض التعارض بين مفادهما بحسب القواعد الأوّلية إلّا أنّ ظاهر الأخبار الخاصّة كما عرفت أنّ شهادة النساء حجّة فعلية علي أنّها عذراء، و معه لا مجال للتفوّه بالتعارض، بل إنّ مفاد إحدي الشهادتين محكوم بالثبوت قطعاً، و هو لا يجتمع مع التعارض.

و لكن مع ذلك فهو غير مستلزم لتكذيبهم بمرتبة يوجب عليهم حدّ الفرية؛ و ذلك لما عرفت أنّه في بعض الصور لا تعارض بين الشهادتين، كما إذا اجتمع شهادة الزنا مع الدخول في الدبر أو بمقدار لا يزول معه البكارة، فقبول شهادتهم هنا لا يستلزم تكذيبهم أصلًا.

و في بعض آخر من الصور و إن استلزم قبول شهادتهنّ تكذيبهم إلّا أنّك قد عرفت في أوائل الكتاب أنّ ظاهر الأدلّة أنّ الحدّ عذاب دنيوي جعله

الشارع علي ارتكاب بعض المعاصي الكبيرة و مؤاخذة للعاصي علي عصيانه؛ فلا محالة يختصّ بما إذا ثبت تهجّم الفاعل علي العصيان. و أمّا إذا لم يعلم ذلك بل احتمل أنّ ارتكابه كان مبنياً علي توهّم الجواز فلا وجه لإجراء الحدّ عليه، بل كان المورد من مصاديق الشبهة الدارئة للحدّ و لو بالاستصحاب، فهاهنا لمّا كان ظاهر شهود الزنا العدالة و قد راعوا في شهادتهم تمام الجهات المعتبرة حتّي العدد، فظهور عدالتهم مانع عن رميهم بارتكاب كبيرة، فتدرأ عنهم حدّ الفرية للشبهة، و هذا هو تفصيل ما عن «المبسوط»: لا حدّ؛ لاحتمال الشبهة في المشاهدة.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 303

و كذا يسقط الحدّ عن الرجل (24) لو شهد الشهود بزناه بهذه المرأة؛ سواء شهدوا بالزنا قبلًا أو أطلقوا فشهدت النساء بكونها بكراً، نعم لو شهدوا بزناه دبراً ثبت الحدّ (25)،

______________________________

و يمكن الاستدلال بأنّ ترك التعرّض له في الأخبار الخاصّة دليل العدم، و هو مبني علي ثبوت كونها بصدد بيان هذه الجهة أيضاً، و هو مشكل.

ثمّ إنّ لازم اختيار المتن فيما يأتي لإجراء الحدّ علي الشهود فيما ثبت بكارتها بالعلم اليقيني، أنّ قوله بعدم ثبوت حدّ الفرية هنا إنّما هو لعدم ثبوت بكارتها، و إلّا كان لازم ثبوته ثبوت كذبهم، فيجري الحدّ عليهم كما في مورد ثبوته بالعلم، لكنّك قد عرفت أنّه خلاف التحقيق، و سيأتي إن شاء اللّٰه أنّ الحقّ عدم ثبوت الحدّ هناك أيضاً.

(24) و ذلك أنّ المفهوم من الأخبار الخاصّة أنّه بعد شهادتهنّ بالبكارة فزناها غير ثابت، و لازمه عرفاً أنّ زنا الرجل المشهود عليه بنفس هذا الزنا أيضاً غير ثابت، و كما لا يجري حدّ الزنا عليها فكذلك عليه، مضافاً إلي

لزوم التعارض بين الشهادتين في بعض الصور كما عرفت و سقوط شهادة الزنا عن الحجّية بالتعارض.

(25) و ذلك لما مرّت إليه الإشارة من أنّ ظاهر قول الأمير (عليه السّلام) أنّ لكونها عذراء دخلًا في نفي الحدّ عنها و لو احتمالًا، فقوله

ما كنت لأضرب من عليها خاتم من اللّٰه

إنّما يجري فيما كان وجود الخاتم عليها منافياً لثبوت موضوع الحدّ و لو احتمالًا، و هكذا قوله

تقبل شهادة النساء

إنّما يفيد في

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 304

و لا يسقط بشهادة كونها بكراً. و لو ثبت علماً بالتواتر و نحوه كونها بكراً و قد شهد الشهود بزناها قبلًا أو زناه معها كذلك فالظاهر ثبوت حدّ الفرية (26) إلّا مع احتمال تجديد البكارة و إمكانه، و لو ثبت جبّ الرجل المشهود عليه بالزنا في زمان لا يمكن حدوث الجبّ بعده درئ عنه الحدّ و عن المرأة التي شهدوا أنّه زني بها (27)،

______________________________

نفي الحدّ عنها فيما كان لتحقّق مفاد شهادتهنّ دخل في نفيه و لو احتمالًا، و أمّا إذا لم يكن له دخل في ثبوت الحدّ أو نفيه فلا يجري هذه الأخبار لنفيه، و يكون كما لو شهد الشهود بأنّها شربت خمراً و شهدت النساء بأنّها عذراء، فلا يكون إحدي الشهادتين مرتبطة بالأُخري أصلًا.

(26) لاستلزام العلم ببكارتها؛ لأنّ الشهود افتروا عليها أو عليه؛ لامتناع أن يجتمع الزنا في قبلها مع بكارتها، و احتمال تجديد البكارة مفروض العدم، فقد علم بكذب الشهود عليها أو عليه؛ فيثبت عليهم حدّ الفرية.

أقول فيه أوّلًا: أنّ مجرّد مفروضية الأُمور المذكورة لا يوجب العلم بكذبهم؛ لاحتمال أن يكون الزنا في القبل بدخول مقدار الحشفة فقط بحيث لا يوجب خرق بكارتها.

و ثانياً: أنّ العلم بكذبهم لا يلازم

العلم بتعمّدهم للكذب عليها أو عليه، فيحتمل تشابه الأمر عليهم فشهدوا بالزنا ثمّ تبيّن خطأهم فلم يرتكبوا معصية، فلا يستحقّون حدّا كما عرفت، فتأمّل.

(27) فإنّ لازم الأُمور المفروضة العلم بأنّه لم يتحقّق منه الزنا، و العلم

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 305

و حدّ الشهود للفرية (28) إن ثبت الجبّ علماً، و إلّا فلا يحدّ.

[مسألة 2 لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحدّ]

مسألة 2 لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحدّ (29)،

______________________________

بأنّها أيضاً ما زنت بهذا الزنا و لا زنا آخر علي الفرض؛ فلا موجب لحدّ الزنا علي واحد منهما.

(28) وجهه: أنّ لازمه العلم بكذبهم، لكنّك عرفت أنّ موضوع حدّ الفرية تعمّد الكذب لا مجرّد الكذب، و العلم بالجبّ لا يوجب العلم بتعمّد الكذب و الحدود تدرأ بالشبهات.

(29) مراده بالاشتراط كما هو مقتضي لفظ الاشتراط و يظهر من التفريع بقوله دام ظلّه: «فلا يسقط.» إلي آخره أن يكون الواجب لا يتحقّق إلّا بحضورهم، و يكون صحّته موقوفة عليه، فعدم اشتراط حضورهم مع وجوب بدأتهم بالرجم كما مرّ و صرّح به هنا يرجع إلي أنّ وجوب بدأتهم به حكم تكليفي لا وضعي، فإذا لم يحضروا في حدّ الرجم ارتكبوا معصية و لا يسقط وجوب الواجب بعدم حضورهم. و لعلّ هذا المعني هو مراد الشيخ في «الخلاف» حيث قال (مسألة 14): إذا ثبت الزنا بالبيّنة لم يجب علي الشهود حضور موضع الرجم، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: يلزمهم ذلك. إلي آخره، فتأمّل جدّاً.

و كيف كان: فالدليل علي عدم الاشتراط هو إطلاق أدلّة الحدود رجماً كان أو جلداً و ما مرّ من مرسلة صفوان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام ثمّ الناس، فإذا

قامت

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 306

رجماً أو جلداً، فلا يسقط الحدّ لو ماتوا أو غابوا، نعم لو فرّوا لا يبعد السقوط للشبهة الدارئة (30)،

______________________________

عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة ثمّ الإمام ثمّ الناس «1»

فإنّما يدلّ علي وجوب البدأة عليهم تكليفاً؛ فإنّه من تناسب الحكم و الموضوع يفهم أنّ الشارع قد ألزم علي البيّنة و الحاكم ابتدأهم برجمه الذي هو عبارة أُخري عن الأخذ في قتله لكي يراعوا الاحتياط في التحمّل و الأداء، و هو مناسب لتكليف مستقلّ لا لاشتراط الواجب به، و لا أقلّ من عدم الظهور في الاشتراط، فيبقي إطلاقات أدلّة الحدود بحالها و يؤخذ بها.

(30) يعني لو فرّوا من الشركة أو الحضور في الرجم أو إجراء الجلد بحيث يحتمل عقلائياً أن يكونوا تبانوا كذباً علي الشهادة و فرّوا، و إلّا فلو علم أنّ فرارهم كان لخوفهم عن عدوّ مثلًا فلا يحصل شبهة لتدرأ بها الحدّ. و الدليل علي السقوط في محلّ الكلام أنّه مع فرارهم لا يري العقلاء حجّية لشهادتهم، فلا يجوز الاتّكال في الحكم علي شهادتهم.

مضافاً إلي صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل جاء به رجلان و قالا: إنّ هذا سرق درعاً، فجعل الرجل يناشده لمّا نظر في البيّنة، و جعل يقول: و اللّٰه لو كان رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) ما قطع يدي أبداً، قال: لِمَ؟ قال: يخبره ربّه أنّي بري ءٌ فيبرئني

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 99، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 307

و يجب عقلًا (31) علي الشهود حضورهم موضع الرجم مقدّمة لوجوب

بدئهم بالرجم، كما يجب علي الإمام (عليه السّلام) أو الحاكم الحضور ليبدأ بالرجم إذا ثبت بالإقرار، و يأتي به بعد الشهود إذا ثبت بالبيّنة.

______________________________

ببراءتي، فلمّا رأي مناشدته إيّاه دعا الشاهدين فقال: اتّقيا اللّٰه و لا تقطعا يد الرجل ظلماً و ناشدهما.

ثمّ قال ليقطع أحدكما يده و يمسك الآخر يده، فلمّا تقدّما إلي المصطبة ليقطع يده ضرب الناس حتّي اختلطوا، فلمّا اختلطوا أرسلا الرجل في غمار الناس حتّي اختلطا بالناس، فجاء الذي شهدا عليه فقال: يا أمير المؤمنين شهد عليّ الرجلان ظلماً فلمّا ضرب الناس و اختلطوا أرسلاني و فرّا، و لو كانا صادقين لم يرسلاني، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من يدلّني علي هذين أنكلهما «1».

فمورد الصحيحة و إن كان الشهادة علي السرقة إلّا أنّه لا ينبغي الريب في أنّ المفهوم منها عرفاً أنّ ذلك إنّما هو لمكان الظنّ بالتباني و الكذب، و هو مسقط لشهادتهم عن الحجّية، فلا فرق فيه بين حدّ السرقة و غيره.

(31) وجهه واضح بعد فرض وجوب البدأة عليهم تكليفاً وجوباً مطلقاً لا مشروطاً بالحضور كما هو مقتضي مرسلة صفوان الماضية، و بعد عدم وجوب المقدّمة وجوباً مولوياً شرعياً كما حقّق في الأُصول.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 58، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 33، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 308

[مسألة 3 إذا شهد أربعة أحدهم الزوج بالزنا]

مسألة 3 إذا شهد أربعة أحدهم الزوج بالزنا فهل تقبل و ترجم المرأة، أو يلاعن الزوج و يجلد الآخرون للفرية؟ قولان و روايتان (32) لا يبعد ترجيح الثاني علي إشكال.

______________________________

(32) قال في «المسالك»: فذهب الأكثر و منهم الشيخ و ابن إدريس و المحقّق و أكثر المتأخّرين إلي الأوّل. و ذهب الصدوق و القاضي و

ابن البرّاج مع آخرين إلي الثاني، انتهي. و نحوه في «الرياض» و «الجواهر»، و صرّحوا بأنّ منشأ اختلاف الأقوال اختلاف الأخبار.

أقول: الذي ينبغي أن يقال: إنّ عمومات قبول شهادة العدول و عمومات ثبوت الزنا بشهادة أربعة تقتضي قبول شهادة البيّنة بالزنا و إن كان فيهم زوج الزانية مثلًا، و الظاهر أنّ قوله تعالي وَ اللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ «1» من القسم الثاني من العمومات؛ إذ الظاهر أنّ الخطاب متوجّه إلي جامعة الإسلام لا إلي خصوص الحكّام أو الأزواج، غاية الأمر أنّ المتصدّي لإجراء الحكم هو الحكومة الإسلامية. و كيف كان: فالمستفاد منه أنّ الشارع قد جعل شهادة الأربعة طريقاً لثبوت الفاحشة و هو مطلق.

و بالجملة: فمقتضي العمومات أنّ الزوج أو الزوجة و سائر الأقارب في باب الشهادة علي الزنا كأحد من الناس تقبل شهادته معهم إذا كانت واجداً لشرائطها، فلازم العمومات هو الذهاب إلي ما ذهب إليه الأكثر.

______________________________

(1) النساء (4): 15.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 309

______________________________

و أمّا الأدلّة الخاصّة: ففي خبر إبراهيم بن نعيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن أربعة شهدوا علي امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال

تجوز شهادتهم «1»

، و دلالته علي مذهب الأكثر واضحة؛ فإنّ الجواز هو المضي و النفوذ، و هو عبارة أُخري عن قبول شهادتهم و ثبوت الزنا و إجراء حدّه. إلّا أنّ الكلام في سنده؛ إذ فيه عبّاد بن كثير الذي لم يرو فيه توثيق؛ و لذلك تشبّثوا لاعتبار سنده بذيل جبران ضعفه بعمل الأكثر. لكن فيه أنّ الجابر هو استناد المشهور، و هو هنا غير ثابت؛ لاحتمال أنّهم استندوا إلي العمومات.

و في خبر زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) في

أربعة شهدوا علي امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال

يلاعن الزوج و يجلد الآخرون «2»

، و دلالته علي مذهب الصدوق و معارضته لخبر ابن نعيم واضحة، لكنّه أيضاً ضعيف السند بوقوع إسماعيل بن خراش فيه و هو مجهول.

و في رواية أبي سيّار مسمع عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في أربعة شهدوا علي امرأة بفجورٍ أحدهم زوجها، قال

يجلدون الثلاثة و يلاعنها زوجها، و يفرّق بينهما و لا تحلّ له أبداً «3»

، و دلالتها كسابقه، إلّا أنّ الكلام أيضاً في سندها؛ فإنّ الراوي عن أبي سيّار و إن كان علي نسخة «الوسائل» إبراهيم بن نعيم و هو ثقة بناءً علي أنّه الكناني و يصير السند صحيحاً،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 431، كتاب اللعان، الباب 12، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 22: 432، كتاب اللعان، الباب 12، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 22: 432، كتاب اللعان، الباب 12، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 310

[مسألة 4 للحاكم أن يحكم بعلمه]

مسألة 4 للحاكم أن يحكم بعلمه (33) في حقوق اللّٰه و حقوق الناس، فيجب عليه إقامة حدود اللّٰه تعالي لو علم بالسبب، فيحدّ الزاني.

______________________________

إلّا أنّ نسخة «التهذيب» و «الفقيه» و «الوافي» «1» عنهما نعيم بن إبراهيم و هو المجهول، و اختلاف النسخ هكذا مانع عن حجّية الرواية.

فالحاصل: أنّ الأخبار الخاصّة ضعيفة السند في الطرفين؛ و لا يبقي إلّا العمل بالعمومات، و هي موافقة للمشهور. و لعلّ الماتن دام ظلّه نظر إلي نسخة «الوسائل» و اعتمد عليها فحسب رواية مسمع صحيحة، كما صنع كذلك صاحب «مباني التكملة» فرجّح القول الثاني قول الصدوق، و حينئذٍ فوجه إشكاله فيه شبهة إعراض الأكثر عنها الذي ربّما يحتمل بلوغه حدّ إعراض المشهور، و إن كان هذه الشبهة ضعيفة؛ لعدم ثبوت

بلوغه حدّه، إلّا أنّه مع كون قصّة نسخ الحديث علي ما عرفت يسقط حديث مسمع عن قابلية الاعتماد و ينقلب الأمر كما عرفت، و اللّٰه العالم.

(33) علي الأشهر كما في «الرياض»، و علي الأظهر بين الأصحاب كما عن «المسالك»، و ادّعي عليه إجماع الفرقة و أخبارهم في كتاب قضاء «الخلاف»، و جعله ممّا انفردت به الإمامية في «الانتصار» و أنّ المخالف فيه ابن الجنيد فقط، و ادّعي عليه إجماع الطائفة في «الغنية».

و قد تقدّم الاستدلال عليه في كتاب القضاء عند تعرّض الماتن دام ظلّه في (المسألة 8) من صفات القاضي، فراجع.

______________________________

(1) الفقيه 4: 37/ 117، تهذيب الأحكام 10: 79/ 306، الوافي 15: 260/ 10.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 311

كما يجب عليه مع قيام البيّنة و الإقرار و لا يتوقّف علي مطالبة أحد (34)،

______________________________

و حاصل الوجه له: هو أنّ الحاكم بعد ما كان هو الموظّف بإحقاق حقوق الناس و إجراء حدود اللّٰه و التعزيرات، فهو كالمخاطب بقوله تعالي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، و قوله تعالي فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا، و بالجملة: فهو الموظّف في الحكومة الإسلامية بإجراء الحدود و إحياء الحقوق من ناحية ولي الأمر، و في زمن الغيبة أيضاً بجعل أولياء الأمر (عليهم السّلام)، و أدلّة الحدود و الحقوق موضوعها نفس الواقع و البيّنة مثلًا طريق عقلائي عليه، فإذا تبيّن الواقع للحاكم من طريق يقيني غير البيّنة فالواقع منكشف لديه و حكمه له معلوم، فإذا كان هو المكلّف بإجراء الحدود و إحياء الحقوق فلا محالة يجب عليه أن يحكم بما يعلم أنّه حكم اللّٰه في الواقعة، و إلّا دخل في عموم الأدلّة الواردة في فسق و ظلم بل و كفر من لم يحكم

بما أنزل اللّٰه.

(34) بلا خلاف ظاهراً كما في «الرياض». و حاصل المطلب: أنّه إذا كان الحدّ أو التعزير من حقوق اللّٰه تعالي التي وضعها لإصلاح الجامعة الإسلامية فالآخذ بها هو المتصدّي لأمر إصلاحها و هو ولي الأمر فإذا تأسّست الحكومة الإسلامية فلا محالة يكون إجراء هذه الحدود و الحقوق موكولًا إلي ولي الأمر أو من ينصبه لذلك، و مع عدم تأسيسها فالعالم بأحكام اللّٰه يتولّاها حسبة، و هذا بخلاف حقوق الناس فإنّها حقوق شخصية جعل أمر مطالبتها بيد ذيها. نعم، هنا كلام في أنّه هل للحاكم تعزير مضيّعي حقوق الناس أزيد ممّا للناس؟

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 312

______________________________

و بالجملة: فالدليل علي هذا التفصيل صحيحة الفضيل بن يسار: قال سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

من أقرّ علي نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّٰه مرّة واحدة حُرّاً كان أو عبداً، أو حرّة كانت أو أمة فعلي الإمام أن يقيم الحدّ عليه.

إلي أن قال

و من أقرّ علي نفسه عند الإمام بحقّ حدّ من حدود اللّٰه في حقوق المسلمين فليس علي الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده حتّي يحضر صاحب الحقّ أو وليه فيطالبه بحقّه.

قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد اللّٰه فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّة واحدة علي نفسه أُقيم عليه الحدّ فيها؟ فقال

إذا أقرّ علي نفسه عند الإمام بسرقة قطعه فهذا من حقوق اللّٰه، و إذا أقرّ علي نفسه أنّه شرب خمراً حدّه فهذا من حقوق اللّٰه، و إذا أقرّ علي نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّٰه

قال

و أمّا حقوق المسلمين فإذا أقرّ علي نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّه حتّي

يحضر صاحب الفرية أو وليه، و إذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتّي يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم «1».

فهذه الصحيحة مع قطع النظر عن خصوص الأمثلة المذكورة فيها تدلّ بوضوح علي أنّ أمر إقامة حدود اللّٰه و حقوقه إلي إمام المسلمين، و يفهم منها بوضوح أنّ منصب الإمامة و ولاية أمر الأُمّة أوجب عليه القيام بإحياء حدود اللّٰه و حقوقه تعالي، كما أنّ أمر إحياء حقوق الناس أيضاً و إن كان إليه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 56، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 32، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 313

______________________________

لا محالة إلّا أنّه ليس له إحياؤها إلّا بعد أن يحضر صاحب الحقّ و يطالبه إحياءها، و هو عين ما ذكره في المتن بالتوضيح الذي عرفته. و هو لا ينافي أن يكون الحاكم المنصوب من قبله ولي من لا ولي له، فيقوم بصدد إحياء حقّ من يكون عليه ولياً؛ إذ حينئذٍ كما أنّ له عنوان الحاكم أو الإمام فكذلك عنوان ولي صاحب الحقّ، فله حكم كلّ من العناوين كما هو واضح.

و مثلها أو فقرة منها في حقوق الناس صحيحة أُخري للفضيل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من أقرّ علي نفسه عند الإمام بحقّ أحد من حقوق المسلمين فليس علي الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده حتّي يحضر صاحب حقّ الحدّ أو وليه و يطلبه بحقّه «1».

و نحوها خبر الحسين بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

الواجب علي الإمام إذا نظر إلي رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ، و لا يحتاج إلي بيّنة مع نظره؛ لأنّه أمين اللّٰه في

خلقه، و إذا نظر إلي رجل يسرق أن يزبره و ينهاه و يمضي و يدعه

، قلت: و كيف ذلك؟ قال

لأنّ الحقّ إذا كان للّٰه فالواجب علي الإمام إقامته، و إذا كان للناس فهو للناس «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 57، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 32، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 57، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 32، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 314

و أمّا حقوق الناس فتقف إقامتها علي المطالبة؛ حدّا كان أو تعزيراً (35)، فمع المطالبة له العمل بعلمه.

______________________________

(35) أمّا الحدّ الذي هو من حقوق الناس فهو حدّ القذف و حقّ القصاص، و أمّا التعزير الذي منه فالظاهر أن يكون منه التعزير الذي يعزّر به الرجل لسبّه أحداً بما لا يبلغ القذف؛ فإنّه لا ريب في أنّ عليه التعزير، كما يدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل سبّ رجلًا بغير قذف يعرض به هل يجلد؟ قال

عليه تعزير «1»

، و نحوها أخبار أُخر.

و إذا كان أمر حدّ القذف بيده كما هو صريح الفتوي و النصّ فالعرف يفهم منه أنّ أمر التعزير التي بمرتبة أضعف من الحدّ أيضاً بيده هاهنا، فلا يجب إقامته إلّا بعد رجوعه إلي الحاكم و مطالبته.

تنبيه: لا ريب في أنّه من الموارد التي فيها تعزير أو حدّ من حقوق الناس كالسبّ أو القذف كما يكون الفعل الموجب له تضييعاً لحقّ آدمي فكذلك يكون معصية للّٰه تعالي، كما أنّه لا ينبغي الشبهة في أنّه لو استوفي ذو الحقّ حقّه فحُدّ العاصي أو عزّر لوقع هذا الحدّ أو التعزير جزاءً

له علي عمله بكلا جهتيه و بُعديه الإلهي و الإنساني؛ فإنّ ظاهر أدلّة الحدود أنّها مجازاة له علي المعصية التي أتاها، غاية الأمر: توقّف إجرائه في بعض الموارد علي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 202، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 315

______________________________

مطالبة إنسان أيضاً، كما أنّ التعزير إذا كان تعيين مقداره بيد الحاكم فلا محالة بعد مطالبة ذي الحقّ يختار ما هو المناسب لمعصيته.

و إنّما الكلام في أنّه لو عفي ذو الحقّ عن حقّه و سامحه بعوض أو بلا عوض، فهل للحاكم تعزيره بمقدار يراه مناسباً لمعصيته لكي يتطهّر المحيط الإسلامي؟ الذي ينبغي أن يقال: نعم، و ذلك أنّ مقتضي عموم قولهم (عليهم السّلام)

إنّ اللّٰه قد جعل لكلّ شي ء حدّا و جعل لمن تعدّي ذلك الحدّ حدّا «1»

، و مقتضي القاعدة المصطادة من موارد التعزيرات، أنّه تبارك و تعالي قد جعل لكلّ من ارتكب معصية تعزيراً و تأديباً، و أنّه إنّما جعل ذلك لأنّه قد تعدّي حدّ اللّٰه و خالف أمره أو نهيه، فهو حقّ إلهي، غاية الأمر: أنّه لو طالبه ذو الحقّ أيضاً فقد اتّحد فيه الحقّان كما عرفت و أمّا مع عفو الإنسان ذي الحقّ فلا دليل علي سقوط هذا الحقّ الإلهي.

نعم، ربّما كان مصداق هذا التأديب و التعذيب مع مطالبة الإنسان المحقّ أمراً و مع عفوه أمراً آخر، فحدّ القذف و هو الثمانون و حدّ القتل العمدي و هو القصاص تعذيب خاصّ موقوف علي مطالبة ذي الحقّ، و إذا سامح و عفا فلا مجال لإجرائه؛ ضرورة أنّه مخالف لظاهر الأدلّة التي أوكلته إلي مطالبة ذي الحقّ. و أمّا الحاكم فبعد عفو ذي الحقّ،

له أن يؤدّبه و يعزّره بما يراه مناسباً.

و يشهد لذلك في الجملة و يؤيّده من الأخبار الخاصّة موثّقة فضيل بن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 14، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 2، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 316

______________________________

يسار قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): عشرة قتلوا رجلًا، قال

إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعاً و غرموا تسع ديات، و إن شاؤوا تخيّروا رجلًا فقتلوه و ادّي التسعة الباقون إلي أهل المقتول الأخير عشر الدية كلّ رجل منهم

، قال

ثمّ الوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم «1»

؛ فإنّ فرض اختيار الأولياء لقتل واحد منهم فرض تخفيف منهم و تنزّلهم عن المرتبة الشديدة، فحقّهم يستوفي بما اختاروا، لكن قد بقي علي التسعة الباقين أنّهم اشتركوا في قتل حرام و ارتكبوا بذلك معصية اللّٰه فجاوزوا حدّ اللّٰه و قد جعل اللّٰه لهم حدّا، فالوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم.

و قد أخرج نظيره في «المستدرك» عن «دعائم الإسلام»، فراجع الباب 12 من قصاص النفس، الحديث 2 منه.

و يشهد له أيضاً ما رواه جابر عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يقتل ابنه أو عبده، قال

لا يقتل به، و لكن يضرب ضرباً شديداً و ينفي عن مسقط رأسه «2»

، وجه الدلالة: أنّ الثابت بقتل العمد هو القصاص و أمره بيد الأولياء، فهاهنا لمّا لم يجعل هذا الحقّ لهم لكون القاتل أباً فلم يوجب ذلك سقوط حقّ اللّٰه و لا خروجه عن عموم

و جعل لمن تعدّي ذلك الحدّ حدّا

، و لعلّ المتتبّع المدقّق يظفر بموارد أُخر، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 43، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 12، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 29: 79، كتاب

القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 32، الحديث 9.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 317

[مسألة 5 من افتضّ بكراً حرّة بإصبعه]

مسألة 5 من افتضّ بكراً حرّة بإصبعه لزمه مهر نسائها (36)،

______________________________

و في كتاب الحدود لبعض أعيان العصر: و روي أيضاً

أنّ علياً (عليه السّلام) وجد إنساناً صفع إنساناً، و المصفوع خاف من الصافع فعفي عنه، فقال (عليه السّلام): و أين حقّ السلطان؟! ثمّ صفع (عليه السّلام) الصافع صفعات.

(36) في «الجواهر»: بلا خلاف أجده فيه؛ رجلًا كان أو امرأة، و في «الرياض»: من افتضّ بكراً حُرّة و أزال بكارتها و لو بإصبعه فعليه مهر مثلها؛ رجلًا كان المفتضّ أو امرأة، بلا خلاف أجده، انتهي.

و يدلّ عليه معتبرة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) قال

إذا اغتصب أمة فافتضّها فعليه عشر قيمتها، و إن كانت حُرّة فعليه الصداق «1»

، و دلالتها واضحة، و حيث إنّ المفهوم منها أنّ جعل الصداق عليه إنّما هو مؤاخذةً له علي إزالة بكارتها؛ فلذلك يلغي الخصوصية عن الرجل، و يفهم منه أنّه أثر الجناية.

ثمّ إنّ الافتضاض أو الاقتضاض بالفاء و القاف بمعني واحد؛ و هو ثقب الشي ء و كسره، ففضّ الباكرة ثقب بكارتها و كسر خاتم البكارة عنها. و كيف كان: فهو شامل لما كان بالوطء أو بالإصبع مثلًا فتدلّ المعتبرة علي ثبوت المهر لها و إن أُزيلت بكارتها بالوطء، و حيث إنّ موضوعها الاغتصاب الذي عبارة أُخري عن إكراهها بالافتضاض فلا تشمل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 144، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 39، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 318

و يعزّره الحاكم بما رأي (37).

______________________________

المعتبرة غير مورد الوطء الإكراهي، و إن كانت لو تعمّه لزم تخصيصها بما ورد

من أنّه لا مهر لبغيّ، هذا.

و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في امرأة افتضّت جارية بيدها، قال

عليها مهرها، و تجلد ثمانين «1»

، و دلالتها علي غرامة المهر واضحة، إلّا أنّ موضوعها الجارية التي عدّ من معانيها الأمة، فشمولها للحرّة مشكل، إلّا بقرينة تغريم المهر، و كيف كان: فلا حاجة إليها مع وجود المعتبرة، و اللّٰه العالم.

(37) قال في «الرياض»: إنّ الأكثر بل الكلّ أنّ عليه هنا التعزير لا الحدّ، و لم يحك القول بالحدّ هنا إلّا عن الصدوق في «المقنع»، و يحتمل إرادته أيضاً التعزير، انتهي. و نحوه في «الجواهر» بل زاد: ثمّ إنّ الظاهر إرادة التعزير من الحدّ في الصحيح و المحكي من عبارة «المقنع»، كما يطلق عليه كثيراً؛ ضرورة عدم حدّ في ذلك، انتهي.

قال في «الرياض»: فالتعزير يتعيّن، و عليه فهل يجلد من ثلاثين إلي ثمانين كما عن المفيد و الديلمي تنزيلًا لما تضمّن الثمانين علي الأكثر، أو من ثلاثين إلي سبعة و تسعين كما عن الشيخ «2»، أو إلي تسعة و تسعين كما عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 144، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 39، الحديث 4.

(2) أقول: الظاهر أنّ إسناد هذا القول إلي الشيخ مستند إلي عبارة «نهايته»، و لا بدّ من ملاحظتها حتّي يتبيّن الأمر، فنقول: قال الشيخ في «النهاية»: و من افتضّ جارية بكراً بإصبعه غرم عشر قيمتها و جلد من ثلاثين سوطاً إلي تسعة و تسعين سوطاً؛ عقوبةً لما جناه، انتهي. فالنسخة هي تسعة و تسعين، لكن يظهر من عبارة «نكت» المحقّق هنا أنّ النسخة كانت إلي تسعة و سبعين؛ و ذلك أنّه مضافاً إلي نسخته جعل مورد السؤال

تسعة و سبعين حيث قال: «و قوله إلي تسعة و سبعين أراد أن لا يبلغ إلي ثمانين، و هو حدّ، و قد تعدّي خمسة و سبعين و هو حدّ القيادة»، و أجاب عنه بقوله: «و أدني الحدّ في الأحرار ثمانون و التعزير فيهم تسعة و سبعون، و أمّا حدّ القيادة فالشيخ (قدّس سرّه) يجوّز في تسميته حدّا، و إنّما هو ثلاثة أرباع حدّ الزاني، و ليس بحدّ حقيقي، انتهي. فتري أنّ جوابه شاهد علي أنّ النسخة كانت تسعة و سبعين، و الظاهر أنّ سبعة و تسعين محرّف تسعة و سبعين؛ إذ لا وجه له ظاهراً.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 319

______________________________

الحلّي تنزيلًا له علي قضية المصلحة، أو لا تقدير فيه قلّةً و كثرة بل يفوّض إلي رأي الحاكم كما عليه الأكثر؟ أقوال، و الأخير أنسب بقاعدتهم في التعزير، مع عدم معارض لها سوي رواية الثمانين الظاهرة في تعيّنها، و لا قائل به أصلًا؛ فلتكن مطرحة أو مؤوّلة إلي ما يرجع به إلي أحد الأقوال الثلاثة، انتهي.

و كيف كان: فقد عرفت أنّ صحيحة عبد اللّٰه بن سنان تضمّنت أنّها تجلد ثمانين، و هي منقولة بإسناد مختلفة بعضها كما عرفت، و في بعضها

و تضرب الحدّ «1»

، و لا بدّ و أن يراد به أيضاً الثمانون بقرينة تعيينها في غيره من الأسناد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 144، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 39، الحديث 1، و أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 4، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 320

______________________________

لكنّها كما عرفت من «الرياض» لا قائل به، و لا أقلّ من أنّه لم يقل به غير الصدوق في «المقنع»، فهي مع كونها بين

أيدي الأصحاب لم يعملوا بها، فهي معرض عنها؛ فتسقط بالإعراض عن الحجّية، و يرجع إلي مقتضي القاعدة في التعزير، التي قد عرفت سابقاً أنّ أمر تعيينها بيد الحاكم، و إن كان اللازم أن لا يزاد علي الحدّ، كما مرّ بيانه ذيل المسألة السادسة عشرة في أوّل كتاب الحدود، فتذكّر.

و يمكن أن يقال: إنّ الأصحاب قد فهموا من صحيحة ابن سنان أنّ موردها امرأة تفتضّ الجارية بإصبعها لترميها بالفجور، فلا محالة يكون عليها حدّ القذف و هو الثمانون و لذا عبّر بعنوان «تضرب الحدّ» المشير إلي أنّ له حدّا معروفاً، و هو إنّما يكون بما ذكرنا.

و يرشد إليه مرفوعة يونس في حديث: إنّ امرأة أمسكت جارية ثمّ افترعتها بإصبعها و رمتها بالفجور، فسأل الحسن (عليه السّلام) فقال

علي المرأة الحدّ لقذفها الجارية، و عليها القيمة لافتراعها إيّاها، فقال أمير المؤمنين: صدقت «1».

و يؤيّده: أنّه قد فرض في جميع روايات الحدّ أو الثمانين كون المفتضّ لها امرأة؛ فإنّ الداعي لها هو حسدها علي الجواري فتفتضّها بإصبع يدها و ترميها بالفجور، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 170، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 4، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 321

[مسألة 6 من زني في زمان شريف كشهر رمضان]

مسألة 6 من زني في زمان شريف كشهر رمضان و الجُمَع و الأعياد، أو مكان شريف كالمسجد و الحرم و المشاهد المشرّفة عوقب زيادة علي الحدّ (38)، و هو بنظر الحاكم، و تلاحظ الخصوصيات في الأزمنة و الأمكنة أو اجتماع زمان شريف مع مكان شريف، كمن ارتكب و العياذ باللّٰه في ليلة القدر المصادفة للجمعة في المسجد، أو عند الضرائح المعظّمة من المشاهد المشرّفة.

______________________________

(38) قال في «الرياض»: بلا خلاف يظهر، و

في «الجواهر» بالنسبة إلي الزنا في شهر رمضان أو مكان شريف قال: بلا خلاف أجده فيه، و نسبه المحقّق الأردبيلي في «شرح الإرشاد» إلي المشهور بينهم، ثمّ قال: و اعلم أنّ مجرّد الشهرة لا يكفي بمثل هذا الحكم، بل لا بدّ له من دليل نصّ أو إجماع، ثمّ ذكر خبر النجاشي الشاعر الآتي و قال: لعلّ زيادة التغليظ و لو كان في ليلة شهر رمضان أيضاً مفهوم من هذه الرواية، انتهي.

و قد ذكر الشيخ في «النهاية» زيادة التعزير علي حدّ الزنا إذا زني في زمان أو مكان شريف، و قال: لانتهاكه حرمة شهر رمضان و حرمة حرم اللّٰه و أوليائه؛ و لذلك إذا فعل شيئاً يوجب الحدّ أو التعزير في مسجد أو موضع عبادة فإنّه يجب عليه مع الحدّ التعزير، انتهي. و قال ذيل حدّ شرب الخمر: و من شرب المسكر في شهر رمضان أو في موضع مشرّف مثل حرم اللّٰه و حرم رسوله أو شي ء من المشاهد أُقيم عليه الحدّ في الشرب و أُدّب بعد ذلك؛ لانتهاكه حرمة اللّٰه تعالي، انتهي.

أقول: قد عرفت أنّ الأظهر ثبوت التعزير علي كلّ معصية يأتي

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 322

______________________________

المكلّف بها، فإذا كان إتيان الزنا أو شرب الخمر أو سائر المعاصي في مكان أو زمان شريف معصية زائدة علي أصل معصية الزنا و شرب الخمر مثلًا فلا ينبغي الشكّ في استحقاقه تعزيراً زائداً يكون تعيينه لا محالة بنظر الحاكم، فالمهمّ إثبات كونه معصية زائدة.

و قد عرفت أنّ الشيخ استدلّ له بأنّه انتهاك لحرمات اللّٰه، و تبعه بعض أعيان العصر أيضاً.

و الذي ينبغي أن يقال: إنّ الإتيان بالمعصية في الأزمنة أو الأمكنة الشريفة الإسلامية إذا كان بداعي

الهتك و التوهين بها فلا إشكال في حرمته زائدة علي حرمة أصل المعصية؛ إذ يزيد عليه أنّه أهان اللّٰه و أولياءه، كما أنّه إذا كان بحيث ينتزع منه في العرف الإهانة، كما إذا تجاهر بالمعصية فيها مع أنّ الناظرين مثلًا يذكّرونه حرمة الزمان أو المكان فهو حرام أزيد. و أمّا لو أتي به فيها اتّفاقاً و خفية لأنّها مكان خالٍ أو زمان فارغ تهيّأ له أسباب المعصية فانطباق عنوان الإهانة علي مجرّد هذا مشكل، فإثبات تمام ما في المتن بهذا الدليل مشكل.

نعم، قد ورد خبر خاصّ في زيادة التعزير علي شارب الخمر في شهر رمضان، و قد ذكره كثير من الأصحاب هنا في كتبهم الاستدلالية، و هو ما رواه المشايخ الثلاثة (قدّس سرّهم) بإسنادهم عن عمرو بن شمر عن جابر رفعه عن أبي مريم قال: اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالنجاشي (الحارثي) الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه ثمانين ثمّ حبسه ليلة ثمّ دعا به من الغد فضربه عشرين، فقال له: يا أمير المؤمنين! هذا ضربتني ثمانين في شرب الخمر و هذه العشرون ما هي؟ قال

هذا لتجرّئك علي شرب الخمر في

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 323

[مسألة 7 لا كفالة في حدّ]

مسألة 7 لا كفالة في حدّ (39).

______________________________

شهر رمضان «1»

، و دلالته علي ثبوت التعزير في مورده واضحة، و دعوي إلغاء الخصوصية عرفاً عن مورده إلي ما كان فيه تجرّ علي المعصية في زمان أو مكان شريف غير بعيدة، فيتمّ به الاستدلال علي تمام المدّعي و المطلوب، إلّا أنّ الكلام في سنده كما تري، و مجرّد فتوي المشهور علي كلّي يمكن الاستدلال به عليه لا يكشف كشفاً قطعياً عن استنادهم إليه حتّي في مورده؛ لاحتمال استنادهم

إلي ما صرّح به الشيخ في «نهايته» من كونه انتهاكاً لحرمة اللّٰه و حرمة أوليائه، فحجّية سنده و اعتباره غير ثابتة، و اللازم و الأحوط الاقتصار علي موارد صدق الإهانة و الانتهاك كما عرفت، و اللّٰه العالم.

(39) الظاهر: أنّ المراد بها أن يلتزم أحد إحضار من عليه الحدّ في زمان معيّن عند القاضي، فالكفالة غير مشروعة؛ فإن اقتضي عذر تأخير إجراء الحدّ فليس للقاضي مطالبة من يكفله، و لو كفله أحد لا يترتّب عليها آثار الكفالة الشرعية. و في «الرياض» و «الجواهر»: بلا خلاف أجده فيه. و يدلّ عليه معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): لا كفالة في حدّ «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 231، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المسكر، الباب 9، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 44، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 21، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 324

و لا تأخير فيه (40) مع عدم عذر، كحبل أو مرض،

______________________________

و في مرسلة الصدوق: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لا شفاعة و لا كفالة و لا يمين في حدّ «1».

(40) المراد به واضح؛ و هو أنّه إذا ثبت موضوعه عند القاضي فلا يجوز تأخير إجرائه إلّا لعذر مسوّغ، و في «الرياض» هنا أيضاً بلا خلاف أجده فيه.

و استدلّ له بقول علي (عليه السّلام)

ليس في الحدود نظر ساعة «2»

، و هذه الجملة ذيل معتبرة السكوني، و تمامها هكذا: في ثلاثة شهدوا علي رجل بالزنا، فقال علي (عليه السّلام)

أين الرابع؟

قالوا: الآن يجي ء، فقال علي (عليه السّلام)

حدّوهم فليس في الحدود نظر ساعة «3».

و ما

تضمّنه الحديث أنّه (عليه السّلام) حكم بإجراء الحدّ علي الشهود الثلاثة، و علّله بأنّه ليس في الحدود نظر ساعة، فالاستدلال به مبني علي أن يكون العلّة علّة لفورية إجراء الحدّ في قبال أن يؤخّر إجراءه إلي ما بعد، و هو غير

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 47، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 24، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 47، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 25، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 28: 96، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 12، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 325

______________________________

معلوم الإرادة، بل الظاهر أنّه علّل أصل الحكم بثبوت حدّ القذف عليهم بأنّه لا ينتظر في الحدود مضي ساعة؛ يعني أنّ ميزان ثبوت موضوع كلّ حدّ ملاحظة الأدلّة الموجودة فعلًا، و لا ينتظر به تأمين الدليل و تحصيله، بل إن كانت أدلّة إثباته كافية بإثباته حكم به، و إلّا فلا بل يحكم بثبوت موضوع حدّ آخر يكون ثبوت موضوعه متوقّفاً علي عدم ثبوت موضوع ذلك الحدّ الأوّل، و ليس في الحدود انتظار لثبوت الموضوع حتّي يتوقّف في الحدّ؛ ففي مورد الرواية إن شهدت أربعة واجدة للشرائط بالزنا ثبت حدّه، و إلّا ثبت حدّ القذف، و ليس في الحدود مطلقاً انتظار ساعة لكي يثبت موضوع جديد لم يكن ثابتاً.

فالموثّقة علي هذا ناظرة إلي تعيين المعيار لإثبات موضوعات الحدود، و أنّه ليس تسويف و إمهال و دفع الوقت في القضاء الإسلامي، بل علي القاضي أن يحضر مجلس القضاء و يتفحّص أدلّة الموضوع المرفوع إليه، و يحكم به بلا تسويف و لا تأخير و لا استمهال، علي خلاف ما تعارف في المحاكم

اليوم.

فالقضاء الإسلامي فصل للخصومات بأسرع وقت ممكن، و لا ينتظر لثبوت حدّ مضي زمان، بل يحكم عاجلًا علي أساس الأدلّة الموجودة.

و أمّا أنّ الحكم و الحدّ الذي حكم به القاضي لا يجوز التأخير في إجرائه فالرواية ليست متصدّية لبيانه، و اللّٰه العالم.

و استدلّ له أيضاً بما رواه الصدوق مرسلًا عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال:

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 326

______________________________

و قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

إذا كان في الحدّ لعلّ أو عسي فالحدّ معطّل «1»

، رواه (قدّس سرّه) في عداد روايات حدّ القذف، و قال المجلسي في «روضة المتّقين» في شرحه: أي ليس في الحدّ تأخير و لا رأفة، كما قال اللّٰه تعالي وَ لٰا تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّٰهِ، انتهي. و لا ريب أنّ ما ذكره ليس معني تحت لفظه، و حينئذٍ فلعلّ كيفية إرادته أنّه حيث إنّ في التأخير آفات فيحتمل في الحدّ أن يعطّل و لا يجري لو أُخّر؛ فلذلك قال (عليه السّلام): إذا كان في إجراء الحدّ لعلّ أو عسي أي احتمال عدم الإجراء اللازم في التأخير فهو بمنزلة تعطيله فلا يكون جائزاً، هذا.

و أنا أقول: إنّ إرادة هذا المعني غير متعيّنة؛ إذ يحتمل أن يراد به مجي ء احتمال الخلاف في أصل الحدّ و ثبوته؛ يعني أنّه إذا كان ثبوت الحدّ محلّ تردّد و مظنّة فالحدّ لا يثبت و لا يجري، و لعلّه أظهر فإنّ التأخير مع التوثّق من إجرائه و الاطمئنان بعدم فواته ممكن غالباً و ليس فيه مظنّة تعطيل الإجراء فلا يصحّ، و جعله كناية عنه، و لا أقلّ من أنّه ليس بظاهر. و هذا بخلاف الاحتمال الآخر فإنّه معناه بلا تأويل؛ إذ الظاهر عرفاً من عبارة

«إذا كان في الشي ء لعلّ أو عسي» أنّه إذا كان وجوده محلّ تردّد، فمفاد الحديث: أنّه إذا كان وجود الحدّ محلّ تردّد فهو يعطّل؛ أي لا يجري.

و كيف كان: فالاستدلال بالحديث مع هذا الاحتمال غير تمام. اللهمّ إلّا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 47، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 25، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 327

و لا شفاعة في إسقاطه (41).

______________________________

أن يقال: إنّ التعطيل إنّما يقال في شي ء أصل وجوده مسلّم و لا يترتّب عليه أثره المطلوب، فالحدّ إنّما يصدق عليه أنّه معطّل إذا كان أصل وجوده مسلّماً، و يكون التردّد في إجرائه فلا محالة يكون العبارة كناية عن تأخيره، فتأمّل. مضافاً إلي ضعف سنده بالإرسال.

و يمكن أن يستدلّ له بما مرّ من قوله (عليه السّلام)

لا كفالة في حدّ

، ببيان: أنّ الكفالة حيث تضمّنت تأخير إجراء الحدّ فلذلك كانت منفية ممنوعة؛ لا سيّما و إنّ الكفالة بحسب طبعها إنّما تكون في ما احتمل عدم حضور المكفول، و إلّا فلو علم بحضوره بنفسه لما كانت إليها حاجة. لكن فيه: أنّه تخرّص علي أنّ هذا هو سرّ المنع، و إلّا فليس يدلّ اللفظ عليه، فلعلّ سرّه أمر آخر ممّا نحتمله أو لا نحتمله أيضاً.

فالحاصل: أنّ استفادة وجوب التعجيل و الفور في إجراء الحدود من الأدلّة اللفظية مشكلة، و إن كان لا ريب في عدم جواز تأخيره بحيث لا يصدق عرفاً عليه أنّه مؤاخذة علي ذلك الذنب، فتدبّر. نعم الأحوط هو التعجيل.

(41) في «الرياض»: بلا خلاف فيه أجده. و يدلّ عليه مضافاً إلي أنّه مقتضي إطلاق أدلّة الحدود؛ فإنّ أدلّتها العامّة كقولهم (عليهم السّلام)

و جعل لمن تعدّي ذلك الحدّ حدّا

أو الخاصّة كقوله

تعالي الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، و قوله تعالي:

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 328

______________________________

السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا. و غيرها من أدلّة الحدود ظاهرها أنّ هذا التعذيب و المؤاخذة ثابت من اللّٰه تعالي و في الشريعة علي المذنب، و إن شفع في إسقاطه شافع.

فيدلّ عليه مضافاً إليها أخبار خاصّة: ففي معتبر مثنّي الحنّاط عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لأُسامة بن زيد: لا يشفع في حدّ «1»

، و هو كما تري مطلق يعمّ كلّ حدّ.

و في رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

كان لأُمّ سلمة زوج النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمة فسرقت من قوم، فاتي بها النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فكلّمته أُمّ سلمة فيها، فقال النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): هذا حدّ من حدود اللّٰه لا يضيع، فقطعها رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) «2»

، فقوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

هذا حدّ من حدود اللّٰه لا يضيع

يدلّ دلالة واضحة علي أنّ الحكم جارٍ علي عنوان الحدّ بلا اختصاص بحدّ السرقة، فلا يقبل الشفاعة في أيّ حدّ كان، و هو بمنزلة تضييعه الذي ليس بجائز بلا إشكال.

و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا يشفعنّ أحد في حدّ إذا بلغ الإمام؛ فإنّه لا يملكه (فإنّه يملكه خ. كا و يب) و اشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم، و اشفع عند الإمام في غير

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 43، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب

مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 20، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 42، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 20، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 329

______________________________

الحدّ مع الرجوع (مع الرضا خ. ل) من المشفوع له، و لا يشفع في حقّ امرئ مسلم و لا غيره إلّا بإذنه «1»

، دلّ الحديث علي أنّ الحدّ إذا ثبت عند الإمام فلا مجال للشفاعة فيه، و إنّما مجال الشفاعة فيه فيما لم يبلغ الإمام و لم يثبت عنده، و لا محالة يكون الشفاعة حينئذٍ فيه عند غير الإمام من الشهود الذين يريدون رفع الأمر إلي الإمام أو الحاكم، فقد جوّز الشفاعة فيه إذا رأي الندم من المذنب، و أمّا غير الحدّ و هو التعزير الذي ليس حقّا لإنسان فيجوز الشفاعة فيه عند الإمام بشرط أن يرجع المذنب المشفوع له و يندم علي معصيته. فالحديث يدلّ كما سبقه علي أنّه لا شفاعة في إسقاط حدّ.

و اختلاف نسخة «الوسائل» الموافقة ل «الوافي» مع نسخة «التهذيب» و «الكافي» المطبوعين لا يضرّ بدلالة الحديث؛ إذ هو راجع إلي سرّ الحكم، و إلّا فالنسخ في المنع عن الشفاعة متّحدة، نعم ما في «الوسائل» و «الوافي» أنسب، كما لا يخفي.

و قد روي الحديث في «الفقيه» بصورة أُخري إليك نصّها: روي السكوني بإسناده قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

لا يشفعنّ أحدكم في حدّ (في أحد، من أحد خ. ل) إذا بلغ الإمام؛ فإنّه لا يملكه فيما يشفع فيه، و ما لم

______________________________

(1) الكافي 7: 254/ 3، تهذيب الأحكام 10: 124/ 498، وسائل الشيعة 28: 43، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 20، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة -

كتاب الحدود، ص: 330

______________________________

يبلغ الإمام فإنّه يملكه (و اشفع فيما لم يبلغ الإمام فإنّه يملكه خ. وافي) فاشفع (و اشفع خ. ل) فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم و اشفع فيما لم يبلغ الإمام في غير الحدّ مع رجوع المشفوع له، و لا تشفع في حقّ امرئ مسلم أو غيره إلّا بإذنه «1».

لكنّه كما تري لا يخالف النسخة السابقة في الدلالة علي المنع عن الشفاعة في الحدّ إذا بلغ الإمام؛ فإنّه لو كانت النسخة «في حدّ» فهو واضح، و لو كان النسخة «في أحد» لكان ذيله قرينة علي أنّ المراد من الصدر خصوص الحدّ أو ما يعمّه قطعاً؛ إذ حاصل الحديث أنّه جوّز الشفاعة في خصوص ما لم يبلغ الإمام، فما بلغه و كان حدّا باقٍ تحت المنع.

و أمّا الحدّ الذي لم يبلغ الإمام فهو و إن روي بأنّه يملكه الإمام إلّا أنّه قيّد جواز الشفاعة فيه بخصوص مورد الندم، و حينئذٍ فلا يبعد كون الندامة قيداً مبيّناً لمورد يملكه الإمام و يجوز له عدم إجرائه، و يتّحد حينئذٍ مضمون النسخ هاهنا أيضاً.

و أمّا الشفاعة في غير الحدّ فقيّد جوازها بأن لا يبلغ الإمام، و قد كان مقتضي نسخة «الكافي» و «التهذيب» كما عرفت جواز الشفاعة عند الإمام و لو بعد بلوغه، فتختلف النسختان فيه، و لا حجّة في إحداهما، مضافاً إلي أنّ المنقول عن «التهذيب» و بعض نسخ «الكافي» هنا

مع رضا المشفوع له

، فلا يعتبر عليه ندامته و يعتبر رضاه، فالمتيقّن من جميع النسخ

______________________________

(1) الفقيه 3: 19/ 45، الوافي 15: 542/ 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 331

______________________________

في غير الحدّ جواز الشفاعة قبل أن يبلغ الإمام و بعد رجوع المشفوع له عن

المعصية و رضاه بالشفاعة.

و في غير هذه الصورة يرجع إلي سائر الأدلّة، و قد عرفت أنّ مقتضاها أنّ التوبة مسقطة للحدّ بشرط أن يستتر علي نفسه و إن قامت عليه بعد ذلك البيّنة، فتذكّر. و في غيرها فإطلاقات أدلّة الحدود و التعزيرات محكّمة، و اللّٰه العالم.

و الحمد للّٰه ربّ العالمين، و له مزيد الشكر علي التوفيق، و صلّي اللّٰه علي أوليائه؛ و لا سيّما علي سيّدنا خاتم النبيين و آله الطاهرين.

تمّت كتابته في يوم الأحد 8 شوّال المكرّم 1404 ه. ق 17 تير 1363 ه. ش.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 333

[الفصل الثاني في اللواط و السحق و القيادة]

اشارة

الفصل الثاني في اللواط و السحق و القيادة

[مسألة 1 اللواط وطء الذكران من الآدمي بإيقاب و غيره]

مسألة 1 اللواط وطء الذكران من الآدمي بإيقاب و غيره (1)،

______________________________

(1) أصل اللوط بحسب اللغة هو اللصوق و الإلصاق، يقال: لاط الشي ء بقلبي يلوط لَوطاً و ليطاً بمعني لصق، و لاط الشي ءَ بالشي ء بمعني ألصقه به، ثمّ استعمل في فجور الذكران إمّا رعاية لمعناه اللغوي؛ لملازمته لصوق كلّ بالآخر، و إمّا اشتقاقاً من لفظة «لوط» التي هي اسم النبي الذي كان قومه أوّل من عمل هذه الفاحشة.

قال في «المصباح المنير»: لاط الرجل يلوط لواطه بالهاء هكذا ذكره الفارابي فعل الفاحشة كما فعله قوم لوط النبي (عليه السّلام)، و لاط الشي ء لوطاً: لصق، انتهي.

و في «مجمع البحرين»: أصل اللوط اللصوق. و لاط الرجل و لاوط: إذا عمل عمل قوم لوط، و منه اللواط؛ أعني وطء الدبر، انتهي.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 334

______________________________

و الظاهر: أنّ شمول عنوان اللواط لما كان بصورة الإدخال واضح، و شموله لغيره أيضاً مذكور في الأخبار؛ ففي موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): اللواط ما دون الدبر، و الدبر هو الكفر «1».

و في خبر حذيفة بن منصور سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن اللواط، فقال

ما بين الفخذين

، و سألته عن الذي يوقب، فقال

ذاك الكفر بما أنزل اللّٰه علي نبيه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) «2».

و ممّا أُطلق فيه اللواط علي الإيقاب ما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بامرأة و زوجها، قد لاط زوجها بابنها من غيره و ثقبه و شهد عليه بذلك الشهود، فأمر به فضرب بالسيف حتّي قتل.

الحديث «3».

فالظاهر أنّ اللواط و

مشتقّاته في الأخبار يشمل كلا القسمين، و ما في خبري السكوني و حذيفة مبني علي تشديد أمر الإيقابي منه، هذا. و الذي يسهّل الخطب: أنّ الأحكام الواردة فيه في الغالب وقع علي غير عنوان اللواط، كما سيظهر إن شاء اللّٰه تعالي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 339، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم و ما يناسبه، الباب 20، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 20: 340، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم و ما يناسبه، الباب 20، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 28: 156، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 2، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 335

و هو لا يثبت إلّا بإقرار الفاعل أو المفعول أربع مرّات (2).

______________________________

(2) في «الرياض» بلا خلاف أجده، و في «الجواهر» أنّه ممّا قطع به الأصحاب. و قد مرّ في كلماتنا أنّ مقتضي بناء العقلاء حجّية إقرار كلّ أحد علي نفسه و لو مرّة واحدة، و الظاهر أنّ وجه ما قاله الأصحاب هنا صحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

بينما أمير المؤمنين (عليه السّلام) في ملأ من أصحابه إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين (عليه السّلام) إنّي أوقبتُ علي غلام فطهّرني، فقال له: يا هذا امض إلي منزلك لعلّ مراراً هاج بك، فلمّا كان من غد عاد إليه فقال له: يا أمير المؤمنين إنّي أوقبت علي غلام فطهّرني، فقال له: اذهب إلي منزلك لعلّ مراراً هاج بك، حتّي فعل ذلك ثلاثاً بعد مرّته الاولي فلمّا كان في الرابعة قال له: يا هذا إنّ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) حكم في مثلك بثلاثة أحكام.

الحديث «1».

ببيان: أنّه (عليه السّلام) لم يوجب عليه حدّ اللواط إلّا

بعد أن أقرّ علي نفسه أربع مرّات، و مورد الحديث و إن كان خصوص اللواط الإيقابي إلّا أنّه لو أُلغي الخصوصية عنه إلي مطلقه لكفي في الدلالة علي الحكم في غيره أيضاً، كما أنّ مورده و إن كان خصوص من تاب قبل أن يأتي إليه (عليه السّلام) علي ما هو الظاهر من أقواله؛ و لا سيّما ممّا قاله في تشهّده بقوله

اللهمّ إنّي قد أتيت من الذنب ما قد علمته، و إنّي تخوّفت من ذلك فأتيتُ إلي وصيّ رسولك و ابن عمّ نبيك فسألته أن يطهّرني.

الحديث؛ فإنّ قوله هذا كالصريح علي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 161، كتاب الحدود، أبواب حدّ اللواط، الباب 5، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 336

أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة (3) مع جامعيتهم لشرائط القبول.

______________________________

أنّ خوفه من الذنب هو الذي بعثه إلي أن يأتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) و يسأله أن يطهّره، و كفي به توبة. فمورده و إن كان خصوص التائب إلّا أنّ إلغاء الخصوصية عنه مقتضٍ لانفهام أنّ الأقارير الأربعة هي الموجبة لثبوت هذا الموضوع، لا أنّ للتوبة قبلها تأثيراً في اعتبار العدد الخاصّ فيها، فتأمّل.

(3) ثبوته بشهادة الأربعة ممّا لا كلام فيه، و أمّا عدم ثبوته بشهادة أقلّ منها فمقتضي القاعدة ثبوته بشهادة عدلين كما في سائر الموضوعات، لكنّه ادّعي عدم الخلاف في عدم قبول شهادة الثلاثة، بل حدّهم كما في الرياض و لم أعثر علي نقل مخالف هنا، و إن نقل الخلاف إذا انضمّ إلي هؤلاء الثلاثة امرأتان أيضاً، قال في «شرح الإرشاد»: و كأنّهم يجعلونه باعتبار الثبوت مثله أي مثل الزنا بغير نزاع، و كأنّه إجماع أو عليه دليل آخر غيره و ما رأيته، انتهي.

و كيف

كان: فيمكن الاستدلال له بما رواه البزنطي الذي لا يروي إلّا عن ثقة عن إسماعيل بن أبي حنيفة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان و الزنا لا يجوز فيه إلّا أربعة شهود، و القتل أشدّ من الزنا؟ فقال

لأنّ القتل فعل واحد و الزنا فعلان، فمن ثمّ لا يجوز إلّا أربعة شهود علي الرجل شاهدان و علي المرأة شاهدان «1»

، و نحوه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 408، كتاب الشهادات، الباب 49، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 337

______________________________

المروي عن بعض الأصحاب عن أبي حنيفة «1» فراجع.

بيان الاستدلال: أنّ مقتضي العلّة المذكورة احتياج اللواط أيضاً إلي شهادة أربعة؛ لأنّه أيضاً فعلان، فشاهدان علي اللائط و آخران علي الملوط حرفاً بحرف.

و استدلّ بما رواه الصدوق بالسند المعتبر و الشيخ و الكليني أيضاً في المرأة الحاملة التي زنت و أتت أمير المؤمنين تريد تطهيره لها بإجراء الحدّ، حيث إنّه (عليه السّلام) أطلق علي أقاريرها أنّها شهادة إلي أن قال بعد الرابع

اللهمّ إنّه قد ثبت عليها أربع شهادات «2»

فدلّ علي أنّ الإقرار بمنزلة الشهادة فإذا كان اللواط لا يثبت بأقلّ من أربعة إقرارات فلا يثبت بأقلّ من أربعة شهادات أيضاً.

و فيه: أنّ الإقرار قد جعل بمنزلة الشهادة لا بمنزلة الشاهد، و الشهادات الأربعة أعني الأقارير الأربعة إذا كانت لازمة في ثبوت أمر كاللواط فلا شاهد فيه علي لزوم الشهود الأربع، فلعلّه يكفي اثنان.

و الحاصل: أنّ الأربعة الشهادات أي الأقارير صدرت من شخص واحد، و الشهود كلّ منهم رجل واحد، فاعتبار العدد في أقارير شخص واحد لا دليل فيه علي اعتبار نفس هذا العدد في أشخاص متعدّدة، فلعلّه يكتفي بالأقلّ؛ فإنّ رعاية العدد

في الأقارير لا تزيدها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 409، كتاب الشهادات، الباب 49، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 103، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 16، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 338

[مسألة 2 يشترط في المقرّ فاعلًا كان أو مفعولًا البلوغ و كمال العقل]

مسألة 2 يشترط في المقرّ فاعلًا كان أو مفعولًا البلوغ (4) و كمال العقل (5)

______________________________

علي إقرار شخص واحد، بخلاف تعدّد الشهود.

و ربّما يؤيّد بلفظ الشهود الواقع في خبر أبي بكر الحضرمي الماضي حيث قال فيه

و شهد عليه بذلك الشهود

، و في خبر العرزمي أيضاً حيث قال

فقال للشهود رأيتموه «1»

؛ نظراً إلي أنّ تعبيرهما بالشهود بصيغة الجمع يدلّ علي عدم ثبوت اللواط بشاهدين عدلين؛ فإنّ أقلّ الجمع ثلاثة، و لا إشكال في عدم اعتبار الثلاثة فيعتبر الأربعة.

و فيه: أنّ غاية مدلولهما أنّه في موردهما شهد عليه أكثر من شاهدين، و أمّا أنّه يعتبر فيه ذلك، فلا دلالة لهما عليه؛ فالعمدة أنّ اعتبار الأربعة أُرسل إرسال المسلّمات، مضافاً إلي مصحّحة إسماعيل ابن أبي حنيفة، فتدبّر.

(4) فإنّ رفع القلم عنه يقتضي أن لا نأخذه بأقاريره؛ بمعني أنّ الصبي و إن كان محكوماً بوجوب تعزيره علي اللواط إلّا أنّ ترتيب الأثر علي إقراره و إيجاب التعزير عليه بإقراره ممّا ينفيه إطلاق رفع القلم عنه.

(5) فإنّ إظهارات المجنون لا عبرة بها عند العقلاء، فلا سيرة متّبعة و لا دليل لفظي علي اعتباره.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 158، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 339

و الحرّية (6) و الاختيار و القصد (7)؛ فلا عبرة بإقرار الصبي و المجنون و العبد و المكرَه و الهازل.

[مسألة 3 لو أقرّ دون الأربع لم يحدّ]

مسألة 3 لو أقرّ دون الأربع لم يحدّ، و للحاكم تعزيره بما يري (8)، و لو شهد بذلك دون الأربعة لم يثبت (9)، بل كان عليهم الحدّ للفرية (10)،

______________________________

(6) استدلّ لاعتبارها: بأنّ المملوك ملك سيّده، فإقراره باللواط الموجب للقتل أو الضرب لو قبل لأوجب تصرّفاً في ملك

الغير بلا إذن منه، فهو إقرار علي الغير و ليس دليل علي اعتباره، فتأمّل.

(7) فإنّ غير القاصد جدّاً إلي الإقرار لا يعدّ إظهاره إقراراً عند العقلاء حتّي يؤخذ به؛ سواء كان غير قاصد إلي اللفظ أيضاً كمن تلفّظ سهواً، أو قاصداً لمجرّد اللفظ كأن ذكره شاهداً أو لأن يمتحن نفسه في أداء الألفاظ أو كان قاصداً للمعني هزلًا؛ فإنّه لا يكون إقراراً حتّي يتوجّه جدّه إلي معناه. و حينئذٍ: فإن أكرهه أحد علي الإقرار فإظهاره و إن كان إقراراً إلّا أنّه لا يترتّب عليه الأثر عند العقلاء حتّي يشمله دليل إمضاء السيرة، بل إنّ حديث رفع الإكراه يحكم بأنّه كالمعدوم في محيط الشريعة الإسلامية، فلا محالة لا يترتّب عليه الأثر المطلوب، كما لا يخفي.

(8) مرّ وجهه في المسألة الثانية من مسائل ما يثبت به الزنا فراجع؛ فإنّ ما مرّ هناك يجري هنا أيضاً حرفاً بحرف.

(9) إذ المفروض اعتبار الأربعة و لم تتحقّق.

(10) بناءً علي شمول أدلّة القذف لمن شهد علي الغير بالزنا أو اللواط عند القاضي أيضاً و لم تقبل شهادته و لو لنقصان العدد، كما استفدناه من

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 340

و لا يثبت بشهادة النساء منفردات أو منضمّات (11)،

______________________________

الأدلّة الخاصّة الواردة في باب الزنا، فراجع ما علّقناه علي قوله مدّ ظلّه: «بل حدّوا للفرية» في المسألة التاسعة من مسائل ما يثبت به الزنا.

(11) و في «الجواهر» كتاب الشهادات: إنّ عليه الشهرة العظيمة، و إن ادّعي في «الغنية» الإجماع علي قبول شهادة ثلاثة رجال و امرأتين، انتهي.

و الدليل علي عدم القبول إطلاق الأخبار؛ ففي صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلنا: أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟

فقال

في القتل وحده، إنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم «1»

؛ فإنّ جواز شهادتهنّ الواقع في السؤال شامل لجوازها و لو كانت منضمّة إلي الرجال، و عموم الحدود أيضاً شامل لما نحن فيه.

و في موثّقة غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السّلام) عن علي (عليه السّلام) قال

لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في القود «2».

و نحوه خبر موسي بن إسماعيل عن أبيه عنه (عليه السّلام) أيضاً «3»، فراجع.

و في خبر السكوني عنه (عليه السّلام)

أنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق و لا نكاح و لا في حدود، إلّا في الديون و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 350، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 27: 358، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 29.

(3) وسائل الشيعة 27: 359، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 30.

(4) وسائل الشيعة 27: 362، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 42.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 341

و الحاكم يحكم بعلمه (12)؛ إماماً كان أو غيره.

______________________________

فهذه الأخبار بإطلاقها تدلّ علي عدم الاعتبار بشهادة النساء في الحدود و لو انضمّت إلي شهادة الرجال أيضاً.

و في قبالها خبر عبد الرحمن قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة. إلي أن قال: و قال (عليه السّلام)

تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال «1»

؛ فإنّه صريح في قبول شهادتهنّ مع الرجال في الحدود، و عموم الحدود شامل لما نحن فيه أيضاً، و هو بالنسبة إلي تلك الأخبار خاصّ مطلق؛ فإنّها مطلقة شاملة لحالة الانضمام و الانفراد، و هو مختصّ بالانضمام، فيكون مخصّصاً لها كما هو القاعدة في أمثاله، هذا.

إلّا أنّ

سنده ضعيف؛ لاشتراك عبد الرحمن بين الثقة و غيره، و مجرّد وقوع أبان الذي من أصحاب الإجماع في السند لا يكفي في تصحيحه كما حقّق في محلّه، و لم يعمل المشهور به لكي ينجبر بعملهم ضعف سنده، بل لو فرض اعتبار سنده فقد أعرض المشهور عن العمل به، و إلّا فحمل المطلق علي المقيّد و تقديم الخاصّ المطلق علي العامّ ممّا لا يخفي عليهم، فتأمّل.

و كيف كان: فلا حجّة في قبال مطلقات عدم القبول.

(12) قد مرّ وجهه عند تعرّض الماتن دام ظلّه له تارة في كتاب القضاء ذيل المسألة الثامنة من صفات القاضي، و أُخري ذيل المسألة الرابعة من لواحق حدّ الزنا، و لا حاجة إلي الإعادة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 356، كتاب الشهادات، الباب 24، الحديث 21.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 342

[مسألة 4 لو وطئ فأوقب ثبت عليه القتل]

مسألة 4 لو وطئ فأوقب ثبت عليه القتل و علي المفعول إذا كان كلّ منهما بالغاً عاقلًا مختاراً، و يستوي فيه المسلم و الكافر و المحصن و غيره (13).

______________________________

(13) قال في «الجواهر»: بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه و في «الرياض»: لو كانا بالغين قتلا إجماعاً، و هو كما تري مطلق من حيث الإحصان و عدمه و قال في «المسالك»: لا خلاف في وجوب قتل اللائط الموقب إذا كان مكلّفاً، انتهي. و إطلاقها أيضاً شامل لغير المحصن؛ لا سيّما و هو تعليقة علي عبارة «الشرائع» المصرّحة بالاستواء بين المحصن و غيره.

و مع ذلك كلّه: فقد قال الصدوق في «المقنع»: و إذا أتي رجل رجلًا و هو محصن فعليه القتل، و إن لم يكن محصناً فعليه الحدّ، و علي المأتي القتل علي كلّ حال؛ محصناً كان أو غير محصن، انتهي.

هذا بالنسبة

إلي الأقوال.

أمّا الأخبار: فالكلام تارة في الفاعل الموقب، و أُخري في المفعول:

أمّا الفاعل: فيدلّ علي أنّ حدّه القتل مطلقاً صحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

بينما أمير المؤمنين (عليه السّلام) في ملأ من أصحابه إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أوقبت علي غلام فطهّرني، فقال له: يا هذا امض إلي منزلك لعلّ مراراً هاج بك، فلمّا كان من غد عاد إليه فقال له: يا أمير المؤمنين إنّي أوقبت علي غلام فطهّرني، فقال له: اذهب إلي منزلك لعلّ مراراً هاج بك، حتّي فعل ذلك ثلاثاً بعد مرّته الاولي، فلمّا كان في الرابعة قال له: يا هذا إنّ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) حكم في مثلك بثلاثة أحكام

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 343

______________________________

فاختر أيّهنّ شئت، قال: و ما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت أو إهدار (إهداء. كا) من جبل مشدود اليدين و الرجلين أو إحراق بالنار.

الحديث «1»؛ فإنّها كما تري مطلقة موضوعها من أوقب، و هو شامل للمحصن و غيره، و كلّ واحد من الأحكام الثلاثة عبارة أُخري عن قتله، إلّا أنّه في صور ثلاث.

و يدلّ عليه أيضاً موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرّتين لرجم اللوطي «2»

، و ظاهرها أنّ اللوطي مستحقّ للرجم أكثر من دفعة واحدة، و الرجم هو القتل في صورة مخصوصة، و الظاهر أنّ اللوطي منسوب إلي لوط النبي (عليه السّلام) بعلاقة كون اللوطي عاملًا عمل قومه، و هو و إن كان شاملًا للفاعل و المفعول إلّا أنّ شموله للّاطي أظهر،

و أظهر فرديه هو الموقب؛ فتدلّ الموثّقة علي أنّ حدّ الموقب هو القتل.

و يدلّ عليه أيضاً صحيحة عبد الرحمن العرزمي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

وجد رجل مع رجل في أمارة عمر، فهرب أحدهما و أُخذ الآخر، فجي ء به إلي عمر، فقال للناس: ما ترون في هذا؟ فقال هذا: اصنع كذا، و قال هذا: اصنع كذا، قال: فما تقول يا أبا الحسن؟ قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 161، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 5، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 157، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 344

______________________________

اضرب عنقه، فضرب عنقه قال: ثمّ أراد أن يحمله فقال: مه إنّه بقي من حدوده شي ء، قال: أيّ شي ء بقي؟ قال: ادع بحطب، فدعا عمر بحطب فأمر به أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأُحرق به «1»

، و دلالتها علي أنّ القتل في موضوع الرواية حدّه واضحة، و من عدم ذكر الإمام (عليه السّلام) لخصوصية اللائطية و الملوطية يعلم أنّ القتل حدّ لكليهما بلا تفصيل بينهما، و لا بين أن يكونا محصنين أم لا، و لا بين سائر الجهات، بل ربّما أمكن أن يقال: إنّها شاملة للإيقاب و ما دونه، إلّا أنّه لا ريب في أنّ الإيقاب هو المتيقّن المسلّم من موضوعها.

و يدلّ عليه أيضاً خبر سليمان بن هلال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يفعل بالرجل، فقال

إن كان دون الثقب فالجلد، و إن كان ثقب أُقيم قائماً ثمّ ضرب بالسيف ضربة أخذ السيف منه ما أخذ

، فقلت له: هو القتل؟ قال

هو ذاك «2»

، و دلالته علي قتل الفاعل الموقب كإطلاقه واضحة، إلّا أنّه

ضعيف السند.

و نحوه مرفوعة الواسطي المضمرة «3»، فراجع.

و في قبال هذه الروايات ما تدلّ علي التفصيل في اللائط بين المحصن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 158، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 153، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 28: 159، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 345

______________________________

و غيره بالقتل أو الرجم في الأوّل و الجلد في غيره؛ ففي صحيحة حمّاد بن عثمان قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل أتي رجلًا، قال

عليه إن كان محصناً القتل، و إن لم يكن محصناً فعليه الجلد

، قال: قلت: فما علي المؤتي به؟ قال

عليه القتل علي كلّ حال؛ محصناً كان أو غير محصن «1»

، فموضوعها من أتي غيره، و لا ريب في أنّ الموقب متيقّن منه، و قد فصّل بالصراحة بين المحصن و غيره.

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

إنّ في كتاب علي (عليه السّلام) إذا أُخذ الرجل مع غلام في لحاف مجرّدين ضرب الرجل و أُدّب الغلام، و إن كان ثقب و كان محصناً رجم «2»

، فتري أنّه (عليه السّلام) قد حكم بضرب الرجل الظاهر في مائة جلدة في جميع الصور التي منها إيقابه، و استثني منها خصوص صورة إيقابه مع إحصانه، فحكم عليه حينئذٍ بالرجم.

و في صحيحة ابن أبي عمير عن عدّة من أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الذي يوقب

أنّ عليه الرجم إن كان محصناً، و عليه الجلد إن لم يكن محصناً «3»

، و دلالتها علي التفصيل واضحة، و سندها معتبر؛ إذ

مراسيل ابن عمير كمسانيده.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 154، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 159، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 28: 160، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 346

______________________________

و مثل هذه الصحاح في هذا التفصيل رواية العلاء بن الفضيل و خبر الحسين بن علوان و أبي البختري و يزيد بن عبد الملك «1»، فراجع.

فدلالة هذه الأخبار المفصّلة كاعتبار سندها واضحة، و النسبة بينها و بين ما سبقتها عموم و خصوص من وجه، و مقتضي الجمع العرفي تقييد تلك المطلقات بها و اختصاص القتل أو الرجم بخصوص الموقب المحصن، و هذا الجمع ممّا لا يخفي علي فاضل، فضلًا عن العلماء الأعلام، و مع ذلك فقد عرفت دعوي الإجماع المحصّل و المنقول علي عدم الفرق بين المحصن و غيره، فوضوح سند هذه الأخبار و وجودها في الكتب الأربعة المشهورة المعروفة و عدم فتوي أحد من الأصحاب بمضمونها شاهد قوي و حجّة معتبرة علي إعراضهم عنها، فلا حجّة في التفصيل الذي دلّت عليه، و اللازم الأخذ بإطلاق تلك المطلقات، و اللّٰه العالم.

هذا كلّه في الفاعل الموقب.

و أمّا الملوط الموقَب فتدلّ علي أنّ حدّه القتل أخبار؛ إمّا بالإطلاق و إمّا بالتصريح بعدم الفرق فيه بين المحصن و غيره:

فمن المطلقات: موثّقة السكوني الماضية بناءً علي شمول اللوطي للملوط أيضاً كما مرّ بيانه و صحيحة العرزمي الماضية أيضاً، كما عرفت.

و من المطلقات أيضاً: موثّقة أُخري للسكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): إذا كان الرجل كلامه كلام النساء و

مشيته

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 154، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 3 و 6 و 7 و 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 347

______________________________

مشية النساء و يمكّن من نفسه ينكح كما تنكح المرأة فارجموه و لا تستحيوه «1».

و مثلها في الإطلاق خبر عبد الرحمن العرزمي «2» و ذيل مرفوعة الواسطي «3» و رواية عبد اللّٰه بن ميمون «4» و خبر أبي بكر الحضرمي «5» و خبر سيف التمّار «6» أيضاً، فراجع.

و ممّا يدلّ عليه بالصراحة صحيحة حمّاد بن عثمان الماضية، و رواية يزيد بن عبد الملك المعتبرة بناءً علي اعتبار نسخة «بصائر الدرجات» قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

إنّ الرجم علي الناكح و المنكوح ذكراً كان أو أُنثي إذا كان محصنين و هو علي الذكر إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 159، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 28: 158، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 28: 159، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 28: 160، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 9.

(5) وسائل الشيعة 28: 156، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 2، الحديث 1.

(6) وسائل الشيعة 28: 156، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 2، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 348

______________________________

كان منكوحاً أُحصن أو لم يحصن «1».

فهذه الروايات الكثيرة التي فيها المعتبرات دالّة علي أنّ حدّه القتل مطلقاً.

و في قبالها موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

الملوط حدّه حدّ الزاني «2»

؛ فإنّ حدّ الزاني المحصن الرجم

و غيره الجلد. اللهمّ إلّا أن يدّعي انصراف حدّ الزاني إلي خصوص المائة جلدة، فتدلّ علي أنّ الملوط إنّما يجلد مطلقاً لا غير، بل ربّما يمكن الاستدلال بإطلاق ما فصّل بين المحصن و غيره بالقتل و الجلد علي عنوان اللوطي، كما في خبر العلاء و الحسين بن علوان و أبي البختري الذي مضت الإشارة إليها، بناءً علي شمول العنوان للملوط أيضاً، هذا.

إلّا أنّه لا مجال للأخذ بإطلاق هذه الأخبار المفصّلة بعد تصريح صحيحة حمّاد بن عثمان و رواية يزيد بن عبد الملك باختصاص هذا التفصيل باللائط، و أنّ الملوط حدّه القتل محصناً كان أو غير محصن فلا محالة يقيّد بهما إطلاق هذه الأخبار و يختصّ تفصيلها باللائط، علي أنّها معرض عنها كما عرفت.

و أمّا الموثّقة فإن أُريد منها أنّ الملوط كالزاني يفصّل فيه بين المحصن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 155، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 28: 153، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 349

و لو لاط البالغ العاقل بالصبي موقباً قتل البالغ و أُدّب الصبي (14)

______________________________

و غيره، يعارضها صحيحة حمّاد و رواية يزيد، و الترجيح مع الصحيحة لموافقتها المشهور. و إن أُريد منها أنّ حدّه مائة جلدة عارضها أيضاً نفس الصحيحة و الخبر؛ لكونهما كالصريحتين في قتل الملوط المنكوح بالإيقاب، و يقيّد بهما إطلاقها، بناءً علي استظهار خصوص الملوط بالإيقاب منهما، و إلّا فلا بدّ من طرح الموثّقة لما عرفت، و اللّٰه العالم.

(14) أمّا قتل الفاعل البالغ فلإطلاق عنوان اللوطي و الناكح في الأدلّة الماضية؛ فإنّه شامل لما كان الملوط صبياً أيضاً، مضافاً إلي دلالة صحيحة مالك

بن عطية و صحيحة أبي بصير علي أنّ حدّه القتل، و هما واردتان في مورد يكون الملوط غلاماً و هو شامل للصبي غير البالغ، بل صحيحة أبي بصير مختصّة به بدليل قوله (عليه السّلام)

أُدّب الغلام

، مضافاً إلي إلغاء الخصوصية عن أخبار فرضت كون المأتي رجلًا أيضاً.

و أمّا تأديب الصبي: فيدلّ عليه إطلاق صحيحة أبي بصير أو صريحها؛ فإنّها صرّحت بتأديب الغلام في ما وجد مجرّداً مع الرجل تحت لحاف واحد، و ذكر رجم الفاعل الموقب في مقام الاستثناء في ذيلها شاهد علي أنّ الغلام يؤدّب مطلقاً؛ أُوقب عليه أم لا.

و نحوها خبر أبي بكر الحضرمي؛ إذ فيه

و ضرب الغلام دون الحدّ، و قال: أمّا لو كنت مدركاً لقتلتك لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 156، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 2، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 350

و كذا لو لاط البالغ العاقل موقباً بالمجنون (15)، و مع شعور المجنون أدّبه الحاكم بما يراه (16).

______________________________

مضافاً إلي دلالة عموم معتبرة الكناسي عن أبي جعفر (عليه السّلام) عليه؛ فإنّ فيها: قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ تقام عليه الحدود علي تلك الحال؟ قال

أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلّها علي مبلغ سنّه، و لا تبطل حدود اللّٰه في خلقه، و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم «2»

و دلالتها علي جلد الغلام غير المدرك أقلّ من الحدّ واضحة، و موردها و إن كان خصوص المتزوّج إلّا أنّ الجواب و لا سيّما مع تذييل

و لا تبطل حدود اللّٰه في خلقه

عامّ لجميع غير المدركين، كما لا يخفي.

(15) لإطلاق أدلّة

قتل الفاعل الموقب.

(16) أمّا نفي الحدّ عنه فواضح؛ فإنّ الحدّ عقوبة شرعية علي المعاصي، و المجنون قد رفع عنه قلم التكليف و لا يتصوّر منه معصية. و أمّا تأديبه مع شعوره فيمكن الاستدلال له بإلغاء الخصوصية عن أدلّة تأديب الصبي؛ فإنّه يفهم منها أنّ الشارع شرّع التأديب لتطهير محيط الجامعة الإسلامية عن هذه القاذورات، بل ربّما يمكن الاستدلال بعموم قوله في

______________________________

(2) وسائل الشيعة 28: 20، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 6، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 351

و لو لاط الصبي بالصبي أُدّبا معاً (17)، و لو لاط مجنون بعاقل حدّ العاقل (18) دون المجنون، و لو لاط صبي ببالغ حدّ البالغ و أُدّب الصبي و لو لاط الذمّي بمسلم قتل و إن لم يوقب (19)،

______________________________

معتبرة الكناسي

و لا تبطل حدود اللّٰه في خلقه

؛ فإنّه و إن ورد في خصوص الصبي إلّا أنّه عامّ يدلّ علي أنّه لا ينبغي أن يبطل حدود اللّٰه مطلقاً، نعم لمّا كانت الغاية من إجراء حدوده تعالي تأديب الفاعل و لذلك أيضاً عبّر في الأخبار الأُخر الواردة في الصبي بعنوان التأديب فلذلك يختصّ بما إذا شعر المجنون بأنّه لِمَ يضرب و يؤلم لكي يتأدّب به و يمنعه عن العود.

(17) كما يدلّ عليه إطلاق معتبرة الكناسي، و إلغاء الخصوصية عن مثل صحيحة أبي بصير؛ فإنّ المفهوم منها عرفاً أنّ تأديب الغلام لارتكابه لهذا العمل الشنيع، لا لأنّه ملوط و لا لأنّ لائطه رجل.

(18) لإطلاق أدلّة حدّ الملوط فإنّها شاملة لما كان لائطه مجنوناً، و لا أقلّ من إلغاء الخصوصية، و هكذا الكلام في الفرع التالي.

(19) أمّا قتله مع الإيقاب فواضح؛ لإطلاق الأدلّة، و أمّا مع

عدم الإيقاب فالظاهر أنّه لا نصّ عليه في هذا الباب بخصوصه، إلّا أنّ قتله بلا خلاف في الظاهر كما في «الرياض»، و لا خلاف أجده فيه كما في «الجواهر».

و استدلّ له تارة بأنّ الذمّي لو زنا بمسلمة كان حدّه القتل، و لا ريب أنّه لمكان هتكه للإسلام، و من المعلوم أنّ هتك الإسلام باللواط

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 352

______________________________

بأبناء المسلمين و رجالهم أشدّ، فقتله هنا أولي.

و أُخري كما في «المسالك» و «الرياض» بإطلاق ما دلّ علي أنّ حدّ اللوطي حدّ الزاني، و اللوطي كما عرفت شامل للموقب و غيره، بل ربّما يختصّ بغير الموقب بقرينة ما دلّ علي أنّ الموقب حدّه القتل، و حينئذٍ فكما أنّ الذمّي إذا كان زانياً بالمسلمة كان حدّه القتل فهكذا إذا لاط بمسلم بالتفخيذ فحدّه القتل.

و ثالثة كما في «مباني التكملة» بأنّه يعتبر في الذمّي أن لا يرتكب ما ينافي حرمة الإسلام، فإذا ارتكبه خرج عن الذمّة فيقتل.

إلّا أنّه يمكن المناقشة في الوجوه الثلاثة كلّها:

أمّا في الأوّل: فلأنّ المسلّم من أشدّية الهتك لو سلّم إنّما هو ما أُوقب، و أمّا مجرّد التفخيذ و التدبير فلا.

و أمّا في الثاني: فلأنّ هذه الروايات مذيّلة بقولهم (عليهم السّلام)

إن كان قد أحصن رجم، و إلّا جلد

فالذيل قرينة علي أنّ التنزيل إنّما هو في جريان هذا التفصيل في اللواط أيضاً، كما ورد هذا التفصيل في أخبار متعدّدة أُخري بلا ذاك الصدر أيضاً.

و أمّا في الثالث: فلأنّه مبني علي تعيّن قتل من خرج عن الذمّة، مع أنّه خلاف ما جاء عن الفقهاء هناك؛ قال في «الشرائع» في كتاب الجهاد: إذا خرقوا الذمّة في دار الإسلام كان للإمام ردّهم إلي مأمنهم، و هل له قتلهم

و استرقاقهم و مفاداتهم؟ فيه تردّد، و في «الجواهر» حكاية أنّ له ردّهم إلي مأمنهم عن «القواعد» و محكي «المبسوط»، قال: بل عن «الإيضاح» عدم الخلاف فيه، انتهي؛ فتري أنّ عدم تعيّن القتل لا خلاف

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 353

و لو لاط الذمّي بذمّي قيل: كان الإمام (عليه السّلام) مخيّراً بين إقامة الحدّ عليه و بين دفعه إلي أهل ملّته ليقيموا عليه حدّهم، و الأحوط لو لم يكن الأقوي إجراء الحدّ عليه (20).

[مسألة 5 الحاكم مخيّر في القتل بين ضرب عنقه بالسيف أو إلقائه من شاهق]

مسألة 5 الحاكم مخيّر في القتل بين ضرب عنقه بالسيف أو إلقائه من شاهق كجبل و نحوه مشدود اليدين و الرجلين أو إحراقه بالنار أو رجمه (21)، و علي قول أو إلقاء جدار عليه فاعلًا كان أو مفعولًا،

______________________________

فيه، و أنّ جوازه محلّ تردّد، و إن قوّي الجواز في «المسالك» و «الجواهر» و نقله «الجواهر» عن غيره.

فممّا ذكرنا يظهر: أنّه لا دليل علي قتله؛ لا سيّما و إنّ عموم أدلّة حدّ التفخيذ يقتضي أن يكون حدّه أيضاً هو الجلد. اللهمّ إلّا أن يستكشف من الشهرة و اللاخلاف أنّه كان علي المسألة دليل أو كان من المسلّمات المنقولة إلي الخلف عن السلف، و إلّا فلا يتجرّأ الأعاظم المحقّقون من العلماء علي الإفتاء بوجوب قتله مع أنّ عموم أدلّة حدّ الجلد يقتضي خلافه، فتأمّل.

(20) الظاهر: أنّه لا نصّ عليه في مسألتنا بخصوصها، و قد مرّ وجه التخيير في باب الزنا ذيل المسألة السابعة من مسائل أقسام الحدّ، كما أنّه قد مرّ وجه الاحتياط الاستحبابي، و لعلّ وجه آكدية الاحتياط هنا وجود نصّ هناك بالدفع إلي ملّتهم بخلافه هاهنا.

(21) قال في «الرياض»: إنّ التخيير بين الأُمور الخمسة قد ذكره الشيخان و الأكثر، و نفي

عنه الخلاف في «السرائر»، و في «الجواهر» أنّه المشهور، و ادّعي عليه في «الغنية» إجماع الطائفة، و في «الانتصار» الإجماع

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 354

______________________________

المتردّد يعني إجماع الإمامية إلّا أنّه لم يذكر الإحراق.

أقول: إنّ ظاهر المتن كظاهر كلماتهم أنّ التخيير إنّما هو بين الأُمور الأربعة أو الخمسة، و لازمه أنّه لا يجوز قتله بالآلات الحديثة في أمثال زماننا بضرب بندقة مثلًا في قلبه أو رأسه، و الظاهر أنّ منشأ الاقتصار هو استفادته من أخبار الباب، فاللازم هو الرجوع إليها، فنقول:

أمّا في الفاعل: فظاهر صحيحة مالك بن عطية أو صريحها هو التخيير بين أُمور ثلاثة: ضرب عنقه بالسيف و إحراقه و إلقاؤه مشدود اليدين و الرجلين من مكان مرتفع، و إليها يرجع الأخبار الحاكية لفعل أو أمر أمير المؤمنين (عليه السّلام) بضرب عنقه كما في خبر الحضرمي و سيف التمّار و صحيح العرزمي؛ إذ هو اختيار لأحد شقوق التخيير.

نعم خبر سليمان بن هلال و مرفوعة الواسطي ظاهران في تعيّن إيراد ضربة عليه بالسيف أخذت منه ما أخذت، إلّا أنّ سندهما غير معتبر، و ملاحظة صحيحة ابن عطية في جنبهما لا تبقي شكّاً في أنّها أحد المصاديق. و بالجملة: فمقتضي الصحيحة هو التخيير بين أحد الأُمور الثلاثة المذكورة.

إلّا أنّ هنا أخباراً متعدّدة تدلّ علي أنّ اللوطي أو اللائط ترجم؛ ففي موثّقة السكوني الماضية

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرّتين لرجم اللوطي «1»

، و في صحيحة أبي بصير

إن كان ثقب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 157، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 355

______________________________

و كان محصناً رجم «1»

، و في مصحّحة ابن أبي

عمير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «في الذي يوقب

أنّ عليه الرجم إن كان محصناً.

الحديث «2».

إلي غير ذلك من الأخبار الدالّة علي رجم اللائط المحصن ممّا قد مرّت أو مرّت إليه الإشارة، و حينئذٍ فلا يبعد دعوي أنّ الرجم أيضاً جائز، و هو يضاف علي مصاديق التخيير، فتصير أربعة.

بل يمكن أن يقال: إنّ مقتضي صحيحة حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل أتي رجلًا، قال

إن كان محصناً فعليه القتل، و إن لم يكن محصناً فعليه الحدّ (الجلد. ئل)

، قلت: فما علي المؤتي به؟ قال

عليه القتل علي كلّ حال؛ محصناً كان أو غير محصن «3»

أنّ حدّ اللائط أو الملوط في غير مورد الجلد هو القتل، و إطلاقه يقتضي جواز إيقاعه بأيّ وجه كان، و هو و إن اختصّ في اللائط بمن كان محصناً إلّا أنّ المفهوم منه عرفاً أنّه لمكان أنّه تضمّن أنّ حدّ غير المحصن هو الجلد، و إلّا فلو لم يحكم عليه بالجلد لكان حدّ اللواط هو القتل، فإذا أعرض المشهور عن هذا الاختصاص المدلول عليه يفهم عرفاً أنّ الحدّ هو القتل بأيّ نحو كان.

و صحيحة ابن عطية المذكورة لا نسلّم دلالتها علي الخلاف؛ إذ فيها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 159، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 28: 160، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 28: 154، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 356

______________________________

فلمّا كان في الرابعة قال له: يا هذا إنّ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) حكم في مثلك بثلاثة أحكام

فاختر أيّهنّ شئت.

الحديث «1»، فهو (عليه السّلام) قد نقل: إنّ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) حكم في مثله بثلاثة أحكام لا بأحد الثلاثة، فلا يبعد دعوي أنّ مراده (عليه السّلام) أنّه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) حكم بمجموع الثلاثة في مثله، و لا محالة أنّها كانت في موارد ثلاثة أو أكثر، و حينئذٍ فلا منافاة بين حكمه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بهذه الثلاثة و بين أن يجوز طريق رابع و خامس و هكذا، فقد دلّ أدلّة الرجم علي جواز طريق رابع و دلّت صحيحة حمّاد علي أنّ الحدّ و المعيار هو القتل، و لازمه أن يجوز إيقاعه بأيّ طريق كان.

و كيف كان: فقد عرفت التصريح في أخبار معتبرة بجواز إيقاعه في صورة ضرب عنقه بالسيف و إلقائه من جبل و إحراقه بالنار و رجمه، و هي التي أفتي الماتن بجوازها.

و أمّا الصورة الخامسة أعني إلقاء جدار عليه، التي نسب الإفتاء بجوازها إلي المشهور، بل ادّعي عليه الإجماع في «الانتصار» و «الغنية» فلم نقف فيها علي نصّ معتبر أو مروي في الكتب المعروفة المعتبرة، نعم في «المستدرك» عن «فقه الرضا (عليه السّلام)»

و من لاط بغلام فعقوبته أن يحرق بالنار أو يهدم عليه حائط. «2»

إلي آخره، و ذكره الصدوق في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 161، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 5، الحديث 1.

(2) مستدرك الوسائل 18: 82، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 2، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 357

______________________________

«مقنعه» الذي قد أخذ من متون الأخبار، فإن حصل القطع من ذلك كلّه بوصول جوازه من الأئمّة المعصومين إلي الفقهاء، و إلّا

فلا دليل عليه إلّا بناءً علي ما استظهرناه، و معه فلا فرق بين هذه الصور و صور اخري متصوّرة، و اللّٰه العالم.

هذا كلّه في الفاعل اللائط.

و أمّا الملوط: فقد أمر الأمير (عليه السّلام) برجمه في موثّقة السكوني قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

إذا كان الرجل كلامه كلام النساء و مشيته مشية النساء و يمكّن من نفسه ينكح كما تنكح المرأة فارجموه و لا تستحيوه «1»

، هي بنفسها ظاهرة في تعيّن رجمه.

و يدلّ علي جواز رجمه خبر يزيد بن عبد الملك قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

إنّ الرجم علي الناكح و المنكوح ذكراً كان أو أُنثي إذا كانا محصنين، و هو علي الذكر إذا كان منكوحاً؛ أُحصن أو لم يحصن «2»

، و يعمّه أخبار رجم اللوطي، بناءً علي عدم اختصاص اللوطي بخصوص اللائط.

كما أنّه يدلّ إطلاق صحيحة العرزمي الماضية عند ذكر أدلّة وجوب قتل الموقب علي جواز ضرب عنقه؛ فإنّه قد مرّ عدم اختصاصها بالفاعل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 159، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 28: 155، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 358

______________________________

و يؤيّدها خبر العرزمي عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام) قال

اتي عمر برجل قد نكح في دبره، فهمّ أن يجلده فقال للشهود: رأيتموه يدخله كما يدخل الميل في المُكحلة؟ قالوا: نعم، فقال لعلي (عليه السّلام): ما تري في هذا، فطلب الفحل الذي نكحه فلم يجده فقال علي (عليه السّلام): أري فيه أن تضرب عنقه فأمر فضرب عنقه.

الحديث «2»؛ فإنّ مورده كما تري خصوص المفعول.

و كما أنّه يدلّ خبر عبد اللّٰه بن ميمون القدّاح

علي جواز إحراقه؛ ففيه: أنّ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كتب خالد إلي أبي بكر: سلام عليك، أمّا بعد: فإنّي أُتيت برجل قامت عليه البيّنة أنّه يؤتي في دبره كما تؤتي المرأة، فاستشار فيه أبو بكر فقالوا: اقتلوه، فاستشار فيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، فقال: أحرقه بالنار فإنّ العرب لا تري القتل شيئاً.

الحديث «1»، و قد ورد في ذيل مرفوعة الواسطي المضمرة

و الداعم عليه يحرق بالنار «3».

فهذه الصور الثلاث من كيفية قتل الملوط وردت في الأخبار، و حينئذٍ فلعلّ استواء الفاعل و الملوط في كيفية إجراء حدّ القتل في كلامهم لإلغاء الخصوصية عن خصوص اللائط؛ لا سيّما و مثل صحيحة العرزمي قد ذكر

______________________________

(2) وسائل الشيعة 28: 158، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 3.

(1) وسائل الشيعة 28: 160، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 28: 159، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 359

و يجوز الجمع بين سائر العقوبات و الإحراق؛ بأن يقتل ثمّ يحرق (22).

______________________________

أحد المتلاوطين و ضرب عنقه من دون ذكر خصوصية، فيعلم أنّ الخصوصية غير دخيلة في الحكم، هذا.

و أمّا علي ما قوّيناه من جواز قتل اللائط بأيّ كيفية كانت فصحيحة حمّاد التي استندنا إليها مصرّحة بأنّ حكم الملوط أيضاً هو القتل كما عرفت، و إطلاقها يقتضي التخيير بين جميع الكيفيات المذكورة و غيره، و علي مبني القوم أيضاً فهي قرينة أُخري علي استواء اللائط و الملوط في كيفية إجراء حدّ القتل؛ لذكرهما علي مستوي واحد.

(22) يعني أنّه يجوز الاقتصار علي مجرّد قتله بغير الإحراق، و يجوز

أيضاً أن يحرق بالنار بعد القتل، و في «الرياض» و «الجواهر» أنّ الحلّي في «السرائر» صرّح بأنّه لا خلاف فيه، و قال في «الرياض»: إنّه لا خلاف فيه علي الظاهر، و في «الجواهر»: أنّه لم يجد فيه خلافاً.

أقول: أمّا الدليل علي جواز الاكتفاء بمجرّد القتل فإطلاق الأخبار المتضمّنة لأنّ حدّه القتل أو المبيّنة لكيفية قتله؛ و لا سيّما صحيحة مالك بن عطية

و إنّ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) حكم في مثله بثلاثة أحكام، فاختر أيّهنّ شئت

؛ فإنّها كالصريحة في أنّ كلّا من ضرب العنق و الإلقاء من الجبل في عرض الإحراق، فيجوز الاكتفاء بصرف القتل بسائر الكيفيات.

و أمّا الدليل علي جواز إحراقه بعد القتل فهو ما مرّ من قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في ذيل صحيحة العرزمي بعد أن ضرب عنقه

مه إنّه بقي من حدوده شي ء.

الحديث.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 360

[مسألة 6 إذا لم يكن الإتيان إيقاباً]

مسألة 6 إذا لم يكن الإتيان إيقاباً كالتفخيذ أو بين الأليتين فحدّه مائة جلدة (23)، من غير فرق بين المحصن و غيره و الكافر و المسلم إذا لم يكن الفاعل كافراً و المفعول مسلماً، و إلّا قتل كما مرّ.

______________________________

و نحوها ذيل خبره الآخر «1»؛ فإنّ الصحيحة صريحة في جواز إحراقه بعد القتل، بل هي ظاهرة في الوجوب و أنّه من بقايا حدّه، إلّا أنّ عدم ذكره في سائر الأخبار الواردة في مقام البيان قرينة قوية علي جواز الترك، فيحمل الصحيحة علي الجواز و الاستحباب، و اللّٰه العالم.

(23) الأقوال في المسألة ثلاثة:

أحدها: ما في المتن، و ذهب إليه المفيد و المرتضي و ابن أبي عقيل و سلّار و الحلبي و ابن زهرة و ابن إدريس، بل نسبه في «المسالك»

إلي المشهور، و عن صريح «الانتصار» و ظاهر «الغنية» الإجماع عليه.

ثانيها: الرجم في المحصن و جلد مائة في غيره، نقل عن شيخ الطائفة في «تهذيبه» و «استبصاره» و «مبسوطه» و «خلافه» و أنّه تبعه القاضي و جماعة، و نفي عنه البأس في «المختلف».

و ثالثها: القتل مطلقاً، نسب إلي ظاهر الصدوقين و ابن الجنيد.

و العمدة ملاحظة أخبار الباب؛ فمقتضي بعض الأخبار وجوب قتل الفاعل و المفعول مطلقاً؛ ففي موثّقة السكوني الماضية

قال

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 158، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 3 و 4، و قد مرّت الصحيحة في أدلّة قتل اللائط.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 361

______________________________

أمير المؤمنين (عليه السّلام): لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرّتين لرجم اللوطي «1»

، بناءً علي أنّ اللوطي هو المنسوب إلي لوط النبي (عليه السّلام)، و النسبة يكفي فيها التلبّس بعمل قومه؛ فاعلًا أو مفعولًا إيقاباً أو تفخيذاً، فاللوطي مطلق يشمل جميع الأقسام، و يدلّ الحديث علي استحقاقه الرجم مرّتين، و هو عبارة أُخري عن القتل.

و في صحيحة العرزمي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

وجد رجل مع رجل في أمارة عمر، فهرب أحدهما و أُخذ الآخر، فجي ء به إلي عمر.

إلي أن قال

فما تقول يا أبا الحسن؟ قال: اضرب عنقه، فضرب عنقه.

الحديث «2»؛ فإنّ وجدان الرجل مع آخر كناية عرفاً عن جماعه معه، و هو شامل للإيقاب و غيره، و حيث إنّه (عليه السّلام) حكي مجرّد أنّه هرب أحدهما و أُخذ الآخر فيعلم أنّ عنوان الفاعل و المفعول لا خصوصية فيه، فتدلّ الصحيحة علي أنّ حدّ اللائط و الملوط هو ضرب العنق مطلقاً.

فإطلاق هذين المعتبرين يمكن أن يستدلّ به للصدوقين بلا حاجة إلي

ذيل خبر الحسين بن سعيد الذي نقله رجل غير معلوم الهوية و الوثاقة؛ فإنّ لفظه هكذا: ما حدّ رجلين نكح أحدهما الآخر طوعاً بين فخذيه؟ ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 157، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 158، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 362

______________________________

توبته؟ فكتب

القتل «1»

، و دلالته علي قتل كليهما في التفخيذ واضحة إلّا أنّه لا حجّة فيه أصلًا، هذا.

إلّا أنّ في مقابل المعتبرين ما يدلّ علي التفصيل بين المحصن و غيره بالرجم في الأوّل و الجلد في الثاني؛ ففي رواية العلاء بن فضيل قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

حدّ اللوطي مثل حدّ الزاني

و قال

إن كان قد أُحصن رجم و إلّا جلد «2»

فاللوطي كما عرفت يشمل الفاعل و المفعول بالإيقاب و غيره، و تذييل الصدر بقوله: «و قال.» إلي آخره ظاهر في بيان مماثلة الحدّين، و أنّه يرجم المحصن و يضرب مائة جلدة غير المحصن. و مثله خبران رويا عن «قرب الإسناد» «3» فراجع.

فهذه الروايات بالنسبة إلي المعتبرين خاصّ مطلق تخرج غير المحصن عن تحت إطلاقها، و يكون مقتضي الجمع قتلهما إذا كانا محصنين و ضربهما مائة إذا لم يكونا، كما هو مذهب الشيخ فإنّه صرّح بتساوي الفاعل و المفعول؛ ففي «نهايته»: و الضرب الثاني من اللواط و هو ما كان دون الإيقاب فهو علي ضربين: إن كان الفاعل أو المفعول به محصناً وجب عليه الرجم، و إن كان غير محصن كان عليه الجلد مائة جلدة. و لا ينافي هذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 154، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 5.

(2)

وسائل الشيعة 28: 154، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 28: 155، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 6 و 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 363

______________________________

التقييد الذي ذكرناه إعراض المشهور عن مفاد الفقرة الأخيرة أعني الحكم بالجلد في الموقب غير المحصن، كما مرّ فإنّه لا يوجب سقوطها في بقية مفادها عن الحجّية، كما هو واضح، هذا.

و في قبال هذه الروايات صحيحة أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

إنّ في كتاب علي (عليه السّلام): إذا أُخذ الرجل مع غلام في لحاف مجرّدين ضرب الرجل و أُدّب الغلام، و إن كان ثقب و كان محصناً رجم «1»

؛ فإنّ صدره شامل لمجرّد كونهما مجرّدين تحت اللحاف بلا عمل أصلًا و هو في كمال الندرة من مثلهما و لمورد التفخيذ أو ما بين الأليتين، بل و لمورد الإيقاب محصناً و غيره، و قد أُخرج منه في الذيل الموقب المحصن فبقي غيره، فغير الموقب سواء كان محصناً أو غيره يضرب، و حيث إنّ هذا الضرب ذكر في قبال تأديب الغلام فهو قسيم للتأديب، فيكون المراد به الحدّ، و المعهود المناسب هو مائة جلدة. و من المعلوم أنّ شمول إطلاق الصدر للمحصن غير الموقب أقوي من إطلاق رواية العلاء؛ فيقيّده، كما يقيّد معتبرة السكوني و العرزمي، و يصير الحاصل وجوب جلد مائة علي غير الموقب مطلقاً؛ محصناً كان أو غيره، و هو ما أفتي به المشهور.

و يوافقه و يؤيّده خبر سليمان بن هلال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يفعل بالرجل، فقال

إن كان دون الثقب فالجلد، و إن كان ثقب أُقيم قائماً ثمّ

ضرب بالسيف ضربة أخذ السيف منه ما أخذ

، فقلت له: هو القتل؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 159، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 364

______________________________

قال

هو ذاك «1»

، و دلالته علي التفصيل و أنّ ما دون الثقب بما أنّه ما دون الثقب يوجب الجلد واضح، و هو ما أفتي به المشهور، إلّا أنّ سند الخبر ضعيف بمجهولية سليمان، فيكون مؤيّداً لهم لا دليلًا.

و يؤيّدهم أيضاً مرفوعة أبي يحيي الواسطي قال: سألته عن رجلين يتفاخذان، قال

حدّهما حدّ الزاني، فإن أدعم أحدهما علي صاحبه ضرب الداعم ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت و تركت ما تركت يريد بها مقتله و الداعم عليه يحرق بالنار «2»

؛ فإنّ التفصيل و ذكر القتل في الإيقاب دليل علي أنّ التفاخذ لا يوجب القتل، فالمراد بحدّ الزاني هو جلد المائة، فتأمّل.

و قد يستشكل فيقال: إنّ ما ذكر وجهاً لمذهب المشهور إنّما يصحّ في الفاعل غير الموقب؛ فإنّ عمدة دليلهم هو صحيحة أبي بصير و هي مختصّة بضرب الفاعل، و إلّا فالمفعول فيها غلام لا يحدّ بل يؤدّب.

كما أنّ خبر سليمان وارد و متعرّض لجلد الفاعل و لو بقرينة قوله

و إن كان ثقب أُقيم.

إلي آخره مضافاً إلي ضعف سنده كضعف خبر الواسطي بالرفع و الإضمار، و حينئذٍ فيبقي إطلاق رواية الفضيل الدالّة علي رجم القتل اللوطي المحصن في الملوط غير الموقب علي حاله.

بل ربّما يمكن أن يقال: بأنّ حكمه القتل محصناً كان أو غير محصن-

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 153، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 159، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 3، الحديث 6.

مباني

تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 365

______________________________

كما يدلّ عليه صحيحة حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل أتي رجلًا، قال

عليه إن كان محصناً القتل، و إن لم يكن محصناً فعليه الجلد

، قال: قلت: فما علي المؤتي به؟ قال

عليه القتل علي كلّ حال؛ محصناً كان أو غير محصن «1»

؛ فإنّ الإتيان شامل للإيقاب و غيره، و قد صرّح بوجوب قتل الملوط و إن كان غير محصن، فهو يقيّد إطلاق ذيل مثل رواية العلاء بن فضيل بلا إشكال، و يحتم علي الملوط غير المحصن القتل، و هو خلاف مقالة المشهور بل خلاف مقالة الكلّ. و مثله خبر يزيد بن عبد الملك المروي عن «بصائر الدرجات» «2».

و الظاهر: أنّه لا محيص للمشهور إلّا أن يقال: إنّ إطلاق جميع هذه المطلقات منصرفة إلي خصوص اللواط الإيقابي، و لا أقلّ من أنّ شمولها لمثل ما كان مثل التفخيذ أو ما بين الأليتين مشكوك، و حينئذٍ و إن لم يكن لنا دليل معتبر يدلّ علي ضرب الملوط في غير الإيقاب مائة جلدة أيضاً إلّا أنّ ثبوته في اللائط كافٍ لإجرائه في الملوط أيضاً؛ إذ المستفاد من صحيحة حمّاد بن عثمان أنّ أمره ليس أخفّ من اللائط.

لكنّه يشكل بأنّه يتمّ لو علم بأنّ حدّ الملوط أيضاً الجلد إجمالًا و لم يعلم مقداره، و أمّا إذا احتمل أنّ حدّه القتل كما هو كذلك فلعلّ أشدّية حكمه من اللائط بأنّ حدّه القتل لا الجلد مائة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 154، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 155، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود،

ص: 366

و لو تكرّر منه الفعل و تخلّله الحدّ قتل في الرابعة، و قيل في الثالثة، و الأوّل أشبه (24).

______________________________

اللهمّ إلّا أن يستند لهم بإطلاق معتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

الملوط حدّه حدّ الزاني «1»

باستظهار الحدّ المذكور في الكتاب من حدّ الزاني؛ و هو مائة جلدة. فالحديث إمّا مختصّ باللواط غير الإيقابي؛ إذ الإيقابي منه هو الكفر باللّٰه العظيم، و اللواط هو ما دون الدبر، كما وقع في موثّقة السكوني الماضية أوّل الفصل، و إمّا أنّه يقيّد بالأدلّة الدالّة علي قتل الملوط مع الإيقاب، و اللّٰه العالم بحقائق أحكامه.

(24) و إليه ذهب الأكثر علي ما في «المسالك» و هو الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر علي ما في «الرياض»، و في «الغنية» دعوي الإجماع عليه، و نسب القول بقتله في الثالثة إلي ابن إدريس، هذا بحسب الأقوال.

و أمّا بحسب الأخبار: فعموم صحيحة يونس عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال

أصحاب الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «2»

يقتضي وجوب قتل اللائط و الملوط بغير الإيقاب أيضاً في الثالثة، و لا نصّ خاصّ في باب اللواط، و إنّما ورد في باب الزنا موثّقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 153، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 117، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 20، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 367

______________________________

أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

الزاني إذا زني يجلد ثلاثاً و يقتل في الرابعة؛ يعني جلد ثلاث مرّات «1»

، و هو إنّما يدلّ علي قتل الزاني في الرابعة؛ فيخصّص بها الصحيحة. و قد ادّعي الإجماع علي عدم الفرق في

ذلك بين اللواط و الزنا، فيجري حكمه في اللواط أيضاً؛ ففي «الرياض»: أنّ ظاهرهم الإجماع علي عدم الفرق بين المسألتين، و في «الجواهر»: أنّه يظهر من غير واحد الإجماع علي عدم الفرق بين الزنا و بين ما هناك في ذلك، انتهي.

فلو تمّ الإجماع فهو، و إلّا فيمكن أن يقال: إنّه لا ريب في أنّ الجمع العرفي هو تخصيص الصحيحة في خصوص مثل الزنا و الأخذ بعمومها في الباقي الذي منه اللواط. و هذا أمر غير خفي علي الفقهاء. و الصحيحة وردت في «التهذيبين» و الأُصول المعروفة التي كانت بين أيديهم، و مع ذلك لم يأخذ الأكثر بها في باب اللواط، فهو يكشف عن عثورهم علي خلل في عمومها لما نحن فيه أوجب رفع يدهم عنها، فالمشهور أعرضوا عن الأخذ بعمومها، و كفي به مسقطاً للحجّية.

فكما أنّ إعراضهم عن كلّ الحديث يسقطه بالمرّة عن الحجّية فهكذا إعراضهم عن الأخذ بعموم حديث في مورد خاصّ، فليست الصحيحة حجّة في ما نحن فيه، فيؤخذ بعمومات الجلد في المرّة الثالثة، نعم وجوب قتله في الرابعة مقطوع؛ فالأشبه قتله فيها، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 116، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 20، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 368

[مسألة 7 المجتمعان تحت إزار واحد يعزّران إذا كانا مجرّدين]

مسألة 7 المجتمعان تحت إزار واحد يعزّران إذا كانا مجرّدين و لم يكن بينهما رحم و لا تقتضي ذلك ضرورة، و التعزير بنظر الحاكم (25)،

______________________________

و قد يستدلّ له بإطلاق قوله (عليه السّلام)

الملوط حدّه حدّ الزاني

، بتقريب أنّ حدّ الزاني هو الجلد إلي المرّة الثالثة و القتل في الرابعة، و هو ليس ببعيد لو لم يستظهر من حدّ الزاني الواقع فيه خصوص المائة، كما مرّ.

(25) أقول:

إنّ الكلام تارة في أصل مجازاة المجتمعين، و أُخري في حدود موضوعها؛ أمّا الأوّل:

فالأقوال المنقولة عن الفقهاء أربعة: أحدها: أنّهما يضربان مائة جلدة، و هو الذي صرّح به الصدوق في «المقنع» و حكي في «المختلف» و غيره عن ابن الجنيد، و مال إليه صاحب «المسالك».

ثانيها: أنّهما يضربان من ثلاثين سوطاً إلي تسعة و تسعين بحسب ما يراه الحاكم، صرّح به في «النهاية» و «الشرائع»، و في «المختلف» حكايته عن ابن البرّاج و ابن إدريس، و اختاره هو أيضاً فيه و في «الإرشاد»، و في «المسالك» أنّه ذهب إليه أكثر المتأخّرين، و في «الرياض» أنّه المشهور.

ثالثها: أنّهما يضربان من عشرة أسواط إلي تسعة و تسعين علي ما يراه الحاكم، حكاه في «المختلف» عن المفيد، و صرّح به صاحب «الغنية» مدّعياً عليه الإجماع.

و رابعها: أنّ عليهما التعزير دون الحدّ، و هو الذي صرّح به سلّار في «المراسم»، و في «الوسيلة» لابن حمزة أنّه يعزّر الرجل، و هو الذي اختاره

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 369

______________________________

الماتن دام ظلّه هنا، و في المرأتين و في المرأة و الرجل أيضاً، غاية الأمر: أنّه دام ظلّه صرّح بأنّه موكول بنظر الحاكم، دون سلّار و ابن حمزة.

و أمّا الأخبار: فهي علي طوائف: الأُولي: ما تدلّ علي وجوب الحدّ الكامل مائة جلدة؛ ففي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و عبد اللّٰه بن مسكان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد، و الرجلان يوجدان في لحاف واحد، و المرأتان توجدان في لحاف واحد «1»

فإنّ تعبيره (عليه السّلام) بحدّ الجلد في الزنا كالصريح في أنّ المراد به هو ضرب مائة جلدة.

و في صحيحة أبي

عبيدة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

كان علي (عليه السّلام) إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة كلّ واحد منهما، و كذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة منهما مائة جلدة «2»

، و دلالتها واضحة جدّاً.

و في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

كان علي (عليه السّلام) إذا وجد الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ، فإذا أخذ المرأتين في لحاف ضربهما الحدّ «3»

، و هي ظاهرة في إرادة مائة جلدة؛ فإنّها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 85، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 4 و 23.

(2) وسائل الشيعة 28: 89، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 15.

(3) وسائل الشيعة 28: 86، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 370

______________________________

الحدّ في اللواط و المساحقة المناسبين لموردي الصحيحة.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

حدّ الجلد أن يوجدا في لحاف واحد، و الرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحدّ، و المرأتان تجلدان إذا أُخذتا في لحاف واحد الحدّ «1»

، و هي في الظهور و كيفية الدلالة كسابقتها.

و من هذه الطائفة صحيحة أبي بصير الماضية في أدلّة حدّ التفخيذ، فتذكّر. كما أنّ منها ذيل خبر الحسين بن سعيد الماضي؛ فإنّ فيه: و ما حدّ الرجلين وجدا نائمين في ثوب واحد؟ فكتب

مائة سوط «2».

الطائفة الثانية: ما تدلّ علي وجوب ضرب تسعة و تسعين سوطاً؛ ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فدخل عليه عبّاد البصري و معه أُناس

من أصحابه، فقال له: حدّثني عن الرجلين إذا أُخذ في لحاف واحد، فقال له

كان علي (عليه السّلام) إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ

، فقال له عبّاد: إنّك قلت لي: غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحدّ (الحديث خ. ل) حتّي أعاد ذلك مراراً، فقال: غير سوط، فكتب القوم الحضور عند ذلك الحديث «3»؛ فإنّها ظاهرة في أنّ ما ذكره بعنوان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 84، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 154، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 1، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 28: 84، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 371

______________________________

مجازاة المتضاجعين بالأخرة هو الحدّ غير سوط.

و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجلين يوجدان في لحاف واحد قال

يجلدان غير سوط واحد «1»

، و هي و إن لم تصرّح بالحدّ إلّا أنّ استثناء سوط يجعلها ظاهرة في إرادته.

الطائفة الثالثة: ما تدلّ علي أنّهما تضربان لا بمقدار الحدّ، و هي معتبرة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): المرأتان تنامان في ثوب واحد، فقال

تضربان

، فقلت: حدّا؟ قال

لا

، قلت: الرجلان ينامان في ثوب واحد؟ قال

يضربان

قال: قلت: الحدّ؟ قال

لا «2»

، فهي تدلّ علي أنّهما يضربان أقلّ من الحدّ، و لا محالة أنّ تعيين مقداره منوط بنظر الحاكم. فالطائفة الثانية ظهورها بنفسها في تعيّن التسعة و التسعين، و هذه الطائفة لا دلالة فيها علي تعيّن نصاب خاصّ فيما دون الحدّ، بل إطلاقها جواز اختيار كلّ قدر منه، و لا محالة يناط بنظر الحاكم.

الطائفة الرابعة: ما تدلّ علي

أنّهما تضربان ثلاثين سوطاً، و هي خبر سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد، فقال

ذوا محرّم؟

فقال: لا، قال

من ضرورة؟

قال: لا، قال

يضربان ثلاثين سوطاً ثلاثين

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 89، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 18.

(2) وسائل الشيعة 28: 89، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 16.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 372

______________________________

سوطاً

قال: فإنّه فعل، قال

إن كان دون الثقب فالحدّ.

الحديث «1».

و الخبر ضعيف السند بمجهولية سليمان كما مرّ، إلّا أنّ مدلوله كما تري تعيّن ثلاثين سوطاً.

إلّا أنّه لا يبعد أن يقال: إنّ ضمّ هذه الطوائف الثلاث الأخيرة و ملاحظة جميعها يفيد أنّ الملاك أن يكون الضرب ما دون الحدّ كما في الطائفة الثالثة، و الطائفة الثانية بصدد بيان نهايته، كما أنّ الطائفة الرابعة إنّما ذكر فرداً خاصّاً من الأفراد المختار فيها.

و يؤيّده صحيحة حفص بن البختري التي هي طائفة خامسة من أخبار الباب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل وجد تحت فراش رجل، فأمر به أمير المؤمنين (عليه السّلام) فلوّث في مخروة «2».

و المخروة هو الموضع الذي يتغوّط فيه، فموضوع الصحيحة هو الرجل الذي ذهب تحت فراش رجل آخر، و هو بعينه مورد بحثنا، غاية الأمر: أنّ المفروض نيّة سوء هذا الرجل و لم يتعرّض للآخر، فقد حكم (عليه السّلام) بتلويثه بالعذرات التي في المخروة، و هو تعزير رآه الإمام (عليه السّلام) مناسباً، فضمّها إلي الطوائف السابقة المذكورة يوجب اطمئناناً أزيد بأنّ المجازاة الشرعية هي تعزيره دون الحدّ؛ إمّا بضربة أقلّ من مائة، و إمّا باختيار

تأديب آخر كتلويثه في المخروة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 90، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 10، الحديث 21.

(2) وسائل الشيعة 28: 163، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 6، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 373

______________________________

فهذه الطوائف الأربع تدلّ علي أنّ الحكم هو التعزير، و في مقابلتها الطائفة الأُولي التي تضمّنت أنّه الحدّ مائة جلدة، و لا يبعد أن يقال: حيث إنّه لم يفت بمضمون تلك الطائفة سوي الصدوق و ابن الجنيد فالأصحاب جلّهم قد أعرضوا عنها مع كثرتها و وضوح سندها و دلالتها، فنفس الإعراض تسقطها عن الحجّية فلا حجّة فيها حتّي تعارض الأخبار المذكورة الأُخر، بل نهاية الأمر بعد التسليم أنّها تعارض الطوائف الأُخر.

و لا يبعد أن يقال: إنّ أصل مفاد هذه الطوائف أعني تعزير المتضاجعين في قبال حدّهما ممّا أفتي به الأصحاب، و إن كانت خصوصيات فتواهم غير مذكورة فيها، و لعلّ هذا المقدار كافٍ في ترجيحها و دخولها في قوله (عليه السّلام)

خذ بما اشتهر بين أصحابك؛ فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه

، و اللّٰه العالم، هذا.

مضافاً إلي أنّ إباء الإمام (عليه السّلام) عن ذكر استثناء السوط الواحد ابتداء في صحيحة ابن الحجّاج مع أنّه (عليه السّلام) ذكره قبلًا لعبّاد البصري ثمّ ذكره بعد إصرار عبّاد ممّا يكون شاهداً علي أنّه (عليه السّلام) ربّما يتّقي أصحاب عبّاد ابتداء؛ فإنّ العامّة روت عن علي (عليه السّلام) ضرب المائة، كما يظهر من «الخلاف» في (المسألة 9)، و بعد إصراره قد وضّح أنّه (عليه السّلام) قد استثناه قبلًا، فلم يبق محلّ تقية، أو علم أنّ أصحابه أيضاً أُمناء فأظهر حكم اللّٰه الواقعي و هو استثناء سوط واحد فهذه الصحيحة

شاهدة لحمل الطائفة الأُولي علي التقية بجمع عقلائي، فتأمّل.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 374

______________________________

فممّا ذكرنا ظهر: وجه ما قوّاه الماتن دام ظلّه من أنّ الحكم هو التعزير، و أنّ تعيين نوعه و مقداره بنظر الحاكم.

و أمّا ما اختاره شيخ الطائفة فلا دليل عليه، سوي ما في خبر سليمان بن هلال الذي قد عرفت ظهوره بنفسه في تعيّن الثلاثين، لا في أنّها أقلّ قدر التعزير في مورد الكلام، و انضمامها إلي الطوائف الأُخر من أخبار التعزير لا يوجب إلّا استظهار إنّها أحد الأفراد التي أرشد الإمام (عليه السّلام) إليه.

كما أنّ ما اختاره المفيد و ابن زهرة من أنّ أقلّه عشرة أسواط لم نجد عليه دليلًا فيما بأيدينا من الأخبار، و لعلّ الشيخ المفيد (قدّس سرّه) يري أنّ فاعل هذا العمل لا شكّ في استحقاقه عشرة أسواط من باب القدر المتيقّن ممّا دون الحدّ بنظره الشريف، فتأمّل.

بقي الكلام في اعتبار القيود المذكورة في كلامه دام ظلّه أعني تجرّدهما و عدم وقوع رحم بينهما و عدم اقتضاء ضرورة له:

أمّا الأوّل: فالذي ينبغي أن يقال: إنّ التجرّد لم يرد إلّا في صحيحة أبي بصير و صحيحة أبي عبيدة اللتين هما من أدلّة وجوب الحدّ التي قد عرفت إعراض الأصحاب عنها، و إلّا فالأخبار الأُخر خالية عن ذكره، و إطلاقها شامل لما كانا أو أحدهما غير مجرّد. نعم لا يبعد دعوي انصرافها إلي الاجتماع تحت لحاف واحد بداعي الالتذاذ و الاستمتاع، و عدم شمولها لما إذا اجتمعا تحت لحاف واحد لمجرّد النوم أو الاستراحة، فالأخذ بذلك الإطلاق قوي.

و أمّا الثاني: فلم نعثر علي ذكره إلّا في خبر سليمان بن هلال، و هو مضافاً إلي ضعف سنده كما عرفت

لا يدلّ علي اعتبار عدم وقوع

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 375

و الأحوط في المقام الحدّ إلّا سوطاً (26). و كذا يعزّر من قبّل غلاماً بشهوة (27)،

______________________________

الرحم؛ فإنّه يحتمل قوياً أن يكون وجه السؤال إبداء احتمال أو ظنّ أن لا يكون الاجتماع لغرض شهواني، لا أن يعتبر عدم وقوع الرحم بينهما تعبّداً، و لعلّ غرض الماتن دام ظلّه أيضاً من ذكره نفي هذا الاحتمال، و إلّا فلو تجرّد اثنان بينهما رحم تحت لحاف واحد للالتذاذ الشهواني لكان كما ذكره شارح «الإرشاد» (قدّس سرّه) أقبح.

و أمّا الثالث: فاعتباره واضح؛ إذ لو كانت ضرورة داعية إليه لكان الاجتماع سائغاً لا محلّ للحدّ أو التعزير معه.

(26) لما عرفت من سقوط أخبار الحدّ بإعراض الأصحاب، و حينئذٍ فيحتمل حمل خبر ما دون الحدّ أعني معتبرة معاوية بن عمّار علي أخبار التسعة و التسعين، و إن لم ينقل القول بها من أحد سوي بعض المعاصرين، لكن الحقّ قد عرفته.

(27) فإنّ تقبيله معصية عظيمة، و قد مرّ ثبوت التعزير في كلّ معصية. و ممّا يدلّ علي كونه معصية معتبر طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): من قبّل غلاماً من شهوة ألجمه اللّٰه يوم القيامة بلجام من النار «1»

، و دلالته واضحة، هذا.

مضافاً إلي خبر إسحاق بن عمّار قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): محرم قبّل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 340، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم و ما يناسبه، الباب 21، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 376

بل أو رجلًا (28) أو امرأة (29) صغيرة أو كبيرة.

______________________________

غلاماً من شهوة، قال

يضرب مائة سوط «1»

، و كون الضرب مائة لا

ينافي ما مرّ من لزوم كون التعزير في كلّ معصية أقلّ من حدّها المقرّر شرعاً، و ذلك أنّ المقبّل حيث كان محرماً فقد ارتكب حرامين: حراماً أصلياً و حراماً بعنوان أنّه محرم، هذا. مضافاً إلي ضعف سنده بجهالة ابن المبارك.

(28) لإلغاء الخصوصية بالنسبة إلي أصل الحرمة من تقبيل الغلام في معتبر طلحة؛ فإنّ المفهوم منه عرفاً أنّ تقبيل الرجل لمجانسة إذا كان عن شهوة حرام.

(29) فإنّ تقبيلها عن شهوة أيضاً حرام، كما يدلّ عليه مرسل ابن أبي نجران عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و خبر أبي جميلة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالا

ما من أحد إلّا و هو يصيب حظّا من الزنا؛ فزنا العينين النظر، و زنا الفم القُبلة، و زنا اليدين اللمس.

الحديث «2»؛ فإنّ عدّ القُبلة زنا دالّ علي حرمتها شديدة، و التعبير في الخبر بالزنا موجب لظهوره في ما يقع بين الجنسين المخالفين الرجل و المرأة، و بالجملة: دلالة الخبر تامّة، إلّا أنّه ضعيف السند.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 340، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم و ما يناسبه، الباب 21، الحديث 3، و 28: 161، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 4، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 20: 191، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 104، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 377

[مسألة 8 لو تاب اللائط إيقاباً أو غيره قبل قيام البيّنة سقط الحدّ]

مسألة 8 لو تاب اللائط إيقاباً أو غيره قبل قيام البيّنة سقط الحدّ، و لو تاب بعده لم يسقط، و لو كان الثبوت بإقراره فتاب فللإمام (عليه السّلام) العفو و الإجراء، و كذا لنائبه علي الظاهر (30).

______________________________

إلّا أنّه يمكن الاستدلال علي حرمة القُبلة بأنّ الشارع قد حرّم من النساء ما هو

أقلّ من القُبلة قطعاً كالنظر و اللمس؛ ففي موثّقة سماعة: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن مصافحة الرجل و المرأة قال

لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة إلّا امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها؛ أُخت أو بنت أو عمّة أو خالة أو بنت أُخت أو نحوها، و أمّا المرأة التي يحلّ له أن يتزوّجها فلا يصافحها إلّا من وراء الثوب و لا يغمز كفّها «1»

؛ فإنّها واضحة الدلالة علي حرمة المصافحة بلا حاجب، و معه أيضاً فلا يجوز غمز كفّها، فإذا حرم مثل هذا التماسّ فكيف يجوز التقبيل و لو لا عن شهوة؟! و بالجملة: فحرمة مثل التقبيل إذا كان عن شهوة بالنسبة إلي المحرّم و غيرها واضحة، فيثبت عليه التعزير.

(30) أقول: قد مرّ البحث عن فروع هذه المسألة مستقصي في باب الزنا ذيل المسألة السادسة و السادسة عشر من مسائل ما يثبت به الزنا؛ فراجع؛ فإنّه يجري ما مرّ هناك في ما نحن فيه حرفاً بحرف.

نعم، قد يقال هنا كما في «مباني التكملة» و غيرها بدلالة خصوص

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 208، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 115، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 378

______________________________

صحيحة ابن عطية «1» علي جواز أن يعفو الإمام إذا ثبت اللواط بالإقرار؛ فإنّه (عليه السّلام) بعد أقارير اللائط الأربعة قد أغمض عن إجراء الحدّ عليه.

و فيه أوّلًا: أنّ مورد الصحيحة هو من تاب عن لواطه قبل أن يأتي إلي الإمام (عليه السّلام) كما يشهد له مضافاً إلي قوله أوّل مرّة

فطهّرني

ما قاله في تشهّده من قوله

اللهمّ إنّي قد أتيتُ من الذنب ما قد علمته، و إنّي تخوّفت من ذلك فأتيتُ إلي وصي رسولك و ابن عمّ نبيك،

فسألته أن يطهّرني.

إلي آخره، فتري أنّه كان خائفاً من ذنبه، و هذا الخوف هو الذي بعثه علي أن يأتي إلي أمير المؤمنين (عليه السّلام) ليطهّره، فهل التوبة إلّا الندامة و الرجوع عن الذنب بما أنّه ذنب و معصية؟! أ فلم تكن هذه الندامة حاصلة له أو لم تكن حقيقية؟! كيف، و الأمير (عليه السّلام) لقّنه الرجوع عن إقراره بقوله

لعلّ مراراً هاج بك

و مع ذلك فهو كان مصرّاً علي توبته طالباً لتطهيره من الذنب الذي ارتكبه؟! و لذلك أيضاً اختار أشدّ العقوبات الثلاث، فموردها من تاب عن الذنب قبل إقراره، و لا تعمّ من لم يتب بعد أو تاب بعد الإقرار.

و ثانياً: أنّه لا دليل علي أنّه (عليه السّلام) عفا عنه بل هو (عليه السّلام) كان بصدد إجراء الحدّ، و لمّا صلّي و تضرّع إلي اللّٰه تعالي و دخل حفيرة النار قال (عليه السّلام)

قُم يا هذا، فقد أبكيت ملائكة السماء و ملائكة الأرض؛ فإنّ اللّٰه قد تاب عليك

، فقد علّل عدم إجراء الحدّ عليه بأنّ اللّٰه تعالي قد تاب عليه،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 161، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 5، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 379

[مسألة 9 يثبت السحق و هو وطء المرأة مثلها بما يثبت به اللواط]

مسألة 9 يثبت السحق و هو وطء المرأة مثلها (31) بما يثبت به اللواط (32)،

______________________________

فلم يجر الحدّ عليه؛ لأنّ اللّٰه تعالي تاب عليه لا لأنّ الإمام (عليه السّلام) قد عفا عنه.

(31) في «مجمع البحرين»: و فيه: و سألته امرأة عن السحق يعني دلك فرج امرأة بفرج أُخري و في «المستدرك» عن «دعائم الإسلام» أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال

السحق في النساء كاللواط في الرجال، و لكن فيه جلد مائة؛ لأنّه ليس فيه إيلاج «1».

(32)

يعني شهادة أربعة رجال أو إقرار المرأة علي نفسها أربع مرّات، قال الشيخ في «النهاية»: و يثبت الحكم بذلك (حدّ المساحقة) بقيام البيّنة؛ و هي شهادة أربعة نفر عدول أو إقرار المرأة علي نفسها أربع مرّات، انتهي.

و في «الرياض» بعد قول المحقّق: «و يثبت بما يثبت به اللواط»: بلا خلاف، انتهي.

أقول: و لم نجد في الأخبار ما تدلّ بالخصوص علي ما يثبت به من عدد الشهود و الأقارير، و مقتضي الأدلّة الأوّلية ثبوته بشهادة عدلين و بالإقرار و لو مرّة واحدة، نعم ما دلّ علي عدم قبول شهادة النساء في الحدود يقتضي عدم قبولها فيه أيضاً.

و يمكن الاستدلال لتساويه مع اللواط بما دلّ علي أنّ السحق بمنزلة

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 18: 86، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 1، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 380

و حدّه مائة جلدة بشرط البلوغ و العقل و الاختيار؛ محصنة كانت أم لا، و قيل في المحصنة الرجم، و الأشبه الأوّل (33)،

______________________________

اللواط، كما في خبر «الدعائم» المذكور آنفاً، و ما عن «الجعفريات» أيضاً أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال

السحق في النساء بمنزلة اللواط في الرجال «1»

، بتقريب: أنّ إطلاق التنزيل منزلته يقتضي أن يكون مثله في ما يثبت به أيضاً، إلّا أنّ الخبرين ضعيف السند، فلا وجه وجيه لكونه يثبت بما يثبت به اللواط إلّا اللاخلاف المذكور في كلام «الرياض»، بناءً علي أنّ الشهرة في هذه الموارد التي تكون مقتضي القواعد خلاف المشهور كاشفة عن وضوح الأمر عند العلماء الأعلام، و أنّ الحكم قد ثبت لديهم إمّا بمشافهة كلّ خلف عن سلفه و إمّا برواية لم تصل إلينا، فتأمّل، و اللّٰه العالم.

(33) و في

«المسالك»: هو المشهور بين الأصحاب، ذهب إليه المفيد و المرتضي و أبو الصلاح و ابن إدريس و المتأخّرون، انتهي. و نسبه إلي المشهور أيضاً في «الرياض»، و في «الجواهر» عن «كشف اللثام» نسبته إلي الأكثر.

بل ظاهر السيّد المرتضي في «الانتصار» دعوي الإجماع عليه، قال (قدّس سرّه): مسألة: و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ البيّنة إذا قامت علي امرأتين بالسحوق جلدت كلّ واحدة منهما مائة جلدة مع فقد الإحصان

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 18: 85، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 1، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 381

______________________________

و وجوده، فإن قامت البيّنة بتكرير هذه منهما و إصرارهما عليه كان للإمام قتلهما كما يفعل باللواط، و خالف باقي الفقهاء في ذلك و لم يوجبوا شيئاً ممّا أوجبناه. دليلنا ما تقدّم من إجماع الطائفة، انتهي؛ فإنّ ظاهره أنّ الإجماع الذي ادّعاه إنّما هو علي جميع ما أوجبه من جلد المائة علي المحصنة و غيرها و من القتل مع التكرير.

و القول برجم المحصنة للشيخ (قدّس سرّه) في «النهاية» و تبعه ابن حمزة في «الوسيلة» و حكي عن القاضي ابن البرّاج أيضاً، و أفتي به الصدوق في «المقنع» في من قامت عن زوجها و ساحقت امرأة أُخري فحملت.

و الأخبار المعتبرة الواردة في حدّه علي طوائف ثلاث:

الاولي: ما تدلّ علي أنّ حدّها الجلد مطلقاً؛ محصنة كانت أو غير محصنة، و هي موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

السحّاقة تجلد «1».

الطائفة الثانية: ما تدلّ علي أنّ حدّ المساحقة حدّ الزنا؛ ففي صحيحة محمّد بن أبي حمزة و هشام و حفص كلّهم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهنّ عن

السحق، فقال

حدّها حدّ الزاني.

الحديث «2»، و في موثّقة إسحاق بن جرير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّ امرأة قالت له: أخبرني عن اللواتي باللواتي ما حدّهنّ فيه؟ قال

حدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 165، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 1، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 165، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 1، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 382

______________________________

الزنا «3»

، و لعلّ إليها يؤول ما عن الصادق أو الكاظم (عليهما السّلام) في خبر يعقوب بن جعفر

هو و اللّٰه الزنا الأكبر «1»

، و ما عن «الجعفريات» عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

سحاق النساء بينهنّ زنا «3».

فهذه الطائفة دلّت علي أنّ حدّ السحق حدّ الزنا، و لا أقلّ من أنّ لازمه أن يجلد غير المحصنة و يرجم المحصنة كما في نفس الزنا، و هو قول الشيخ و أتباعه. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ إطلاق موثّقة زرارة قرينة علي أنّ المراد بحدّ الزاني أو الزنا المذكور في هذه الطائفة هو حدّ الجلد المذكور في الكتاب العزيز، و ليس بنفسه ببعيد.

الطائفة الثالثة: ما تدلّ علي أنّ حدّ المحصنة الرجم و حدّ غيرها الجلد، و هي الأخبار الواردة في موضوع المسألة الثالثة عشر الآتية؛ ففي صحيح محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) و أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقولان

بينما الحسن بن علي في مجلس أمير المؤمنين (عليه السّلام) إذ أقبل قوم فقالوا. امرأة جامعها زوجها فلمّا قام عنها قامت بحموّتها فوقعت علي جارية بكر فساحقتها، فوقعت النطفة فيها فحملت. فقال الحسن (عليه السّلام):. يعمد إلي المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر

في أوّل وهلة؛ لأنّ الولد لا يخرج منها

______________________________

(3) وسائل الشيعة 20: 344، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم و ما يناسبه، الباب 24، الحديث 3.

(1) وسائل الشيعة 20: 345، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم و ما يناسبه، الباب 24، الحديث 5.

(3) مستدرك الوسائل 18: 85، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 1، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 383

______________________________

حتّي تشقّ فتذهب عذرتها، ثمّ ترجم المرأة؛ لأنّها محصنة و ينتظر بالجارية حتّي تضع ما في بطنها و يردّ الولد إلي أبيه صاحب النطفة ثمّ تجلد الجارية الحدّ، قال. فلقوا أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقال:. لو أنّني المسئول ما كان عندي فيها أكثر ممّا قال ابني «1»

فإنّه (عليه السّلام) قد حكم برجم المرأة المساحقة ذات الزوج معلّلًا بأنّها محصنة، فتدلّ الصحيحة دلالة واضحة علي أنّ كلّ مساحقة محصنة فحدّها الرجم.

و مثل هذه الصحيحة في الحكم بالرجم من غير اشتمال علي التعليل أخبار أُخر يأتي ذكرها إن شاء اللّٰه تعالي في المسألة الآتية.

فدلالة هذه الصحيحة واضحة، و هي أخصّ مطلقاً بالنسبة إلي موثّقة زرارة المذكورة في الطائفة الأُولي، و الجمع الواضح العقلائي تخصيص الموثّقة بها، و هي أيضاً قرينة علي إرادة المعني الظاهر بنفسه من أخبار الطائفة الثانية منها. فلازم الجمع العرفي بين الطوائف الثلاث هو ما اختاره الشيخ و أتباعه، هذا.

إلّا أنّ وضوح سند هذه الصحيحة و وضوح دلالتها، بل وضوح سند و دلالة أخبار متعدّدة مثلها كما أشرنا إليها كوضوح الجمع المذكور ممّا لم يكن يخفي علي العلماء الأعلام، فهذه الأخبار المعتبرة الدالّة علي رجم المحصنة كانت بين أيديهم موجودة في الكتب الأربعة و غيرها مذكورة في حدّ السحق، و دلالتها

و قرينيتها للحمل المذكور واضحة، و مع ذلك لم يلتفتوا إليها و لم يفتوا بمضمونها، و ليس ذلك إلّا لإعراضهم عنها، فتسقط

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 167، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 3، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 384

و لا فرق بين الفاعلة و المفعولة (34)، و لا الكافرة و المسلمة.

[مسألة 10 إذا تكرّرت المساحقة مع تخلّلها الحدّ]

مسألة 10 إذا تكرّرت المساحقة مع تخلّلها الحدّ قتلت في الرابعة (35)،

______________________________

لا محالة عن الحجّية في هذا الحكم، و يبقي موثّقة زرارة سليمة عن المعارض يؤخذ بإطلاقها و يحكم بالجلد علي المحصنة و غيرها، كما أفتي المشهور.

ثمّ إنّ في الباب أخباراً غير معتبرة دالّة علي أنّ حدّ المساحقة هو القتل، أو أنّه الجلد أقلّ من مائة، و هي ضعيفة السند غير معمول بها، من شاء العثور عليها فليراجع «الوسائل» و «المستدرك».

(34) كما يقتضيه إطلاق كلماتهم، و يدلّ عليه الطائفة الثانية من الأخبار بعد إرادة الحدّ المذكور في القرآن منها؛ فإنّها مطلقة شاملة للفاعلة و المفعولة و إن كانت السحّاقة ربّما تشمل المفعولة. كما أنّ إطلاق جميع الأدلّة يعمّ الكافرة و المسلمة.

(35) كما صرّح به الشيخ في «النهاية» و ابن زهرة في «الغنية» مدّعياً عليه الإجماع، و في «الرياض» أنّه الأظهر الأشهر، بل عليه من تأخّر، حتّي بعض من أوجب القتل في الثالثة في الزنا و اللواط كالشهيد في «اللمعة». و مع ذلك كلّه: فعن ابن إدريس أنّهما تقتلان في الثالثة. أقول: لا ريب في أنّ مقتضي عموم معتبرة يونس عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال

أصحاب الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «1»

هو ما قاله

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 117، كتاب الحدود و التعزيرات،

أبواب حدّ الزنا، الباب 20، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 385

و يسقط الحدّ بالتوبة (36) قبل قيام البيّنة، و لا يسقط بعده. و لو ثبتت بالإقرار فتابت يكون الإمام (عليه السّلام) مخيّراً كما في اللواط، و الظاهر أنّ نائبه مخيّر أيضاً.

[مسألة 11 الأجنبيتان إذا وجدتا تحت إزار واحد مجرّدتين]

مسألة 11 الأجنبيتان إذا وجدتا تحت إزار واحد مجرّدتين عزّرت كلّ واحدة دون الحدّ (37)،

______________________________

ابن إدريس من القتل في الثالثة، و الرواية الخاصّة الدالّة علي القتل في الرابعة موضوعها الزاني، و الخبر الدالّ علي أنّ سحاق النساء زنا و إن اقتضي بإطلاقه أن يكون حكم المساحقة في القتل في الرابعة أيضاً حكم الزنا، إلّا أنّه ضعيف السند.

فمقتضي الأدلّة اللفظية ما قاله ابن إدريس، إلّا أنّ رفع يد المشهور عن عموم المعتبرة لا يكون إلّا لعثورهم علي خبر معتبر دالّ علي أنّ المساحقة كالزنا في هذه الجهة، أو لنقل ذلك إليهم شفاهاً خلفاً عن سلف، و اللّٰه العالم.

(36) قد مرّ الكلام في جميع هذه الفروع المذكورة في باب الزنا، فراجع.

(37) ظاهره كما مرّ في الرجلين و الرجل و المرأة أنّ الميزان كونه دون الحدّ، فتعيين مقداره إلي الحاكم. و قد صرّح بتعزيرهما المحقّق و العلّامة و غيرهما.

و في «المسالك»: الكلام في تحريم نوم المرأتين مجرّدتين تحت إزار واحد كالكلام في الرجلين، و قد تقدّم ذكرهما معهما في الأخبار، انتهي، فظاهره: أنّ نوم المرأتين تحت إزار واحد و نوم الرجلين تحته من وادٍ واحد،

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 386

______________________________

و هو الذي يظهر من عبارة «المختلف» و «شرح الإرشاد» للمقدّس الأردبيلي و «الرياض» و «الجواهر».

و بالجملة: فالمشهور هنا أيضاً أنّ حكمه التعزير، و قد حكي في «المختلف» عن الصدوق و ابن الجنيد

أنّهما حكما بالحدّ مائة جلدة كما حكي عنهما في الرجلين، فهما قد خالفا المشهور هنا و هناك. نعم إنّ في مقدار التعزير هنا أيضاً خلافاً؛ ففي «النهاية» أنّه من ثلاثين جلدة إلي تسعة و تسعين، و في «المختلف» عن المفيد أنّه من عشرة إلي تسع و تسعين.

و أمّا الأخبار الواردة في المسألة فهي علي طائفتين:

الأُولي: ما تدلّ علي لزوم الحدّ عليهما، و هي صحاح عبد اللّٰه بن سنان و عبد اللّٰه بن مسكان و أبي عبيدة و عبد الرحمن بن الحجّاج و الحلبي، و قد مضت في البحث عن حكم الرجلين تحت إزار واحد ذيل المسألة السابعة، و يزيد عليها ما رواه عبد الرحمن بن أبي هاشم البجلي عن أبي خديجة، و يأتي إن شاء اللّٰه تعالي ذكره و بيان دلالته في المسألة الآتية.

الطائفة الثانية: ما تدلّ علي أنّهما تضربان لا بمقدار الحدّ، و هي معتبرة معاوية بن عمّار المذكورة في المسألة السابعة عيناً فراجع، كما أنّ خبر سليمان بن هلال ظاهر في أنّهما تضربان ثلاثين جلدة، و قد مضي هناك أيضاً. و قد عرفت هاهنا و مضي هناك أنّه لم يفت بمضمون أخبار الحدّ إلّا الصدوق و ابن الجنيد، فالأصحاب قد أعرضوا عنها فلا حجّة فيها، و الحجّة هي معتبرة معاوية بن عمّار يجب العمل بها.

و قد مرّ بقية الكلام هناك فراجع، و اللّٰه العالم.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 387

و الأحوط مائة إلّا سوطاً (38).

[مسألة 12 إن تكرّر الفعل منهما و التعزير مرّتين أُقيم عليهما الحدّ]

مسألة 12 إن تكرّر الفعل منهما و التعزير مرّتين أُقيم عليهما الحدّ (39)،

______________________________

(38) قد ظهر أنّه لا رواية في مسألتنا تدلّ علي خصوص المائة إلّا سوطاً، و إن وردت في الرجلين بل و الرجل و المرأة تحت

إزار واحد، و هذه الأخبار كانت وجه الاحتياط هناك، فلا وجه لهذا الاحتياط هنا إلّا إلغاء الخصوصية من الأخبار الواردة في هاتين المسألتين و أنّ جميعها من باب واحد، و العهدة علي مدّعيه.

(39) كما في «نهاية» الشيخ و «الشرائع» و «المختصر النافع» و «إرشاد» العلّامة، بل في «الرياض» و «الجواهر»: أنّه لا خلاف فيه أجده إلّا ما عن ابن إدريس في «السرائر» فإنّ ظاهره وجوب القتل في الثالثة.

أقول: إنّ مقتضي إطلاق دليل التعزير أعني معتبر معاوية بن عمّار و عمومات أدلّة التعزيرات وجوب التعزير عليهما و إن تكرّر منهما مرّات عديدة، و لا يصحّ تقييدها بما استدلّ به ابن إدريس علي ما في «المختلف» و غيره من أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة؛ و ذلك أنّ دليل هذه الكلّية هو معتبرة يونس عن الكاظم (عليه السّلام) و متن الحديث

أصحاب الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «1»

فقد اعتبر في الموضوع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 117، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 20، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 388

و لو عادتا بعد الحدّ فالأحوط التعزير مرّتين و الحدّ في الثالثة (40)، و قيل تقتلان، و قيل تقتلان في التاسعة أو الثانية عشر، و الأشبه ما تقدّم.

______________________________

إقامة الحدّ مرّتين؛ فلا محالة يختصّ بالكبائر التي عليها حدّ في الشريعة، و لا يشمل موضوع مسألتنا هذه.

و احتمال أن يراد بالحدّ أعمّ من التعزير مضافاً إلي أنّه خلاف الظاهر غير مفيد؛ إذ بمجرّد احتمال العموم لا يجوز الاستناد إلي العامّ؛ لعدم حجّيته في شبهته المفهومية.

و بالجملة: فمقتضي إطلاق الأدلّة وجوب التعزير في الثالثة و غيرها، إلّا أن يقال: إنّ فتوي المشهور التي لا

خلاف فيها من غير ابن إدريس بوجوب الحدّ كاشفة عن وصول ذلك إليهم بطريق معتبر؛ أمّا برواية لم ترو لنا و إمّا شفاهاً، و إلّا فهذا الإطلاق و لزوم العمل به لم يكن يخفي عليهم، و اللّٰه العالم.

(40) أمّا التعزير في الرابعة و الخامسة فلإطلاق أدلّة التعزير، و أمّا الحدّ في السادسة فلما عرفت من فتوي المشهور به، و هكذا كلّ ثلاث بعدها. و هو مختار الشهيد في «المسالك» بل في «الرياض» أنّه مختار أكثر المتأخّرين.

و في قباله قول الشيخ في «النهاية» بأنّهما تقتلان في الرابعة و في «المختلف» أنّه تبعه ابن البرّاج و أبو الصلاح، و استدلّ بما رواه أبو خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس لامرأتين أن تبيتا في لحاف واحد إلّا أن يكون بينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك، و إن وجدتا مع

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 389

______________________________

النهي جلدت كلّ واحدة منهما حدّا حدّا، فإن وجدتا أيضاً في لحاف جلدتا، فإن وجدتا الثالثة قتلتا «1».

فهذه العبارة في الحديث مروية عن «الكافي» و «التهذيبين»، بل و عن «العلل» و «محاسن البرقي»، و أنت تعلم أنّ مبدأ العدد فيها هو ما بعد النهي فقد حدّتا مرّتين و حكم بقتلهما في الثالثة. و مثلها المنقول في «الفقيه» إلّا في مجرّد التعبير بالرابعة مكان الثالثة «2»، و هو مبني علي جعل مبدأ العدد هي نفس المرّة التي اقتصر فيها علي النهي فلا منافاة. و حينئذٍ فلعلّ الاستدلال بها إنّما هو بأنّه (عليه السّلام) قد حكم بالقتل في المرّة الرابعة، و المفروض أنّه قد عمل بوظيفة الجلد قبلها و هو مختار الشيخ.

و لكن فيه أوّلًا: أنّ مفروض الحديث أنّه

اقتصر علي مجرّد النهي في المرّة الأُولي، و الظاهر أنّ وجهه أنّهما كانتا جاهلتين بالحكم أو احتمل في حقّهما ذلك، و من المعلوم أنّه لا حدّ و لا تعزير مع الجهل القصوري، فالقتل واقع في الثالثة لا في الرابعة.

و ثانياً: أنّ مفروضه أنّ تعذيب المجتمعتين هو الحدّ كما صرّح به فيه، فلمّا أن أُقيم عليهما الحدّ مرّتين حكم بقتلهما في الثالثة كما ذكر في معتبرة يونس فحكمه بالقتل مبني علي أن يكون عذاب الاجتماع حدّا، فهذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 348، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم و ما يناسبه، الباب 25، الحديث 1، و 28: 166، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 2، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 167، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 2، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 390

______________________________

الحديث كما أشرنا إليه من قبيل الطائفة الدالّة علي الحدّ في المجتمعتين التي قد عرفت إعراض الأصحاب عنها، فلا حجّة فيها و لا فيما يترتّب علي حكمها أعني القتل في المرّة الثالثة كما لا يخفي.

و أمّا القول بقتلهما في التاسعة أو الثانية عشر فهو مبني علي أنّه إذا أجري عليهما الحدّ في الثالثة فهما تدخلان في عموم معتبرة يونس، فالقائل بالقتل في التاسعة يستدلّ بنفس العموم، و القائل بالثانية عشر ينظر إلي حكم المساحقة و أنّها تقتل في الرابعة؛ فإنّ الاجتماع الذي هو مقدّمة المساحقة لا يكون أشدّ من نفسها.

فإن قلت: فعليه كان اللازم هو قتلهما في السابعة أو العاشرة؛ إذ الملاك أن يقام عليهما الحدّ مرّتين أو ثلاثاً، و هي حاصلة في السادسة أو التاسعة.

قلت: إنّ القائل المذكور استظهر من المعتبرة أنّ الفاعل

إذا يراد إجراء الحدّ عليه فحدّه في الأُولي و الثانية كذا و في الثالثة أو الرابعة القتل، و حيث إنّ كلّ ثالثة موضع الحدّ فلذلك يكون القتل في نفس هذا الموضع، هذا.

و لكن فيه: أنّ ظاهر معتبرة يونس بقرينة قوله

إذا أُقيم عليهم الحدّ

الاختصاص بالكبائر التي يكون عذابها الشرعي حدّا، و لا تعمّ مثل ما نحن فيه ممّا لا حدّ فيه في كلّ مرّتين، و لا أقلّ من احتمال اختصاصها بها، فتصير من هذه الجهة مجملة؛ فإنّ إجمال القيد المتّصل يوجب إجمال العامّ بلا كلام، و من المعلوم عدم جواز الرجوع إلي العامّ في موارد الإجمال.

فيتحصّل: أنّه بعد الأخذ بفتوي المشهور في الثالثة فاللازم هو القول بالتعزير في كلّ مرّتين و الحدّ في الثالثة، و مجرّد استبعاد أن يتنزّل العذاب من

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 391

[مسألة 13 لو وطئ زوجته فساحقت بكراً فحملت البكر]

مسألة 13 لو وطئ زوجته فساحقت بكراً فحملت البكر (41) فالولد للواطئ صاحب الماء، و علي الصبية الجلد مائة بعد وضعها إن كانت مطاوعة، و الولد يلحق بها أيضاً، و لها بعد رفع العذرة مهر مثل نسائها، و أمّا المرأة فقد ورد أنّ عليها الرجم، و فيه تأمّل، و الأحوط الأشبه فيها الجلد مائة.

______________________________

الحدّ في كلّ ثالثة إلي التعزير في كلّ مرّتين بعدها لا حجّة فيها يرفع بها اليد عن إطلاق دليل التعزير، فتدبّر.

(41) قد ذكر في موضوع المسألة كما تري أحكاماً خمسة، قد تعرّض الأصحاب قديمهم و متأخّرهم لأربعة منها؛ و هي غير لحوق الولد بالجارية تبعاً للأخبار، و تعرّض له أيضاً بعض متأخّري المتأخّرين كصاحب «المسالك» و «الرياض» و «الجواهر».

و كيف كان: فلم ينقل في جلد الجارية المطاوعة خلاف عن أحد، كما أنّه لم ينقل في

لحوق الولد بالرجل و لا في استحقاق مهر المثل خلاف إلّا عن ابن إدريس، و أمّا جلد زوجة الرجل المساحقة أو رجمها فقد بني في كلام كثير من الأصحاب كالمحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «المختلف» و «المسالك» و «الرياض» و «الجواهر» علي ما مضي من الخلاف في رجم المحصنة المساحقة و جلدها؛ فالشيخ في «النهاية» و أتباعه علي الرجم، و الآخرون علي الجلد.

و أمّا لحوق الولد بالجارية: ففيه أيضاً خلاف؛ ففي «الرياض»: أنّ اللحوق بها أقوي، و في «المسالك» و «الجواهر»: أنّ الأقوي عدم

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 392

______________________________

اللحوق، كما حكي عن «قواعد» العلّامة أيضاً.

و حيث إنّ الأصل في المسألة الأخبار فلا بدّ من الدقّة في مفادها:

فمنها: صحيحة محمّد بن مسلم التي مضي ذكرها ذيل الطائفة الثالثة من أدلّة حدّ السحق، و قد تضمّنت بالصراحة رجم الزوجة لأنّها محصنة، و لزوم مهر المثل للجارية عليها، و جلد الجارية بعد الوضع، و لحوق الولد بأبيه. و نحوها خبر عمرو بن عثمان «1»، لكنّه غير معتبر لمجهولية إبراهيم بن عقبة الواقع في السند و نفس عمرو بن عثمان.

و منها: موثّقة المعلّي بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل وطئ امرأته فنقلت ماؤه إلي جارية بكر فحبلت، فقال

الولد للرجل، و علي المرأة الرجم و علي الجارية الحدّ «2»

، و هي كما تري متعرّضة لثلاثة من أربعة تعرّضها صحيحة ابن مسلم، و مثل الموثّقة خبر إسحاق بن عمّار «3» المروي بطريقين عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فراجع.

و بعد ذلك نقول: أمّا جلد الباكرة المطاوعة: فكما لا خلاف فيه لا إشكال فيه أيضاً بعد دلالة عموم أدلّة حدّ المساحقة و خصوص هذه

الأخبار عليها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 169، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 3، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 169، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 3، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 28: 168، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 3، الحديث 2 و 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 393

______________________________

و أمّا لحوق الولد بالرجل صاحب الماء: فيدلّ عليه هذه الأخبار الخاصّة و العمومات؛ إذ ملاك أن يكون الولد ولد الرجل في جميع الموارد ليس إلّا أن يكون مخلوقاً من مائه، و هو حاصل في المورد علي الفرض، و لم يكن منه زنا لكي يوجب سلبه عنه شرعاً، و لا مانع آخر عن هذا اللحوق؛ فيعمّه عمومات أدلّة الأحكام المرتّبة علي الأولاد.

و أمّا ما عن ابن إدريس من الإشكال بأنّه غير مولود علي فراشه، و قد قال (عليه السّلام)

الولد للفراش

، فمضافاً إلي أنّه اجتهاد في مقابل النصّ المعتبر، فيه: أنّ قاعدة «الولد للفراش» إنّما هي فيما اشتبه حال الولد و لم يعلم أنّه مخلوق من ماء الرجل صاحب الفراش أو من ماء الزنا، و أمّا إذا علم حاله و أنّه من ماء الزنا أو غيره فلا مورد له؛ ففي صحيحة سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجلين وقعا علي جارية في طهر واحد لمن يكون الولد قال

للذي عنده؛ لقول رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): الولد للفراش و للعاهر الحجر «1»

، و مثلها سائر الأخبار التي ورد فيها هذه الجملة «2»؛ فإنّ ذكرها و تعقيبها بقوله: «للعاهر أي الزاني الحجر» إنّما يناسب ما إذا احتمل انعقاد

الولد من الزنا، كما يحتمل انعقاده من الفراش؛ فقد حكم (عليه السّلام) بأنّ الولد يلحق بالفراش، و هو كناية عن المتناكحين وطئاً

______________________________

(1) وسائل الشيعة 21: 174، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 58، الحديث 4.

(2) راجع وسائل الشيعة 21: 169، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 56 و 58 و 74.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 394

______________________________

جائزاً شرعياً أي الرجل و زوجته أو أمته أو حليلته و لا يلحق بالزاني أصلًا، بل لا نصيب له إلّا الحجر لا الولد.

و بالجملة: لا ارتباط للنبوي بما علم أنّ انعقاد الولد من أيّ ماء، فإذا علم أنّ الولد انخلق من ماء زوج المرأة المساحقة فهو ولد له تكويناً و عرفاً، فتشمله العمومات.

و التولّد من الزنا مانع شرعي عن لحوق الولد بالرجل، و إلّا فالعمومات معه أيضاً صادقة و شاملة، و إنّما يرفع اليد عنها بالدليل الخاصّ الدالّ علي عدم ترتّب أحكام الولد علي المتولّد من الزنا، و لا دليل علي هذا التخصيص و رفع اليد في غيره، فالمرجع هو العمومات.

فما في «الجواهر» من أنّ مجرّد انخلاق الولد من ماء الرجل لا يكفي في لحوق الولد شرعاً؛ ضرورة كون الثابت من النسب فيه الوطء الصحيح. إلي آخره، ممنوع جدّاً.

و أمّا لحوق الولد بها: فوجهه يعلم ممّا عرفت إن علم أنّ النطفة انعقدت من مائها و ماء الرجل؛ فإنّ الولد حينئذٍ انخلق من مائها و ربّي في رحمها، و مجرّد الانخلاق من الماء يكفي عرفاً في صدق كونه ولدها عرفاً و تكويناً، و تعمّه العمومات، و لا دليل يخصّصها في غير الزنا كما عرفت، إلّا أنّ الإشكال في حصول هذا العلم؛ لاحتمال انعقاد النطفة من

ماء الرجل و زوجته فانتقلت النطفة إلي رحم الباكرة و ربت.

اللهمّ إلّا أن يكون هذا الاحتمال باطلًا من رأس؛ لعدم إمكان نشوء الولد إلّا في الرحم الذي انعقد من مائه، أو عدم انتقال النطفة بعد الانعقاد من رحم إلي آخر.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 395

______________________________

و أمّا استحقاقها لمهر المثل علي زوجة الرجل بعد رفع العذرة: فدليله الصحيحة المذكورة المعتبرة المعمول بها، و معها لا يصغي إلي شبهة ابن إدريس من أنّها بغيّ و لا مهر لبغيّ؛ إذ فيه أوّلًا: أنّه قد فسّرت اللغة البغيّ بالزانية فلا تعمّ مورد الكلام، و ثانياً أنّه عموم قابل للتخصيص بنصوص الباب.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ ظاهر الصحيحة ثبوت المهر للجارية قبل ذهاب العذرة؛ لقوله (عليه السّلام)

يعمد إلي المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أوّل وهلة؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتّي تشقّ فيذهب عذرتها «1»

، و هو من قبيل القصاص قبل الجناية.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المرأة لمّا فرض رجمها فلذا قال (عليه السّلام) بأخذ المهر منها أوّل وهلة لكيلا يضيع حقّ الباكرة، و إلّا فلازم كون المهر عوض ذهاب العذرة علي ما هو كالصريح من الرواية أنّ استحقاق الجارية له موقوف علي ذهاب عذرتها بشقّها، فلو أسقطت النطفة من دون شقّ لما كان لها شي ء، و عليه فإذا قلنا بأنّ المرأة لا ترجم فلا يؤخذ عنها إلّا بعد شقّها و ثبوت المهر عليها.

و أمّا رجم المرأة أو جلدها: فلا ريب كما تري أنّ نصوص الباب متّفقة علي أنّ حدّها الرجم، و أفتي به الصدوق في «المقنع» و الشيخ في «النهاية» و جمع آخر، و يحتمل أن يكون لها خصوصية يجوز استثناؤها عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28:

167، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 3، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 396

[مسألة 14 تثبت القيادة- بالإقرار مرّتين]

مسألة 14 تثبت القيادة- و هي الجمع (42)

______________________________

سائر المساحقات المحصنات بدليل هذه الأخبار، إلّا أنّ الذي يبعّد هذا الاحتمال تعليل الرجم في صحيحة ابن مسلم بقوله (عليه السّلام)

ترجم المرأة؛ لأنّها محصنة «1»

فإنّه ظاهر في أنّه لا وجه لرجمها إلّا أنّها محصنة، لا لخصوصية في موردها ليست في سائر المحصنات، و حينئذٍ فحيث قد مرّ أنّ الأقوي ثبوت الجلد في المساحقة حتّي مع الإحصان فالأحوط الأشبه بالقواعد فيها هنا أيضاً الجلد مائة، و اللّٰه العالم.

(42) القيادة و إن كانت في اللغة مطلق الهداية مع كون القائد إمام من يقوده، إلّا أنّ المقصود منها هنا و موضوع الحدّ المذكور قسم خاصّ من الهداية، و قد فسّرها المتن بالجمع بين فاجرين للّواط أو الزنا، و به فسّرها في «الشرائع» و «المختصر» و «إرشاد» العلّامة، و هو موضوع مسألة «الانتصار» للسيّد المرتضي (قدّس سرّه)، إلّا أنّ سيّد «الرياض» فسّرها بما يعمّ الجمع بين المرأتين للسحق أيضاً، و هو موضوع الحدّ في «الغنية»، قال فيها: من جمع بين رجل و امرأة أو غلام و بين امرأتين للفجور فعليه جلد خمسة و سبعين سوطاً. إلي آخره.

و قد فسّرها ابن حمزة في «الوسيلة» بقوله: القيادة الجمع بين الفاجرين للفجور، و هو كما تري شامل للجمع للمساحقة أيضاً، بل لا يبعد دعوي شمول عنوان «نهاية» الشيخ له أيضاً؛ فإنّ العبارة فيها هكذا: الجامع

______________________________

(1) نفس المصدر.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 397

بين الرجل و المرأة أو الصبية للزنا أو الرجل بالرجل أو الصبي للّواط بالإقرار مرّتين (43)، و قيل مرّة، و الأوّل

أشبه.

______________________________

بين النساء و الرجال و الغلمان للفجور إذا شهد عليه شاهدان أو أقرّ علي نفسه بذلك يجب عليه ثلاثة أرباع حدّ الزاني. إلي آخره؛ فإنّ ظاهره أنّ الموضوع هو الجامع بين هذه الطوائف الثلاث للفجور، فكما يعمّ الجمع بين رجلين يعمّ الجمع بين امرأتين أيضاً، و قد نقل التفسير بالأعمّ في «الجواهر» عن «الجامع» و «الإصباح» أيضاً.

(43) في «الجواهر»: بلا خلاف أجده فيه، و قال في «الرياض» ما حاصله: أنّه لا خلاف في ثبوت القيادة بالإقرار مرّتين، و مقتضي العموم و إن كان ثبوتها بالإقرار مرّة أيضاً إلّا أنّه لم أجد به قائلًا، بل ظاهرهم الاتّفاق علي اعتبار المرّتين، انتهي.

أقول: قد عرفت في مطاوي كلماتنا أنّ مقتضي بناء العقلاء أخذ كلّ أحد بإقراره و إن كان مرّة واحدة، و هذا البناء حجّة ما لم يردع الشارع عنه، و قد ردع عنه في باب الزنا مثلًا كما أمضاه في باب القتل و الجنايات و لو بإطلاق الأخبار، ففيما نحن فيه إن لم يرد من الشارع ردع فمقتضي القاعدة حجّية الإقرار و لو مرّة واحدة، و لو ثبت اشتهار الفتوي باعتبار المرّتين عند الأصحاب و لا سيّما القدماء لكفي ذلك في ثبوت الردع الشرعي عن بنائهم؛ لما هو مسلّم من أنّ أصحابنا لا يفتون بمجرّد الاستحسان أو القياس، و إنّما اعتمادهم علي الحجج الشرعية، و هم كما أفتوا باعتبار الدفعات في مثل الزنا أفتوا باعتبار الواحدة في موارد كثيرة أيضاً،

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 398

______________________________

فإفتاؤهم بالمرّتين في ما نحن فيه لا يكون إلّا عن حجّة معتبرة. و بالجملة: فمجرّد الشهرة كافية في ثبوت المطلوب، فضلًا عن الاتّفاق، و قد سمعت دعوي الاتّفاق عن «الرياض»، هذا.

إلّا

أنّ لقائل أن يمنع هذه الشهرة؛ فإنّ الشيخ كما عرفت في عبارة «نهايته» مع أنّه صرّح باعتبار الشاهدين عبّر بمجرّد الإقرار علي نفسه الشامل للمرّة الواحدة أيضاً، فإطلاق كلامه يقتضي الاكتفاء بالواحدة أيضاً، و في «وسيلة» ابن حمزة ما لفظه: و تثبت بشاهدين و بإقراره، و هو كعبارة الشيخ في الإطلاق، و السيّد المرتضي في «الانتصار» لم يتعرّض للثبوت بالإقرار أصلًا، كما أنّه لم يتعرّض لما تثبت به في «الغنية» و «المراسم»، فراجع.

نعم، صرّح باعتبار المرّتين في «الشرائع» و «النافع» و «الإرشاد» و غيرها، إلّا أنّ استفادة إفتاء مشهور القدماء به مشكلة، و ما قيل من أنّ الإقرار قد عدّ شهادة في بعض الأخبار، فإذا اعتبر شاهدان في ثبوت الموضوع كما في ما نحن فيه فلا محالة يعتبر مرّتان من الإقرار، قد عرفت ما فيه سابقاً، و أنّ عدّ الشي ء شهادة غير عدّه شاهداً، فتذكّر.

نعم، لو ثبت ما قاله سلّار في «المراسم» عند البحث عن حدّ السرقة من قوله: و كلّ ما فيه بيّنة شاهدين من الحدود فالإقرار فيه مرّتين، أو ما قاله العلّامة في «المختلف» في هذا البحث أيضاً في مقام الاستدلال علي اشتراط مرّتين قبال الصدوق في «المقنع» الذي أفتي بثبوت السرقة بالإقرار مرّة واحدة من قوله: لنا أنّه حدّ؛ فلا يستوفي بالإقرار مرّة واحدة كغيره، لربّما يكفي في اعتبار المرّتين.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 399

و يعتبر في الإقرار بلوغ المقرّ و عقله و اختياره و قصده (44)؛ فلا عبرة بإقرار الصبي و المجنون و المكرَه و الهازل و نحوه، و تثبت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين (45).

______________________________

إلّا أنّ كلام سلّار لا يزيد علي الإفتاء منه بالكلّية المذكورة و لا حجّة فيه،

كما أنّ كلام العلّامة يدلّ علي تسلّم هذه الكلّية أعني عدم ثبوت شي ء من الحدود بالإقرار مرّة واحدة عنده لو لم يرجع إلي القياس و كيف كان: فلا حجّة فيه أيضاً؛ فالأوجه هو الاكتفاء في ثبوتها بالإقرار مرّة واحدة أيضاً، و اللّٰه العالم.

(44) قد مرّ الدليل علي اعتبار هذه الأُمور في بحث الزنا و اللواط، فتذكّر.

(45) في «الجواهر»: بلا خلاف و لا إشكال، كما أنّ في «الرياض»: بلا خلاف.

أقول: لا ينبغي الإشكال في ثبوتها بشهادة شاهدين عدلين؛ فإنّ قولهما طريق معتبر عند العقلاء و يصدق عليهما البيّنة، فالشرع لم يردع حجّية قولهما بل أكّدها بأدلّة اعتبار البيّنة كما يأتي الإشارة إلي بعضها و إنّما الكلام في عدم ثبوتها بأقلّ من اثنين، مع أنّ قول العدل الواحد طريق معتبر عند العقلاء.

و حينئذٍ: فيمكن الاستدلال لاعتبار التعدّد بما كتب الرضا (عليه السّلام) إلي محمّد بن سنان في جواب مسائله

و العلّة في شهادة أربعة في الزنا و اثنين

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 400

______________________________

في سائر الحقوق لشدّة حدّ المحصن.

الحديث «1»، فقد سلّم (عليه السّلام) أنّ سائر الحقوق غير الزنا يعتبر في ثبوتها اثنتان.

و نحوه خبر إسماعيل بن أبي حنيفة

في سائر الحقوق لشدّة حدّ المحصن.

الحديث «2»، فقد سلّم (عليه السّلام) أنّ سائر الحقوق غير الزنا يعتبر في ثبوتها اثنتان.

و نحوه خبر إسماعيل بن أبي حنيفة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان و الزنا لا يجوز فيه إلّا أربعة شهود، و القتل أشدّ من الزنا؟ فقال

لأنّ القتل فعل واحد و الزنا فعلان، فمِن ثمّ لا يجوز فيه إلّا أربعة شهود علي الرجل شاهدان و علي المرأة شاهدان «3»

؛ فإنّ ظاهره أنّ كلّ

فعل فيعتبر في ثبوته شهادة شاهدين، و معلوم أنّ القيادة أيضاً فعل يعمّها هذه الكلّية.

هذا بالنسبة إلي عدم الاكتفاء بواحد، و أمّا عدم اعتبار شهادة النساء مطلقاً فقد عرفت وجهه ذيل قوله دام ظلّه في المسألة الثالثة: «و لا يثبت بشهادة النساء» فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 238، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوي، الباب 5، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 27: 238، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوي، الباب 5، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 27: 408، كتاب الشهادات، الباب 49، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 401

[مسألة 15 يحدّ القوّاد خمس و سبعون جلداً]

مسألة 15 يحدّ القوّاد خمس و سبعون جلداً ثلاثة أرباع حدّ الزاني، و ينفي من البلد إلي غيره (46)، و الأحوط أن يكون النفي في المرّة الثانية،

______________________________

(46) قال في «الانتصار»: و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ من قامت عليه البيّنة بالجمع بين الرجال و النساء أو الرجال و الغلمان للفجور وجب أن يجلد خمساً و سبعين جلدة، و يحلق رأسه و يشهر في البلد الذي يفعل فيه ذلك، و تجلد المرأة إذا جمعت بين الفاجرين، لكنّها لا يحلق رأسها و لا تشهر، و لم يعرف باقي الفقهاء ذلك و لا سمعناه عنهم و لا منهم. و الحجّة لنا فيه إجماع الطائفة، انتهي.

و قال ابن زهرة في «الغنية»: من جمع بين رجل و امرأة أو غلام للفجور أو بين امرأتين للفجور فعليه جلد خمسة و سبعين سوطاً؛ رجلًا أو امرأة، حُرّاً أو عبداً، مسلماً أو ذمّيا، و يحلق رأس الرجل و يشهر في المصر و لا يفعل ذلك بالمرأة. و من عاد ثانية جلد و نفي عن المصر، كلّ ذلك بدليل إجماع الطائفة،

انتهي.

و قد أفتي في «النهاية» بجلد الرجل و إشهاره و حلق رأسه و بنفي بلده أيضاً في المرّة الأُولي.

و قال في «المختلف» بعد نقل هذه الفتوي من «النهاية»: و تبعه ابن البرّاج و ابن إدريس، و قال المفيد: يجلد في المرّة الأُولي و يحلق رأسه و يشهر، فإن عاد ثانية جلد و نفي، و تبعه أبو الصلاح و سلّار، و المشهور الأوّل لما رواه عبد اللّٰه بن سنان، انتهي.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 402

______________________________

و لذلك أفتي العلّامة بفتوي «النهاية» في «إرشاده» و صاحب «الوسيلة» قد تبع المفيد، فراجع.

و كيف كان: فتري أنّ السيّد المرتضي و ابن زهرة ادّعيا الإجماع علي ثلاثة أُمور: الجلد و الحلق و الإشهار، و لم ينقل من القدماء فيها خلاف، إلي أن أتي المحقّق (قدّس سرّه) فقال في «الشرائع»: يجب علي القوّاد خمس و سبعون جلدة، و قيل: يحلق رأسه و يشهر و يستوي فيه الحُرّ و العبد و المسلم و الكافر، انتهي.

فتري أنّه نسب القول بالحلق و الإشهار إلي القيل. و قال في «المسالك»: اتّفق الجميع علي أنّ حدّ القيادة مطلقاً خمس و سبعون جلده في ثبوت آخر معها، انتهي.

هذا وضع المسألة بحسب الأقوال، و حاصلها كما تري اتّفاق الكلّ علي جلد الخمسة و السبعين و قيام الشهرة، بل دعوي الإجماع من «الانتصار» و «الغنية» علي انضمام الحلق و الإشهار إليها في الرجل، و أنّ انضمام نفي البلد إليها في المرّة الأُولي محلّ خلاف؛ ادّعي «المختلف» أنّه المشهور و ادّعي صاحب «الغنية» الإجماع علي أنّه في المرّة الثانية.

و أمّا الأخبار: فما وصل إلينا منها هو ما رواه عبد اللّٰه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أخبرني عن القوّاد ما حدّه؟ قال

لا حدّ علي القوّاد، أ ليس إنّما يعطي الأجر علي أن يقود؟!

، قلت: جعلت فداك إنّما يجمع بين الذكر و الأُنثي حراماً، قال

ذاك المؤلّف بين الذكر و الأُنثي حراماً؟

فقلت: هو ذاك، قال

يضرب ثلاثة أرباع حدّ الزاني خمسة

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 403

______________________________

و سبعين سوطاً، و ينفي من المصر الذي هو فيه «1».

فقد حكم (عليه السّلام) بأنّ حدّه الجلد و النفي أوّل مرّة و اقتصر عليهما، إلّا أنّ في سنده محمّد بن سليمان الذي الظاهر أنّه المصري، كما صرّح به في «الفقيه»، و هو مذكور في الرجال بلا قدح و لا مدح، فحاله مجهول و الخبر ضعيف السند من هذه الناحية.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ فتوي الكلّ بما تضمّنه من الجلد مع عدم وجود غيره في ما بأيدينا من الأخبار حتّي في زمن العلّامة كما عرفت من ظاهر عبارة «مختلفه» شاهدة علي اعتماد الأصحاب و عملهم به، فينجبر به ضعف سنده، و حينئذٍ: فلا بأس بالإفتاء بالحكم الآخر الذي تضمّنه من نفي البلد أيضاً في أوّل مرّة. و هذا هو وجه فتوي الماتن دام ظلّه بهما، هذا.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ المشهور منهم المدّعي عليه الإجماع في «الغنية» و «الانتصار» قد أفتوا بوجوب الحلق و الإشهار أيضاً، مع أنّه ليس في الأخبار عين و لا أثر منهما، بل إنّ اقتصار هذه الرواية علي ما ذكر يدلّ علي عدم وجوب غير الجلد و النفي، و إذا انضمّ هذا إلي ما هو المسلّم من أصحابنا (قدّس سرّهم) من أنّهم لا يفتون بمجرّد القياس و الاستحسان حصل العلم أو الاطمئنان بأنّه كان بأيديهم خبر معتبر أو نقل معتبر آخر قد تضمّن

حكم الحلق و الإشهار.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 171، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السحق و القيادة، الباب 5، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 404

و علي قول مشهور يحلق رأسه و يشهر (47)، و يستوي فيه المسلم و الكافر و الرجل و المرأة، إلّا أنّه ليس في المرأة إلّا الجلد؛

______________________________

و حينئذٍ فلعلّ مستندهم كان ذاك الخبر أو النقل، و لم يكن فيه النفي لأوّل مرّة و لم يكونوا استندوا إلي رواية ابن سنان حتّي ينجبر ضعف سندها؛ فلذلك كان الإفتاء بالنفي في أوّل مرّة في غاية الإشكال.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ إسناد العلّامة في «المختلف» لفتوي «نهاية» الشيخ إلي المشهور كاشف عن استناد المشهور إلي خبر ابن سنان، لكنّه معارض بالإجماع المذكور في «الغنية» بل و «الانتصار»، و لعلّه لذلك كلّه قال دام ظلّه: «و الأحوط أن يكون النفي في المرّة الثانية» فتأمّل.

و بعد ذلك كلّه: فخبر ابن سنان وارد في الجامع بين الفاجرين للزنا، و لا يعمّ من جمع بين شخصين للّواط أو المساحقة. اللهمّ إلّا بإلغاء الخصوصية، و هو علي عهدة مدّعيه.

(47) قد عرفت ادّعاء الإجماع عليه من «الانتصار» و «الغنية» و أنّ الإفتاء بهما مذكور في كلام كلّ من رأيناه ممّن سبق علي المحقّق مع أنّهما لم يذكرا في خبر، و حينئذٍ فلا بعد في دعوي القطع بأنّ الحكم إمّا نقل إلي الأصحاب من أئمّتهم (عليهم السّلام) شفاهاً خلفاً عن سلف، و إمّا كانت عليه رواية معتبرة، و اللّٰه العالم.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 405

فلا حلق و لا نفي و لا شهرة عليها (48). و لا يبعد أن يكون حدّ النفي بنظر الحاكم (49).

______________________________

(48) أمّا الحلق و

الشهرة: فواضح بعد ما عرفت أنّ مستندهما فتوي المشهور بل دعوي الإجماع عليهما، و فتواهم مختصّة بالرجل، و قد صرّحوا بأنّ المرأة لا تحلق و لا تشهر، بل عدم حلقها و إشهارها داخل في معقد إجماع «الانتصار» و «الغنية» و مع ذلك فلا دليل علي إجرائهما فيها أصلًا.

و أمّا نفيها: فهو و إن أمكن أن يقال بشمول خبر عبد اللّٰه بن سنان لها أيضاً إذ موضوع الحكم فيه هو القوّاد، و هو شامل للمرأة؛ لا سيّما بإلغاء الخصوصية المستند إلي أنّ العرف يفهم أنّ فعل القيادة هو الموجب لثبوت الحدّ علي القوّاد، و لا فرق فيه بين الذكر و الأُنثي إلّا أنّ نفي نفي البلد عن المرأة من المسلّمات في كلامهم، فعلي هذا: فلا أقلّ من أنّ المشهور قد أعرضوا عن عموم الخبر، لو سلّم أنّه كان مستندهم، فلا حجّة فيه بالنسبة إلي المرأة قطعاً.

(49) فإنّه مقتضي إطلاق خبر ابن سنان، و ذلك أنّه قد حكم بأنّه ينفي من المصر الذي هو فيه و لم يذكر له حدّا معيّناً، و حيث إنّ إجراء الحكم بيد الحاكم الشرعي فإذا قيل له: «أنف هذا العاصي من مصره» فلا محالة يفهم منه أنّ حدّ النفي منوط بنظره.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 406

______________________________

قال المحقّق في «نكت النهاية» في مقام الجواب عن سؤال أنّه هل للنفي هنا مدّة؟ ما لفظه: الجواب: ليس للنفي هنا مدّة مقدّرة، و لكن ذلك بحسب ما يراه الإمام؛ لأنّ الشرع خالٍ من التقدير، فيكون موكولًا إلي نظر الإمام؛ لأنّه منصوب للمصلحة، انتهي.

و هو راجع إلي ما ذكرناه، و عليه أيضاً يحمل كلمات الأصحاب فإنّها أيضاً خالية عن التقدير، و اللّٰه العالم.

و قد وقع

الفراغ من كتابة هذا القسم يوم السبت الثالث و العشرين من صفر الخير من السنة 1405 الهجرية القمرية، المطابق للسادس و العشرين من شهر آبان من السنة 1363 الهجرية الشمسية. و أنا العبد محمّد المؤمن القمي، آمنه اللّٰه من الفزع الأكبر و رضي عنه.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 407

[الفصل الثالث في حدّ القذف]

اشارة

الفصل الثالث في حدّ القذف و النظر فيه في الموجب و القاذف و المقذوف و الأحكام:

[القول في الموجب]

اشارة

القول في الموجب

[مسألة 1 موجب الحدّ الرمي بالزنا أو اللواط]

مسألة 1 موجب الحدّ الرمي بالزنا أو اللواط (1)،

______________________________

(1) إنّ حكم الحدّ في الكتاب و السنّة قد علّق علي عناوين ثلاثة: الرمي و القذف و الافتراء أو الفرية، و قد فسّر الرمي و القذف في اللغة بالإلقاء، كما يقال: رميتُ السهم و الحجر أو بهما و قذفتُ السهم و الحجر أو بهما، قال تعالي وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ «1» و قال فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ «2»، و قد استعملا في الشتم فيقال: رماه بكذا كما يقال: قذفه به، فكأنّه بقوله فيه قد ألقي المقذوف و طرحه في ناحية منقطعة عن ساحة الاجتماع الإنساني، هذا.

______________________________

(1) الأنفال (8): 17.

(2) طه (20): 39.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 408

______________________________

و أمّا الافتراء: ففسّروه بجعل الكذب علي أحد و اختلاقه عليه، و الفرية هي الاكذوبة المجعولة المختلقة. و ربّما يقال: إنّ أصل الفرية هو الفري و القطع، فلو انحفظ هذا الأصل في الافتراء فكأنّ المفتري يفري وجه من افتري عليه و يفسده. و بناءً علي أنّه بمعني اختلاق الكذب فإطلاق الافتراء علي نسبة أحد إلي الفاحشة مع أنّ صدقه محتمل لمكان أنّ الجامعة الإسلامية موظّفة بتكذيبه، قال تعالي لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدٰاءِ فَأُولٰئِكَ عِنْدَ اللّٰهِ هُمُ الْكٰاذِبُونَ «1»، فجعل الحكم بأنّهم كاذبون معلّقاً علي عدم إثباتهم لمقالتهم، و سياق الكلام يعطي أنّ من نسب الفاحشة إلي أحد فإن أتي عليها ببيّنة مسموعة فهو، و إلّا كان عند اللّٰه من الكاذبين، هذا كلّه في معناها في اللغة.

و الظاهر: صحّة إطلاق كلّ من العناوين علي نسبة كلّ فسق و فاحشة إلي أحد، و عدم اختصاص لها بخصوص الزنا أو اللواط، إلّا أنّ

الرجوع إلي كلمات الأصحاب و آيات الكتاب و الروايات يعطي أنّها ليس لها هذا الإطلاق:

أمّا الأصحاب: فظاهرهم أنّ القذف الموضوع للحدّ منحصر في القذف بالزنا أو اللواط، كما رأيناه في «مقنع» الصدوق و «نهاية» الشيخ و «غنية» ابن زهرة و «شرائع» المحقّق و «مختلف» العلّامة و غيرها، و إنّما حكي في «المختلف» عن خصوص ابن الجنيد أنّ نسبة السحق أيضاً توجب حدّ الثمانين.

______________________________

(1) النور (24): 13.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 409

______________________________

كما أنّ قوله تعالي وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً. «1» الآية، ظاهر في الرمي بالزنا؛ إذ لا ريب في أنّ سياق وقوعه بعد آية حدّ الزنا و قبل آيات اللعان قرينة قوية علي ذلك.

و أمّا الأخبار: فالمستفاد من أخبار كثيرة أنّ القذف هو خصوص الرمي بالزنا و هكذا الفرية؛ ففي صحيحة حريز المروية عن تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

القاذف يجلد ثمانين جلدة و لا تقبل له شهادة أبداً، إلّا بعد التوبة أو يكذّب نفسه، فإن شهد له ثلاثة و أبي واحد يجلد الثلاثة و لا تقبل شهادتهم حتّي يقول أربعة: رأينا مثل الميل في المُكحلة «2».

فقد ذكر أنّ القاذف يجلد ثمانين و أنّه لا يرتفع الحدّ عنه إلّا بشهادة أربعة علي أنّهم رأوه كالميل في المُكحلة، فيعلم منه: أنّ مفهوم القذف إنّما هو في نسبة الزنا الذي يلزمه دخول الميل في المُكحلة، و نهاية الأمر شموله للّواط الإيقابي أيضاً، و إلّا فلا يعمّ مثل نسبة السحق و لا سائر الفواحش أصلًا.

و في موثّقة إسحاق بن عمّار عن جعفر (عليه السّلام)

أنّ علياً (عليه السّلام) كان يعزّر في الهجاء و لا يجلد

الحدّ إلّا في الفرية المصرّحة أن يقول: يا زان أو يا ابن

______________________________

(1) النور (24): 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 177، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 2، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 410

______________________________

الزانية أو لست لأبيك «1»

فنفي الحدّ الظاهر في حدّ الثمانين من غير الفرية، و فسّر الفرية بنسبة الزنا، فيدلّ علي نفيه عن نسبة غيره.

و نحوها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّ الفرية ثلاث يعني ثلاث وجوه إذا رمي الرجلُ الرجلَ بالزنا، و إذا قال: إنّ امّه زانية، و إذا دعا لغير أبيه، فذلك فيه حدّ ثمانون «2»

فظاهرها: أنّ الفرية التي فيها جلد الثمانين منحصرة بنسبة الزنا.

و هنا أخبار كثيرة قد أطلقت القذف علي نسبة الزنا، و فيها تأييد أو شهادة علي الاختصاص المذكور، و سيأتي ذكر بعضها إن شاء اللّٰه تعالي أثناء المباحث الآتية.

لكنّه قد ورد في موثّقة عبّاد بن صُهيب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

كان علي (عليه السّلام) يقول: إذا قال الرجل للرجل يا معفوج (مفتوح) يا منكوحاً في دبره فإنّ عليه حدّ القاذف «3»

، فإنّه يدلّ علي ثبوت حدّ القذف في نسبة الملوطية إلي أحد، إلّا أنّ التعبير بأنّ عليه حدّ القاذف ربّما كان فيه إشارة إلي أنّه ليس قاذفاً و إنّما عليه حدّ القاذف، فتأمّل. ثمّ إنّ المعفوج علي ما في «مجمع البحرين» من العفج بمعني الجماع؛ أي يا موطوء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 204، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 28: 176، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 2، الحديث 2.

(3) وسائل

الشيعة 28: 177، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 3، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 411

و أمّا الرمي بالسحق و سائر الفواحش فلا يوجب حدّ القذف (2)،

______________________________

في دبره. و بالجملة: فتدلّ الموثّقة علي أنّ قذف أحد بالملوطية أيضاً يوجب حدّ الثمانين.

و أمّا قذفه باللائطية فتدلّ علي إيجابه لحدّ القذف خبر نعيم بن إبراهيم عن عبّاد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا قذف الرجلُ الرجلَ فقال: إنّك تعمل عمل قوم لوط تنكح الرجال

قال

يجلد حدّ القذف ثمانين جلدة «1»

، و دلالته واضحة فإنّها صريحة في مورد نسبة اللائطية، كما يدلّ عليه قوله

تنكح الرجال.

و قد صرّح بأنّه يجلد ثمانين جلدة، إلّا أنّه ضعيف السند بمجهولية نعيم بن إبراهيم، إلّا أن يقال: إنّ ذكره في «الكافي» و «التهذيبين» و فتوي الأصحاب من غير خلاف بمضمونه كافٍ في انجباره، مضافاً إلي إمكان دعوي إلغاء الخصوصية عن نسبة الملوطية المذكورة في الموثّقة و انفهام أنّ اللواط مثل الزنا يوجب الرمي به فاعلًا أو مفعولًا حدّ القذف، و مضافاً إلي إمكان دعوي شمول إطلاق صحيحة حريز للرمي باللواط أيضاً، كما مرّت إليه الإشارة.

(2) لعدم شمول الإطلاقات له بعد ما عرفت من اختصاص مفهوم القذف و الفرية برمي اللواط أو الزنا، و لم يقم دليل خاصّ علي الإلحاق.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 177، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 3، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 412

نعم للإمام (عليه السّلام) تعزير الرامي (3).

______________________________

(3) فإنّ الرمي بالسحق إيذاء و هجاء، و قد دلّت موثّقة إسحاق المذكورة آنفاً علي أنّه يعزّر في الهجاء، و نحوها غيرها ممّا سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي. كما يدلّ معتبر الحسين

بن أبي العلاء علي ثبوت التعزير في كلّ ما يؤذي المسلمين؛ ففيه: أنّ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ رجلًا لقي رجلًا علي عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقال: إنّ هذا افتري عليّ، قال: و ما قال لك؟ قال: إنّه احتلم بأُمّ الآخر، قال: إنّ في العدل إن شئت جلدت ظلّه؛ فإنّ الحلم إنّما هو مثل الظلّ، و لكنّا سنوجعه ضرباً وجيعاً حتّي لا يؤذي المسلمين، فضربه ضرباً وجيعاً «1».

و نحوه ما رواه في «الفقيه» بسنده الصحيح إلي قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) و في ذيله

لكنّي أُؤدّبه لئلّا يعود يؤذي المسلمين «2»

؛ فإنّ ظاهرهما ثبوت التأديب و الإيجاع علي من آذي المسلمين و لو بمثل قوله: احتلمتُ بأُمّك و جامعت أُمّك في رؤياي، فيعمّ إطلاقهما للقذف بالمساحقة بلا إشكال.

ثمّ إنّه لا ريب في عدم اختصاص إجراء هذا التعزير بالإمام

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 210، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 24، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 211، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 24، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 413

[مسألة 2 يعتبر في القذف أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد عليه]

مسألة 2 يعتبر في القذف أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد عليه (4) كقوله: «أنت زنيت» أو «لطت» أو «أنت زان» أو «لائط» أو «ليط بك» أو «أنت منكوح في دبرك» أو «يا زاني» «يا لاطئ» و نحو ذلك ممّا يؤدّي المعني صريحاً أو ظاهراً معتمداً عليه، و أن يكون القائل عارفاً بما وضع له اللفظ و مفاده في اللغة التي يتكلّم بها (5)؛

______________________________

المعصوم (عليه السّلام) فإنّ دليل ثبوته عموم أدلّة التعزيرات و خصوص الأخبار المذكورة أو المشار إليها، و ليس فيها شاهد علي الاختصاص، فهو كسائر الكبائر

التي عليها التعزير.

(4) عند العرف في الكاشفية عن إرادة نسبة الزنا أو اللواط إليه، و وجهه واضح فإنّ موضوع الحدّ هو القذف، و هو عبارة عن النسبة المذكورة، و ظواهر الألفاظ حجّة كاشفة عن أنّ المتكلّم بها قد نسب هذه النسبة، و معها فلا شبهة عند العقلاء في تحقّق موضوع الحدّ، و لا مورد لقاعدة أنّ الحدود تدرأ بالشبهات كما لا يخفي. فما في «الرياض» من التوقّف في ثبوته بالظواهر إن لم يكن ثبوته بها إجماعياً، محلّ إشكال بل منع.

(5) لما عرفت: أنّ حقيقة القذف هو نسبة الفجور إلي الغير، فهو متقوّم بالمعني المراد من الألفاظ، فإذا لم يعلم المتكلّم بمفادها فلا محالة لم ينسب شيئاً إليه. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه إذا لم يعرف معناها تفصيلًا، و مع ذلك قصده مهما كان، يصدق أنّه نسبه إلي الفاحشة التي تلفّظ بلفظها، فيعمّه أدلّة حدّ القذف.

نعم، لو استعملها لمجرّد إيذاء المخاطب من غير قصد لنسبة معناها علي

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 414

فلو قال عجمي أحد الألفاظ المذكورة مع عدم علمه بمعناها لم يكن قاذفاً، و لا حدّ عليه و لو علم المخاطب. و علي العكس لو قاله العارف باللغة لمن لم يكن عارفاً فهو قاذف و عليه الحدّ (6).

[مسألة 3 لو قال لولده الذي ثبت كونه ولده بإقرار منه أو بوجه شرعي: «لست بولدي»]

مسألة 3 لو قال لولده الذي ثبت كونه ولده بإقرار منه أو بوجه شرعي: «لست بولدي» فعليه الحدّ، و كذا لو قال لغيره الذي ثبت بوجه شرعي أنّه ولد زيد «لست بولد زيد» أو «أنت ولد عمرو» (7).

______________________________

أيّ حال إليه، فصدق القذف مشكل بل ممنوع. و لعلّ عبارة المتن بل عبارة القوم ناظرة إليه، قال الشيخ في «النهاية»: فإن قال له شيئاً من ذلك و

هو لا يعلم فائدة تلك اللغة و لا موضوع اللفظة لم يكن عليه شي ء، انتهي، و اللّٰه العالم.

(6) و ذلك أنّ القذف أو الافتراء و الرمي ليس إلّا نسبة الغير إلي الزنا أو اللواط، و هذه النسبة لا تتقوّم بأزيد من إرادة المتكلّم لها من كلامه، و هي متحقّقة علي الفرض.

و لا دخل في صدقها بعلم المقذوف بمعني الكلام حينما تكلّم؛ فقذف العالم للجاهل كقذفه للنائم و الأصم قذف داخل في عموم الأدلّة فيثبت فيه حدّه، كما اعترف به الأصحاب، فراجع كلماتهم.

(7) في «الرياض» بعد ذكر ثبوت الحدّ في المسألتين: بلا خلاف، و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده فيه بيننا. و الوجه في إثبات الحدّ بمثل العبارة أنّ نفي ولديته عمّن هو أبوه شرعاً ظاهر عرفاً في نسبة امّه إلي الزنا، و قد عرفت حجّية الظواهر في الباب أيضاً.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 415

______________________________

مضافاً إلي أنّه يدلّ علي ثبوت الحدّ في المسألة الأُولي موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من أقرّ بولد ثمّ نفاه جلد الحدّ و أُلزم الولد «1»

، و دلالتها واضحة فإنّ مثبت الحدّ فيها ليس سوي نفي الولد عن نفسه بعد ما ثبت ولديته بإقراره.

و أمّا ما في خبر العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل ينتفي من ولده و قد أقرّ به، قال: فقال

إن كان الولد من حرّة جلد الحدّ خمسين سوطاً حدّ المملوك، و إن كان من أمة فلا شي ء عليه «1»

، فهو لا يعارض الموثّقة في أصل ثبوت الحدّ و إنّما يعارضه و سائر الأخبار في جعل الحدّ، حدّ المملوك، و هو مع ما في سنده متروك من هذه

الجهة، كما عن «كشف اللثام».

كما يدلّ علي ثبوته في المسألة الثانية ما مرّ من موثّقة إسحاق بن عمّار و صحيحة ابن سنان حيث عدّ من الفرية المصرّحة الموجبة للحدّ في الاولي أن يقول لغيره: «لست لأبيك».

و من الوجوه الثلاثة من الفرية التي فيها حدّ الثمانين أن يدعوه لغير أبيه فراجعهما.

و للكلام تتمّة يأتي ذيل المسألة الخامسة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 209، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 23، الحديث 1.

(1) وسائل الشيعة 28: 209، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 23، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 416

نعم لو كان في أمثال ذلك قرينة علي عدم إرادة القذف و لو للتعارف فليس عليه الحدّ (8)؛ فلو قال: «أنت لست بولدي» مريداً به ليس فيك ما يتوقّع منك، أو «أنت لست بابن عمرو» مريداً به ليس فيك شجاعته مثلًا فلا حدّ عليه و لا يكون قذفاً.

______________________________

(8) إذ في هذا الفرض لم يرد به قذف امّه بالزنا، فليس ما قاله قذفاً و لا نفي ولد و لا فرية، فلا وجه لثبوت حدّ القذف عليه.

ثمّ إنّ التقييد في أصل موضوع المسألة بثبوت الولدية بوجه شرعي؛ إنّما هو لأنّه إن ثبت عدم كونه ولداً شرعياً له، بل متولّداً من زنا ثابت مسلّم، فلا حدّ في نفيه فإنّ موضوع الحدّ في الكتاب العزيز قوله تعالي وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ. «1» الآية، فإذا أتوا بالشهداء الأربعة فقيد الموضوع غير محقّق، و معلوم أنّ إتيان الشهداء عبارة أُخري عن إثبات ما رموهنّ به من الزنا، فإذا كان الزنا المرمي به ثابتاً فلا حدّ. و يأتي تمام الكلام فيه إن شاء اللّٰه تعالي

ذيل المسألة الرابعة من مسائل القول في الأحكام.

كما أنّه إن لم يثبت كونه ولداً لنفسه بأن لم يقرّ به و لم يظهر الشكّ في لحوقه بنفسه الملازم لأن يحكم عليه بلحوقه به بمقتضي قوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الولد للفراش و للعاهر الحجر «2»

فإذا نفي الولد عن نفسه و قال: «لستَ ولدي»

______________________________

(1) النور (24): 4.

(2) راجع وسائل الشيعة 21: 169، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 56، الحديث 1، و الباب 74، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 417

[مسألة 4 لو قال: «يا زوج الزانية»]

مسألة 4 لو قال: «يا زوج الزانية» أو «يا أُخت الزانية» أو «يا ابن الزانية» أو «زنت أُمّك» و أمثال ذلك فالقذف ليس للمخاطب، بل لمن نسب إليه الزنا (9)،

______________________________

لزمه اللعان، فإن لم يلاعن فعليه الحدّ كما ذكر في الكتاب العزيز. و يأتي إن شاء اللّٰه تعالي في المسألة المذكورة.

(9) بلا خلاف أجده في كلماتهم، بل ظاهرهم التسالم عليه. و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا. إلي أن قال

و إن كان قال لابنه و أُمّه حيّة: يا ابن الزانية، و لم ينتف من ولدها جلد الحدّ لها و لم يفرّق بينهما.

الحديث «1»؛ فإنّ قوله (عليه السّلام)

جلد الحدّ لها

يدلّ دلالة واضحة علي أنّ القذف كان للُامّ؛ و لذا كان الحدّ لها.

و يدلّ عليه أيضاً موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلي أن قال: قلت أ رأيت إن هو قال: يا ابن الزانية، فعفا عنه و ترك ذلك للّٰه؟ فقال

إن كانت امّه حيّة فليس له أن يعفو، العفو إلي امّه متي شاءت أخذت بحقّها، فإن كانت امّه قد

ماتت فإنّه ولي أمرها يجوز عفوه «2»

، و هي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 196، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 14، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 206، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 20، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 418

و كذا لو قال: «يا ابن اللاطي» أو «يا ابن الملوط» أو «يا أخ اللاطي» أو «يا أخ الملوط» مثلًا فالقذف لمن نسب إليه الفاحشة لا للمخاطب (10)،

______________________________

كالصريحة في أنّ حقّ حدّ القذف إنّما هو لمن نسب إليه الزنا، و إنّما ينتقل إلي المخاطب بما أنّه ولي أمر المقذوف بعد موته، لا أوّلًا و بالذات. و مثلهما في الدلالة موثّقتان رواهما عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1» فراجع.

و بهذه الأخبار يتّضح الإبهام الذي قد يدّعي وجوده في صحيحة ابن سنان الماضية في عداد أدلّة أصل حدّ القذف ذيل المسألة الأُولي؛ إذ قد يتوهّم منه أنّ قول المفتري للرجل «إنّ امّه زانية» و نسبته إلي غير أبيه فرية علي الرجل نفسه، كما كان رميه بالزنا فرية عليه، فهذه الأخبار دليل واضح علي أنّ المقذوف الذي له و بيده أمر الحدّ ليس إلّا من نسب إليه الزنا. و ورود هذه الأخبار جميعاً في نسبة الزنا إلي أُمّ المخاطب لا ضير فيه بعد إلغاء الخصوصية عن المورد قطعاً. هذا كلّه في نسبة الزنا.

(10) و ذلك أنّ المستفاد من موثّقة عباد بن صهيب و خبر عبّاد البصري «2» إنّما هو ثبوت حدّ القذف لمن نسب إلي اللائطية أو الملوطية،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 187، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 6، الحديث 1، و الباب 22، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة

28: 177، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 3، الحديث 2 و 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 419

نعم عليه التعزير (11) بالنسبة إلي إيذاء المخاطب و هتكه فيما لا يجوز له ذلك.

[مسألة 5 لو قال: «ولدتك أُمّك من الزنا» فالظاهر عدم ثبوت الحدّ]

مسألة 5 لو قال: «ولدتك أُمّك من الزنا» فالظاهر عدم ثبوت الحدّ (12) فإنّ المواجه لم يكن مقذوفاً، و يحتمل انفراد الأب بالزنا أو الأُمّ بذلك، فلا يكون القذف لمعيّن؛ ففي مثله تحصل الشبهة الدارئة، و يحتمل ثبوت الحدّ مع مطالبة الأبوين.

______________________________

و لا دليل علي ثبوته لمن نسب أقرباءه إلي أحدهما. مضافاً إلي عدم البعد في إلغاء الخصوصية عن مورد الأخبار الماضية و انفهام قاعدة كلّية بالنسبة إلي الرمي بالزنا و اللواط كليهما.

(11) كما يدلّ عليه ما استدللنا به علي ثبوته في الرمي بالسحق فراجع. مضافاً إلي أنّه داخل تحت عموم المسألة الثامنة التي يأتي الكلام فيها، فانتظر.

(12) في «نهاية» الشيخ: إنّه لو قال لغيره: «ولدت من الزنا» وجب أيضاً عليه الحدّ، و كان المطالبة في ذلك إلي امّه. و في «المختلف»: إنّ ابن إدريس استشكله؛ لاحتمال أن يكون الزاني هي الأُمّ أو الأب فلا وجه لاختصاص الامّ بالمطالبة. ثمّ نقل عن ابن إدريس إنّه لو قال: «ولدتك أُمّك من الزنا» كان قذفاً لها، انتهي، و توقّف في ثبوت القذف بكلّ من الجملتين في «الشرائع»؛ لاحتمال انفراد الأب بالزنا.

أقول: لا يبعد دعوي انصراف أدلّة حدّ القذف عمّا إذا نسب أحداً إلي الزنا أو اللواط معذوراً فيه؛ بأن أكره عليه إكراهاً مجوّزاً أو فعل به و هو نائم

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 420

______________________________

أو مغشي عليه. بل ظاهر المتن و ما نقلناه عن ابن إدريس و المحقّق: أنّه لا

يصدق عليه الزنا حينئذٍ، و إلّا لم يكن لانفراد الأب بالزنا معني، و مع عدم صدقه عليه فليس نسبته إلي أحد قذفاً؛ فإنّ القذف كما مرّ هو الرمي بالزنا أو اللواط.

و كيف كان: فموضوع حدّ القذف أن ينسبه إلي الفجور و الفاحشة؛ و هو لا يتحقّق هنا إمّا لعدم صدق الزنا و اللواط مع العذر، و إمّا لانصراف أدلّة الحدّ عن مثله.

و حينئذٍ: فإذا قال لغيره: «ولدت من الزنا» أو «ولدتك أُمّك من الزنا» فهو صريح في نسبة وقوع الزنا بمن ولدته؛ إذ لا يمكن الولادة من الزنا إلّا بذلك، لكنّه لا يلزمه زنا الامّ زنا حراماً؛ لاحتمال أن يكون أكرهها الزاني بها أو يزني بها و هي نائمة مثلًا، فلا صراحة بل لا دلالة فيه علي نسبة والدته إلي الزنا. و حيث لم يعيّن الرجل الذي جامعها و وقع بجماعة الزنا فلا دلالة فيه علي نسبة رجل معيّن أيضاً إلي الزنا حتّي بنحو الشبهة المحصورة، و هذا بخلاف ما إذا قال: «إنّ أحد أبويك قد زنا بك» فإنّ فيه نسبة أحدهما إلي الزنا بنحو الإجمال.

و أمّا العبارتان المذكورتان فليس فيهما نسبة أحد الشخصين المعيّنين إلي الزنا لكي يحتمل أو يقوّي ثبوت حدّ القذف بمطالبة أبويه الشرعيين كما لا يخفي. فمنه تعرف ضعف ما في المتن تبعاً ل «الشرائع» من توجيه نفي القذف لمعيّن باحتمال انفراد الأب بالزنا. اللهمّ إلّا أن يريد بالأب مَن انعقد منه نطفته و إن كان غير والده الشرعي، لكنّه لا يجامع قول المتن: «و يحتمل ثبوت الحدّ مع مطالبة الأبوين».

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 421

______________________________

فالحاصل: أنّ العبارتين لا دلالة لهما علي قذف أحد الشخصين المعيّنين، فلا يمكن القول

بثبوت الحدّ بمطالبة خصوص الامّ و لا رجل معيّن لكي يحتمل ثبوت الحدّ بانضمام مطالبته إلي مطالبة الأُمّ، فلا طريق إلي ثبوت حدّ القذف أصلًا، بل قوله: «ولدت من الزنا» كما لا دلالة له علي إسناد الزنا إلي رجل معيّن كذلك لا دلالة له علي وقوع الزنا بامرأة معيّنة؛ فإنّ مفاده أنّ المرأة التي ولدتك قد وقع بها الزنا، و أمّا أنّها مَن هي؟ فلا دلالة عليه، بل لو احتمل في لفظة «أُمّك» من عبارة «ولدتك أُمّك من الزنا» أن يراد بها والدته الواقعية لا المرأة التي تعدّ عند الناس بالفعل امّه لكانت العبارتان كلتاهما علي السواء في عدم الدلالة علي إسناد الزنا لا إلي شخص معيّن و لا إلي واحد مردّد بين المعيّن و غير المعيّن، بل إنّما غاية مدلولهما وقوع الزنا بامرأة غير معيّنة ولدته من دون تعيين لها، و لا تعيين الرجل الذي وقع بجماعة هذا الزنا.

هذا هو الذي تقتضيه الدقّة في حدود مفهوم العبارتين، و منه يظهر الخلل الواقع في المتن و غيره.

إلّا أنّه لقائل أن يقول: إنّ أمثال العبارتين ظاهرة في نسبة أُمّه التي هي أُمّ له عند الناس إلي الزنا، كيف لا؟! و قد عرفت أنّ مجرّد قوله: لست بولدي أو لست ولد زيد قذف لُامّه، و مجرّد نفي الولد يوجب اللعان. و ليس هذا إلّا لظهور صرف نفي الولد في نسبة امّه إلي الزنا، فضلًا عمّا صرّح بأنّه ولد من الزنا أو ولدته امّه من الزنا؛ و لذلك قال الشهيد الثاني في «المسالك»: إنّ جملة «لست بولدي» عندنا من ألفاظ القذف الصريح لغةً و عرفاً.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 422

و كذا لو قال: «أحدكما زانٍ» فإنّه

يحتمل الدرء (13) و يحتمل الحدّ بمطالبتهما.

______________________________

نعم لو حمل ثبوت الحدّ بنفي الولد عن نفسه علي إعمال تعبّد خاصّ من الشارع لكان لما ذكر هاهنا وجه، لكنّه غير وجيه، بل جملة «لست ولدي» و أمثالها ظاهرة عرفاً في إسناد الزنا إلي أُمّ الولد؛ و لذلك قد أفتي الشيخ في «نهايته» بثبوت القذف بقوله: «ولدت من الزنا»، و ابن إدريس قد دقّق النظر فيها و خرج عن ارتكازه العرفي، فاستشكل بثبوته بها و مشي علي ارتكازه و حكم بثبوت القذف بقوله: «ولدتك أُمّك من الزنا»، مع أنّهما في الاحتمال سواء. و كيف كان: فلا نصّ خاصّ و لا تعبّد في المقام، و المتّبع ظهور الألفاظ في القذف بالزنا، و اللّٰه العالم.

و علي أيّ حال: فاحتمال ثبوت الحدّ بمطالبة الأبوين ساقط جدّاً؛ لما عرفت من عدم تعرّض العبارة لتعيين من وقع بجماعة الزنا، فضلًا عن أن يعيّن أباه لذلك.

(13) لا شكّ في أنّه لا يجب عليه حدّان بمطالبتهما؛ فإنّ كلّا منهما بخصوصه ليس مقذوفاً و إنّما المقذوف أحدهما و لم يعيّنه، فإذا اجتمعا علي المطالبة فقد طالب المقذوف الموجود بينهما حقّه فيثبت عليه الحدّ. إلّا أنّه مع ذلك يمكن دعوي انصراف الأدلّة إلي ما كان المقذوف معيّناً بشخصه؛ فلا تعمّ المورد أصلًا، و الأصل عدم ثبوت حدّ القذف عليه. فلتردّده دام ظلّه في إمكان هذه الدعوي تردّد في الحكم بالدرء أو بثبوت الحدّ. نعم لا ينبغي الريب في استحقاقه التعزير لكلّ منهما لمواجهته لهما بما يوجب أذاهما، و هو موجب للتعزير، و اللّٰه العالم.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 423

[مسألة 6 لو قال: «زنيت أنت بفلانة» أو «لطت بفلان»]

مسألة 6 لو قال: «زنيت أنت بفلانة» أو «لطت بفلان» فالقذف للمواجه دون المنسوب إليه علي

الأشبه (14)،

______________________________

(14) و ذلك أنّ مفاد العبارة المذكورة إنّما هو نسبة الزنا أو اللواط إلي المخاطب، و أنّه فعل الزنا أو اللواط فهو قذف له، و أمّا ذكر الطرف الآخر فليس إلّا بياناً لخصوصية زناه أو لواطه، من غير أن ينسب هذا الطرف أيضاً إلي الزنا أو اللواط. و مجرّد ذكر وقوع زنا أو لواط بأحد لا يلازم نسبته إلي الزنا أو اللواط بعد احتمال أو ظهور أن يكون ذكره لمحض بيان خصوصية لواط أو زنا المخاطب؛ فلا المتكلّم نسب إليه صريحاً و لا اقتضاها كلامه، و هذا بخلاف ما إذا واجه أحداً و قال له: «يا منكوحاً في دبره» فإنّه لا ريب في أنّ هذا الخطاب مفاده نسبة المخاطب إلي الملوطية، و نفس النسبة كافية في ثبوت موضوع القذف و حدّه.

فما أبداه العلّامة في «المختلف» و سري إلي غيره من أنّ احتمال الإكراه و سائر الأعذار لو كان موجباً لنفي الحدّ هنا لاقتضي نفيه في مثل «يا منكوحاً في دبره»، مدفوع بأنّ مجرّد الاحتمال لا يلتفت إليه أصلًا، لكنّه لا بدّ من تحقّق موضوع القذف المتقوّم بنسبة اللواط أو الزنا إلي أحد، و هو متحقّق في قول «يا منكوحاً في دبره» و «يا ملوط» و غير متحقّق في العبارة المذكورة في المتن.

فلذلك كان الأشبه و الأوفق بالقواعد عدم ثبوت حدّ آخر لهذا المنسوب إليه، كما اختاره ابن إدريس و المحقّق في «النكت»، و إن تردّد في «الشرائع» و «المختصر».

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 424

و قيل: عليه حدّان (15).

______________________________

(15) قال به صاحب «الغنية» و الشيخ في «خلافه» و «نهايته» و حكي عن «مبسوطه»، و قوّاه في «المختلف»، و في «المسالك» أنّه مذهب المفيد

و الشيخ و أتباعه، قال المحقّق في «نكت النهاية»: و أمّا إيجاب الحدّين في قوله: «زنيت بفلانة» فهو اختيار شيخنا في كتبه، قال في «المبسوط»: إذا قال: «زنيت بفلانة» أو قال لها: «زنا بك فلان» كان عليه عندنا حدّان: حدّ له و حدّ لها. و يمكن أن يتعلّل له بأنّ الزنا فعل واحد يقع بين اثنين، فنسبة أحدهما إليه بالفاعلية و الآخر بالمفعولية و المحلّية قذف لهما به. و عندي أنّه لا يجب به حدّان، و إنّما يجب حدّ للمنسوب إلي الزنا، و أمّا الآخر فيعزّر لهما لمكان الأذي، انتهي.

و قال في «الشرائع»: قال في «النهاية» و في «المبسوط»: يثبت حدّان؛ لأنّه فعل واحد متي كذب في أحدهما كذب في الآخر. و نحن لا نسلّم أنّه فعل واحد؛ لأنّ موجب الحدّ في الفاعل غير الموجب في المفعول. و حينئذٍ يمكن أن يكون أحدهما مختاراً دون صاحبه، انتهي.

و ما أفاده (قدّس سرّه) من تعدّد الفعلين و إن كان صحيحاً لكنّه لا يدفع ما في «المختلف» من عدم الاعتناء إلي احتمال الإكراه، كما لا يعتني به في جملة «يا منكوحاً في دبره».

و حينئذٍ فالمقال الصحيح: أنّ القذف لم يتحقّق إلّا للمواجه دون المنسوب إليه، فلا مجال للقول بأنّ الأصل حمله علي أنّه اختار الفاحشة باختياره، و اللّٰه العالم.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 425

[مسألة 7 لو قال لابن الملاعنة: «يا ابن الزانية»]

مسألة 7 لو قال لابن الملاعنة: «يا ابن الزانية» أو لها: «يا زانية» فعليه الحدّ لها (16) و لو قال لامرأة: «زنيت أنا بفلانة»، أو «زنيت بك» فالأشبه عدم الحدّ لها (17).

______________________________

(16) الظاهر: أنّه ممّا لا خلاف فيه، و يشهد له مضافاً إلي عموم الأدلّة؛ لفرض أنّه لم يثبت زناها شرعاً بعد

لعانها أخبار معتبرة؛ ففي صحيحة سليمان بن خالد عن الصادق عن أبيه (عليهما السّلام) قال

يجلد قاذف الملاعنة «1».

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل قذف ملاعنة قال

عليه الحدّ «2».

و في مرسلة ابن محبوب عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يحدّ قاذف اللقيط، و يحدّ قاذف الملاعنة «3»

و دلالة الأخبار واضحة، و لا معارض لها فيجب العمل بها.

(17) لعين ما مرّ في المسألة السابقة في توجيه عدم الحدّ للمنسوب إليه إذا قال: زنيت أنت بفلانة، لكنّ الظاهر أنّه إنّما هو فيما كانت العبارة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 189، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 189، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 8، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 28: 189، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 8، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 426

و لو أقرّ بذلك أربع مرّات يحدّ حدّ الزاني (18).

[مسألة 8 كلّ فحش نحو «يا ديّوث» أو تعريض بما يكرهه المواجه و لم يفد القذف في عرفه و لغته يثبت به التعزير]

مسألة 8 كلّ فحش نحو «يا ديّوث» أو تعريض بما يكرهه المواجه و لم يفد القذف في عرفه و لغته يثبت به التعزير (19) لا الحدّ،

______________________________

ظاهرة أو محتملة لأن يكون متكلّمها في مقام مجرّد نسبة الزنا إلي نفسه و حكاية إتيان نفسه به، و إلّا فلو كانت ظاهرة و لو بقرينة في أنّه بصدد رمي المنسوب إليه فلا ينبغي الريب في أنّه يوجب القذف.

(18) لما مرّ من ثبوته بأربع أقارير. و في بعض مصاديق موضوع البحث أيضاً وردت صحيحة ابن مسلم «1» علي إناطة حدّ زناه؛ بأن يقرّ أربع مرّات عند الإمام، و قد مرّ ذكرها هناك، فراجع.

(19) الظاهر: أنّه ممّا لا خلاف فيه

في مفروض المتن ممّا لا يفيد قذفاً و يكون فحشاً أو تعريضاً موجباً للأذي، و قد صرّح باللاخلاف في «الرياض» و «الجواهر»، و قد ادّعي في «الغنية» الإجماع علي تعزير من عيّر مسلماً بعمي أو عرج أو جنون أو جذام أو برص كما ادّعاه علي تعزير من فعل قبيحاً أو أخلّ بواجب و لم يرد في الشرع عليه حدّ.

و كيف كان: فيدلّ علي ثبوت التعزير بكلّ ما يؤذي المسلمين ما مرّ من معتبرة الحسين بن أبي العلاء و ما رواه الصدوق من قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام). و قد مرّ ذكرهما و بيان دلالتهما عند الاستدلال لقوله

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 195، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 13، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 427

______________________________

دام ظلّه في المسألة الاولي من هذا الفصل بتعزير من نسب امرأة إلي المساحقة فراجع، و هو عنوان عامّ لجميع العبارات المذكورة في المتن، هذا. مضافاً إلي شمول عمومات التعزير علي كلّ معصية بعد بداهة حرمة الإهانة و هتك حرمة المسلم.

ثمّ إنّه قد ورد أخبار خاصّة علي ثبوت التعزير بنسبة الغير إلي معني بعض العبارات الخاصّة:

فمنها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل سبّ رجلًا بغير قذف يعرّض به هل يجلد؟ قال

عليه تعزير «1»

، و دلالتها علي ثبوت التعزير بكلّ كلمة أفادت سبّ الغير واضحة، و السبّ مرادف ظاهراً للفحش الذي فسّر بالقول أو الفعل المشتمل علي معني قبيح جاوز الحدّ. و حينئذٍ فمن مصاديقه «يا ديّوث» فقد فسّره «المسالك» بقوله: و قد قيل: إنّ الديّوث هو الذي يدخل الرجال علي امرأته، انتهي.

و في «مجمع البحرين»: و في

الحديث

لا يدخل الجنّة ديّوث، لا يجد ريح الجنّة ديّوث

قيل: يا رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ما الديّوث؟ قال

الذي تزني امرأته و هو يعلم بها، و الديّوث من لا غيرة له علي أهله.

إلي أن قال: ديّثه: ذلّله و طريق مديّث: أي مذلّل، قيل: و منه الديّوث الذي ذلّلته محارمه حتّي يتغافل عن فجورهنّ، انتهي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 202، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 428

______________________________

و منها: خبر جرّاح المدائني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا قال الرجل: أنت خبيث (خ. يب) أو أنت خنزير فليس فيه حدّ، و لكن فيه موعظة و بعض العقوبة «1»

، و الظاهر: أنّ المراد به بعض عقوبة القذف؛ أعني أقلّ من ثمانين جلدة. و الخنث علي وزان قفل من كان علي صورة الرجال و أحوال النساء، فبناءً علي نسخته إنّما يثبت به التعزير إذا لم يكن في عرف القائل ظاهراً في إسناد الملوطية إليه، و إلّا ففيه الحدّ.

و منها: خبر أبي مخلد السرّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل دعا آخر: ابن المجنون، فقال له الآخر: أنت ابن المجنون، فأمر الأوّل أن يجلد صاحبه عشرين جلدة، و قال: اعلم أنّه ستعقب مثلها عشرين، فلمّا جلده أعطي المجلود السوط فجلده عشرين نكالًا ينكل بهما «2»

، و دلالته واضحة، و اختيار العشرين جلدة من باب اختيار والي المسلمين.

و منها: خبر أبي حنيفة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قال لآخر: يا فاسق، قال

لا حدّ عليه و يعزّر «3».

و منها: موثّقة أبي مريم عن أبي جعفر (عليه

السّلام) قال

قضي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 203، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 203، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 28: 203، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 429

كقوله: «أنت ولد حرام» أو «يا ولد الحرام» أو «يا ولد الحيض» أو يقول لزوجته: «ما وجدتك عذراء» (20).

______________________________

أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الهجاء التعزير «1»

، و معلوم أنّ الهجاء كلام يهجأ به الغير و يستهزأ، فهو موجب لأذاه و إن لم يبلغ حدّ القذف. و مثلها موثّقة إسحاق «2» و قد مضت.

و أمّا ما في موثّقة مسعدة بن صدقة عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السّلام)

من قال لصاحبه: لا أب لك و لا أُمّ لك فليتصدّق بشي ء، و من قال: لا و أبي فليقل: أشهد أن لا إله إلّا اللّٰه فإنّها كفّارة لقوله «3»

فلا ينافي تلك الأدلّة بتوهّم أنّ الأمر بالتصدّق ظاهر في الاقتصار عليه، فيلزمه أن لا يكون فيه تعزير مع أنّه من الكلمات المؤذية. وجه عدم المنافاة منع هذا الظهور؛ فإنّ التصدّق أمرٌ أمرَ به فيما بينه و بين اللّٰه تعالي، و لا ينافيه أن يثبت عليه تعزير بعنوان حقّ الناس و من باب الإهانة إليه و هتك حرمته، كما لا يخفي.

(20) فإنّه إيذاء لها؛ لا سيّما إذا قيل في مقام إيذائها، و ليس ظاهراً في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 204، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 28: 204، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة

28: 204، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 19، الحديث 7.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 430

______________________________

نسبة الزنا إليها؛ لإمكان أن تزول البكارة بمثل الإصبع أو الوثبة، و عليه قد وردت صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل قال لامرأته: لم تأتني عذراء، قال

ليس بشي ء (عليه شي ء خ. كا)؛ لأنّ العذرة قد تزول بغير الجماع «1».

و لعلّ المراد من قوله

ليس بشي ء

نفي ثبوت حدّ القذف به، أو المفروض فيه أن يقال لا في مقام الإهانة بها بأن كان مجرّد إخبار لها، و هو المناسب لنسخة

ليس عليه شي ء

، و إلّا فلا ينبغي الريب في ثبوت التعزير عليه به، كما يدلّ عليه الأدلّة الماضية و خصوص موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في رجل قال لامرأته: لم أجدك عذراء، قال

يضرب

، قلت: فإن عاد، قال

يضرب؛ فإنّه يوشك أن ينتهي «2»

فإنّ التعبير بضربة ظاهر في التعزير، و اللّٰه العالم.

و أمّا ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

إذا قال الرجل لامرأته: لم أجدك عذراء و ليس له بيّنة يجلد الحدّ و يخلّي بينه و بين امرأته.

الحديث «3».

فهو محمول علي ما إذا كانت العبارة و لو بانضمام القرائن ظاهرة في نسبة الزنا إليها، بل يحتمل أن لا يكون نظره (عليه السّلام) إلي خصوصية العبارة، بل إلي مجرّد أنّ الزوج لم ير زوجته تزني و إنّما علم بزناها من ناحية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 436، كتاب اللعان، الباب 17، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 22: 437، كتاب اللعان، الباب 17، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 22: 437، كتاب اللعان، الباب 17، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 431

أو يقول:

«يا فاسق» «يا فاجر» «يا شارب الخمر» و أمثال ذلك ممّا يوجب الاستخفاف بالغير و لم يكن الطرف مستحقّاً ففيه التعزير لا الحدّ، و لو كان مستحقّاً فلا يوجب شيئاً (21).

______________________________

أنّه لم يجدها عذراء، بقرينة أنّ ما قبل هذه الفقرة قوله (عليه السّلام)

إذا قذف الرجل امرأته فإنّه لا يلاعنها حتّي يقول: رأيت بين رجليها رجلًا يزني بها «2»

، و اللّٰه العالم. و مثل صحيحة الحلبي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان أيضاً «1»، فراجع.

و كيف كان: فلا ينبغي الريب في عدم ثبوت حدّ القذف ما لم يثبت موجبه، و مع عدم ثبوته فلا دليل علي وجوب الحدّ، و الأصل يقتضي عدمه، و الحدود تدرأ بالشبهات.

(21) فإنّ الحدّ أو التعزير إنّما يكون مجازاة علي معصيته، و مع استحقاق المخاطب فلا معصية لكي توجب تعزيراً.

______________________________

(2) وسائل الشيعة 22: 417، كتاب اللعان، الباب 4، الحديث 4.

(1) وسائل الشيعة 22: 438، كتاب اللعان، الباب 17، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 432

[القول في القاذف و المقذوف]

اشارة

القول في القاذف و المقذوف

[مسألة 1 يعتبر في القاذف البلوغ]

مسألة 1 يعتبر في القاذف البلوغ (1)

______________________________

(1) الظاهر: أنّه لا خلاف فيه، و في «الجواهر»: أنّ الإجماع بقسميه عليه. و يمكن أن يستدلّ عليه من جهات ثلاث:

إحداها: من ناحية أدلّة رفع القلم عن الصبي؛ فإنّ القلم المرفوع لو كان قلم المؤاخذة فدلالتها واضحة؛ إذ الحدّ مؤاخذة فترفع عن الصبي أو الصبية، و لو كان قلم التكليف فحيث إنّ الحدّ من آثار التجاوز عمّا جعل اللّٰه من الحدود مجازاة علي المعصية فلا مجال له فيما لم يكلّف اللّٰه علي الشخص أصلًا.

الجهة الثانية: ما تدلّ علي إناطة إجراء الحدود الكاملة بالبلوغ، و هي أخبار: منها: رواية يزيد الكناسي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوّجت و أُقيمت عليها الحدود التامّة لها و عليها

، قال: قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ تقام عليه الحدود علي تلك الحال؟ قال

أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلّها علي مبلغ سنّه، و لا تبطل حدود اللّٰه في خلقه، و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم «1»

، و الرواية صريحة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 20، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 6، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 433

______________________________

في إناطة الحدّ الكامل بالإدراك و البلوغ في ناحية الصبي، و ظاهرة بالمفهوم المؤيّد بالمنطوق في ناحية الصغيرة، بل إنّ قوله (عليه السّلام)

و لا تبطل حدود اللّٰه.

إلي آخره، يعطي قاعدة كلّية تقتضي إجراء حدود اللّٰه ما أمكن و إحياء حقوق المسلمين ما استطيع، و أنّ ما لا يدرك كلّه من حدود اللّٰه و حقوق

المسلمين فلا يترك كلّه، فيدلّ علي أخذ الصغيرة و المجنون أيضاً بما يناسب.

نعم لا يبعد دعوي انصراف الرواية في حدود اللّٰه تعالي عمّن لا تمييز له لصغر سنّة أو شدّة جنونه، كما لا يخفي.

فبالجملة: إنّ الحديث يدلّ بالمنطوق علي أنّ تعلّق الحدّ منوط بالبلوغ و الإدراك، و عمومه شامل لحدّ القذف أيضاً، فلو قذف الصبي أو الصبية لم يحدّ و إن اجتمع سائر الشرائط اللازمة.

و منها: رواية حمّاد بن عيسي عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) قال

لا حدّ علي مجنون حتّي يفيق، و لا علي صبي حتّي يدرك، و لا علي النائم حتّي يستيقظ «1»

؛ فإنّه قد أناط الحدّ بالإدراك؛ فمن لم يدرك فلا حدّ عليه؛ صبياً كان أو صبية.

الجهة الثالثة: روايات خاصّة واردة في خصوص قذف الصبي:

ففي خبر أبي مريم الأنصاري قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يجلد؟ قال

لا، و ذلك لو أنّ رجلًا قذف الغلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 22، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 8، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 434

و العقل (2)؛ فلو قذف الصبي لم يحدّ و إن قذف المسلم البالغ العاقل،

______________________________

لم يجلد «1»

، و دلالته علي نفي حدّ القذف عن الغلام القاذف صريحة و إن احتمل دلالة إطلاقه علي نفي تعزيره أيضاً فيدفع بمثل خبر الكناسي الماضية الدالّة علي أنّه يؤخذ و يجلد في الحدود كلّها علي مبلغ سنّه، فالمراد من الجلد هنا هو حدّ القاذف.

و في خبر يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ بالغ من ذكر أو أُنثي افتري علي صغير أو كبير أو ذكر أو أُنثي

أو مسلم أو كافر أو حُرٌّ أو مملوك، فعليه حدّ الفرية و علي غير البالغ حدّ الأدب «2».

فإنّ ذيله كالصريح في إناطة حدّ الفرية بالبلوغ في الصبي أو الصبية، و عدم العمل بعموم صدره لا ينافي أن يؤخذ بذيله لو كان سنده معتبراً، لكنّه كما تري مرسل، كما أنّ في سند سابقه القاسم بن سليمان الذي لم يذكر فيه مدح و لا ذمّ، إلّا أنّ في الجهتين الأُوليين كفاية.

(2) اعتبار العقل في ثبوت الحدّ علي القاذف أيضاً ممّا لا خلاف فيه، و ادّعي عليه صاحب «الجواهر» الإجماع بقسميه، و أدلّة اعتباره أيضاً أقسام ثلاثة، قد اشترك مع غير البالغ في القسم الأوّل و الثاني؛ فإنّه قد رفع عنهما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 185، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 5، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 186، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 5، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 435

______________________________

القلم، و تضمّن خبر حمّاد أنّه

لا حدّ علي مجنون حتّي يفيق

كما قد عرفت.

و أمّا الأخبار الخاصّة: فهي موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا حدّ لمن لا حدّ عليه، و تفسير ذلك: لو أنّ مجنوناً قذف رجلًا لم يكن عليه شي ء، و لو قذفه رجل لم يكن عليه حدّ «1».

هكذا قد روي الموثّقة في «الكافي» و «التهذيب»، و الظاهر منها أنّ العبارة إلي آخرها من كلام الإمام (عليه السّلام)، فقد ذكر قاعدة كلّية ثمّ أوضحها بذكر بعض المصاديق، فهي دلّت علي أنّ المجنون إذا قذف رجلًا عاقلًا فليس عليه شي ء، و لفظة «شي ء» و إن عمّت التعزير أيضاً إلّا أنّ وقوعها تفسيراً لقوله

من لا حدّ عليه

يكون قرينة

علي أنّ المراد به الحدّ، و لا أقلّ من أنّ إطلاقه غير معلوم، فلا يكون مانعاً عن الأخذ بأدلّة التعزيرات لو كانت.

و نحوها صحيحة فضيل بن يسار التي رواها المشايخ الثلاثة (قدّس سرّهم) قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

لا حدّ لمن لا حدّ عليه؛ يعني لو أنّ مجنوناً قذف رجلًا لم أر عليه شيئاً، و لو قذفه رجل فقال: يا زان، لم يكن عليه حدّ «2»

، و دلالتها بناءً علي استظهار أنّ التفسير من نفس الإمام (عليه السّلام)، كما

______________________________

(1) الكافي 7: 253/ 1، تهذيب الأحكام 10: 82/ 324، و أشار إليها في وسائل الشيعة 28: 42، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 19، ذيل الحديث 1.

(2) الكافي 7: 253/ 2، الفقيه 4: 38/ 125، تهذيب الأحكام 10: 83/ 325، وسائل الشيعة 28: 42، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 19، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 436

نعم لو كان مميّزاً يؤثّر فيه التأديب أُدّب (3) علي حسب رأي الحاكم،

______________________________

ربّما يؤيّده التعبير بقوله

لم أر عليه شيئاً

؛ فإنّه تعبير مناسب للإمام (عليه السّلام)؛ إذ غيره من الرواة لا يسند الحكم بأن لا شي ء عليه إلي نفسه واضحة، و يكون ذكر «يعني» و هو فعل غائب مكان «أعني» لمكان أنّه صار بمعني «أي»؛ لكثرة استعماله في مقام التفسير.

نعم لو لم يستظهر ذلك و استوجه التعبير ب «لم أر» بأنّه حكاية عن المعصوم و بلسانه فالراوي يقول: إنّ الإمام (عليه السّلام) يريد لو أنّ مجنوناً قذف رجلًا لم أر عليه شيئاً، فلا حجّة في هذه الصحيحة. و كيف كان: ففي موثّقة إسحاق كفاية، و معلوم أنّ المفهوم

منها دوران الحكم مدار الجنون، و لا فرق بين المجنون و المجنونة.

(3) كما دلّ عليه عموم خبر الكناسي و خصوص مرسل يونس، و قد مرّ أنّ وجه التخصيص بالمميّز انصراف الدليل عن غيره. و يدلّ عليه أيضاً عموم صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ في كتاب علي (عليه السّلام) أنّه كان يضرب بالسوط و بنصف السوط و ببعضه في الحدود، و كان إذا اتي بغلام و جارية لم يدركا لا يبطل حدّا من حدود اللّٰه عزّ و جلّ.

الحديث «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 11، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 1، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 437

و كذا المجنون (4). و كذا يعتبر فيه الاختيار؛ فلو قذف مكرهاً لا شي ء عليه (5). و القصد (6)؛ فلو قذف ساهياً أو غافلًا أو هزلًا لم يحدّ.

______________________________

(4) لعموم ذيل خبر الكناسي و صحيح الحلبي، و قد مرّ بيان دلالته و أنّ موثّقة إسحاق و صحيحة فضيل بن يسار لا تدلّان علي الخلاف، فتذكّر.

(5) فإنّ حديث الرفع قد رفع عن الأُمّة ما اكرهوا عليه «1»، و رفعها الذي بمعني نفيها يقتضي أن يفرض كأنّه لم يتحقّق، و معه فلا يترتّب عليه حدّ و لا تعزير، و قد مضي الكلام في اعتباره في حدّ الزنا و اللواط، فراجع.

(6) و ذلك أنّ موضوع الحدّ في الأدلّة هو الرمي و القذف و الافتراء، و هي عبارة أُخري عن نسبة الشخص بمثل الزنا أو اللواط، و لا يصدق أنّه نسبه إليه إلّا إذا قصد النسبة جدّاً؛ فإذا انتفي سواء كان التكلّم باللفظ أيضاً عن غير قصد إليه أصلًا، أو قصد اللفظ بلا قصد المعني أصلًا،

أو تكلّم به هزلًا فلا ريب في أنّه لم ينسب المخاطب إلي معناه، فلا يصدق موضوع الحدّ.

نعم ربّما كان الهزل مصداقاً للهجاء، فيثبت عليه تعزير بشرط اجتماع الشرائط الأُخر، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 438

[مسألة 2 لو قذف العاقل أو المجنون أدواراً]

مسألة 2 لو قذف العاقل أو المجنون أدواراً في دور عقله ثمّ جنّ العاقل و عاد دور جنون الأدواري ثبت عليه الحدّ و لم يسقط، و يحدّ حال جنونه (7).

______________________________

(7) لعموم أدلّة حدّ القذف؛ فإنّها تقتضي ثبوت الحدّ علي كلّ قاذف، و بالنسبة إلي الجنون إنّما قام الدليل علي خروج من كان مجنوناً حين ما قذف، فيبقي غيره في عمومها فيجب عليه الحدّ.

و حيث إنّه لا تأخير في الحدود و ليس فيها نظرة ساعة فيحدّ حال جنونه. مضافاً إلي خصوص صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل وجب عليه الحدّ فلم يضرب حتّي خولط، قال

إن كان أوجب علي نفسه الحدّ و هو صحيح لا علّة به من ذهاب عقل أُقيم عليه الحدّ كائناً ما كان «1».

فقد دلّت الصحيحة علي أنّ من أوجب علي نفسه الحدّ في حال صحّة عقله يقام عليه الحدّ؛ أيّ حدّ كان، و معلوم أنّ المراد من إيجاب الحدّ علي نفسه إتيانه لما يوجب الحدّ، و عموم قوله

كائناً ما كان

و إطلاق ما قبله سؤالًا و جواباً شامل لما نحن فيه؛ فمن قذف غيره و هو كامل العقل سواء كان مجنوناً أدوارياً أو لا سابقة جنون له ثمّ جنّ لم يسقط حدّه بل يقام عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 23، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات

الحدود و أحكامها، الباب 9، الحديث 1، و أبواب حدّ الزنا، الباب 26، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 439

[مسألة 3 يشترط في المقذوف الإحصان]

مسألة 3 يشترط في المقذوف الإحصان (8)، و هو في المقام عبارة عن البلوغ و العقل (9)

______________________________

(8) قال في «الرياض»: يشترط فيه لذلك الإحصان بلا خلاف. إلي أن قال: فمن قذف صبياً أو مجنوناً أو مملوكاً أو كافراً أو متظاهراً بالزنا أو اللواط لم يحدّ و يعزّر إجماعاً كما في كلام جماعة، انتهي. و قال في «الجواهر»: و يشترط فيه الإحصان. و هو هنا عبارة عن البلوغ و كمال العقل و الحرّية و الإسلام و العفّة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، انتهي.

فاعتبار هذه الأُمور لا خلاف فيه، إلّا أنّه وردت به نصوص أيضاً. فالإجماع لا حجّة فيه؛ إذ لا يكشف عن دليل و حجّة اخري غير ما وصل إلينا من النصوص؛ فلا بدّ من التعرّض للنصوص في كلّ من الأُمور.

(9) يدلّ علي اعتبارهما مضافاً إلي عموم قوله (عليه السّلام)

لا حدّ لمن لا حدّ عليه

فإنّ ظاهره: أنّ الحدّ الذي يكون تشريعه لرعاية حقّ الغير و كان أمر إجرائه منوطاً بمطالبته و بيده فهذا الحدّ منفي إذا كان من له الحدّ علي فرض تشريعه من لا حدّ عليه، و حيث استدللنا علي أنّ المجنون و الصبي لا حدّ عليهما، فيدلّ هذا العموم علي أنّه لا حدّ لهما حدّ القذف الذي أمره بيد المقذوف.

فمضافاً إلي هذا العموم يدلّ علي اشتراطهما في المقذوف أخبار خاصّة:

أمّا البلوغ: فيدلّ عليه في الصبي ذيل خبر أبي مريم المذكور ذيل اشتراط البلوغ في القاذف، و في الصبية صحيحة أبي بصير عن أبي

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص:

440

______________________________

عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يقذف الصبية يجلد؟ قال

لا حتّي تبلغ «1»

، و دلالتها في نفي الحدّ عمّن قذف صبية غير بالغة واضحة.

و أمّا ما في صحيحة عاصم بن حميد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقذف الجارية الصغيرة، قال

لا يجلد إلّا أن تكون أدركت أو قاربت (قارنت) «2»

، فبناءً علي نسخة «قاربت» الظاهرة في القرب من البلوغ فهو لم يقل به أحد، فقد اعرض عنه و لا حجّة فيه. و أمّا علي نسخة «قارنت» فيحتمل فيها أن يكون من باب ترديد الراوي و أنّ الإمام (عليه السّلام) إمّا قال: «أدركت» و إمّا قال «قارنت» بمعني قرانها للبلوغ، و معني العبارتين واحد، و كيف كان: فلا حجّة فيها.

كما أنّه قد عرفت عدم الحجّة في مرسلة يونس الماضية؛ لضعفها بالإرسال و إعراض الأصحاب عنها.

ثمّ إنّه لا يبعد إلغاء الخصوصية عن كلٍّ من خبر أبي مريم و صحيحة أبي بصير، و أنّ المراد من كلّ منهما بيان اعتبار البلوغ مطلقاً في الذكر و الأُنثي، و ذكر الغلام و الصبية من قبيل المورد غير المخصّص.

و أمّا العقل: فالدليل علي اعتباره في المقذوف ذيل موثّقة إسحاق بن عمّار؛ إذ قد عرفت أنّ الظاهر أنّ قوله

و تفسير ذلك: لو أنّ مجنوناً قد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 186، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 5، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 185، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 5، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 441

و الحرّية (10)

______________________________

قذف رجلًا لم يكن عليه شي ء، و لو قذفه رجل لم يكن عليه حدّ «1»

من كلام الإمام (عليه السّلام)، و دلالته علي نفي الحدّ عمّن قذف

المجنون واضحة. فصدر الموثّقة مع قطع النظر عن ذيلها دالّ بالعموم علي اعتبار عقل المقذوف كما يدلّ علي اعتبار بلوغه، و ذيلها يدلّ بالخصوص علي اعتبار عقله، و اللّٰه العالم.

(10) قد عرفت عن «الرياض» و «الجواهر» نقل اللاخلاف و الإجماع علي اعتبارها.

و الدليل عليه موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من افتري علي مملوك عزّر لحرمة الإسلام «2»

؛ فإنّ التعبير بالتعزير المقابل للحدّ في اصطلاح الأخبار و لا سيّما أخبار حدّ القذف كما يدلّ بالمنطوق و المطابقة علي ثبوت التعزير بالافتراء علي المملوك، كذلك يدلّ بالالتزام علي نفي الحدّ عمّن افتري عليه، و من الواضح أنّ ملاك الحكم هو كونه مملوكاً بلا فرق بين العبد و الأمة، فهذه الموثّقة دليل تامّ علي المراد، و به يخصّص عمومات أدلّة القذف و يقيّد إطلاقاتها.

و ممّا يدلّ علي اعتبارها صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) في

______________________________

(1) تقدّم البحث عنه في المسألة الأُولي ضمن اشتراط العقل في القاذف.

(2) وسائل الشيعة 28: 181، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 4، الحديث 12.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 442

______________________________

حديث

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل دعي لغير أبيه: أقم بيّنتك أُمكنك منه، فلمّا أتي بالبيّنة قال: إنّ امّه كانت أمة، قال: ليس عليك حدّ، سبّه كما سبّك، أو اعف عنه إن شئت «1».

فقه الحديث: أنّ دعاء الرجل لغير أبيه نسبة لُامّه فقط إلي الزنا، فهو (عليه السّلام) تعهّد لإجراء الحدّ و إمكان المقذوف من قاذفه بشرط إثبات القذف، فلمّا أثبته بالبيّنة فقال القاذف: إنّ امّه المقذوفة كانت أمة فلذلك قال (عليه السّلام)

ليس عليك حدّ

فقد دلّ علي أنّ كون المقذوف أمة يمنع عن

ثبوت الحدّ علي قاذفها، و لو أُلغيت الخصوصية عنها لا نفهم الحكم في العبد أيضاً.

ثمّ إنّ اشتمال الصحيحة و تذييل هذه الفقرة بقوله

سبّه كما سبّك

الذي لم يقل و لا يمكن أن يقول به أحد؛ إذ التقاذف حرام يوجب التعزير كما في صحيحي ابن سنان و أبي ولّاد الحنّاط «2»، فاشتمالها عليه لا يمنع عن العمل بما قبله، و لا يوجب أن تسقط عن الحجّية في سائر مفادها، كما لا يخفي.

و في خبر عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

لو أتيتُ برجل قذف عبداً مسلماً بالزنا لا نعلم منه إلّا خيراً لضربتُه الحدّ؛ حدّ الحُرّ إلّا سوطاً «3»

، و الظاهر أنّ المراد بحدّ الحرّ الحدّ الذي يجب من قذف الحرّ؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 183، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 4، الحديث 17.

(2) وسائل الشيعة 28: 201، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 18، الحديث 1 و 2.

(3) وسائل الشيعة 28: 178، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 4، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 443

______________________________

و هو ثمانون جلدة. فحاصله: أنّ قاذف العبد المسلم يضرب تسعة و سبعين جلدة، فقد يقال بأنّ ظاهره تعيّن العدد المذكور من الأسواط، و هو ينافي إطلاق التعزير المذكور في الموثّقة، إلّا أنّه لا يبعد أن يقال و لو بقرينة الموثّقة إنّ مراده (عليه السّلام) اختياره لهذا العدد المذكور في باب القضاء إذا كان المقذوف عبداً مسلماً ظاهر الصلاح محكوماً بالعدالة لا يعلم منه إلّا خير، فلا ينافي اختيار غيره في غيره، بل و لا فيه لجهات أُخر.

و في خبر حمزة بن حمران عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته

عن رجل أعتق نصف جاريته ثمّ قذفها بالزنا؟ قال

أري عليه خمسين جلدة، و يستغفر اللّٰه عزّ و جلّ.

الحديث «1».

و هو علي الظاهر مبني علي أنّه يجلد نصف الحدّ أعني الأربعين للنصف المعتق و عشرة تعزيراً لنصفها الرقّ فيوافق الموثّقة و الصحيحة، و يحمل ظهوره في تعيين الخمسين و لو بقرينة إطلاق الموثّقة علي ذكر أحد الأفراد.

و في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الحرّ يفتري علي المملوك قال

يسأل، فإن كانت امّه حرّة جلد الحدّ «2»

، و هي و إن كانت ربّما يتخيّل كونها معارضة لإطلاق الأدلّة السابقة دالّة علي إجراء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 179، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 4، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 181، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 4، الحديث 11.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 444

______________________________

الحدّ بقذف المملوك إذا كانت امّه حرّة، و مقتضي القواعد تقييدها بها بعد كون النسبة عموماً مطلقاً، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد من الافتراء علي المملوك في الصحيحة أن ينسب امّه إلي الزنا، فإذا سئل عن امّه و كانت حرّة فقد قذفت الحرّة، و حدّه ثمانون جلدة.

و إطلاق الافتراء علي هذا المعني غير قليل في الأخبار؛ و منه قوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن سنان الماضية ذيل المسألة الاولي من مسائل موجب الحدّ عند تفسير القذف، فراجع.

و أظهر منه: خبر إسماعيل بن الفضل الوارد في قذف ولد المحدودة «1»، و خبر عبد الرحمن الوارد في قذف ابن الذمّية التي تحت مسلم «2»، و سيأتي ذكرهما إن شاء اللّٰه تعالي.

نعم، مرسل يونس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ بالغ من ذكر أو أُنثي افتري

علي صغير أو كبير أو ذكر أو أُنثي أو مسلم أو كافر أو حُرٌّ أو مملوك، فعليه حدّ الفرية و علي غير البالغ حدّ الأدب «3»

، ظاهر كالصريح في تعلّق الحدّ بقذف المملوك و أنّه مثل الحرّ علي السواء، إلّا أنّه مرسل شاذّ لا عامل به مطروح، كما في «الرياض» و «الجواهر».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 188، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 188، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 7، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 28: 186، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 5، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 445

و الإسلام (11)

______________________________

(11) قد عرفت ذكر الأقوال فيه أيضاً، و ظاهر العبارة كغيرها اعتبار الإسلام في المقذوف لتعلّق الحدّ بقاذفه مطلقاً؛ كان القاذف مسلماً أو كافراً.

و لا شكّ أنّ مقتضي إطلاق بعض الأدلّة عدم الفرق في ثبوت الحدّ بين كون المقذوف كافراً أو مسلماً، إلّا أنّه قام الدليل الخاصّ علي عدم تعلّق الحدّ بقذف الكافر؛ ففي موثّقة إسماعيل بن الفضيل قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الافتراء علي أهل الذمّة و أهل الكتاب هل يجلد المسلم الحدّ في الافتراء عليهم؟ قال

لا، و لكن يعزّر «1».

و دلالتها علي نفي الحدّ عمّا إذا كان المقذوف من أهل الكتاب واضحة. و حيث إنّ ثبوت حدّ القذف روعي فيه حقّ المقذوف و من باب رعاية حرمته و لذلك كان أمره إجراءً و عفواً بيده، بل صريح بعض الصحاح أنّه من حقوق الناس، كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي فلذلك فإذا نفي الحدّ عن قذف أهل الكتاب لزم منه نفيه عن حدّ الحربي من الكفّار

أيضاً قطعاً، هذا.

و في مقابل الموثّقة المذكورة ما رواه الصدوق و الشيخ بسند معتبر عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: جعلت فداك ما تقول في الرجل يقذف بعض جاهلية العرب؟ قال

يضرب الحدّ، إنّ ذلك يدخل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 200، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 17، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 446

______________________________

علي رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1»

فقد دلّ علي ثبوت الحدّ علي قذف كفّار جاهلية العرب، و لم يكونوا أهل الكتاب فيلزم الحدّ بقذف أهل الكتاب بطريق أولي، و هو خلاف الموثّقة، هذا.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مراد السائل من هذا البعض آباء رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و إلّا لما دخل من قذفه علي رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و حيث إنّ آباءه طاهرون من أرجاس الجاهلية كان قذفهم موجباً للحدّ، فلا معارضة و لا إشكال فتأمّل، و اللّٰه العالم.

إلّا أنّ مورد الموثّقة كما تري ما إذا كان القاذف مسلماً، فلا تدلّ علي انتفائه عن قاذفه الكافر، بل مقتضي الإطلاقات ثبوت الحدّ هناك، كما يدلّ عليه أيضاً موثّقة سماعة التي لا يضرّها الإضمار قال: سألته عن اليهودي و النصراني يقذف صاحبه ملّة علي ملّة و المجوسي يقذف المسلم، قال

يجلد الحدّ «2»

فإنّها دلّت علي ثبوت الحدّ علي اليهودي أو النصراني الذي يقذف أهل ملّته.

لا يقال: إنّ مقتضي إطلاق عباراتهم التي اعتبرت إسلام المقذوف مطلقاً أنّهم أعرضوا عن مثل الموثّقة، فكأنّ الإجماع علي خلافها، و هو كاشف في مثل المورد عن وصول دليل معتبر بيدهم أوجب الإعراض عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 201،

كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 17، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 28: 199، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 17، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 447

و العفّة (12)؛ فمن استكملها وجب الحدّ بقذفه، و من فقدها أو فقد بعضها فلا حدّ علي قاذفه، و عليه التعزير.

______________________________

الموثّقة و تقييد المطلقات بها.

فإنّه يقال: انعقاد الإطلاق لكلامهم بحيث يثبت الإعراض و التقييد المذكورين مشكل، بل لا بعد في دعوي أنّ منصرف إطلاقاتهم أن يقذف المسلم كافراً، فانظر إلي عبارة «نهاية» الشيخ: فإن قال لكافر أو كافرة أو عبد أو أمة شيئاً من ذلك لم يكن عليه الحدّ و يعزّر لئلّا يؤذي به أهل الذمّة و المماليك، انتهي.

بل صرّح ابن حمزة في «الوسيلة» بما قلناه، قال: و إن قذف كافر مسلماً قتل، و إن قذف مثله كان للحاكم الخيار بين إقامة حدّ الإسلام عليه و بين ردّه إلي أهل نحلته ليحكموا عليه.

نعم في «المختلف» عن المفيد (قدّس سرّه): أنّه إذا قذف ذمّي ذمّيا بالزنا و اللواط و ترافعا إلي سلطان الإسلام أُدّب القاذف و لم يحدّه كحدّ قاذف أهل الإسلام، قال: و تبعه ابن إدريس ثمّ نقل عن أبي الصلاح أنّه يجلده كما يجلد المسلم للمسلم، قال: و هو الأقوي، و مع ذلك كلّه استصوب قول المفيد أيضاً، فراجع، و اللّٰه العالم.

(12) مراده دام ظلّه من العفّة كما يشهد به ذيل العبارة من لم يكن متظاهراً بما يقذف به. و الدليل عليه: أنّك قد عرفت آنفاً أنّ إيجاب حدّ القذف إنّما هو لرعاية حرمة المقذوف، و قد ورد في معتبرة هارون بن الجهم عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال

إذا

جاهر الفاسق بفسقه

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 448

______________________________

فلا حرمة له و لا غيبة «1»

فقد دلّ علي أنّ الفاسق المتجاهر بفسقه لا حرمة له، فإذا لم يكن له حرمة فلا بأس بقذفه، فليس في قذفه حدّ و لا تعزير.

نعم، المتيقّن بل الظاهر من المعتبرة و لو بتناسب الحكم و الموضوع انتفاء حرمة المتجاهر بالنسبة إلي خصوص الفسق الذي تجاهر و تظاهر به، بملاحظة أنّه إذا لم يحفظ حرمة نفسه و تظاهر بالفسق فليس علي غيره حينئذٍ حفظ حرمته، و عليه فقذفه بما لم يتظاهر به لا دليل علي جوازه، و هو موجب للحدّ كغيره، كما أفاده دام ظلّه.

ثمّ إنّه لا يبعد أن يقال: إنّ من ثبت زناه أو لواطه و إن لم يكن متظاهراً به فقذفه إلي نفس هذا اللواط و الزنا و إن كان حراماً موجباً للتعزير إلّا أنّه لا يوجب الحدّ.

و يدلّ عليه الآية المباركة وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً «2» فإنّه قد اشترط لزوم الحدّ علي القاذف بأن لا يأتي علي ما قذف أربعة شهداء، و إتيان الأربعة طريق شرعي معتبر لإثبات الزنا.

فحاصله: أنّ لزوم الحدّ علي القاذف مشروط بأن لا يكون له طريق إلي إثباته، و إلّا فإن أثبته فلا يقام عليه هذا الحدّ.

و حينئذٍ فلا يبعد أن يقال: إنّ المستفاد من الآية أنّ القذف إنّما يوجب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 12: 289، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 154، الحديث 4.

(2) النور (24): 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 449

______________________________

الحدّ إذا كان بأمر ليس بثابت شرعاً، فإذا ثبت زنا أحد شرعاً فنسبة هذا الزنا إليه لا يوجب حدّا؛ إذ هو بحكم الآية إنّما

يوجب حدّا لو لم يقدر علي إثباته، و في مثله لا حاجة إلي إثباته؛ لأنّه ثابت قبلًا، فإثباته من قبيل تحصيل الحاصل. فكما لو أقام أربعة شهداء و أثبت الزنا لا يقام عليه حدّ فكذلك هنا أيضاً حرفاً بحرف.

و الآية و إن وردت في رمي المحصنات إلّا أنّ من المعلوم أنّ مفهومها كون حدّ الرمي مشروطاً بهذا الشرط، كما أنّها و إن وردت في الزنا إلّا أنّ حكمها جارٍ في اللواط؛ لا سيّما و قد تضمّن أدلّة إجراء الحدّ في نسبة اللواط أنّ عليه حدّ القاذف، فكأنّ القذف هو نسبة الزنا و حدّه يجري في نسبة اللواط أيضاً، و قد مرّت إليه الإشارة سابقاً، فتذكّر.

و يؤيّد ما استفدناه من الآية المباركة خبر الفضل بن إسماعيل الهاشمي عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّٰه و أبا الحسن (عليهما السّلام) عن امرأة زنت فأتت بولد و أقرّت عند إمام المسلمين بأنّها زنت و أنّ ولدها ذلك من الزنا فأُقيم عليها الحدّ، و إنّ ذلك الولد نشأ حتّي صار رجلًا فافتري عليه رجل، هل يجلد من افتري عليه؟

فقال

يجلد و لا يجلد

، فقلت: كيف يجلد و لا يجلد؟ فقال

من قال له: يا ولد الزنا لم يجلد و يعزّر و هو دون الحدّ، و من قال له: يا ابن الزانية جلد الحدّ كاملًا

، قلت له: كيف صار جلد هكذا؟ فقال

إنّه إذا قال له: يا ولد الزنا كان قد صدق فيه و كان عزّر علي تعييره أُمّه ثانية و قد أُقيم عليها الحدّ، فإن قال له: يا ابن الزانية جلد الحدّ تامّاً لفريته عليها

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 450

______________________________

بعد إظهار التوبة و إقامة الإمام عليها الحدّ «1».

و حاصل ما

ذكره (عليه السّلام) من الفرق بين العبارتين: أنّ كلمة «ولد الزنا» إنّما تدلّ علي نسبتها بزنا ثابت، و كلمة «ابن الزانية» دالّة علي تلبّسها بالزنا فعلًا، فهو أمر حديث يوجب نسبة القذف، و هو الذي استفدناه من الآية المباركة.

كما أنّه صريح في أنّ الإسناد مجدّداً إلي الزنا الثابت أيضاً موجب للتعزير؛ فإنّه إيذاء للمسلمين، و قد عرفت أنّ كلّ فحش و كلمة مؤذية لم يبلغ حدّ القذف فهو يوجب التعزير.

ثمّ إنّ هذا الذي استفدناه أيضاً ممّا يتوافق ظاهر عبارة القوم عليه في البحث عن مسقطات حدّ القذف حيث ذكروا هناك أنّ إثبات ما يقذف به بالبيّنة أو الإقرار مسقط لحدّه، بل جعلوا مجرّد تصديق المقذوف أيضاً من المسقطات، لكنّهم لم يذكروه هاهنا، و كان المناسب ذكره و إدخاله فيمن فقد شرط العفّة، و اللّٰه العالم.

ثمّ إنّه قد يحتمل استثناء قذف المبتدعين من الحدّ بل و من الحرمة استناداً إلي صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبّهم و القول فيهم. و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، و يحذرهم الناس و لا يتعلّمون من بدعهم، يكتب اللّٰه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 188، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 7، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 451

______________________________

لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «1».

ببيان: أنّ قوله: «باهتوهم» ترغيب في إيراد البهتان و الفرية عليهم، و إطلاقه شامل لقذفهم بمثل الزنا و اللواط، لكنّه مبني علي كون المباهتة هنا بمعني إيراد

البهتان، و هو غير مسلّم؛ إذ من المحتمل أن يراد بها جعلهم متحيّرين بإلزامهم ببطلان قولهم بالحجج القاطعة، كما في قوله تعالي فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ، فحاصل الحديث: أنّه يجب هتك حيثياتهم بذكر ما فيهم، كما يجب جعلهم مبهوتين بإقامة الحجج القاطعة علي بطلان مقالتهم، و مع هذا الاحتمال فلا حجّة فيها علي جواز قذفهم، بل إنّ عمومات حرمة القذف و لزوم الحدّ به محكّمة.

إن قلت: إنّ إطلاق تجويز سبّهم بل الأمر به يقتضي جواز سبّهم بمثل القذف.

قلت: إنّ ما يقتضيه السبّ بما هو سبّ إنّما هو إهانة المسبوب، و أمّا ارتكاب الكذب أو حرام آخر مثلًا فلا، فغاية تجويز السبّ إنّما هو تجويز إهانتهم لا مثل قذفهم المشتمل علي حرام آخر.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه لا يشمل القذف المعلوم كذبه، لا المعلوم صدقه و لا المشكوك الصدق؛ فإنّه في هذين الموردين إنّما يكون حراماً بما أنّه قذف و القذف من مصاديق السبّ بما أنّه سبّ، فإطلاق الصحيحة يقتضي جواز بل رجحان القذف الغير المعلوم الكذب، و بها يقيّد إطلاقات أدلّة حرمته، و اللّٰه العالم بحقائق أحكامه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 16: 267، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 39، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 452

فلو قذف صبياً أو صبية أو مملوكاً أو كافراً يعزّر (13). و أمّا غير العفيف فإن كان متظاهراً بالزنا أو اللواط فلا حرمة له؛ فلا حدّ علي القاذف و لا تعزير و لو لم يكن متظاهراً بهما فقذفه يوجب الحدّ، و لو كان متظاهراً بأحدهما ففيما يتظاهر لا حدّ و لا تعزير، و في غيره الحدّ علي الأقوي، و لو كان متظاهراً بغيرهما من المعاصي فقذفه يوجب

الحدّ.

______________________________

(13) أمّا تعزير قاذف غير البالغ؛ فلأنّه لا ريب في حرمة إيذائهم، و قد مرّ و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي أنّ التعزير ثابت علي ارتكاب المعاصي كلّها.

و أمّا تعزير قاذف المملوك: فقد مرّ دلالة موثّقة أبي بصير عليه.

و أمّا تعزير قاذف الكافر: فقد دلّ علي ثبوت التعزير علي المسلم بقذف أهل الكتاب موثّقة إسماعيل بن الفضل «1»، و هي و إن كانت مطلقة إلّا أنّ في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه نهي عن قذف من كان علي غير الإسلام، إلّا أن تكون اطّلعت علي ذلك منه «2».

و في صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه نهي عن قذف من ليس علي الإسلام إلّا أن يطّلع علي ذلك منهم، و قال

أيسر ما يكون

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 200، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 17، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 173، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 1، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 453

______________________________

أن يكون قد كذب «1»

، فهما كما تري قد استثنيا من مورد النهي عن قذف الكفّار ما إذا اطّلع و ثبت عند القاذف المسلم ما يقذفه به، فقذفهم حينئذٍ جائز غير منهي، و مع الجواز لا مجال للتعزير. و حيث إنّ حدود المسألة غير مذكورة في كلمات الأصحاب فلا يمكن أن يقال بإعراضهم من الصحيحتين، بل لا مانع من العمل بهما.

لا يقال: إنّ عنوان من كان علي غير الإسلام أو من ليس علي الإسلام أعمّ من أهل الكتاب، كما أنّ إطلاق الحكم بالتعزير علي عنوان الافتراء علي أهل الكتاب المذكور في موثّقة إسماعيل شامل لمورد العلم بصدور

المقذوف به منهم و عدمه، فيتعارض إطلاقهما و إطلاقها في مورد الاطّلاع علي فجور أهل الكتاب؛ فلا حجّة في إطلاق الصحيحتين.

لأنّه يقال: و إن كانت النسبة بينهما العموم من وجه كما بيّن إلّا أنّ ظهور الصحيحتين أقوي في مورد الاجتماع و لو لأنّ جلّ محلّ ابتلاء المسلمين في زمن الصدور هو أهل الذمّة و الكتاب من الكفّار بل لا بعد في استظهار التديّن بدينٍ من عنوان «من كان علي غير الإسلام» فتدبّر.

و كيف كان: فلا ينبغي الشبهة في أقوائية ظهورهما، فيقدّمان علي الموثّقة بلا إشكال.

هذا بالنسبة إلي قذف المسلم للكافر، و حاصله: أنّ قذفه منهي و حرام إذا لم يطّلع علي فجوره، فهو يوجب التعزير إمّا للأدلّة العامّة و إمّا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 173، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 1، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 454

[مسألة 4 لو قال للمسلم: «يا ابن الزانية» أو «أُمّك زانية» و كانت أُمّه كافرة]

مسألة 4 لو قال للمسلم: «يا ابن الزانية» أو «أُمّك زانية» و كانت أُمّه كافرة (14) ففي رواية يضرب القاذف حدّا؛ لأنّ المسلم حصنها، و الأحوط التعزير دون الحدّ.

______________________________

لدلالة موثّقة إسماعيل أيضاً في أهل الكتاب، و إذا اطّلع علي فجورهم فقذفه غير منهي؛ فلا محالة لا يوجب حدّا و لا تعزيراً.

و أمّا قذف الكفّار بعضهم لبعض فهو موجب لحدّ القذف؛ للعمومات و خصوص مضمرة سماعة الماضية.

ثمّ إنّ هذا كلّه فيما إذا كان للكافر حرمة، و أمّا الكافر الحربي الغير المؤتمن و لا المعاهد فحيث لا حرمة له فلا حدّ في قذفه بمثل البيان المذكور في الفاسق المتظاهر. و لو قلنا بحرمة سبّه و قذفه فليس ذلك رعاية له و احتراماً و عناية به، بل لأنّ المؤمن ملجم.

و حينئذٍ فعليه لا يبعد ثبوت التعزير

في قذفه؛ لأنّه ارتكب حراماً إلهياً، كما إذا قبّل غلاماً بشهوة، و اللّٰه العالم.

(14) قد تعرّض لهذا الفرع بعض الأصحاب؛ منهم الشيخ في «النهاية» فقال: و كذلك إن قال لمسلم: أُمّك زانية أو يا ابن الزانية، و كانت أُمّه كافرة أو أمة كان عليه الحدّ تامّاً؛ لحرمة ولدها المسلم الحرّ. و في «المختلف» بعد نقل العبارة: و تبعه ابن البرّاج و هو قول ابن الجنيد، ثمّ نقل عن ابن إدريس: إنّه لا حدّ تامّ فيه و استحسنه. و استدلّ للشيخ برواية عبد الرحمن الآتية و قال بعد ذكرها: و لا بأس بالعمل بهذه الرواية فإنّها واضحة الطريق، انتهي.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 455

______________________________

و المحقّق (قدّس سرّه) جعل الأشبه التعزير في «شرائعه» و «مختصره» و نقل في «نكته» عن ابن الجنيد أنّه قال: إنّ المقذوف إذا كان مسلماً و أُمّه ذمّية فإنّه يحدّ بحرمة ولدها، قال: و كذلك روي عن أبي جعفر (عليه السّلام) و قال: و روي الطبري أنّ الأمر لم يزل علي ذلك، إلي أن أشار عبد اللّٰه بن عمر بن الخطّاب علي عمر بن عبد العزيز بأن لا يحدّ مسلم في كافر فترك ذلك، ثمّ استدلّ للشيخ برواية عبد الرحمن، ثمّ قال: و هذه تدلّ علي ما ذكره الشيخ، و عندي: أنّ هذا التمسّك ضعيف، و الأولي بناء الأمر علي الأصل و إطراح ما ليس بمتيقّن من النقل، انتهي.

أقول: إنّ هذا الفرع المذكور في كلماتهم حيث إنّ المفروض فيه مجرّد إسلام الولد، و هو يجتمع مع إسلام الأب و كفره؛ فلذلك لم نجد عليه من الأخبار دليلًا أصلًا، و ما ذكره في «النهاية» بقوله: «لحرمة ولدها المسلم» و إن صلح لأن

يكون فارقاً إلّا أنّه لا دليل عليه أيضاً، فمقتضي الإطلاقات تسوية امّه لسائر الكافرات.

نعم، قد روي الكليني بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: النصرانية و اليهودية تكون تحت المسلم فتجلد فيقذف ابنها، قال

يضرب القاذف حدّا لأنّ المسلم حصّنها «1»

، و رواه الشيخ بإسناده عن الكليني مثله، كما روي نحوه بإسناد آخر عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

النصرانية و اليهودية تكون تحت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 188، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 7، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 456

______________________________

المسلم فيقذف ابنها يضرب القاذف؛ لأنّ المسلم حصّنها «1»

فنقل الكليني قد صرّح فيه بضرب القاذف حدّا، و مقتضي التعليل أنّه المراد من قوله «يضرب القاذف» في نقل الشيخ أيضاً، و إلّا فسواء كانت الذمّية تحت المسلم محصنة به أم لا، فقذفها يوجب التعزير، كما عرفت.

و كيف كان: فالظاهر أنّ المراد من قذف ابنها في الخبرين نسبة امّه الكافرة إلي الزنا، و إلّا لم يكن للتعليل بقوله

لأنّ المسلم قد حصّنها

معني؛ فقد دلّ الخبران علي ثبوت الحدّ في قذف يهودية أو نصرانية كان زوجها مسلماً؛ معلّلين بأنّ المسلم قد حصّنها، و حيث لم يفرض فيها سوي إسلام الزوج فالمراد من المسلم الذي حصّنها هو زوجها لا ابنها فإنّه لم يفرض فيها وجود ابن له، فضلًا عن فرض إسلامه أيضاً.

فموضوع الخبر أو الخبرين أمر آخر غير ما تعرّض له الأصحاب و تبعهم الماتن دام ظلّه له، و لا دليل علي ثبوت حدّ القذف في مفروض كلامهم و إن استدلّ له في «المختلف» و «النكت» بنفس الخبر. و الظاهر أنّه

غفلة منهما عن مفاده، كما أنّ الظاهر أنّ سيّدنا الأُستاذ الماتن أيضاً قد أخذ التعليل من الخبر مع أنّه وارد في موضوع آخر، و اللّٰه العاصم.

و كيف كان: فحيث لا دليل خاصّ في مفروض مسألة المتن فاللازم الأخذ بالعمومات و مساواة هذه المرأة لمن سواها من أهل الكتاب في ثبوت التعزير بقذفها أخذاً بإطلاق موثّقة إسماعيل بن الفضل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 200، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 17، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 457

[مسألة 5 لو قذف الأب ولده بما يوجب الحدّ لم يحدّ بل عليه التعزير]

مسألة 5 لو قذف الأب ولده بما يوجب الحدّ لم يحدّ بل عليه التعزير؛ للحرمة لا للولد، و كذا لا يحدّ لو قذف زوجته الميّتة و لا وارث لها إلّا ولده، و لو كان لها ولد من غيره كان له الحدّ، و كذا لو كان لها وارث آخر غيره (15)،

______________________________

و أمّا مورد الخبر فلم يتعرّض له الأصحاب فيما أعرف و في سند الكليني معلّي بن محمّد و في سند الشيخ بنان بن محمّد، و لم يعلم عمل الأصحاب به لينجبر به سنده؛ و لذلك فالأحوط فيه أيضاً لو لم يكن أقوي الاقتصار علي ما دون الحدّ، و اللّٰه العالم بحقائق أحكامه.

(15) لا خلاف في شي ء من ذلك علي ما في «الرياض». و الدليل عليه: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا، قال

لو قتله ما قتل به، و إن قذفه لم يجلد له

، قلت: فإن قذف أبوه امّه؟ قال

إن قذفها و انتفي من ولدها تلاعنا و لم يلزم ذلك الولد الذي انتفي منه، و فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً

، قال

و إن كان قال لابنه و أُمّه

حيّة: يا ابن الزانية و لم ينتف من ولدها جلد الحدّ لها و لم يفرّق بينهما

قال

و إن كان قال لابنه: يا ابن الزانية و أُمّه ميّتة و لم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلّا ولدها منه فإنّه لا يقام عليه الحدّ؛ لأنّ حقّ الحدّ قد صار لولده منها، فإن كان لها ولد من غيره فهو وليّها يجلد له، و إن لم يكن لها ولد من غيره و كان لها قرابة يقومون بأخذ الحدّ جلد لهم «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 196، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 14، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 458

______________________________

و دلالتها واضحة لا تحتاج إلي بيان إلّا في موردين:

أحدهما: أنّ مفروض السائل و إن كان هو الابن إلّا أنّ تعبيره (عليه السّلام) في مواضع متعدّدة بعنوان ولدها دليل عدم الفرق بين الابن و البنت. مضافاً إلي أنّ ظاهر قوله (عليه السّلام)

لو قتله ما قتل به، و إن قذفه لم يجلد له

أنّ جلد القذف و قصاص النفس في الأب مرتضعان من ثدي واحد، و لا ينبغي الريب في أنّ حكم القصاص مرفوع عن الرجل إذا قتل ولده ابناً كان أو بنتاً كما يشهد به الأخبار التي منها صحيحة حمران عن أحدهما (عليهما السّلام) قال

لا يقاد والد بولده، و يقتل الولد إذا قتل والده عمداً «1».

ثانيهما: أنّه قد يتوهّم دلالة ذيل الصحيحة علي أنّ حقّ الحدّ موكول إلي مطلق القرابة و إن لم يكن وارثاً بالفعل، لكنّه مندفع بأنّ تقييد و توصيف القرابة بقوله

قرابة يقومون بأخذ الحدّ

يوجب الاختصاص بمن له أن يقوم بأخذ الحدّ لكي يمكنه أن يقوم به، و هو ليس إلّا الوارث الفعلي، و مصداقه في

مورد الصحيحة أبوها و أُمّها.

و ممّا يدلّ علي أصل انتفاء الحدّ عن الوالد بقذفه لولده ما رواه إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه

أنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: لا يقتل والد بولده إذا قتله و يقتل الولد بوالده إذا قتله، و لا يحدّ الوالد للولد إذا قذفه و يحدّ الولد للوالد إذا قذفه «2»

و دلالته كإطلاقه بالنسبة إلي الابن و البنت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 77، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 32، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 29: 79، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 32، الحديث 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 459

و الظاهر: أنّ الجدّ والد (16) فلا يحدّ بقذف ابن ابنه.

______________________________

واضحة. هذا كلّه بالنسبة إلي إيجاب الحدّ عليه.

و أمّا تعزيره لأنّه فعل حراماً، فيدلّ علي ثبوته العمومات الدالّة علي ثبوت التعزير بارتكاب كلّ معصية.

تنبيه: كما أنّ المستفاد من الخبرين أنّه لا يحدّ الوالد بحقّ الولد إذا طالب الولد لحقّه، كذلك يستفاد منهما أنّه لو قذف ابنه الميّت مثلًا و كان له ولي وارث فلا يجوز لهذا الوارث أيضاً المرافعة إلي الحاكم لإجراء حدّ القذف عليه؛ و ذلك أنّ ظاهر قوله (عليه السّلام)

لم يجلد له

أنّ رعاية حقّ الولد لا تصلح لأن توجب جلداً علي الوالد حدّا كان أو تعزيراً و هو مطلق بالنسبة إلي أن يكون المرافع المطالب نفس الولد أو مَن انتقل الحقّ بالإرث إليه، و هو ظاهر.

(16) إذ الوالد من ولد منه الولد، فهو عامّ شامل للأب و الجدّ، كما أنّه يعمّ الجدّ للأب و للأُمّ.

و الحكم و إن ترتّب علي الأب في مورد الصحيحة إلّا أنّه مرتّب علي عنوان الوالد في رواية إسحاق، و هو كافٍ لإثبات

العموم، كما أنّه مرتّب علي عنوان الوالد في صحيحة حمران التي بمنزلة الدليل لما في صحيحة ابن مسلم؛ فبانضمامها إليها يعلم أنّ الحكم مترتّب علي عنوان الوالد و أنّ ذكر الأب إنّما هو من قبيل المورد الذي لا يوجب اختصاصاً.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 460

و يحدّ الولد لو قذف أباه (17) و إن علا، و تحدّ الامّ لو قذفت ابنها (18)، و الأقارب لو قذفوا بعضهم بعضاً.

[مسألة 6 إذا قذف جماعة واحداً بعد واحد فلكلّ واحد حدّ]

مسألة 6 إذا قذف جماعة واحداً بعد واحد فلكلّ واحد حدّ؛ سواء جاؤوا لطلبه مجتمعين أو متفرّقين، و لو قذفهم بلفظ واحد بأن يقول: «هؤلاء زناة» فإن افترقوا في المطالبة فلكلّ واحد حدّ، و إن اجتمعوا بها فللكلّ حدّ واحد (19).

______________________________

(17) لمعتبرة إسحاق، مضافاً إلي عمومات حدّ القذف.

(18) للعمومات، و هكذا الأمر في الفرع التالي. و في «الرياض»: أنّه لا خلاف في شي ء من ذلك.

(19) في «الرياض»: أنّه الأظهر الأشهر، و في «المسالك» و «المختلف»: أنّ هذا التفصيل هو المشهور بين الأصحاب، و في «الخلاف» و «الغنية» دعوي إجماع الطائفة عليه، قال في «الخلاف» في كتاب الحدود (مسألة 48): إذا قذف جماعة واحداً بعد واحد كلّ واحد بكلمة مفردة فعليه لكلّ واحد منهم الحدّ، و به قال الشافعي قولًا واحداً.

و إن قذفهم بكلمة واحدة فقال: زنيتم أو أنتم زناة روي أصحابنا أنّهم إن جاؤوا به مجتمعين فعليه حدّ واحد لجميعهم، و إن جاؤوا به متفرّقين كان لكلّ واحد منهم حدّ كامل. و للشافعي فيه قولان: قال في القديم: عليه حدّ واحد لجماعتهم، و في الجديد: عليه لكلّ واحد حدّ كامل و لم يفصّل. و قال أبو حنيفة: عليه لجماعتهم حدّ واحد؛ سواء قذفهم بكلمة واحدة أو

أفرد كلّ واحد منهم بكلمة القذف. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 461

______________________________

و ظاهره كما تري دعوي الإجماع في حكم كِلا موردي إفراد كلّ منهم بكلمة و قذفهم بكلمة واحدة، و مثله صاحب «الغنية»، و نقل عن «السرائر» أيضاً مثلهما، و في «نكت النهاية» للمحقّق: أنّ حكم التفصيل المذكور في قذفهم بكلمة واحدة متّفق عليه بين علمائنا، و قد نقل في «المختلف» الإفتاء بما في «الخلاف» عن المفيد في «المقنعة» و عن سلّار و أبي الصلاح الحلبي و ابن البرّاج و ابن إدريس.

و مع ذلك كلّه: ففي قبال هذا القول قولان آخران:

أحدهما: ما عن ابن الجنيد فإنّه عكس الأمر، فجعل القذف بلفظ واحد موجباً لاتّحاد الحدّ مطلقاً، و بلفظ متعدّد موجباً للاتّحاد إن جاؤوا به مجتمعين و للتعدّد إن جاؤوا به متفرّقين، و في «المختلف» أنّه لا بأس به.

ثانيهما: ما يظهر من الصدوق في «المقنع» و «الفقيه»؛ فقد فصّل في قذف الجماعة بكلمة واحدة بأنّه إن سمّاهم فعليه لكلّ رجل سمّاه حدّ واحد، و إن لم يسمّهم فعليه لجميعهم حدّ واحد.

و الظاهر: أنّ منشأ الاختلاف هو اختلاف ظواهر الأخبار:

ففي صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل افتري علي قوم جماعة، قال

إن أتوا به مجتمعين ضرب حدّا واحداً، و إن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ منهم حدّا «1»

، و نحوه موثّقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 192، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 11، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 462

______________________________

سماعة و خبر محمّد بن حمران «1». فظاهر الحديث بناءً علي قراءة «جماعة» بالنصب أنّه افتري عليهم افتراء علي جماعتهم دفعة واحدة،

و إن احتمل أن يراد الافتراء عليهم في حالة اجتماعهم، و إن كان قذف كلّ منهم بلفظ يخصّه.

نعم بناءً علي قراءتها بالجرّ بدلًا أو عطف بيان أو تأكيداً لكلمة «قوم» فمفاده: أنّه افتري علي الجماعة من غير تعرّض لكونه بكلمة واحدة أو كلمات، لكنّه علي أيّ حال صريح في أنّ للإتيان به مجتمعين و متفرّقين دخلًا في وحدة الحدود و تعدّده و أنّ التفرّق في المجي ء يوجب التعدّد.

و في معتبرة الحسن العطّار قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل قذف قوماً، قال

بكلمة واحدة؟

قلت: نعم، قال

يضرب حدّا واحداً؛ فإن فرّق بينهم في القذف ضرب لكلّ واحد منهم حدّا «2»

، فهي أيضاً كالصريحة في أنّ وحدة كلمة القذف و تفريقها بعدد القوم سبب لوحدة الحدّ و تعدّده، و أنّ نفس تعدّد الكلمة موجبة لتعدّد القذف، و قد دلّت الأخبار السابقة علي أنّ نفس الإتيان به متفرّقين أيضاً موجبة لتعدّده.

و هذا الظهور من كلّ من تلك الأخبار و هذه المعتبرة قوي لا يمكن عرفاً أن يرفع اليد عنه، و لازمه التفصيل الذي أفتي به المشهور من أنّه لو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 192، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 11، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 192، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 11، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 463

______________________________

قذف كلّا منهم بكلمة مفردة فعليه لكلّ واحد حدّ واحد، و لو قذفهم بكلمة واحدة فأتوا به متفرّقين فعليه الحدّ بتعداد مجيئهم به، و إن أتوا به جميعاً فعليه حدّ واحد، فيقيّد إطلاق كلّ بما هو كصريح الآخر. فإطلاق الإتيان به مجتمعين الذي حكم فيه بحدّ واحد في الأخبار الأُول يقيّد بما كان القذف

بكلمة واحدة، و إطلاق إيجاب الكلمة الواحدة لحدّ واحد في معتبرة العطّار يقيّد بما لم يأتوا به متفرّقين، هذا.

و أمّا ما في موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل افتري علي نفر جميعاً فجلده حدّا واحداً «1»

فلعلّ ظاهرها أيضاً أنّ قذفهم كان بكلمة واحدة، و علي أيّ حال تقيّد بما إذا أتوا به مجتمعين بقرينة الأخبار السابقة.

و أمّا خبر بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يقذف القوم جميعاً بكلمة واحدة، قال

إذا لم يسمّهم فإنّما عليه حدّ واحد، و إن سمّي فعليه لكلّ رجل حدّ «2»

فالظاهر أنّه مستند الصدوق في «المقنع» كما صرّح به في «الفقيه»، إلّا أنّ سند الصدوق إليه غير معلوم و لا مذكور في مشيخته، كما أنّ في سند الشيخ أبا الحسن الشامي المجهول الحال. مضافاً إلي احتمال أن يراد بالقذف بكلمة واحدة أن يقذفهم بنحو واحد و علي وتيرة واحدة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 193، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 11، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 193، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 11، الحديث 5.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 464

و لو قال: «زيد و عمرو و بكر مثلًا زناة» فالظاهر أنّه قذف بلفظ واحد (20) و كذا لو قال: «زيد زانٍ و عمرو و بكر»، و أمّا لو قال: «زيد زانٍ و عمرو زانٍ و بكر زانٍ» فلكلّ واحد حدّ؛ اجتمعوا في المطالبة أم لا، و لو قال: «يا بن الزانيين» فالحدّ لهما، و القذف بلفظ واحد (21)؛ فيحدّ حدّا واحداً مع الاجتماع علي المطالبة، و حدّين مع التعاقب.

______________________________

و يكون المراد بتسميتهم أن يفرّق

بينهم في الذكر و بعدمها ذكر جميعهم مرّة واحدة، و حينئذٍ: فيتّحد مفاده مع معتبرة العطّار، و يجي ء فيه أيضاً ما مرّ فيها، و اللّٰه العالم.

(20) فإنّ ميزان تعدّد الحدّ المذكور في معتبر العطّار أن يفرّقهم في القذف، و هنا لم يفرّقهم بل جمعهم في كلمة واحدة؛ هي قوله: «زناة». كما أنّ قوله «زيد زانٍ و عمرو و بكر» قد قذف الجميع فيه بكلمة واحدة هي قوله: «زانٍ»، و العطف قد أوجب تطبيق معناه علي المتعاطفات جميعاً، و هذا بخلاف قوله: «زيد زانٍ و عمرو زانٍ و بكر زانٍ» فإنّ كلّا منهم مختصّ بكلمة و جملة يخصّها، فقد فرّق بينهم في القذف؛ فلا محالة ضرب لكلّ واحد منهم حدّا.

(21) فإنّه قد قذف أبويه بكلمة واحدة؛ هي قوله: «الزانيين» لا غير، فهو من أبرز مصاديق القذف بكلمة واحدة، و لا محالة يدخل في صحيحة جميل؛ فيحدّ حدّا واحداً مع الاجتماع علي المطالبة و حدّين مع التعاقب.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 465

______________________________

و لعلّ وجه التعرّض له بخصوصه تبعاً ل «الشرائع» هو ردّ أو توجيه ما ذكره الشيخ في «الخلاف» فقال: (مسألة 5): إذا قال لرجل: يا ابن الزانيين وجب عليه حدّان لأبويه، فإن كانا حيّين استوفياه، و إن كانا ميّتين استوفاه ورثتهما، و قال أبو حنيفة عليه حدّ واحد، و للشافعي فيه قولان:

أحدهما مثل ما قلناه و هو قوله في الجديد و الثاني حدّ واحد قاله في القديم. دليلنا: أنّه نسب كلّ واحد من الأبوين إلي الزنا؛ فوجب لكلّ واحد منهما الحدّ كاملًا، كما لو أفرد كلّ واحد منهما، و عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، انتهي.

فتوجيهه: أنّ قوله (قدّس سرّه) «كما لو أفرد كلّ واحد

منهما» كالصريح في اعترافه أنّه جمعهما في القذف بكلمة واحدة، و حينئذٍ فيدخل في عموم صحيحة جميل و يكون من مصاديق ما ذكره نفسه في المسألة السابقة و يحدّ حدّا واحداً مع الاجتماع في المطالبة و حدّين مع التعاقب، و إنّما غرضه (قدّس سرّه) الردّ علي مثل أبي حنيفة القائل بأن ليس عليه إلّا حدّ واحد، و اللّٰه العالم.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 466

[القول في الأحكام]

اشارة

القول في الأحكام

[مسألة 1 يثبت القذف بالإقرار]

مسألة 1 يثبت القذف بالإقرار، و يعتبر علي الأحوط أن يكون مرّتين، بل لا يخلو من وجه (1).

______________________________

(1) قال الشيخ في «النهاية»: و يثبت الحدّ بالقذف بشهادة شاهدين عدلين مسلمين، أو إقرار القاذف علي نفسه مرّتين بأنّه قد قذف، انتهي. و مثله غيره.

أقول: لا ينبغي الريب في أنّ مقتضي بناء العقلاء علي حجّية إقرار كلّ أحد علي نفسه الاكتفاء بمرّة واحدة منه أيضاً، كما اكتفوا بها في حقوق الناس في باب القضاء.

بل ظاهر صحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

من أقرّ علي نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّٰه مرّة واحدة حرّا كان أو عبداً، أو حرّة كانت أو أمة فعلي الإمام أن يقيم الحدّ عليه للّذي أقرّ به علي نفسه كائناً من كان..

قال: و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و من أقرّ علي نفسه عند الإمام بحقّ حدّ من حدود اللّٰه في حقوق المسلمين فليس علي الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده حتّي يحضر صاحب الحقّ أو وليه فيطالبه بحقّه..

إلي أن قال (عليه السّلام) في تفسير حقوق الناس

و أمّا حقوق المسلمين فإذا أقرّ علي نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّه حتّي يحضر صاحب الفرية أو وليه،

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 467

______________________________

و إذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتّي يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم «1».

فظاهرها بقرينة صدرها الصريح في الاكتفاء بمرّة واحدة من الإقرار في حقوق اللّٰه أنّه يكفي إقرار واحد في ثبوت حقوق الناس أيضاً التي صرّح بأنّ حدّ القذف منها.

غاية الأمر: وجوب إجرائه علي ولي أمر المسلمين موقوف علي مطالبة ذي الحقّ، فالصحيحة موافقة و مؤيّدة لبناء العقلاء و إمضاء له،

إلّا أنّه لم يوجد في الأصحاب من أفتي بالاكتفاء بمرّة واحدة هنا، و إن استشكل انطباق القواعد عليه بعض متأخّري المتأخّرين، كالمحقّق الأردبيلي و صاحب «الرياض» و «الجواهر».

و قال في «الرياض» ما حاصله: إنّ عموم إقرار العقلاء و إن اقتضي الثبوت بمرّة واحدة إلّا أنّ ظاهر الأصحاب خلافه، و كأنّه إجماعي، و لم نقف علي مخالف أصلًا، انتهي.

فالحاصل: أنّ القاعدة العقلائية كالرواية الصحيحة مقتضية للثبوت بمرّة واحدة، و هما بين أيدي الأصحاب و أعينهم و عملوا بهما و أفتوا علي طبقهما في موارد كثيرة، فعدم إفتائهم هنا و الإفتاء بالمرّتين شاهد علي أنّهم قد عثروا علي دليل معتبر أو نقل شفاهي علي اعتبار المرّتين، و معه فلا يمكن الاكتفاء بأقلّ منهما، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 56، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 32، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 468

و يشترط في المقرّ البلوغ و العقل و الاختيار و القصد (2)، و يثبت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين (3)،

______________________________

(2) قد مرّ دليل اعتبار هذه الشرائط في المقرّ في الإقرار باللواط و الزنا، فراجع.

(3) قد مرّ في البحث عن اعتبار شاهدين في ثبوت القيادة: أنّ مقتضي القاعدة الأوّلية و إن كان جواز الاكتفاء بشاهد واحد إلّا أنّه قامت أدلّة خاصّة علي اعتبار شاهدين في إثبات الحقوق عند القاضي، فنقول هنا أيضاً: إنّه قد ورد في خصوص المقام أخبار خاصّة تدلّ علي أنّه لا يثبت القذف إلّا بقيام البيّنة عليه:

منها: ما في صحيحة محمّد بن قيس عن الباقر (عليه السّلام)

إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال في رجل دعي لغير أبيه: أقم بيّنتك أُمكنك منه.

الحديث «1»؛ فإنّ تعليق إمكانه المقذوف من

قاذفه علي إقامة البيّنة يدلّ دلالة واضحة علي أنّ شهادة أقلّ من البيّنة لا تفي بإثبات دعواه، و واضح أنّ البيّنة في عرف المتشرّعة لا تصدق علي أقلّ من الشاهدين.

و منها: ما رواه البزنطي الذي لا يروي إلّا عن ثقة بسند صحيح إليه عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أتي رجل أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل فقال: هذا قذفني و لم تكن له بيّنة، فقال: يا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 183، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 4، الحديث 17.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 469

و لا يثبت بشهادة النساء منفردات و لا منضمّات (4).

[مسألة 2 الحدّ في القذف ثمانون جلدة ذكراً كان المفتري أو أُنثي]

مسألة 2 الحدّ في القذف ثمانون جلدة (5) ذكراً كان المفتري أو أُنثي، و يضرب ضرباً متوسّطاً في الشدّة لا يبلغ به الضرب في الزنا،

______________________________

أمير المؤمنين استحلفه، فقال: لا يمين في حدّ و لا قصاص في عظم «1»

؛ فإنّ ظاهره أيضاً أنّه ما لم تكن لمدّعي القذف بيّنة لا يثبت دعواه، و إطلاقه شامل لما إذا كان له شاهد واحد أيضاً.

و نحوه معتبر إسحاق بن عمّار عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام)

أنّ رجلًا استعدي علياً (عليه السّلام) علي رجل فقال: إنّه افتري عليّ، فقال علي (عليه السّلام) للرجل: أ فعلت ما فعلت؟ فقال: لا، ثمّ قال علي (عليه السّلام) للمستعدي: أ لك بيّنة؟ قال: فقال: ما لي بيّنة فأحلفه لي، قال علي (عليه السّلام): ما عليه يمين «2»

، و بيان دلالتها يظهر ممّا سبقها.

(4) قد مرّ الدليل عليه في (المسألة 3) من بحث اللواط فلا نعيد.

(5) كما دلّ عليه الكتاب الكريم و الأخبار المتظافرة التي مرّ بعضها أثناء البحث و سيأتي بعضها الآخر

إن شاء اللّٰه تعالي. و التعبير بقوله تعالي وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ. «3» الآية، لا يوجب اختصاص الحدّ بما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 46، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 24، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 46، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 24، الحديث 3.

(3) النور (24): 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 470

و يضرب فوق ثيابه المعتادة، و لا يجرّد (6).

______________________________

إذا كان القاذف ذكراً؛ لعدم انفهام الخصوصية و إلغائها؛ فإنّ المفهوم منها عرفاً أنّ الجلد المذكور حدّ لهذا العمل من أيّ مكلّف كان.

مضافاً إلي التصريح في أخبار متعدّدة معتبرة بجريان الحكم في المرأة أيضاً؛ فمنها: معتبرة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) في المرأة قذفت رجلًا قال

تجلد ثمانين جلدة «1»

، إلي غير ذلك من الأخبار الدالّة علي عدم الفرق في القاذف و لا المقذوف بين أن يكون ذكراً أو أُنثي، و المسألة بحمد اللّٰه تعالي واضحة و لا خلاف فيها أيضاً ظاهراً.

(6) قال في «الرياض»: و يجلد القاذف بثيابه المعتادة، و لا يجرّد عنها كما يجرّد الزاني، و لا يضرب ضرباً شديداً بل يضرب ضرباً متوسّطاً اتّفاقاً علي الظاهر المصرّح به في بعض العبائر، و هو الحجّة، انتهي.

و يدلّ عليه من الأخبار موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الزاني كيف يجلد؟ قال

أشدّ الجلد

، قلت: فمِن فوق ثيابه؟ قال

بل تخلع ثيابه

، قلت: فالمفتري؟ قال

يضرب بين الضربين جسده كلّه فوق ثيابه «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 175، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 2، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 92، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث

2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 471

______________________________

و بعد انصراف لفظة «ثيابه» إلي المعتادة منها فدلالة الموثّقة علي المطلوب كلّه واضحة.

نعم، في موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): أمر رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن لا ينزع شي ء من ثياب القاذف إلّا الرداء «1».

و حيث إنّ الرداء لباس يلبس فوق الثياب كالعباء و الجبّة فنزعه لا يخرج المورد عن كون الضرب فوق الثياب المعتادة، و بالجملة: فعملًا بالموثّقة لا بأس بنزع ردائه.

و قد رويت موثّقة إسحاق بن عمّار مقطّعة أو بسند آخر و رواية سماعة بن مهران و مسمع بن عبد الملك، و كلّها متوافقة المضمون مع ما أخرجناها متضمّنة لجميع ما تضمّنته من فروع البحث أو بعضها، فراجع الباب 15 من أبواب حدّ القذف من «الوسائل».

و أمّا ما في صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في المملوك يدعو الرجل لغير أبيه، قال: أري أن يعري جلده «2»

، فلم يثبت هذه النسخة فإنّه نقله «الوافي»: «أن يفري» «3» و فسّره بالشقّ؛ فلا حجّة فيها حتّي يتكلّم علي تعارضها للأخبار المذكورة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 197، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 15، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 28: 183، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 4، الحديث 16.

(3) الوافي 15: 387/ 19.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 472

و يضرب جسده كلّه إلّا الرأس و الوجه و المذاكير (7)،

______________________________

(7) أمّا تفريق الضرب علي جميع الجسد فقد دلّت عليه الموثّقة المذكورة و أخبار أُخر أُشير إلي بعضها.

و أمّا استثناء الرأس و الوجه و المذاكير فيدلّ

عليه موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

يضرب الرجل الحدّ قائماً و المرأة قاعدة، و يضرب علي كلّ عضو و يترك الرأس و المذاكير

، و عن الصدوق و الشيخ

و يترك الوجه و المذاكير «2»

، فقد اتّفقت النسختان علي استثناء المذاكير و اختلفتا في الرأس و الوجه، و ليس ببعيد أن يدّعي: أنّ المفهوم عرفاً من كلّ من لفظتي «الوجه» و «الرأس» في مقام الاستثناء عن ما يضرب عليه إرادة كليهما، كما مرّ في البحث عن كيفية إقامة حدّ الزاني أيضاً. و كيف كان: فالموثّقة مطلقة شاملة لكلّ حدّ يقام في قالب الضرب، فتعمّ حدّ القذف أيضاً.

و في خبر حريز عمّن أخبره عن أبي جعفر (عليه السّلام)

يفرّق الحدّ علي الجسد كلّه و يتّقي الفرج و الوجه، و يضرب بين الضربين «1»

، و دلالته علي استثناء الوجه واضح، و بيان دلالته علي استثناء الرأس أيضاً يعلم ممّا مرّ، و اللّٰه العالم.

______________________________

(2) وسائل الشيعة 28: 91، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث 1.

(1) وسائل الشيعة 28: 93، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 11، الحديث 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 473

و علي رأي يشهر القاذف حتّي تجتنب شهادته (8).

______________________________

و يدلّ علي استثناء الوجه أيضاً خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

الذي يجب عليه الرجم يرجم من ورائه و لا يرجم من وجهه؛ لأنّ الرجم و الضرب لا يصيبان الوجه، و إنّما يضربان علي الجسد علي الأعضاء كلّها «1».

و نحوها صحيحته عن الباقر (عليه السّلام) في حديث

و التي يجب عليها الرجم ترجم من ورائها و لا ترجم من وجهها؛ لأنّ الضرب و الرجم لا يصيبان الوجه، يضربان

علي الجسد علي الأعضاء كلّها «2»

، فدلالتهما علي استثناء الوجه صريحة، و لو استظهر من كلمة «الجسد» ما وقع تحت الرقبة دلّتا علي استثناء الرأس أيضاً، فتأمّل.

(8) قال المحقّق في «الشرائع»: و يشهر القاذف لتجتنب شهادته، انتهي. و قال العلّامة في «الإرشاد»: و يشهر لتجتنب شهادته، انتهي. إلّا أنّه لم نظفر بدليل خاصّ فيه. نعم قد ورد ذلك في شهود الزور؛ ففي موثّقة سماعة

و يطاف بهم حتّي يعرفوا و لا يعودوا «3»

، إلّا أنّ موضوعه شهود الزور، و إجراء هذا التعزير عليهم ليكون تنبيهاً لهم حتّي لا يعودوا إلي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 101، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 14، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 22: 409، كتاب اللعان، الباب 1، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 27: 333، كتاب الشهادات، الباب 15، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 474

[مسألة 3 لو تكرّر الحدّ بتكرّر القذف فالأحوط أن يقتل في الرابعة]

مسألة 3 لو تكرّر الحدّ بتكرّر القذف فالأحوط أن يقتل في الرابعة (9)،

______________________________

شهادة الزور لا يدلّ علي وجوب أو جواز إجرائه في القاذف أيضاً حتّي لا يعود إلي قذفه؛ فإنّ إحدي المعصيتين غير الأُخري، و اهتمام الشارع في إحداهما بتعزير خاصّ كيف يكون دليلًا علي اهتمامه هذا الاهتمام الخاصّ بالأُخري أيضاً؟! فما في «الجواهر» في مقام الاستدلال عليه: كما يشهر شاهد الزور؛ لاشتراك العلّة، فيه منع واضح، و لعلّه مبني علي توهّم إرادة الإطلاق من العلّة المذكورة، مع أنّ من الواضح أنّ ظاهره إرادة خصوص شهود الزور؛ يعني حتّي يعرف شهود الزور و لا يعودوا إلي مثل تلك الشهادة؛ و لذلك قال المحقّق الأردبيلي في «شرح الإرشاد» ما لفظه: و أمّا تشهيره ليجتنب شهادته فلم أقف علي دليل له، فكأنّه ما ذكره و ذلك

غير مثبت له فتأمّل، هذا.

مضافاً إلي أنّ الاقتصار في أدلّة حدّ القذف علي مجرّد الجلد ظاهر في نفي كلّ تعذيب سواه.

(9) قال الشيخ في «النهاية»: و من أُقيم عليه الحدّ في القذف ثلاث دفعات قتل في الرابعة. و قال في «الغنية»: و يقتل القاذف في المرّة الرابعة إذا حدّ ما قبلها من المرّات. كلّ ذلك بدليل إجماع الطائفة، انتهي. و في «المختلف» عن ابن إدريس أنّه قال: الصحيح أنّه يقتل في الثالثة. و اختار «المختلف» قول الشيخ و قال: قد تقدّم البحث في ذلك في الزنا، انتهي. و في «الرياض»: أنّ قتله في الرابعة علي الأشهر الأقوي.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 475

______________________________

و لا دليل لابن إدريس سوي صحيحة يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال

أصحاب الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحدود مرّتين قتلوا في الثالثة «1».

و دلالتها علي مطلوبه واضحة لشمول عمومها لما نحن فيه؛ فإنّه لا ريب في أنّ القذف كبيرة بعد ذكره في القرآن الشريف و جعل الحدّ عليه و عدّه من الكبائر في صحاح متعدّدة مستفيضة، إلّا أنّه لم يعمل بها المشهور في أكثر الموارد؛ فإنّ المشهور هو القتل في الرابعة في باب الزنا و اللواط و المساحقة، بل و السرقة، و إنّما المسلّم فتواهم بالقتل في الثالثة في شرب المسكر، و قد ورد به روايات خاصّة معتبرة بها، فلا بعد في دعوي إعراض المشهور عنها، فلا حجّة فيها. و حيث إنّه لا ينبغي الريب في جواز قتله في الرابعة فلذلك كان الأحوط قتله فيها.

و أمّا ما في «خلاف» الشيخ (مسألة 55): إذا جلد الزاني الحرّ البكر أربع مرّات قتل في الخامسة، و كذلك في القذف

يقتل في الخامسة، و العبد يقتل في الثامنة، و قد روي: الحرّ يقتل في الرابعة، و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: عليه الحدّ بالغاً ما بلغ. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، انتهي.

فهو ممّا اختصّ به هو في «خلافه»، و هو خلاف ما أفتي به في «نهايته» كما عرفت؛ و لذلك قال في «المختلف» في مقام نقله عنه: و للشيخ في «الخلاف» قول غريب، انتهي. و كأنّه مبني علي سهو منه أو غلط في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 117، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 20، الحديث 3، و أبواب حدّ المسكر، الباب 11، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 476

و لو قذف فحدّ؛ فقال: «إنّ الذي قلت حقّ» وجب في الثاني التعزير (10)،

______________________________

النسخة. و كيف كان: فالمشهور ما مرّ و مقتضاه ما عرفت.

(10) قال الشيخ في «النهاية»: و إن قال لغيره: «يا زاني» فأُقيم عليه الحدّ، ثمّ قال له ثانياً: «يا زاني» كان عليه حدّان، فإن قال له: «إنّ الذي قلته لك كان صحيحاً» لم يكن عليه حدّ و كان عليه التعزير، انتهي. و قريب منه عبارة «السرائر»، و علّل نفي الحدّ بقوله: لأنّه ما صرّح بالقذف في قوله: «إنّ الذي قلت لك كان صحيحاً». و اقتصر علي نفي الحدّ في «المقنع» فقال: فإن قال: «إنّ الذي قلت لك حقّ» لم يجلد، انتهي.

و كيف كان: فالدليل علي نفي الحدّ صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يقذف الرجل فيجلد فيعود عليه بالقذف، فقال

إن قال له: إنّ الذي قلت لك حقّ لم يجلد، و إن قذفه بالزنا بعد ما جلد فعليه الحدّ، و إن قذفه قبل ما

يجلد بعشر قذفات لم يكن عليه إلّا حدّ واحد «1»

و دلالتها علي عدم إيجاب الحدّ لو قذفه ثانياً بالعبارة المذكورة واضحة، إلّا أنّ الكلام في المراد منها و أنّه هل المراد خصوص العبارة المذكورة و ما يؤدّي معناها من سائر الكلمات و باللغات الأُخري، أو المراد منها أنّه إذا كان قذفه الثاني بنفس الزنا أو اللواط الذي قذفه به أوّلًا سواء كان بالعبارة المذكورة أو بأن يقول مثلًا بعد ما حدّ: «إنّي و إن جلدت إلّا أنّك تعلم أنّ الزنا الذي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 191، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 10، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 477

و لو قذف شخصاً بسبب واحد عشر مرّات؛ بأن قال: «أنت زانٍ» و كرّره ليس عليه إلّا حدّ واحد (11). و لو تعدّد المقذوف يتعدّد الحدّ (12).

______________________________

نسبته إليك حقّ، و أنت زانٍ به كما قلت» فهذا لم يجلد عليه. نعم إذا قذفه بزنا جديد مثلًا فعليه الحدّ.

و قد ادّعي الشيخ في موضع من «الخلاف» الإجماع علي أنّ القذف ثانياً بالزنا الذي حدّ لأجله لا يوجب حدّا، و في موضع آخر ادّعي الإجماع علي أنّه موجب للحدّ، فراجع المسألة 43 و 53 من كتاب لعانه.

و الإنصاف: أنّ العبارة ذات وجهين و إن كانت نتيجة الأمر أن لا ينفي عنه الحدّ إلّا إذا كان قذفه بمثل العبارة المذكورة؛ و ذلك أنّ مقتضي العمومات أنّ كلّ قذف موجب للحدّ، و الصحيحة مخصّصة لها؛ و لا محالة يقتصر في التخصيص علي ما هي حجّة عليه و هو نفس العبارة المذكورة و في غيرها فالعموم حجّة، هذا.

و أمّا الدليل علي ثبوت التعزير: فهو العمومات الدالّة علي ثبوته بفعل

كلّ معصية و خصوص ما دلّ علي ثبوته بكلّ فحش و ما يوجب أذي المسلمين من الأقوال، فراجع ما علّقناه علي (المسألة 8) من مسائل القول في الموجب.

(11) بدليل الصحيحة المذكورة آنفاً؛ فإنّ وحدة السبب هي القدر المتيقّن منها.

(12) كما دلّ عليه ما مرّ من تعدّده إذا قذف كلّ واحد من الجماعة بكلمة واحدة.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 478

و لو تعدّد المقذوف به بأن قال: «أنت زانٍ و أنت لائط» ففي تكرّر الحدّ إشكال، و الأقرب التكرّر (13).

______________________________

(13) وجه الإشكال و احتمال وحدة الحدّ هو أن يقال: إنّ قوله (عليه السّلام)

و إن قذفه قبل ما يجلد بعشر قذفات.

إلي آخره، قد علّق الحكم علي قذفه، و هو مطلق شامل لما كان العدد المذكور من القذفات من جنس واحد أو كان بعضه بالزنا و بعضه باللواط؛ فإنّ النسبة إلي كلّ منهما قذف. فحاصل مفاده: أنّ مجرّد تكرار القذف لا يوجب تكرار الحدّ ما لم يحدّ، كما مرّ نظيره في باب الزنا.

و أمّا الوجه لما اختاره دام ظلّه من تكرّر الحدّ: فهو أنّ المنصرف من العبارة ما إذا كانت القذفات من نوع واحد، فلا تعمّ ما إذا اختلف النوع. و حينئذٍ فعمومات أدلّة القذف أنّ كلّ قذف سبب مستقلّ للحدّ، فتكرّره موجب لتكرّر الحدّ.

لكنّه محلّ كلام، بل قد عرفت أنّه لا وجه لما أفتي به المشهور في باب الزنا من وحدة الحدّ إذا تكرّر منه الزنا قبل أن يحدّ إلّا دعوي أنّ إطلاق أدلّة حدّ الزنا يقتضي كون الحدّ طبيعة المائة جلدة مثلًا، و هي صادقة علي مائة واحدة، و هذه الدعوي بعينها جارية فيما نحن فيه، و مقتضاها وحدة الحدّ مع تكرّر القذف مطلقاً قبل

الحدّ.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ ظاهر أدلّة الحدود سببية كلّ مصداق من هذه المعاصي لحدّ خاصّ، و إنّما خرجنا عن مقتضاها هناك بالشهرة المنعقدة علي خلاف القواعد، و لا شهرة هاهنا فنأخذ بها، لكنّه محلّ إشكال جدّاً.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 479

[مسألة 4 إذا ثبت الحدّ علي القاذف لا يسقط عنه إلّا بتصديق المقذوف]

مسألة 4 إذا ثبت الحدّ علي القاذف لا يسقط عنه إلّا بتصديق المقذوف (14) و لو مرّة،

______________________________

و مع الشكّ فقد عرفت مراراً أنّ مقتضي الأصل الاقتصار علي الأقلّ، و اللّٰه العالم بحقائق الأُمور.

(14) كما في «الشرائع» و «إرشاد» العلّامة و غيرهما. و استدلّ للإسقاط به بوجوه:

منها: ما في «المسالك» و «الجواهر» من أنّه مقتضي اعتبار الإحصان في المقذوف لتقوّمه بالعفّة، و هي تزول بتصديقه للقاذف و لو مرّة واحدة.

و منها: ما في «شرح الإرشاد» للمحقّق الأردبيلي (قدّس سرّه) من قوله: فإنّ ذلك موجب لتصديقه، فلا نفع للمؤاخذة بالافتراء عليه.

و منها: أنّ وجهه واضح لا يحتاج إلي مئونة بيان، كما في «مباني التكملة».

و في جميعها نظر واضح، بيانه: أنّ تصديق المقذوف كما يتحقّق بإظهاره عند جماعة كثيرين، كذلك يتحقّق بأن يصدّقه في خلوة ليس فيها أحد غيره و غير القاذف، فإذا قذفه بمرأي الناس و أوجب خفّته فلم يتكلّم المقذوف هناك بكلمة، فلمّا خلا هو و القاذف قال للقاذف: إنّك و إن كنت صادقاً فيما قذفتني به إلّا أنّه لا ينبغي تحقيري في ذاك المجمع، فهذا المورد من مصاديق التصديق بحكم الإطلاق و بعد ذلك أمكن أن يقوم المقذوف بصدد المرافعة و إقامة الحدّ علي قاذفه، و لا يمكن التمسّك في سقوط الحدّ بشي ء من الوجوه:

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 480

______________________________

أمّا الأوّل: فلأنّك قد عرفت أنّ الدليل علي اعتبار عفّة

المقذوف هو ما دلّ علي أن لا حرمة للمتجاهر بالفسق، و هاهنا لم يتجاهر المقذوف؛ لا بنفس الفسق و لا بإظهار أنّه قد ارتكبه بمرأي الجماعة، فلا يصدق التجاهر بفسقه من الزنا و اللواط قطعاً.

و أمّا الثاني: فلأنّه في مثل المورد المذكور قد بقي محلّ المرافعة إلي الحاكم لإعادة حرمته المهتوكة بإجراء حدّ القذف علي قاذفه، فينتفع به المقذوف و يعيد به حرمته.

و أمّا الثالث: فهو دعوي غير بيّنة و لا مبيّنة.

نعم، قد يمكن الاستدلال له بما أرسله الصدوق بقوله: قال الصادق (عليه السّلام) في رجل قال لامرأته يا زانية قالت: أنت أزني منّي، فقال

عليها الحدّ فيما قذفت به، و أمّا إقرارها علي نفسها فلا تحدّ حتّي تقرّ بذلك عند الإمام أربع مرّات «1»

، بيانه: أنّ زوجها قد نسبها إلي الزنا أوّلًا، فإذا قالت: «أنت أزني منّي» فقد اعترفت بإتيان أفعل التفضيل بأنّها قد زنت و نسبت زوجها بأنّ زناه أكثر منها، فقد صدّقت قاذفها و قذفته أيضاً، ثمّ إنّه (عليه السّلام) حكم في هذه القضية بأنّ الحدّ ثابت علي المرأة فقط، مع أنّ قذف الرجل لها أيضاً مفروض مذكور، فمن اقتصاره علي ثبوته عليها يعلم أن لا حدّ علي زوجها و لا وجه له إلّا أنّها صدّقته في قذفه لها.

إلّا أنّ الرواية مرسلة و استفادة العموم المذكور منها مشكلة مع عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 196، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 13، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 481

و بالبيّنة التي يثبت بها الزنا (15) و بالعفو، و لو عفا ثمّ رجع عنه لا أثر لرجوعه (16)،

______________________________

إشارة إلي وجه الاقتصار فيها. و عمومات أدلّة حدّ القذف تقتضي ثبوته علي القاذف؛

صدّقه المقذوف أم لا.

(15) كما في «الشرائع» و «الإرشاد» و غيرهما، و وجهه واضح فإنّ تعليق حكم الحدّ في الآية المباركة وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً. الآية علي عدم الإتيان بأربعة شهداء و هي البيّنة التي يثبت بها الزنا شاهد علي أنّه لا يجلد إذا أتي بها، و يدلّ عليه أيضاً خبر الفضل بن إسماعيل الهاشمي، و قد ذكرنا كيفية دلالة الآية بوجه مبسوط و كيفية الاستدلال بالخبر عند البحث عن اشتراط العفّة في المقذوف، فراجع.

(16) و الدليل علي كلا الأمرين أعني سقوطه بعفو ذي الحقّ، و عدم جواز رجوعه في عفوه موثّقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يفتري علي الرجل فيعفو عنه، ثمّ يريد أن يجلده بعد العفو، قال

ليس له أن يجلده بعد العفو «1»

، و قد نقلت الرواية عنه بسند آخر معتبر أيضاً هكذا قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقذف الرجل بالزنا فيعفو عنه و يجعله من ذلك في حلّ، ثمّ إنّه بعد ذلك يبدو له في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 207، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 21، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 482

______________________________

أن يقدمه حتّي يجلده، فقال

ليس له حدّ بعد العفو

، قلت: أ رأيت إن هو قال: يا بن الزانية، فعفا عنه و ترك ذلك للّٰه؟ فقال

إن كانت امّه حيّة فليس له أن يعفو، العفو إلي امّه متي شاءت أخذت بحقّها

، قال

فإن كانت امّه قد ماتت فإنّه ولي أمرها يجوز عفوه «1»

، و دلالتهما علي جواز عفو من له حقّ الحدّ سواء كان هو المقذوف أو مورّثه واضحة.

و

يدلّ عليه أيضاً موثّقة الساباطي التي يأتي ذكرها إن شاء اللّٰه تعالي ذيل المسألة السادسة.

كما يدلّ عليه أيضاً عموم مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل جني عليّ أعفو عنه أو أرفعه إلي السلطان؟ قال

هو حقّك، إن عفوت عنه فحسن و إن رفعته إلي الإمام فإنّما طلبت حقّك، و كيف لك بالإمام؟! «2»

فإنّ ظاهرها أنّ قوله (عليه السّلام)

إن عفوت.

إلي آخره، كالتفريع علي قوله

هو حقّك

، فيدلّ دلالة واضحة علي أنّ كلّ حقّ فيجوز عفوه عمّن عليه، و عمومه شامل لحدّ القذف الذي لا ريب بحسب الأخبار أنّه من حقوق الناس، كما مرّ بعض ما يدلّ عليه، هذا.

ثمّ إنّه لا يبعد أن يقال كما هو ظاهر الشيخ في «التهذيب» و «الاستبصار» إنّ جواز العفو مشروط بأن لا يرفع الأمر إلي الحاكم، و إلّا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 206، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 20، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 28: 206، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 20، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 483

______________________________

يتحتّم إجراء الحدّ بعد ثبوته عنده؛ و ذلك لدلالة موثّقة سماعة بن مهران عليه فإنّه روي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

من أخذ سارقاً فعفا عنه فذلك له، فإذا رفع إلي الإمام قطعه، فإن قال الذي سرق له: أنا أهبه له لم يدعه إلي الإمام حتّي يقطعه إذا رفعه إليه، و إنّما الهبة قبل أن يرفع إلي الإمام؛ و ذلك قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ، فإذا انتهي الحدّ إلي الإمام فليس لأحد أن يتركه «1»

؛ فإنّ صدر الحديث و إن كان في خصوص حدّ السرقة

إلّا أنّ ذيله الذي فرّع حكم الصدر أيضاً علي العموم المراد من الآية المباركة يدلّ علي أنّه كلّ حدّ رفع أمره إلي الإمام فليس لأحد أن يتركه و يعفو عنه، فهو شامل لحدّ القذف أيضاً.

و يدلّ عليه في خصوص حدّ القذف رواية حمزة بن حمران عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل أعتق نصف جارية ثمّ قذفها بالزنا، فقال

أري أنّ عليه خمسين جلدة، و يستغفر اللّٰه عزّ و جلّ

، قلت: أ رأيت إن جعلته في حلّ أو عفت عنه؟ قال

لا ضرب عليه إذا عفت عنه من قبل أن ترفعه «2»

؛ فإنّ تقييد سقوط الحدّ بأن يكون العفو قبل الرفع إلي الحاكم يدلّ بالمفهوم علي أنّه يضرب الحدّ إذا عفت بعد الرفع.

نعم، ما استدلّ به الشيخ في «الاستبصار» من صحيحة محمّد بن مسلم و معتبر الكناسي لا يدلّ عليه:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 39، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 17، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 23: 100، كتاب العتق، الباب 64، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 484

______________________________

أمّا صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) التي مضت آنفاً فلأنّ ظاهره أنّه (عليه السّلام) خيّر ذا الحقّ بين الأمرين: العفو عنه أو استيفائه، و ذكر الرفع إلي السلطان أو الإمام إنّما هو لمكان أنّه طريق الاستيفاء، و ليس المراد منه أنّه مخيّر بين العفو و الرفع بحيث إنّه إذا اختار الرفع فقد سقط تخييره.

و أمّا معتبر الكناسي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لا يعفي عن الحدود التي للّٰه دون الإمام، فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدّ فلا بأس أن يعفي عنه دون الإمام «1»

فدلالته مبنية علي أن يراد

بقوله: «دون الإمام» في الفقرة الثانية تقييد العفو بما قبل أن يرفع إليه لكي يكون مفهومه عدم جواز العفو مع الرفع إليه، و هو غير ظاهر فيه، فلعلّ سرّ التعبير: أنّ العفو لو تحقّق فلا محالة بحسب المعهود يتحقّق قبل أن يرفع الأمر إلي الإمام، و إلّا فالرفع إليه لا يكون إلّا إذا لم يعف ذو الحقّ، فقال (عليه السّلام): إنّ هذا العفو الكذائي إنّما يكون في حدود تكون من حقوق الناس و ليس في حقوق اللّٰه، فلا مفهوم له.

ثمّ إنّ ظاهر المتن كغيره: أنّ حقّ العفو ثابت لجميع المقذوفين بلا استثناء، إلّا أنّه قال الصدوق في «المقنع»: و إذا قذف الرجل امرأته فليس لها أن تعفو.

و الظاهر: أنّ مستنده صحيحة محمّد بن مسلم المروية في «الفقيه» و «التهذيبين» قال: سألته عن الرجل يقذف امرأته، قال

يجلد

، قلت:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 40، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 18، الحديث 1، و أبواب حدّ القذف، الباب 20، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 485

______________________________

أ رأيت إن عفت عنه؟ قال

لا، و لا كرامة «1»

، و هي و إن كانت مضمرة إلّا أنّه لا يضرّ بعد كون المضمر مثل محمّد بن مسلم، فقوله فيها

لا، و لا كرامة

ظاهر في أنّه ليس لها أن تعفو. و النسبة بينها و بين أخبار العفو العموم المطلق، فيقيّد بها تلك العمومات.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ غاية مفاده النهي عن أن تعفو، و أمّا أنّه إذا عفت فلا يؤثّر في سقوط حقّه فلا. و لعلّه لذلك قال في «شرح الإرشاد»: و أظنّ أنّها ليست بصريحة في عدم السقوط بالعفو، بل و لا ظاهرة. لكنّه خلاف الظاهر.

فإن قلت: إنّ

الصحيحة كانت بين أيدي الأصحاب و لم يعملوا بها، فهم قد أعرضوا عنها فلا حجّة فيها.

قلت: لعلّهم قد تبعوا الشيخ في الحمل علي ما حملها عليه من إرادة صورة الرفع إلي الإمام، إلّا أنّ الإنصاف: أنّهم لو أرادوا هذه الصورة لصرّحوا به، و الحال أنّ عباراتهم في مسألة العفو مطلقة، بل عبارة الشيخ نفسه أيضاً في «نهايته» مطلقة، و إنّما ذكر هذا المعني في كتاب الأخبار الذي لم يعدّ لإيراد خصوص ما يعتقد به و يفتي عليه، و اللّٰه العالم.

ثمّ إنّه لا يترتّب علي القولين ثمرة إذا لم يقم الزوجة بصدد المطالبة؛ فإنّه حقّ الناس و إقامته موكولة بمطالبة ذي الحقّ، و إنّما ثمرتهما تظهر فيما لو بدا لها بعد أو ماتت و قامت الورثة بصدد الاستيفاء، كما لا يخفي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 207، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 20، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 486

و في قذف الزوجة يسقط باللعان (17) أيضاً.

[مسألة 5 إذا تقاذف اثنان سقط الحدّ و عزّرا]

مسألة 5 إذا تقاذف اثنان سقط الحدّ و عزّرا (18)؛ سواء كان قذف كلّ بما يقذف به الآخر كما لو قذف كلّ صاحبه باللواط فاعلًا أو مفعولًا، أو اختلف كأن قذف أحدهما صاحبه بالزنا و قذف الآخر إيّاه باللواط.

______________________________

(17) كما هو ظاهر آية اللعان و أخباره، و تفصيل المطلب في كتاب اللعان. فظاهر قوله تعالي وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ فَشَهٰادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهٰادٰاتٍ بِاللّٰهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّٰادِقِينَ. وَ الْخٰامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَيْهِ إِنْ كٰانَ مِنَ الْكٰاذِبِينَ. وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذٰابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهٰادٰاتٍ بِاللّٰهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكٰاذِبِينَ «1» أنّ رمي الرجل زوجته ليس فيه جلد الثمانين المذكور

في ما قبله من آية القذف، بل هو يشهد خمس شهادات و يثبت الحدّ علي الزوجة، إلّا أن تدرأها بشهاداتها الخمس، و هو واضح فلا يحتاج إلي ذكر الروايات، و المسألة لا خلاف فيها و لا إشكال.

(18) الظاهر: أنّه لا خلاف في المسألة، ففي «نهاية» الشيخ: إذا تقاذف نفسان بما يجب فيه الحدّ سقط عنهما الحدّ و كان عليهما جميعاً التعزير، انتهي. و في «وسيلة» ابن حمزة: و إذا تقاذف شخصان عزّرا، و نحوهما غيرهما.

و يدلّ عليه من الأخبار صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سألت

______________________________

(1) النور (24): 6 8.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 487

______________________________

أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجلين افتري كلّ واحد منهما علي صاحبه، فقال

يدرأ عنهما الحدّ و يعزّران «1»

، و دلالتها علي المطلوب واضحة، فإطلاق أدلّة القذف و إن اقتضي ثبوت حدّه في مورد التقاذف أيضاً إلّا أنّه يقيّد بهذه الصحيحة.

و مثلها صحيحة أبي ولّاد الحنّاط قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجلين قذف كلّ واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه، قال فدرأ عنهما الحدّ و عزّرهما «2».

و التقييد بكون الزنا في بدنه ظاهر في أنّه نسب الزنا إلي نفسه لا إلي امّه أو أبيه مثلًا؛ يعني قال له: «أنت زنيت» أو «يا زاني» و لم يقل له: «يا ابن الزانية» أو «الزاني».

ثمّ إنّ صحيحة ابن سنان لم تقيّد بالزنا بل موضوعها الافتراء الصادق في النسبة إلي اللواط أيضاً، و حينئذٍ فهي مطلقة من جهة أن يكون الافتراءان من جنس واحد أم لا، بخلاف صحيحة الحنّاط فإنّ موضوعها التقاذف بالزنا، فلا تعمّ ما إذا كان أحد القذفين أو كلاهما باللواط، و إن لم

تدلّ علي الخلاف أيضاً. و كيف كان: فإطلاق صحيحة ابن سنان كافٍ لجميع شقوق المتن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 201، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 18، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 202، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 18، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 488

[مسألة 6 حدّ القذف موروث]

مسألة 6 حدّ القذف موروث (19) إن لم يستوفه المقذوف و لم يعف عنه، و يرثه من يرث المال ذكوراً و أُناثاً، إلّا الزوج و الزوجة، لكن لا يورث كما يورث المال من التوزيع، بل لكلّ واحد من الورثة المطالبة به تامّاً و إن عفا الآخر.

______________________________

(19) قد تضمّنت المسألة أُموراً ثلاثة: أصل موروثية حدّ القذف، و بيان من يرثه، و كيفية إرثه:

أمّا أصل موروثيته: فيتصوّر تارة بأن يقذف أحد زمن حياته ثمّ لم يستوفه و لم يعف عنه فمات فهو ينتقل إلي وارثه، و أُخري بأن يقذف ميّت فالقائم بمطالبة حدّ القذف ورثته. فكلام المتن مفروض في الصورة الأُولي، و أكثر كلمات الأصحاب متعرّض للنحو الثاني، و بعضها معلّق علي عنوان الإرث:

قال الشيخ في «النهاية»: إذا قال لغيره: «يا ابن الزانية». كان المطالبة في ذلك إلي امّه. فإن كانت ميّتة و لم يكن لها ولد غير المقذوف كان إليه المطالبة و العفو، فإن كان لها وليان أو أكثر من ذلك عفا بعضهم أو أكثرهم كان لمن بقي منهم المطالبة بإقامة الحدّ عليه علي الكمال.

و قال فيها أيضاً: و إذا قال له: «زنت زوجتك» أو «يا زوج الزانية». فإن كانت ميّتة كان ذلك لأوليائها، و لا يرث الزوج من الحدّ شيئاً.

و نحوه ابن حمزة في «الوسيلة» فإنّه قال: و إن قذف بما المقذوف به

غيره لم يخل إمّا كان الغير حيّاً أو ميّتاً. و إن كان ميّتاً و كان المخاطب وليه وحده. كان إليه المطالبة و العفو. و إن كان معه غيره كان لكلّ واحد

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 489

______________________________

المطالبة و العفو، فإن استوفي أحد سقط حقّ الآخر و إن عفا واحد لم يسقط حقّ الآخر من الاستيفاء، و إن كان المقذوف أحد الزوجين لم يكن للآخر في الطلب و العفو حظّ، انتهي.

فموضوع كلامهما كما تري ما إذا كان المقذوف ميّتاً حين ما يقذف.

و قال في «الخلاف» في كتاب الحدود (مسألة 51): حدّ القذف موروث يرثه كلّ من يرث المال من ذوي الأنساب دون ذوي الأسباب عند الاجتماع و الانفراد، و قال أبو حنيفة: حدّ القذف لا يورث، و قال الشافعي: هو موروث مثل ما قلناه. و من يرثه فيه ثلاثة أوجه: أحدها مثل ما قلناه، و الثاني يرثه العصبات من الرجال فقط، و الثالث و هو المذهب أنّه يرثه كلّ من يرث المال من النساء و الرجال من ذوي الأنساب و الأسباب يعني الزوجة دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، انتهي.

و العبارة كما تري إنّما تعرّضت لموروثية حدّ القذف بلا تعرّض لكون المقذوف حيّاً حين قذفه أو ميّتاً، و إن كان ربّما يمكن أن يقال: إنّ إرث الشي ء ظاهر في أنّه كان بيد الموروث، فتركه للوارث. فلازمه: كون المقذوف حيّاً حين القذف، إلّا أنّه قال هو (قدّس سرّه) في «الخلاف» في المسألة السابقة علي هذه المسألة مسألة: إذا قال لرجل: «يا ابن الزانيين» وجب عليه حدّان لأبويه، فإن كانا حيّين استوفياه و إن كانا ميّتين استوفاه ورثتهما. إلي آخره.

و قال في «الغنية»: و حدّ القذف موروث يرثه

كلّ من يرث المال من ذوي الأنساب دون الأسباب، و إذا طالب أحدهم بالحدّ فأُقيم له سقط حقّ الباقين، و إذا عفا عنه كان لمن لم يعف المطالبة باستيفاء الحدّ، و إذا لم يكن

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 490

______________________________

للمقذوف المتوفّي ولي أخذ بحقّه سلطان الإسلام و لم يجز له العفو، كلّ ذلك بدليل إجماع الطائفة.

و كيف كان: فيدلّ علي موروثية الحدّ و كيفية الإرث موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

إنّ الحدّ لا يورث كما تورث الدية و المال و العقار، و لكن من قام به من الورثة فهو وليه، و من تركه فلم يطلبه فلا حقّ له، و ذلك مثل رجل قذف رجلًا و للمقذوف أخ (أخوان خ. يب. صا) فإن عفا عنه أحدهما كان للآخر أن يطلبه بحقّه؛ لأنّها أُمّهما جميعاً و العفو إليهما (لهما خ. كا) جميعاً «1».

فقه الحديث: أنّ عنوان الحديث إرث الحدّ و أنّ من قام به من الورثة فهو وليه، و المتيقّن منه كما مرّ أن يكون حقّ الحدّ ثابتاً زمن المتوفّي المورث و انتقل منه إلي الورثة، إلّا أنّه لا يبعد شموله لما إذا ثبت بعد وفاته، بل هو مسلّم بقرينة المثال بقذف أُمّ الرجل و قيام الأخوين بحقّ القذف، فالحديث بعمومه المذكور في صدره عامّ لكلتا صورتي حياة المقذوف و موته، كما أنّه بيّن كيفية الإرث، و أنّ كلّ من يقوم بمطالبة الحدّ فله ذلك و إن عفا عنه الآخر، كما أنّ التعبير بأنّ من قام به من الورثة فهو وليه يدلّ علي أنّ كلّ من يعدّ في الشرع وارثاً له فهو يرث الحدّ بالنحو المذكور، فأصل الموروثية و كيفيتها

و ثبوتها لجميع الورّاث يدلّ علي جميعها هذه الموثّقة، فهي رواية جامعة الأطراف.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 208، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 22، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 491

______________________________

و ممّا يدلّ علي المطلوب قوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن مسلم المذكور ذيل المسألة الخامسة من الفصل السابق الواردة في قذف الأب زوجته أم ابنه؛ فإنّه (عليه السّلام) قال في فرض كون الأُمّ ميّتة حين القذف ما لفظه

فإن كان لها ولد من غيره فهو وليها يجلد له، و إن لم يكن لها ولد من غيره و كان لها قرابة يقومون بأخذ الحدّ جلد لهم «1»

، فهي أيضاً دالّة علي أنّ جميع القرابة يرثون الحدّ بلا اختصاص للأولاد، و مفروضها أيضاً موت المقذوف حين القذف.

و يدلّ علي المطلوب إجمالًا موثّقة سماعة بن مهران المذكورة في عداد أدلّة العفو، فراجع.

كما يدلّ عليه أيضاً موثّقة عمّار المروية في (الباب 22) من أبواب حدّ القذف من «الوسائل» تحت (الرقم 1)، فراجع.

إلّا أنّهما أيضاً وردا في مورد موت المقذوف حين القذف و في مورد قيام الولد به، بخلاف الموثّقة المذكورة آنفاً فإنّها عامّة من كلتا الجهتين، كما عرفت.

و في قبال هذه الروايات موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الحدّ لا يورث «2»

، و هي و إن كانت بنفسها ظاهرة في عدم قابليته

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 196، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 14، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 209، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 22، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 492

______________________________

للموروثية إلّا أنّها لا يبعد أن تحمل علي عدم كونه موروثاً كما تورث الأموال و

العقار و لو بقرينة الموثّقة المذكورة و إلّا فلا ريب في عدم العمل بها، فهي معرض عنها. و لا تقاوم الموثّقة المذكورة و لا سائر الروايات المطابقة لعموم أدلّة الإرث؛ فإنّ موضوعها ما ترك، و هو شامل للحقّ و المال، كما حقّق في باب الإرث.

ثمّ إنّ إطلاق الموثّقة المذكورة جواز أن يقوم الزوجان أيضاً بأخذ حدّ القذف فيما كان المقذوف أحدهما و الوارث أحدهما الآخر، إلّا أنّك عرفت دعوي «الخلاف» و «الغنية» الإجماع علي أنّ الزوجين لا يرثان حدّ القذف، و في «شرح الإرشاد» للمقدّس الأردبيلي أيضاً: كأنّ وجه استثنائهما الإجماع.

فمع هذه الإجماعات المدّعاة و عدم العثور علي الخلاف من أحد فلا يبعد القول باستثنائها؛ لما عرفت في أمثاله من أنّه إذا كان مقتضي القواعد الواضحة عموم الحكم لمورد، و مع ذلك لم يقل به الأصحاب و ذهبوا إلي خلاف القواعد، فهو كاشف عن عثورهم علي دليل معتبر أوجب مصيرهم إلي ما صاروا إليه، أو وصول الحكم إليهم شفاهاً خلفاً عن سلف، و اللّٰه العالم.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 493

[فروع]
اشارة

فروع

[الأوّل: من سبّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و العياذ باللّٰه وجب علي سامعه قتله]

الأوّل: من سبّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و العياذ باللّٰه وجب علي سامعه قتله (1) ما لم يخف علي نفسه أو عرضه أو نفس مؤمن أو عرضه،

______________________________

(1) أصل الحكم موضع وفاق؛ قال في «الانتصار» مسألة: و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ من سبّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) مسلماً كان أو ذمّيا يقتل في الحال، و خالف باقي الفقهاء في ذلك. إلي أن قال: دليلنا علي صحّة ما ذهبنا إليه بعد الإجماع المتردّد، انتهي. و في «الغنية»: و يقتل من سبّ النبي و غيره من الأنبياء أو أحد الأئمّة (عليهم السّلام)، و ليس علي من سمعه فسبق إلي قتله من غير استئذان صاحب الأمر سبيل، كلّ ذلك بدليل إجماع الطائفة، انتهي.

و ظاهرهما وجوب قتله، فدعواهما الإجماع أيضاً علي الوجوب، و هو ظاهر «نهاية» الشيخ و «وسيلة» ابن حمزة و غيرهما مجرّداً عن دعوي الإجماع. و المحقّق في «الشرائع» و إن عبّر بجواز قتله، و في «المختصر» بحلّية دمه كما في «هداية» الصدوق إلّا أنّه لا يبعد أن يكون بملاحظة انتفاء التحريم؛ بمعني أنّ قتله جائز و إهراق دمه حلال ليس بحرام، فلا ينافي أن يكون الجواز و الحلّية في ضمن الوجوب.

و كيف كان: فيدلّ علي وجوب قتله أخبار معتبرة:

منها: موثّقة علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (عليهما السّلام) في حديث

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 494

______________________________

أنّ أبا عبد اللّٰه الصادق (عليه السّلام) قال

أخبرني أبي أنّ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: الناس فيّ أُسوة سواء، من سمع أحداً يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني و لا يرفع إلي

السلطان، و الواجب علي السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال منّي «1»

، و دلالتها علي وجوب قتل السابّ من غير اشتراط الرجوع إلي سلطان المسلمين و والي أُمورهم واضحة، و الظاهر أنّ استقلال السامع بقتله من غير مراجعة إلي ولي الأمر هو المراد من كون الناس أُسوة، يعني أنّ كلّ أحد من الناس فيما يرجع إلي شتمه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أُسوة و مقتدي و إمام لا يحتاج إلي إمام يرجع إليه و يستأذن منه.

و منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عمّن شتم رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال

يقتله الأدني فالأدني قبل أن يرفع إلي الإمام «2»

، و دلالتها علي الوجوب بمقتضي أنّ الجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب ظاهرة في الوجوب واضحة، كما أنّها صريحة في عدم الحاجة إلي الرجوع و الاستئذان من الإمام و ولي المسلمين.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) فإنّه بعد نقله لإرسال النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) رجلين لقتل من سبّه، قال محمّد بن مسلم: فقلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أ رأيت لو أنّ رجلًا سبّ الآن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أ يقتل؟ قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 212، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 25، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 337، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 7، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 495

و معه لا يجوز (2)،

______________________________

إن لم تخف علي نفسك فاقتله «1»

، و الظاهر: أنّ معني سؤاله أنّه هل جزاؤه القتل، فيكون الجواب

بالأمر بالقتل إذا لم يخف علي نفسه ظاهراً في وجوبه، كما أنّ إطلاقه ظاهر في عدم الحاجة إلي إذن الإمام.

و قد عبّر في بعض العبارات بأنّ سابّه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) مرتدّ، و بيّن في بعض آخر بأنّ وجوب تعظيمه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) معلوم من الدين ضرورة، و الذي يسبّه منكر لذلك. و أنت تعلم أنّ مجرّد فعل الحرام أو ترك الواجب لا يلازم إنكار الوجوب و الحرمة؛ فلا دليل علي ارتداده، و العمدة هي دلالة الأخبار، كما عرفت.

(2) إنّ الأخبار الواصلة إلينا المتضمّنة لحكم سبّه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم تتعرّض لهذا الاستثناء، إلّا ما في صحيحة محمّد بن مسلم

إن لم تخف علي نفسك فاقتله

، فلم تتعرّض إلّا لما خاف علي نفسه، و ظاهره أن يخاف علي نفسه القتل.

و كيف كان: فالكلام تارة في خوف القتل علي نفسه، و أُخري في خوفه علي عرضه، و ثالثة في خوف القتل علي مؤمن آخر، و رابعة في خوفه علي عرضه، و قد حكم دام ظلّه بعدم جواز قتل السابّ في جميع الصور الأربع:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 213، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 25، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 496

______________________________

أمّا إذا خاف علي نفسه القتل: فمفهوم صحيحة ابن مسلم عدم جواز قتل السابّ حينئذٍ، و أيضاً هو داخل في عموم أدلّة التقية، فمثل قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة ابن مسلم و زرارة

التقية في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه له «1»

يدلّ علي جواز كلّ حرام و ممنوع عند الاضطرار لأجل التقية، و التقية حفظ النفس عمّا

يخاف وروده عليها ممّن يتّقي منه، و قد دلّت الروايات المعتبرة علي وجوبها و أنّه لا إيمان لمن لا تقية له؛ ففي صحيحة معمّر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن القيام للولاة، فقال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

التقية من ديني و دين آبائي، و لا إيمان لمن لا تقية له «2»

، فلا ينبغي الإشكال في حرمة التعرّض لقتل السابّ إذا خاف علي نفسه القتل؛ لعموم أدلّة التقية أيضاً.

كما أنّه لا يبعد أن يقال: إنّه إذا خاف علي عرض نفسه فهو أيضاً داخل في عموم أخبار التقية؛ و ذلك أنّ مثل صحيحة ابن مسلم الماضية قد فسّرت التقية بكلّ شي ء اضطرّ إليه ابن آدم، و الاضطرار كما يكون بالخوف علي نفسه من القتل كذلك قد يكون بالخوف عليها من هتك العرض، و كما لا يجوز للمؤمن قتل نفسه كذلك لا يجوز له هتك عرض نفسه؛ فقد قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في موثّقة سماعة

إنّ اللّٰه عزّ و جلّ فوّض إلي المؤمن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 16: 204، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 497

______________________________

أُموره كلّها، و لم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه. «1»

الحديث، و نحوها غيرها «2». و كما اقتضي عموم قوله (عليه السّلام)

لا إيمان لمن لا تقية له

أن لا يجوز ترك التقية فيما خاف علي نفسه القتل كذلك يقتضي عدم الجواز فيما خاف عليها هتك العرض.

بل الظاهر: أنّه إذا خاف علي من يتعلّق به من أبويه و أولاده و إخوته و أقوامه و نحوهم القتل

أو هتك العرض فهو أيضاً داخل في عموم هذه الأدلّة، فيحرم عليه ترك التقية في هذه الموارد أيضاً.

إن قلت: إنّ ما ذكرت من عموم أدلّة التقية لموارد ليس فيها خوف القتل علي نفسه أو من يتعلّق به ينافي ما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام)

إنّما جعل التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقية «3»

، و نحو قول الصادق (عليه السّلام) في موثّقة أبي حمزة الثمالي في حديث

إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية «4»

، وجه المنافاة: أنّهما دلّتا علي أنّ الغاية من جعل التقية حفظ الدماء؛ فما لم يترتّب عليها حفظ الدم و حقنه لا يكون مصداق التقية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 16: 157، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 12، الحديث 2.

(2) الكافي 5: 63/ باب كراهة التعرّض لما لا يطيق، الوافي 5: 749، الباب 115.

(3) وسائل الشيعة 16: 234، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 31، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 16: 234، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 31، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 498

______________________________

قلت: الظاهر أنّ المراد من المعتبرتين و أمثالهما بيان الغرض الأصيل و المهمّ من جعل التقية، و إنّهما لمّا كان الغرض المهمّ منها أن يحقن دماء المسلمين فإذا أُكره علي إراقة دم المسلم و خاف من تركه علي نفسه أو ماله مثلًا فلا يجوز له ارتكاب هذا الحرام استناداً إلي التقية؛ فإنّه إذا بلغت التقية الدم فلا تقية، و هذا لا ينافي أن يعمّ أدلّة التقية خوف ترتّب محاذير اخري عرضية أو مالية، كما تضمّنه صحيحة محمّد بن

مسلم و زرارة الماضية؛ فإنّ أبا جعفر (عليه السّلام) قال فيها

التقية في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه له

، و هو عامّ لجميع موارد الاضطرار؛ سواء كانت من قبيل الخوف علي النفس أو العرض أو المال، كما لا يخفي.

هذا كلّه فيما إذا تعلّق المحذور الذي يجتنب عنه بنفسه أو بمن يكون أمره مربوطاً إليه.

و أمّا إذا علم أو خاف تعلّق الضرر و المحذور بمن لا يهمّه حفظه من المؤمنين الأباعد فلا يبعد أن يقال: إنّ المفهوم عرفاً من أدلّة التقية أنّ الشارع تبارك و تعالي جعل رعاية مصالح المؤمنين في أنفسهم أو أعراضهم بل أو أموالهم أهمّ من رعاية العمل بالتكاليف المقرّرة؛ و لذلك أوجب علي المكلّف أن يتّقي الضرر المخوف و يعمل علي خلاف ما أوجبه اللّٰه عليه لولا التقية، و من البديهي أنّه لا فرق في الأهمّية عنده تعالي بين ما يتعلّق بالمؤمن المبتلي بالتقية و ما يتعلّق بغيره. و يدلّ عليه: أنّه لو ابتلي هذا الغير بهذا المحذور لوجب عليه أيضاً التقية، و ليس هذا إلّا لما قلناه من أنّ ملاك ارتفاع التكليف و وجوب التقية أهمّية حفظ دم المسلمين و أعراضهم علي انحفاظ امتثال تكاليفه تعالي، و إلي هذا المعني يشير قولهم (عليهم السّلام)

إنّما

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 499

و لو خاف علي ماله المعتدّ به أو مال أخيه كذلك جاز ترك قتله (3)،

______________________________

جعل التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقية

؛ فإنّ حاصل مفاده: أنّه لا فرق عندنا أي شارع الإسلام بين مسلم و مسلم؛ و لذلك فإذا بلغ الدم و لو كان دم غير من يتّقي فلا تقية.

فبالجملة: لا ينبغي الإشكال في دلالة أدلّة

التقية علي أنّ تمام الصور المذكورة داخلة فيها، و قد صرّحت بأنّه لا إيمان لمن لا تقية له فلا يجوز له تركها، فليس له قتل السابّ و مخالفة التقية.

و يمكن الاستدلال لعدم الجواز أيضاً: بأنّه بعد ما جاز أن لا يقتل السابّ و لو بمثل رفع ما اضطرّوا إليه فأدلّة حرمة إذلال نفسه و حرمة الإهانة بالغير تقتضي عدم جواز الترك؛ ففي صحيحة معاوية عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): لقد أسري ربّي بي، فأوحي إليّ من وراء الحجاب ما أوحي و شافهني أن قال: يا محمّد من أذلّ لي ولياً فقد أرصد لي بالمحاربة، و من حاربني حاربته، قلت: يا ربّ و من وليك هذا فقد علمت أنّ من حاربك حاربته؟ فقال: ذاك من أخذت ميثاقه لك و لوصيك و لذرّيتكما بالولاية «1»

، و الأخبار بهذا المضمون مستفيضة، فتأمّل.

(3) و يدلّ عليه بالنسبة إلي مال نفسه أو من يتعلّق به عموم أدلّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 12: 270، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 147، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 500

______________________________

التقية و عموم قوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

رفع ما اضطرّوا إليه «1»

، بل و عموم قوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

و لا ضرر و لا ضرار «2»

بناءً علي ما هو الأظهر من دلالته علي نفي الأحكام الموجبة للضرر. كما أنّه بالبيان المتقدّم في المحذور غير المالي تقدر علي استفادة جواز الترك فيما إذا خاف علي مال الأباعد من المؤمنين، فتذكّر.

إن قلت: إنّ عموم قوله (عليه السّلام)

لا إيمان لمن لا تقية له

يقتضي عدم جواز الارتكاب هنا أيضاً، فلِمَ

عبّر هنا بالجواز و هناك صرّح بعدم جواز القتل؟

قلت: ذلك لأنّه لا ينبغي الشكّ في أنّ ارتفاع التكليف في موارد التقية إنّما هو لتحقّق المزاحمة بين المحذور الذي يخاف منه و بين امتثال التكليف، و قد أعطي الشارع قاعدة كلّية بأنّ كلّ ما يضطرّ إليه فقد أحلّه اللّٰه له للتقية، فبالاستناد إلي التقية حلّ له، إلّا أنّ التكليف الموجود باقٍ علي مصلحته الإلزامية بلا إشكال.

و حينئذٍ: فكما أنّ لكلّ أحد أن يصرف ماله فيما له من الأغراض العقلائية كذلك له أيضاً أن يغمض العين عن ماله و يتحمّل الضرر المالي المتوجّه إليه لهدف الوصول إلي هذه المصلحة الإلزامية، فكما أنّ له أن يستأجر أحداً لأن يقتل سابّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) كذلك له أن يتحمّل الضرر المالي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 25: 428، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 3.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 501

و لا يتوقّف ذلك علي إذن من الإمام (عليه السّلام) أو نائبه (4)، و كذا الحال لو سبّ بعض الأئمّة (عليهم السّلام) (5)،

______________________________

المتوجّه إليه و يقتله بنفسه. و هذا بخلاف خوف دم نفسه أو غيره أو عرضهما؛ فإنّ حفظه عليه واجب لا مجوّز له شرعاً في تركه، و اللّٰه العالم.

(4) قد عرفت دعوي الإجماع عليه من «الغنية»، و في «الرياض» جعله المشهور، و قد مرّ أنّ صحيحة هشام و موثّقة علي بن جعفر تدلّان عليه صريحاً، و لا معارض لهما في ما بأيدينا من الأخبار، و إن ورد ما ظاهره بل صريحه الخلاف في قتل سابّ أمير المؤمنين (عليه السّلام)، كما

سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي، كما سيأتي نقل الخلاف عن الشيخ المفيد و العلّامة في «المختلف».

(5) يعني وجب قتل السابّ لهم و لا حاجة إلي الإذن، إلّا أن يخاف علي نفسه أو غيره بالتفصيل المتقدّم في سابّ النبي. و قد عرفت من «الغنية» دعوي الإجماع علي وجوب قتل السابّ لهم (عليهم السّلام) بلا حاجة إلي الاستئذان. و قال الشيخ في كتاب أهل البغي من «الخلاف» (مسألة 5): من سبّ الإمام العادل وجب قتله، و قال الشافعي: يجب تعزيره، و به قال جميع الفقهاء. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضاً قول النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

من سبّ علياً فقد سبّني، و من سبّني فقد سبّ اللّٰه، و من سبّ اللّٰه و سبّ نبيه فقد كفر و يجب (وجب خ. ل) قتله

انتهي. و في «الرياض» ما حاصله عدم الخلاف، بل ادّعي الإجماع في كلام جماعة علي أصل وجوب القتل و أنّ المشهور عدم الحاجة إلي الإذن.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 502

______________________________

و كيف كان: فيدلّ علي حلّية دم مَن سبّ علياً (عليه السّلام) صحيحة هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في رجل سبّابة لعلي (عليه السّلام)؟ قال: فقال لي

حلال الدم و اللّٰه لولا أن تعمّ به بريئاً

قال: قلت: فما تقول في رجل موذ لنا؟ قال

فيما ذا؟

قلت: فيك، يذكرك، قال: فقال لي

له في علي (عليه السّلام) نصيب؟

، قلت: إنّه ليقول ذاك و يظهره، قال

لا تعرّض له «1».

و في «الوسائل»: أنّ الصدوق في «العلل» رواه بسنده الصحيح عن هشام بن سالم إلي قوله

تعمّ بريئاً

، ثمّ قال: قلت: لأيّ شي ء يعمّ بريئاً؟ قال

يقتل مؤمن بكافر «2».

و ظاهر قوله

حلال الدم

:

أنّه لا بأس بقتله أبداً، و أنّ قتله حلال لكلّ أحد؛ فإنّه مساوق لكون دمه هدراً؛ و لا سيّما و قد أكّده بقوله (عليه السّلام) عقيبه

لولا أن تعمّ به بريئاً

فإنّ المراد منه كما فسّره نقل الصدوق أن يوجب قتله أن يقتل به مؤمن قصاصاً. فحاصل مدلوله: أنّه حلال الدم و لا مانع من قتله إلّا أن يخاف أو يعلم بقتل مؤمن قصاصاً له، فهذا هو المانع الوحيد و إلّا فهو في نفسه حلال الدم. فدلالة الصحيحة علي حلّية دم السابّ واضحة، و حيث إنّه لا شبهة في أنّ حلّية دمه مجازاة له علي عمله و معصيته المعادلة للكفر فهو من قبيل حدود اللّٰه لا يجوز تعطيلها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 215، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 27، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 215، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 27، ذيل الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 503

______________________________

نعم، هي في خصوص سبّ مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام)، بل نهي عن التعرّض لمن كان يذكر سائر الأئمّة، بل أبا عبد اللّٰه الصادق (عليه السّلام) بسوء بمجرّد أنّ له في علي (عليه السّلام) نصيباً بحسب إظهار نفسه، بل موضوعها السبّابة له (عليه السّلام)، و هي صيغة المبالغة و تاؤها لتكثير المبالغة، فلا تدلّ علي حكم من سبّ مرّة واحدة، و إلغاء الخصوصية مشكل، فلعلّ خصوصية المبالغة في سبّه (عليه السّلام) أوجبت جواز أو وجوب قتله.

و يدلّ عليه أيضاً خبر عبد اللّٰه بن سليمان العامري قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أيّ شي ء تقول في رجل سمعته يشتم علياً (عليه السّلام) و يبرأ منه؟ قال: فقال لي

و اللّٰه هو حلال الدم،

و ما ألف منهم برجل منكم دعه «1»

، و موضوعه مجرّد شتمه (عليه السّلام) الذي يصدق بدفعة واحدة أيضاً، و قد جعله حلال الدم، و أمره (عليه السّلام) بترك التعرّض له بقوله: «دعه» إنّما هو لخوف أن يؤخذ بقتله قاتله أو غيره من المؤمنين الذين يفضل كلّ واحد منهم علي ألف منهم، و إلّا فالسابّ حلال الدم واجب القتل، هذا. إلّا أنّ سند الخبر ضعيف.

و ربّما يدلّ عليه أيضاً خبر علي بن حديد المروي عن رجال الكشّي، إلّا أنّه تركناه لضعف سنده و اضطراب متنه، فراجع الباب 27 من أبواب حدّ القذف من الوسائل، الحديث 6.

و ممّا يدلّ علي المقصود ما روي عنه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال

من سبّ علياً

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 215، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 27، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 504

______________________________

فقد سبّني

، كما أخرج روايات متضمّنة لهذه العبارة في «البحار» عن «أمالي» الصدوق و الشيخ و عن «العيون» في كتاب تأريخ أمير المؤمنين (عليه السّلام) في باب كفر من سبّه أو تبرّأ منه (عليه السّلام) في الجزء 39 ص 311. و لكن الكلام في إسنادها أيضاً.

و كيف كان: فإذا ثبت الحكم في أمير المؤمنين (عليه السّلام) فربّما أمكن إثبات الحكم لسائر الأئمّة (عليهم السّلام) بما ورد فيهم (عليهم السّلام) من أنّهم في الفضل و الطاعة سواء و السنّة فيهم واحدة:

فمنها: خبر عبد الأعلي بن أعين قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

أوّلنا دليل علي آخرنا و آخرنا مصدّق لأوّلنا، و السنّة فينا سواء، إنّ اللّٰه إذا حكم حكماً أجراه «1».

فإنّ قوله (عليه السّلام)

السنّة فينا سواء

ظاهر بإطلاقه في أنّ السنّة

إذا جرت في أمير المؤمنين (عليه السّلام) بقتل من سبّه و شتمه و كون دمه هدراً فهكذا تجري في غيره من الأئمّة (عليهم السّلام).

و منها: خبر أبي الصباح مولي آل سام قال: كنّا عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنا و أبو المغراء إذ دخل علينا رجل من أهل السواد فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّٰه و بركاته، قال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

السلام عليك و رحمة اللّٰه و بركاته

، ثمّ اجتذبه و أجلسه إلي جنبه، فقلت لأبي المغراء أو قال لي أبو المغراء: إنّ هذا الاسم ما كنت أري أحداً يسلّم به إلّا علي أمير المؤمنين علي صلوات اللّٰه عليه فقال لي أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

يا أبا الصباح إنّه لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتّي يعلم أنّ ما لآخرنا ما

______________________________

(1) الاختصاص: 267، بحار الأنوار 25: 358/ 10.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 505

______________________________

لأوّلنا «1»

، و كيفية الاستدلال به: أنّه كان لأوّلهم أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّ دم شاتمه هدر، فهو ثابت لكلّ منهم بإطلاق قوله (عليه السّلام)

إنّ ما لآخرنا ما لأوّلنا.

و قد ورد ما هو قريب المضمون من الخبرين أخبار كثيرة، فراجع كتاب الإمامة من «بحار الأنوار» و غيرها، هذا.

إلّا أنّه قد ورد في أخبار معتبرة: أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) أفضل من سائر الأئمّة (عليهم السّلام)، و حينئذٍ فيشكل الاستدلال بإطلاق الخبرين؛ لاحتمال أن يكون قتل السابّ و هدر دمه من آثار هذه الأفضلية:

ففي صحيح الحارث بن المغيرة قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): نحن في الأمر و في الفهم و الحلال و الحرام نجري مجري

واحداً، فأمّا رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و علي (عليه السّلام) فلهما فضلهما «2».

و في صحيح بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) قُلْ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ قال

إيّانا عني، و علي أوّلنا و أفضلنا و خيرنا بعد النبي صلّي اللّٰه عليهم أجمعين «3».

بل إنّه قد ورد هذا الاستثناء في ما هو قريب المضمون لذيل خبر أبي الصباح؛ ففي صحيحة البزنطي المروية في «الاختصاص» عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

لا يستكمل عبد الإيمان حتّي يعرف أنّه يجري لآخرهم ما جري لأوّلهم، و هم في الحجّة و الطاعة

______________________________

(1) الاختصاص: 267، بحار الأنوار 25: 359/ 14.

(2) الكافي 1: 275/ 3.

(3) الكافي 1: 229/ 6.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 506

______________________________

و الحلال و الحرام سواء، و لمحمّد و أمير المؤمنين صلّي عليهما و آلهما فضلهما «1».

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ فضلهما راجع إلي الأُمور النفسية و المعنوية، و هو لا ينافي أن يجري لهم في الأحكام ما جري لهما و أن يكون السنّة فيهم سواء و يكون ما لأوّلهم لآخرهم، صلوات اللّٰه عليهم أجمعين. و إن شئت قلت: إطلاق هذه التعبيرات يقتضي أن يكونوا سواء في الأحكام و السنّة التي شرعت لهم، و كون علي (عليه السّلام) أفضل منهم لم يعلم أنّه يوجب اختصاصه بحكم و سنّة لا يجري فيهم؛ فتقييد الإطلاقات مشكوك يجب الأخذ بها، و مقتضاه هدر دم شاتمهم (عليهم السّلام). و مع ذلك كلّه: فمقتضي صحيح هشام بن سالم كما عرفت أنّه لا يتعرّض لمن كان له في علي (عليه السّلام) نصيب، و إن ذكر

غيره من الأئمّة (عليهم السّلام) بسوء، و اللّٰه العالم. إلّا أنّ المسألة إجماعية علي ما عرفت من «الغنية» و «الخلاف».

هذا كلّه بالنسبة إلي أصل وجوب قتل السابّ لأحد الأئمّة (عليهم السّلام).

و أمّا أنّه لا يحتاج قتله إلي الإذن من ولي الأمر، فقد عرفت أنّه المستفاد من صحيحة هشام و مقتضي إطلاق خبر عبد اللّٰه بن سليمان، و أنّ ابن زهرة في «غنيته» ادّعي عليه الإجماع، هذا.

إلّا أنّ هنا خبرين ربّما يستدلّ بهما علي اشتراط الاستئذان:

أحدهما: خبر أبي الصباح قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ لنا جاراً فنذكر علياً (عليه السّلام) و فضله فيقع فيه أ فتأذن لي فيه؟ فقال

أو كنت فاعلًا؟

______________________________

(1) الاختصاص: 22.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 507

______________________________

فقلت: إي و اللّٰه لو أذنت لي فيه لأرصدنّه، فإذا صار فيها اقتحمت عليه بسيفي فخبطته حتّي أقتله، فقال

يا أبا الصباح هذا الفتك و قد نهي رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الفتك، يا أبا الصباح إنّ الإسلام قيد الفتك، و لكن دعه فستكفي بغيرك.

الحديث «1».

و تقريب دلالته: أنّ المركوز في ذهن أبي الصباح أنّ قتل هذا السابّ الواقع في أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا يجوز إلّا بعد أن يأذن ولي أمر المسلمين، و لم يردعه الإمام عن ارتكازه هذا.

و فيه: أنّه (عليه السّلام) لم يقرّر أيضاً ارتكازه، فلعلّ حكم اللّٰه تعالي جواز قتله و كون دمه هدراً، فهو (عليه السّلام) سأله عن إمكان قتله له، فلمّا لم يكن له إلّا فتكه منعه عنه بأنّ الإسلام قيد الفتك أي أخذه من جميع جوانبه و قتله غفلة و هو لا ينافي أنّه لو أمكنه قتله بلا فتك لجاز له بلا استئذان،

هذا. مضافاً إلي ضعف سنده بالإرسال.

ثانيهما: خبر عمّار السجستاني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّ عبد اللّٰه بن النجاشي قال له و عمّار حاضر-: إنّي قتلت ثلاثة عشر رجلًا من الخوارج كلّهم سمعته يبرأ من علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، فسألت عبد اللّٰه بن الحسن فلم يكن عنده جواب و عظم عليه و قال: أنت مأخوذ في الدنيا و الآخرة، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و كيف قتلتهم يا أبا بحير؟

فقال: منهم من كنت أصعد سطحه بسلّم حتّي أقتله، و منهم من دعوته بالليل علي بابه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 229، كتاب الديات، أبواب ديات النفس، الباب 22، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 508

و في إلحاق الصديقة الطاهرة سلام اللّٰه عليها بهم وجه (6)، بل لو رجع إلي سبّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقتل بلا إشكال.

______________________________

فإذا خرج قتلته، منهم من كنت أصحبه في الطريق فإذا خلا لي قتلته، و قد استتر ذلك عليّ، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لو كنت قتلتهم بأمر الإمام (عليه السّلام) لم يكن عليك شي ء في قتلهم، و لكنّك سبقت الإمام فعليك ثلاثة عشر شاة تذبحها بمني و تتصدّق بلحمها لسبقك الإمام، و ليس عليك غير ذلك «1».

و دلالته علي لزوم إذن الإمام (عليه السّلام) صريحة. إلّا أنّ موضوعه مجرّد كون المحكوم بالقتل خارجياً يتبرّأ من أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و التبرّي منه (عليه السّلام) عبارة أُخري عن التبرّي من إمامته (عليه السّلام) و إنكارها و عدم قبولها، و هو غير ملازم لسبّه و شتمه صلوات اللّٰه عليه فلا يكون فيه حجّة علي خلاف ظهور مثل صحيحة هشام بن سالم إذا أمكن العمل

بكلا الخبرين. فحاصل مفادهما: أنّ التبرّي منه (عليه السّلام) بما أنّه تبرّ لا يوجب هدر الدم، و أمّا سبّه و شتمه فهو يوجبه و لا إشكال و لا منافاة.

(6) هو استفادة أنّها (سلام اللّٰه عليها) أيضاً من المعصومين، بل هي أُمّهم و أُمّ أبيها؛ فقد ورد في فضائلها ما يشرف الناظر فيها إلي القطع بأنّها في الفضيلة لا تقصر عن الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام).

و قد روي الشيخ الكليني في «الكافي» عن يونس بن ظبيان عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 230، كتاب الديات، أبواب ديات النفس، الباب 22، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 509

[الثاني: من ادّعي النبوّة يجب قتله]

الثاني: من ادّعي النبوّة يجب قتله (7)،

______________________________

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لولا أنّ اللّٰه تبارك و تعالي خلق أمير المؤمنين (عليه السّلام) لفاطمة (سلام اللّٰه عليها) ما كان لها كفو علي ظهر الأرض من آدم و من دونه «1»

، و عن الصدوق رواية مثله في كتاب «الأمالي» و «الخصال» و «العيون» «2»، و مفاده أنّ لها منزلة و عظمة معنوية لا يبلغها منزله إلّا منزلة زوجها أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فلا يستبعد أن يكون سبّها و شتمها موجباً لهدر دم السابّ، كما كان كذلك فيه. هذا إذا لم يرجع سبّها إلي سبّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و إلّا لما كان ريب في قتله، كما عرفت من أدلّة سابّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم).

(7) كما في «نهاية» الشيخ و «وسيلة» ابن حمزة و «الشرائع» و «المختصر النافع» و «الإرشاد» و «شرحه» و غيرها، و في «الرياض»: أنّه لا خلاف ظاهر و لا محكي فيه، و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده.

و يدلّ عليه موثّقة ابن

أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ بزيعاً يزعم أنّه نبي، فقال

إن سمعته يقول ذلك فاقتله.

الحديث «3»، و موثّقة أبي بصير يحيي بن أبي القاسم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

قال النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): أيّها الناس إنّه لا نبي بعدي و لا سنّة بعد سنّتي، فمن

______________________________

(1) الكافي 1: 461/ 10.

(2) بحار الأنوار 43: 10/ 1.

(3) وسائل الشيعة 28: 337، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 7، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 510

دمه مباح لمن سمعها منه (8)، إلّا مع الخوف كما تقدّم (9)، و من كان علي ظاهر الإسلام و قال: «لا أدري أنّ محمّد بن عبد اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) صادق أو لا» يقتل (10).

______________________________

ادّعي ذلك فدعواه و بدعته في النار، فاقتلوه.

الحديث «2»، و دلالتها واضحة، و معلوم أنّ سماع ذلك منه المذكور في الموثّقة الاولي طريق لثبوته، و إلّا فلا موضوعية له، كما يشهد له الموثّقة الثانية و الآتية.

(8) بلا حاجة إلي استئذان ولي أمر المسلمين، كما يدلّ عليه موثّقة ابن فضّال عن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال

و شريعة محمّد (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لا تنسخ إلي يوم القيامة و لا نبي بعده إلي يوم القيامة، فمن ادّعي بعده نبياً أو أتي بعده بكتاب فدمه مباح لكلّ من سمع منه «1»

؛ فإنّ الإتيان بالكتاب عبارة أُخري عن دعوي النبوّة، فدلّت علي إباحة قتله لكلّ من سمعها بلا حاجة إلي الإذن. و التعبير بالإباحة إنّما هو لمكان أنّه حرام لولا دعواه، فهو من قبيل نفي الحظر في مقام توهّمه، فلا ينافي

كون قتله واجباً كما هو ظاهر موثّقة أبي بصير و ابن أبي يعفور.

(9) لما تقدّم من عموم أدلّة الاضطرار و وجوب التقية.

(10) كما في المصادر المذكورة لقتل المتنبّي كما ذكر، و يدلّ عليه خبر الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): لو أنّ رجلًا أتي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

______________________________

(2) وسائل الشيعة 28: 337، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 7، الحديث 3.

(1) وسائل الشيعة 28: 338، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 7، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 511

______________________________

فقال: و اللّٰه ما أدري أ نبيّ أنت أم لا كان يقبل منه؟ قال

لا، و لكن كان يقتله، إنّه لو قبل ذلك ما أسلم منافق أبداً «1»

، فقوله (عليه السّلام)

و لكن كان يقتله

إخبار بما يفعله النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) في مفروض السؤال، و مراده أنّه علي سبيل التعيّن و الحتم، كما يدلّ عليه تأكيده و تعليله بقوله

إنّه لو قبل ذلك ما أسلم منافق أبداً.

و كيف كان: فعبارة السؤال و إن كانت مطلقة تشمل من كان علي ظاهر الإسلام و غيره، إلّا أنّ التعليل المذكور مناسب للاختصاص بمظهري الإسلام، مضافاً إلي بداهة أنّ من كان علي ظاهر الكفر فهو يظهر و يصرّح بنفي نبوّته، و مع ذلك ليس حدّه القتل إذا كان ذمّيا أو مستأمناً، فكيف يكون حكم الشكّ أشدّ منه؟! ثمّ إنّ عبد الرحمن الأبزاري الواقع في سند الحديث و إن لم نعثر علي ذكر له في غير هذا الحديث فهو مجهول الحال إلّا أنّ عمل الأصحاب بالحديث بلا خلاف ظاهر بينهم يجبر ضعف سنده.

ثمّ إنّه قد يستدلّ لوجوب

القتل في المسألتين بأنّه ارتداد عن الإسلام أو الدين و المرتدّ حدّه القتل، و أنت تعلم بعدم تماميته في المرتدّ عن ملّة و في المرأة مطلقاً، بل الدليل فيهما الأخبار المعتبرة، و اللّٰه العالم.

ثمّ إنّ موضوع حدّ القتل في الفرع الأخير هو إظهار الشكّ في نبوّته،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 333، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 5، الحديث 4.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 512

[الثالث: من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلماً]

الثالث: من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلماً، و يؤدّب إن كان كافراً (11)،

______________________________

و إلّا فمن أظهر الإسلام فهو محكوم بأحكام المسلمين، و إن كان منافقاً منكراً في قلبه لنبوّته، فضلًا أن يكون شاكّاً؛ و لذلك فقد عاش المنافقون تحت ظلّ راية الإسلام و جري عليهم أحكام المسلمين. فما في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من شكّ في اللّٰه أو في رسوله فهو كافر «1»

، فإمّا يراد به الكفر الواقعي فيما بينه و بين اللّٰه تعالي و إن جري عليه حكم الإسلام في الظاهر، و إمّا أن يحمل علي إبراز شكّه حتّي يكون من مصاديق فرعنا هذا، و اللّٰه العالم.

(11) صرّح بهذا التفصيل الشيخ في «النهاية» و ابن حمزة في «الوسيلة» و المحقّق في «الشرائع» و «النافع» و غيرهم في غيرها، و في «الجواهر»: أنّه بلا خلاف أجده، و في «الرياض»: أنّه بلا خلاف فتوي و نصّاً. و يدلّ علي أنّ المسلم الساحر يقتل موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفّار لا يقتل، فقيل: يا رسول اللّٰه و لِمَ لا يقتل ساحر الكفّار؟ قال:

لأنّ الكفر (الشرك) أعظم من السحر، و لأنّ السحر و الشرك مقرونان «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 355، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 10، الحديث 52.

(2) وسائل الشيعة 28: 365، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقيّة الحدود و التعزيرات، الباب 1، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 513

و يثبت ذلك بالإقرار (12)،

______________________________

و حيث إنّ الساحر ظاهر في من تلبّس بمبدإ السحر بالفعل فتدلّ علي وجوب قتل من عمل بالسحر إذا كان مسلماً.

و يدلّ عليه أيضاً إطلاق معتبر زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام)

إنّه سئل رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الساحر، فقال: إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حلّ دمه «1»

، و دلالته علي أنّ حدّ العمل بالسحر القتل واضحة، إلّا أنّه مطلق يشمل الكافر أيضاً، فيقيّد بموثّقة السكوني. و الظاهر: أنّ المعتبرة مطلقة تشمل من عمل بالسحر و إن لم يكن شغلًا له، فلا يضرّ دعوي انصراف عنوان ساحر المسلمين في موثّقة السكوني إلي خصوص من كان شغله ذلك. و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالي بيان دلالة موثّقة إسحاق أيضاً.

و أمّا تأديب الكافر إذا سحر فبمقتضي عموم أدلّة التعزير؛ فإنّها تشمل الكفّار و المسلمين جميعاً، و الأخبار الخاصّة إنّما دلّت علي انتفاء القتل عنه، و لا دليل علي انتفاء التعزير الذي يقتضيه عموم أدلّته عنه.

(12) لما مرّ غير مرّة من أنّه حجّة عقلائية علي المقرّ يؤخذ بها، و لم يردع عنها الشرع بل أيّدها، غاية الأمر: أنّه أوجب في كثير من الموارد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 367، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقيّة الحدود و التعزيرات، الباب 3، الحديث 1.

مباني تحرير

الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 514

و الأحوط الإقرار مرّتين، و بالبيّنة (13). و لو تعلّم السحر لإبطال مدّعي النبوّة فلا بأس به (14)، بل ربّما يجب.

______________________________

تعدّده مرّتين أو أكثر، و حيث لا شاهد علي اعتبار التعدّد هنا يحكم فيه بحجّية المرّة الواحدة منه أيضاً اعتماداً علي بناء العقلاء.

(13) فإنّها حجّة عقلائية أمضاها الشارع أيضاً، بل العقلاء يكتفون بشهادة ثقة واحد، إلّا أنّه قد مرّ أنّ الشارع أوجب في إثبات الحقوق الخلقية و الإلهية شاهدين. مضافاً إلي أنّ ظاهر معتبرة زيد بن علي الماضية آنفاً اعتبار شهادة عدلين في ثبوت موجب القتل هنا؛ إذ لا ريب في أنّ المفهوم منها أنّه لا يحلّ دمه إذا شهد عليه أقلّ من رجلين عدلين.

(14) و ذلك أنّ موثّقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه

أنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: من تعلّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربّه، و حدّه القتل إلّا أن يتوب.

الحديث «1»، و إن دلّت علي حرمة تعلّم السحر فإنّه يوجب انقطاع العبد عن ربّه الذي هو عبارة أُخري عن الخروج من ولاية اللّٰه تعالي، فيدخل لا محالة في ولاية الشيطان إلّا أنّه لا ينبغي الشكّ في انصراف التعلّم المذكور فيها إلي التعلّم المتعارف منه، الذي يستعمل في إيذاء الناس، و هو منصرف عمّا كان الغرض من تعلّمه غرضاً صحيحاً عقلائياً، كإبطال دعوي الكاذب المدّعي للنبوّة، و حينئذٍ فإذا انحصر إبطال

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 367، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقيّة الحدود و التعزيرات، الباب 3، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 515

[الرابع: كلّ ما فيه التعزير من حقوق اللّٰه سبحانه و تعالي يثبت بالإقرار]

الرابع: كلّ ما فيه التعزير من حقوق اللّٰه سبحانه و تعالي يثبت بالإقرار (15)،

______________________________

دعواه علي السحر المقابل لسحره فحيث إنّ

دفع إفساده واجب فيجب تعلّم السحر بوجوب مقدّمي، كما لا يخفي.

ثمّ إنّه قد يقال: إنّ الموثّقة تدلّ علي أنّ حدّ تعلّم السحر الحرام أيضاً القتل فيجب الأخذ بها، غاية الأمر: أن يقيّد إطلاقها أيضاً بموثّقة السكوني؛ فإنّ عدم قتل الكافر الساحر يلزمه عدم قتل المتعلِّم له إذا كان كافراً؛ فإنّ العمل بالسحر يتقدّمه تعلّمه؛ فعدم قتل الساحر عدم قتل المتعلّم أيضاً. لكنّه لا يبعد دعوي انصرافها إلي من عمل به بعد أن تعلّم؛ و لا سيّما بقرينة قوله

إلّا أن يتوب

فإنّ التوبة أنسب بأن تكون من عمل السحر حتّي لا يعمله بعد، لا من التعلّم الذي قد مضي و تمّ و بقي أثره أعني العلم بأن يسحر و اللّٰه العالم.

(15) قال في «الشرائع»: الخامسة: كلّ ما فيه التعزير من حقوق اللّٰه سبحانه يثبت بشاهدين أو الإقرار مرّتين علي قول، انتهي. و في «المسالك»: إنّ توقّفه علي الإقرار مرّتين هو المشهور، و إن كان نسبة المصنّف له إلي قول يؤذن بردّه.

و كيف كان: فقد عرفت أنّ مقتضي القاعدة العقلائية حجّية الإقرار علي النفس و لو مرّة واحدة، و حيث إنّ المسألة غير معنونة في كلام أكثر الفقهاء فتحصيل الشهرة غير ممكن؛ فلذا كان الأقوي الاكتفاء بمرّة واحدة، و إن كان الأحوط مرّتين. و مرجعه إلي أنّ الاحتياط يقتضي أن لا يعزر

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 516

و الأحوط الأولي أن يكون مرّتين و بشاهدين عدلين (16).

[الخامس: كلّ من ترك واجباً أو ارتكب حراماً فللإمام (عليه السّلام) و نائبه تعزيره]

الخامس: كلّ من ترك واجباً أو ارتكب حراماً فللإمام (عليه السّلام) و نائبه تعزيره (17)، بشرط أن يكون من الكبائر (18)،

______________________________

العاصي إلّا بعد الإقرار منه بالمعصية مرّتين، لكنّه إذا أقرّ مرّة واحدة و لم يزد عليها حتّي بعد السؤال عنه

ثانياً و ثالثاً فلا ريب أنّ الواجب علي الحاكم تعزيره، و ليس له أن يترك تعزيره عملًا بالاحتياط.

(16) لما مرّ من دلالة الأخبار الخاصّة علي أنّه لا يثبت الحقوق إلّا بشاهدين؛ ففي رواية «العلل» التي رواها الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في بيان علّة الأذان

أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان، فجعل الأذان شهادتين شهادتين كما جعل في سائر الحقوق شاهدان «1»

، فقوله

في سائر الحقوق

بمعني جميع الحقوق، فيستفاد منه مفروضية اعتبار شاهدين في ثبوت كلّ حقّ، و قد مرّ ذيل البحث عن اعتبار الشاهدين في ثبوت القيادة ما ينفع في المقام فراجع، و اللّٰه العالم.

(17) قد مرّ الاستدلال علي هذه الكلّية ذيل المسألة السادسة عشر من مسائل القول في الموجب لحدّ الزنا، فراجع.

(18) قال دام ظلّه في المسألة الرابعة من أحكام حدّ المسكر: و لو ارتكب شيئاً من المحرّمات غير ما قرّر الشارع فيه حدّا عالماً بتحريمها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 237، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوي، الباب 5، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 517

______________________________

لا مستحلا عزّر؛ سواء كانت المحرّمات من الكبائر أو الصغائر، انتهي.

و هو كما تري منافٍ لتصريحه بالاشتراط هنا. و الغالب في ما ظفرنا عليه من عبارات الأصحاب مطلقة، بل معقد إجماع «الغنية» أيضاً مطلق، قال: و اعلم أنّ التعزير يجب بفعل القبيح و الإخلال بالواجب الذي لم يرد الشارع بتوظيف حدّ عليه أو ورد بذلك فيه و لم يتكامل شروط إقامته، فيعزّر علي مقدّمات الزنا و اللواط. إلي أن قال: كلّ ذلك بدليل إجماع الطائفة، انتهي.

و صاحب «الجواهر» (قدّس سرّه) و إن زاد علي عبارة «الشرائع» في بيان موضوع التعزير و أنّه كلّ من فعل محرّماً

أو ترك واجباً قوله: «و كان من الكبائر»، إلّا أنّه لم يستقم علي هذا القول فقال في آخر هذه المسألة: نعم قد يقال باختصاص التعزير بالكبائر دون الصغائر ممّن كان يجتنب الكبائر فإنّها حينئذٍ مكفّرة لا شي ء عليها، أمّا إذا لم يكن مجتنباً لها فلا يبعد التعزير لها أيضاً، انتهي.

فالأقوال أو الاحتمالات هنا ثلاثة: تعلّق التعزير بكلّ معصية صغيرة أو كبيرة، و تعلّقه بخصوص الكبائر دون الصغائر مطلقاً، و تعلّقه بالكبائر مطلقاً و بالصغائر ممّن لا يجتنب الكبائر، و لعلّ الأظهر هو الأخير.

و الوجه فيه: أنّ عمومات أدلّة التعزير و إن اقتضت تعلّقه بكلّ معصية إلّا أنّ ظاهر قوله تعالي إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «1» أنّه إذا اجتنب الإنسان جميع الكبائر

______________________________

(1) النساء (4): 31.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 518

______________________________

فسيّئاته كلّها مكفّرة، و التكفير مبالغة في الكفر؛ أعني الستر، فاجتناب الكبائر يوجب ستر سائر السيّئات و المعاصي كاملًا، و سترها لا يكون إلّا بأن لا يؤاخذ عليها و يغمض عنها بالمرّة، و إلّا فلو عزّره عليها فقد أظهرها و هتك حرمة مرتكبها.

و قد ورد مضمون الآية المباركة في روايات معتبرة؛ ففي صحيحة ابن محبوب قال: كتب معي بعض أصحابنا إلي أبي الحسن (عليه السّلام): يسأله عن الكبائر كم هي و ما هي؟ فكتب

الكبائر من اجتنب ما وعد اللّٰه عليه النار، كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمناً.

الحديث «1».

و في معتبر الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

من اجتنب ما أوعد اللّٰه عليه النار إذا كان مؤمناً كفّر عنه سيّئاته و أدخله مدخلًا كريماً «2».

و أوضح منهما دلالة قول أبي الحسن موسي بن جعفر (عليهما

السّلام) في صحيحة ابن أبي عمير

من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال اللّٰه تعالي إِنْ تَجْتَنِبُوا. الآية «3»

فإنّ عدم سؤاله عن الصغائر لا يجتمع قطعاً مع تعزيره عليها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 15: 318، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 15: 329، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46، الحديث 32.

(3) وسائل الشيعة 15: 335، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 47، الحديث 11.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 519

و التعزير دون الحدّ، و حدّه بنظر الحاكم، و الأحوط له فيما لم يدلّ دليل علي التقدير عدم التجاوز عن أقلّ الحدود (19).

[السادس: قيل: إنّه يكره أن يزاد في تأديب الصبي علي عشرة أسواط]

السادس: قيل: إنّه يكره أن يزاد في تأديب الصبي علي عشرة أسواط (20).

______________________________

نعم، موضوع الآية و الروايات هو من لم يأت بكبيرة أصلًا، فإذا أتي و لو بكبيرة واحدة خرج عن الدليل المخصّص و دخل في عموم أدلّة التعزير.

(19) قد مرّ الكلام علي هذه الفروع ذيل (المسألة 16) من مسائل موجب حدّ الزنا، فتذكّر.

(20) قال في «الشرائع»: يكره أن يزاد في تأديب الصبي علي عشرة أسواط، انتهي. و نحوه من عدّة من كتب العلّامة، بل قال الشيخ في «النهاية»: و الصبي و المملوك إذا أخطآ أُدّبا بخمسة ضربات إلي ستّ و لا يزاد علي ذلك، انتهي.

و في «الرياض» بعد نقل خبر حمّاد الدالّ علي مضمون ما في «النهاية»: قيل: و بمضمونه أفتي الشيخ في «النهاية» و يحيي بن سعيد، انتهي. و كيف كان: فظاهر عبارة «النهاية» كما تري وجوب الاقتصار علي الستّ و عدم جواز التجاوز عنه.

و حقّ المقال في المقام أن يقال: إنّ تأديب الصبي قد

يكون علي ارتكابه لما فيه حدّ علي المكلّفين، و قد يكون علي ارتكابه لما فيه تعزير، و قد يكون بغرض أن يتأدّب فيقع في طريق أصلح، كأن يضرب لأن يتعلّم الكتابة و الفنون:

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 520

______________________________

أمّا تأديبه علي ارتكاب ما فيه حدّ: فلا ينبغي الريب في أنّه لا حدّ فيه، إلّا أنّه يؤخذ في الحدود كلّها علي مبلغ سنّة؛ ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان إذا اتي بغلام و جارية لم يدركا لا يبطل حدّا من حدود اللّٰه عزّ و جلّ

، قيل له: و كيف كان يضرب؟ قال

كان يأخذ السوط بيده من وسطه أو من ثلثه ثمّ يضرب به علي قدر أسنانهم، و لا يبطل حدّا من حدود اللّٰه عزّ و جلّ «1»

، فهي كما تري قد فوّضت أمر المقدار إلي الوالي حسب ما يناسب سنّ الصبي و الصبية.

و يحتمل أن يراد منها: أنّه (عليه السّلام) كان يضرب مقدار الحدّ من حيث العدد، إلّا أنّه يأخذ السوط من وسطه أو ثلثه أو ببعضه الآخر حسب ما يناسب أسنانهم.

و كيف كان: فلم يحدّ بالعشرة أو ما دونه أو ما فوقه، بل هو موكول إلي ما يراه الوالي مناسباً لحالهم علي قدر أسنانهم.

و في معتبر يزيد الكناسي عن الباقر (عليه السّلام) قال

الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوّجت و أُقيمت عليها الحدود التامّة لها و عليها

، قال: قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ تقام عليه الحدود علي تلك الحال؟ قال

أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلّها

علي مبلغ سنّه، و لا تبطل حدود اللّٰه في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 11، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 1، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 521

______________________________

خلقه، و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم «1»

، فمفهوم كلامه (عليه السّلام) في الجارية: أنّها قبل أن تبلغ تسع سنين لا يقام عليها الحدود التامّة، و صريح ذيله أنّ الغلام و الصبي الذي لم يدرك يجلد في الحدود علي مبلغ سنّه، و ظاهره أنّ الصبي و الصبية لا يجري عليهما الحدود الكاملة، لكنّهما يجلدان في جميع الحدود علي حسب ما يناسب أسنانهما.

و قد ورد في باب الزنا أيضاً: أنّه لو زنا الصبي أو الصبية فهما يضربان دون الحدّ الذي لا ريب في أنّ المراد به حدّ الزنا الذي هي مائة ضربة ففي موثّقة ابن بكير عن أبي مريم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ الحُلم وقع علي امرأة و فجر بامرأة، أيّ شي ء يصنع بهما؟

قال

يضرب الغلام دون الحدّ، و يقام علي المرأة الحدّ

، قلت: جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها؟ قال

تضرب الجارية دون الحدّ، و يقام علي الرجل الحدّ «2»

، و دلالتها واضحة في موردها لا تحتاج إلي البيان و مؤيّدة لظاهر معتبرة الكناسي.

و مثل هذه الموثّقة في خصوص الصبي صحيحة أبي بصير «3»، فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 20، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 28: 82، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 9، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 28: 81، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 9، الحديث 1.

مباني

تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 522

______________________________

و قد ورد نظيرها في صبي ملوط؛ ففي خبر أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بامرأة و زوجها قد لاط زوجها بابنها من غيره و ثقبه و شهد عليه بذلك الشهود، فأمر (عليه السّلام) به فضرب بالسيف حتّي قتل، و ضرب الغلام دون الحدّ و قال: أما لو كنت مدركاً لقتلتك.

الحديث «1».

و هو ظاهر في أنّه يضرب دون المائة جلدة، فتعيين مقداره موكول إلي الوالي المجري للحدود الإلهية.

و بالجملة: ففي ما إذا ارتكب غير المدرك معصية فيها حدّ، فظاهر هذه الأدلّة المتعاضدة بعضها ببعض أنّ الملاك في ضربه أن لا يبلغ الحدّ المقرّر للبالغين، فيكون تعيين مقداره بنظر الوالي، و لعلّ مورد كلام الماتن غير هذه الصورة.

و أمّا إذا ارتكب معصية يعزّر عليها البالغون فلا دليل خاصّ يبيّن الأمر فيه، إلّا أنّه لا يبعد أن يستفاد من مثل معتبرة الكناسي و صحيحة الحلبي و لو بإلغاء الخصوصية أنّ غير المدرك أيضاً يعزّر و يؤدّب علي المعاصي، إلّا أنّه لا يبلغ تعزيره حدّ تعزير البالغين، مضافاً إلي أنّ المستفاد من أخبار أدب الصبي الآتية أيضاً أنّه يؤدّب إجمالًا.

و أمّا إذا أُريد تأديبه لأن يفعل ما هو الأصلح له ديناً أو آخرة ففي موثّقة السكوني الواردة في «صبيان الكتاب» أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال لهم:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 156، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 2، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 523

______________________________

أبلغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتصّ منه «1»

، فتدلّ علي جواز ضرب الصبي للأدب حتّي لغير أبيه، إلّا أنّه (عليه السّلام) قيّده

بثلاث ضربات.

و في خبر حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في أدب الصبي و المملوك، فقال

خمسة أو ستّة و أرفق «2»

، فأدب الصبي المذكور فيه لا ريب في شموله لتأديبه حتّي يفعل الأصلح. و لا يبعد أن يشمل بإطلاقه تأديبه لأن يرتدع عن المعاصي، فيكون ظاهره عدم جواز التجاوز عن الستّة، كما هو ظاهر «نهاية» الشيخ علي ما عرفت، إلّا أنّ سنده ضعيف.

و في موثّقة إسحاق بن عمّار قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ربّما ضربتُ الغلام في بعض ما يجرم، قال

و كم تضربه؟

قلت: ربّما ضربته مائة، فقال

مائة مائة!؟

، فأعاد ذلك مرّتين، ثمّ قال

حدّ الزنا؟! اتّق اللّٰه

، فقلت: جعلت فداك فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال

واحداً

، فقلت: و اللّٰه لو علم أنّي لا أضربه إلّا واحداً ما ترك لي شيئاً إلّا أفسده، قال

فاثنين

، فقلت: هذا هو هلاكي، قال: فلم أزل أُماكسه حتّي بلغ خمسة، ثمّ غضب فقال

يا إسحاق إن كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ فيه و لا تعدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 372، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الباب 8، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 372، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الباب 8، الحديث 1.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 524

______________________________

حدود اللّٰه «1».

و هي كما تري إنّما جوّزت خمسة و هي وردت علي عنوان الغلام، و هو محتمل لإرادة الصبي فتكون من أخبار الباب و لإرادة العبد، فيستأنس بها للمقام و إن كان الظاهر إرادة العبد بقرينة تجويزه لإقامة الحدّ عليه في قوله

إن كنت تدري حدّ ما أجرم.

إلي آخره.

و كيف كان: فظاهر الموثّقة الاولي أعني موثّقة السكوني عدم جواز أن يضرب

المعلّم فوق ثلاث ضربات، و سندها معتبر، و لا مانع من الأخذ بها إلّا عدم عمل أحد بها، فكأنّ الأصحاب أعرضوا عنها. و حيث إنّ أدب الصبي بالضرب جائز فلا محالة يكون أمر مقدار الضرب و عدده بيد المؤدِّب.

و أمّا ما في «الشرائع» من أنّ الزيادة علي العشرة مكروهة فلم نجد له مدركاً سوي ما أرسله الصدوق قال: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم):

لا يحلّ لوالٍ يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في حدّ «2»

، و هو مع إرساله لم يعمل أحد بظاهره من الوجوب، و معارض مع ما دلّ علي أنّ التعزير أقلّ من الحدّ و حدّه بنظر الوالي و العمل عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 51، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها، الباب 30، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 28: 375، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الباب 10، الحديث 2.

مباني تحرير الوسيلة - كتاب الحدود، ص: 525

و الظاهر: أنّ تأديبه بحسب نظر المؤدِّب و الولي؛ فربّما تقتضي المصلحة أقلّ و ربّما تقتضي الأكثر، و لا يجوز التجاوز، بل و لا التجاوز عن تعزير البالغ، بل الأحوط دون تعزيره (21)، و أحوط منه الاكتفاء بستّة أو خمسة.

______________________________

(21) لما مرّ من أنّ المستفاد من معتبرة الكناسي أنّ غير المدرك لا يبلغ تأديبه تأديب البالغين حدّا كان أو تعزيراً و التعبير بالأحوط لعدم جزمه بهذا الاستظهار.

و أمّا أنّ الاكتفاء بستّة أو خمسة أحوط منه فلموافقتها لخبر حمّاد الذي عمل به الشيخ و يحيي بن سعيد، و اللّٰه العالم.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.